د. هيا إبراهيم الجوهر

ترتبط كلمة الذهب بكل ما هو نفيس، فهو المعدن الذي لا يصدأ ولا يتحلل. واليوم، هو سلاح دولي تستخدمه الدول لمواجهة التحديات الاقتصادية التي تنذر بأزمة مالية. احتياطي الذهب يعد مظلة أمان خلال الأوقات العصيبة والأوضاع الاقتصادية غير المستقرة، كما أنه مرتبط بالحكم والأمثال المتوارثة على مر العصور، ما يعزز الدور الفريد والمهم الذي يؤديه الذهب في حياتنا اليومية!

أفنى العلماء قديما حياتهم في البحث والتنقيب عن الذهب، ومحاولة اكتشاف طريقة تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب خالص، ليأتي كائن حي لا يرى بالعين المجردة، ويحول المواد السامة إلى ذهب عيار 34 قيراطا في غضون أيام، فما حكاية هذا الكائن؟ وكيف صنع ما عجز عنه البشر؟!

اكتشف الباحثون نوعا من البكتيريا يسمى "ميتاليديورانس كيوبرياڤيدس"، الذي يتمتع بقدرة عالية على العيش وسط تراكيز عالية من المعادن، إذ تستطيع العيش والتكاثر وسط تراكيز عالية من كلوريد الذهب أو الذهب السائل السام، وذلك بتحويله إلى ذهب خام، والعجيب أنها تصنعه كنوع من أنواع الدفاع عن النفس ولا يهمها قيمته اقتصاديا ولن تصنع منه عقدا تزين به جيدها!

فالبكتيريا الكائن الحي الوحيد على وجه الأرض الذي يستطيع العيش في جميع البيئات، وتحت أقسى الظروف حتى داخل الصخور. فلم تكن الحرارة الشديدة والملوحة العالية أو حتى المعادن الثقيلة يوما عائقا أمام نمو وازدهار بعض أنواعها!

تعيش بكتيريا الـ "ميتاليديورانس كيوبرياڤيدس"، في البيئات الغنية بالمعادن الثقيلة، وتمتاز بقدرتها على استهلاك المعادن السامة، لتبهرنا فيما بعد بمخرجات العملية الحيوية التي تكون على شكل شذرات نانوية من الذهب، حيث تقوم بتحويل جزيئات الذهب السائل السام الناتج عن تحطيم خامات الذهب القديمة المتكونة جيولوجيا إلى ذهب حقيقي، عندما تحاط البكتيريا بأيونات الذهب السامة الموجودة في الماء تطلق نوعا من أنواع البروتين يسمى "ديلفتيباكين أ“ يحول الأيونات السامة إلى جزيئات الذهب غير الضارة التي تشكل درعا واقية تحمي البكتيريا من الخارج!

ورغم أن كميات الذهب التي تنتجها قليلة وصغيرة جدا "نانوية" إلا أنها تفتح الآفاق أمام طرق أخرى لإنتاج الذهب واكتشاف مواقعه تحت الماء.
ولتخليد هذا الاكتشاف وعرضه على الناس قام الباحثون بعمل لوحة فنية هي أشبه بمعمل مصغر لإنتاج الذهب بوساطة الكيمياء الجرثومية، أكثر منها لوحة، وأسموها "العمل العظيم لعشاق المعادن"، عبارة عن لوحة مطلية بذهب أنتجته تلك البكتيريا، لتكون اللوحة عبارة عن مزيج مبتكر يجمع بين الفن والخيمياء الحديثة وعلم الأحياء المجهرية!