رئيس التحرير: طلعت علوي

البنوك الإسلامية في فلسطين و مشاكلها

الجمعة | 03/06/2005 - 04:13 مساءاً
البنوك الإسلامية في فلسطين و مشاكلها

 

 

 

 سري غانم
جامعة بيرزيت

 


البنوك الفلسطينية بشكل عام والإسلامية بشكل خاص حديثة النشأة لا يتجاوز عمرها العشر سنوات تقريبا ، وقد بدأت البنوك الإسلامية في فلسطين أعمالها بعد تأسيس سلطة النقد الفلسطينية عام 1995 وبعد أن سمحت اتفاقية باريس الاقتصادية الموقعة عام 1993 لسلطة النقد الفلسطينية بإعطاء تراخيص لإنشاء بنوك جديدة.
البنك الإسلامي هو مؤسسة مصرفية لتجميع الأموال وتوظيفها في نطاق الشريعة الإسلامية.

 

أن الهدف من إقامة البنك الإسلامي هو انه يقوم بتطبيق نظام مصرفي جديد يختلف عن غيره من النظم المصرفية القائمة في أنه يلتزم بالأحكام القطعية التي وردت في الشريعة الإسلامية في مجال المال والمعاملات.
تخضع الاستثمارات لعدد من التحديدات على رأسها ألا تستثمر الأموال إلا فيما ترضى عنه الشريعة وتبيحه، وأن تكون العمليات الوسيطة من تمويل أو تسويق أو توزيع داخلة جميعاً في دائرة الحلال، وأن تكون كذلك كل الخطوات الإجرائية من أجور إلى ساعات عمل... الخ داخل دائرا الحلال.

 

البنوك الإسلامية الفلسطينية:
البنوك الإسلامية في فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة محدودة وهي البنك الإسلامي العربي والذي تأسس عام 1995م والبنك الإسلامي الفلسطيني 1997م ويبلغ عدد فروع هذه البنوك في الضفة والقطاع  حوالي 20 فرع فقط .
بالإضافة إلى هذه البنوك يوجد شركة استثمارية تقوم على أساس الاستثمار حسب الشريعة الإسلامية هي شركة بيت المال الفلسطيني التي تأسست كشركة مساهمة عامة عام 1994 برأس مال قدره 10 مليون دينار أردني وقد أخذت بعض هذه البنوك تراخيص لفتح فروع أخرى في المناطق التي ليس لها تواجد فيها.

 

أسباب إقبال المودعين عليها:
السبب الذي يدفع للتعامل مع البنك الإسلامي،هو العامل الشرعي، فالبنوك الإسلامية لا تتعامل بالفوائد الربوية، بالإضافة إلى عدم فرض فوائد مركبة في حال تعثرت عملية دفع الأقساط الشهرية كما هو الحال في البنوك التجارية.

 

انتشار البنوك الإسلامية:
وانتشرت في الآونة الأخيرة في الأراضي الفلسطينية ظاهرة "البنوك الإسلامية"، ما دفع العديد من البنوك التقليدية إلى فتح فروع للمعاملات الإسلامية.
وفي الوقت الذي يؤكد فيه الكثيرون شعورهم "براحة الضمير" بالتعامل مع هذه البنوك، وأنها تقدم خدمة لعملائها تشابه بل وتتفوق في كثير من الأحيان على البنوك العادية، يشكك آخرون بوجود فروق بين النوعين، مشيرين إلى أن التوجه العام للمجتمع الفلسطيني حتم على بعض البنوك فتح أفرع إسلامية.

 

الاختلافات:
وبنسبة للفروق بين البنوك الإسلامية والتجارية، فإن الفرق الأساس والجوهري يتمثل في أن البنوك التجارية تعتمد مبدأ الفائدة المصرفية كأساس في تعاملاتها المالية، على عكس البنوك الإسلامية التي تعتمد على "المرابحة" و"المضاربة" و"المشاركة" و"التأجير التمويلي" و"الإجارة المنتهية بالتمليك" وغيرها من المبادئ التي أجازها الشرع.
وانه في حال تأخر المستفيد عن دفع الأقساط الشهرية، فإنه لا يمكنه أن يطلب من المستفيد فوائد أو مبلغا زائدا فوق الأقساط، على عكس البنوك التجارية التي تطلب فوائد على التأخير.

 

أنواع التمويل و الاستثمار:
نجد أن معظم أنواع التمويل والاستثمار في البنوك الإسلامية الفلسطينية يقوم على أربعة أنواع من العقود، هي المرابحة والتي تمثل أكثر من 90% من عمليات التمويل والاستثمار فيها، وذلك لقصر مدة التمويل وحاجة البنوك إلى السيولة، إضافة إلى عقود "المشاركة" و"المضاربة" و"الإيجارة".
كما أن هناك أنواعا من العقود مثل "المزارعة" و"الاستصناع" و"بيع السلم" و"بيع التوريد"، لكنها غير فعّالة في الوقت الراهن.

 

البنوك الإسلامية والاستثمار:
يتوجب على البنوك الإسلامية أولاً أن تثبت نفسها على الساحة المصرفية وذلك لكونها حديثة النشأة ، وذلك قبل الدخول في استثمارات طويلة الأجل ذات مخاطرة عالية، وبذلك فهي تركز اهتماماتها في الوقت الحاضر على التمويل قصير الأجل، وهذا لا يكون إلا في عقود المرابحة، في حين أن عقود المضاربة والمشاركة قليلة جدا، حيث بلغت نسبة إلى مجموع العقود في البنوك الإسلامية الفلسطينية 7% فقط، وأما عقود المرابحة فكانت نسبتها 92%.
واحتل قطاع النقل المرتبة الأولى في التعامل مع البنوك الإسلامية، وذلك لأن معظم تسهيلات هذه البنوك تذهب لتمويل شراء السيارات عن طريق المرابحة، يليها قطاع التجارة في المرتبة الثانية، ثم الإنشاءات والمرافق العامة والخدمات المالية.
ولم تحصل القطاعات الإنتاجية كالصناعة والزراعة والسياحة إلا على النذر اليسير، وهذا يتنافى مع فلسفة البنوك الإسلامية التي تقوم على أساس التمويل للقطاعات الإنتاجية، والتي تحجم البنوك التجارية عن تقديم التسهيلات لها.

 

الخدمات المصرفية الأخرى:
تقدم البنوك الإسلامية في فلسطين معظم الخدمات المصرفية التي تقدمها البنوك التجارية، مثل الحوالات المصرفية، تحصيل الشيكات، فتح الاعتمادات المستندية، إصدار الكفالات، تأجير الصناديق الحديدية،...الخ). بالإضافة إلى ذلك فإنها تقوم بتقديم بعض الخدمات الاجتماعية مثل القرض الحسن وصندوق الزكاة (صندوق يوضع به جزء من أرباح البنك قبل التوزيع). إلا أن قيمة "القروض الحسنة" ضئيلة للغاية وتستغلها بعض البنوك كنوع من الدعاية أكثر منه واقع ملموس. كذلك تقوم بعض البنوك بإدارة الممتلكات، ولكن على نطاق ضيق.

 

مشاكل و سلبيات البنوك الإسلامية في فلسطين:
من المآخذ التي يمكن أن تؤخذ على البنوك الإسلامية في فلسطين، مسألة ثبات نسبة المرابحة، وعدم تغيرها على غرار البنوك التجارية تحت مسمى "القسط المتناقص" مع ضرورة إيجاد مخرج شرعي. بالإضافة إلى أن البنوك الإسلامية في فلسطين هي بنوك محلية وليس لديها أفرع خارج فلسطين.
كما نلاحظ غياب التوجه الواضح لكيفية تعامل سلطة النقد الفلسطينية مع البنوك الإسلامية، حيث لا يوجد حالياً نظام خاص بالبنوك الإسلامية، وتقوم سلطة النقد في الوقت الحاضر بإعداد تعليمات ونظام المؤسسات المصرفية والذي يتعرض جزء منه لنشاطات البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية.إن عدم وجود قانون خاص بالبنوك الإسلامية يؤدي إلى معاملتها من قبل سلطة النقد معاملة متساوية مع البنوك التجارية، خاصة في حالة تأخر العميل عن السداد لمدة 3 أقساط، حيث يتوجب في هذه الحالة على البنك أن يضع مخصصات لدى سلطة النقد تعادل كامل الرصيد المتبقي (بما فيه الرصيد غير المستحق بعد). ونتيجة لهذه العوامل نرى بأن البنوك الإسلامية تحجم عن التمويل طويل الأجل وتقتصر على التمويل القصير.
و نجد ضعفا في الكادر البشري والموظفين، فمن خلال تعاملك مع بعض الموظفين لا تجد لديهم المعرفة الكافية بالفروق ما بين المرابحة والفائدة الربوية مثلا، و اعتقد أن سبب ذلك أن أغلبية الذين يعملون في البنوك الإسلامية كانوا في الأساس موظفين لدى البنوك التجارية.
و يشاع أن بعض المعاملات التي تنفذ من قبل بعض المؤسسات بعد موافقة هيئة رقابتها الشرعية، قد تكون غير شرعية أو مشكوك في صحتها، مما يضع المواطن في حيرة عندما يرى معاملة يوافق عليها من مؤسسة مالية إسلامية معينة وترفض من مؤسسة أخرى.
و من المآخذ أيضا تشدد البنوك الإسلامية في منح التمويلات والتعسف في طلب الضمانات، و تزعم البنوك أن ذلك يعود إلى غياب القانون وتردي الأوضاع الاقتصادية ، خاصة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 وما رافقها من تغييرات، إضافة إلى عدم التزام المستفيدين والعملاء بدفع الأقساط الشهرية المترتبة عليهم.
كما أن هناك العديد من الخدمات المصرفية المتطورة والحديثة التي لا تزال تفتقر إليها البنوك الإسلامية مثل: الخدمات الهاتفية، ربط الفروع مع بعضها البعض، بحيث يستطيع المودع السحب من أي مكان يتواجد فيه ودراسات الجدوى الاقتصادية، إدارة المحافظ الاستثمارية، الصناديق الاستثمارية الإسلامية. كما أن عدم توفر بنوك مراسلة إسلامية يضطرها للاعتماد على البنوك التجارية في بعض تعاملاتها كالحوالات والاعتمادات المستندية.

ونظراً لحداثة البنوك الإسلامية في فلسطين فلا يزال حجم الودائع لديها محدودا إلا أنه يتطور بشكل سريع. ورغم حداثتها إلا أنها استطاعت استقطاب الودائع من جمهور معين من المودعين، وهم بشكل عام أولئك اللذين لا يرغبون في التعامل مع البنوك التجارية بسبب الفائدة المحرمة التي تدفعها أو تأخذها هذه البنوك. ويتوقع أن يزداد الدور الذي ستلعبه هذه البنوك في تجميع المدخرات خلال السنوات القادمة خاصة إذا استطاعت الانتشار في كافة المدن والأرياف الفلسطينية.
كما أن العديد من الخدمات المصرفية المتطورة والحديثة التي ما تزال تفتقر إليها البنوك الإسلامية.. أهمها عدم ربط الفروع مع بعضها البعض، بحيث يستطيع المودع السحب من أي مكان يتواجد فيه، كما أن عدم توفر بنوك مراسلة إسلامية يضطرها للاعتماد على البنوك التجارية في بعض تعاملاتها كالحوالات والاعتمادات المستندية.

و من أهم المشاكل الأوضاع السياسية الحالية حيث تلعب الأوضاع السياسية المضطربة دوراً مزاجياً في قيام المؤسسة المالية الإسلامية بدورها الفعال في حالة التزام المؤسسة بتنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية في معاملاتها، وابتعادها عن الفساد والشبهات ودعمها للمشاريع التي توفر فرص عمل ودعم الاقتصاد الوطني. فإننا نجد العقوبات والصعوبات توضع أمام هذه المؤسسة كما حدث لبنك الأقصى الإسلامي حيث تم تأخير افتتاحه ومنعت عنه المقاصة ومنع رئيس وبعض أعضاء مجلس إدارته من الدخول إلى الأراضي الفلسطينية. ومع كل ذلك استطاع البنك أن يحقق إنجازات وقام بتمويلات وفرت العديد من فرص العمل، ووقف بجانب المواطن في أصعب الظروف الاقتصادية.
وأكثر ما يواجه هذه الأنواع من البنوك في فلسطين المراقبة الحثيثة المفروضة عليها من جهات عدة، فهناك تشديد دولي على مراقبة التحويلات المالية التي تفرضها بعض الدول تحت ذريعة ما يسمى "تجفيف المنابع المالية الداعمة للإرهاب".

 

دور البنوك الإسلامية في دعم الاقتصاد الفلسطيني:
إن جميع أموال واستثمارات ومشاريع البنوك الإسلامية هي داخل الأراضي الفلسطينية، بعكس البنوك الأخرى التي تركز على الاستثمار في الخارج، كما أن البنوك الإسلامية تساهم في تقديم القروض المالية للمواطنين من أجل البدء في مشاريع استثمارية.

 

في النهاية نستنتج أن البنوك الإسلامية الفلسطينية، وإن كانت حديثة النشأة، إلا أنها تطورت بشكل سريع خلال السنوات الماضية، واستطاعت أن تجتذب ودائع لا بأس بها مقارنة مع البنوك الأخرى.
كما أنها، وإن كانت لا تستطيع منافسة بعض البنوك العربية الكبيرة، إلا أنها في وضع تنافسي جيد مع البنوك المحلية.
كما استطاعت البنوك الإسلامية في فلسطين أن تثبت نفسها على الساحة المصرفية، وانتشرت في معظم المدن الفلسطينية، وزادت موجداتها واستثماراتها بشكل كبير خلال السنوات الماضية.

التعليـــقات