رئيس التحرير: طلعت علوي

تأثر الأسر في الشرق الأوسط بارتفاع أسعار الغذاء العالمية

الأحد | 15/10/2017 - 10:13 صباحاً
تأثر الأسر في الشرق الأوسط بارتفاع أسعار الغذاء العالمية

إيلينا إيانتشوفيتشينا

 

 

هناك اعتقاد شائع أن المستهلكين في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا محصنون إلى حد كبير ضد ارتفاع أسعار الغذاء العالمية بفضل الدعم الحكومي للغذاء وسياسات أخرى. وربما يفسر هذا السبب في أن طبعة نيسان (أبريل) من تقرير البنك الدولي عن متابعة أسعار الغذاء، وعديد من الدراسات الأخرى المتعلقة بهذا الموضوع، لم تشر إلى تغير أسعار الغذاء المحلية في أي من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كذلك كانت الإمكانية المحدودة للحصول على بيانات الاقتصاد الجزئي سببا آخر للتركيز على نحو رئيس على مدلولات الاقتصاد الكلي فيما يتعلق بصدمات أسعار الغذاء في المنطقة.


ويظل غياب المتابعة المنهجية لتحركات أسعار الغذاء المحلية وتحليل مدلولاتها على الأسر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أمرا مثيرا للدهشة. وقد احتل الأمن الغذائي صدارة المناقشات التي تناولت السياسات العامة في الوقت الذي يعتقد فيه البعض أن ارتفاع أسعار الغذاء كان من العوامل المساعدة في الاضطرابات الأخيرة بالمنطقة. فمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي أكبر مستورد في العالم للقمح الذي تضاعفت أسعاره منذ نهاية عام 2005. وزادت معدلات سوء التغذية؛ إذ يعيش عدد كبير من الناس عند خط الفقر. ولا تتأثر أسعار الغذاء المحلية بالأسعار العالمية فقط، بل أيضا بعدد من العوامل المتعلقة بكل بلد على حدة، ومن بينها، على سبيل المثال لا الحصر، كفاءة سلسلة الإمداد المحلية والبنية الأساسية وسعر الصرف. ومع الزيادة الكبيرة والمستمرة في الأسعار العالمية لطائفة كبيرة من السلع الغذائية والمقترنة بسرعة تنامي الطلب المحلي على الغذاء، أصبح بعض بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يواجه ضغوطا مالية وتضخمية متزايدة.


وشهدت كل بلدان المنطقة تقريبا زيادة في أسعار الغذاء المحلية إذ بلغ متوسط هذه الزيادة في كل بلد نحو 40 في المائة منذ كانون الثاني (يناير) 2007. والأهم هو أن الضغوط على المالية العامة تتباين من بلد إلى آخر إذ يشكل الإنفاق على دعم السلع الغذائية في بعض منها نحو 3.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. وقد حاولت أغلب بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ ثمانينيات القرن الماضي إصلاح أنظمة دعم السلع الغذائية الاستهلاكية لديها، بيد أن بعض الحكومات أحرزت في هذا الصدد نجاحا أكبر مما حققته أخرى. فإجراءات من قبيل الاستهداف الذاتي، وزيادة الأسعار خلسة، وترشيد الدعم واستبداله بتحويلات نقدية، نجحت في تخفيف عبء الدعم من على كاهل الحكومات. لكن عديدا من الحكومات الأخرى أخفق، بل إن الإصلاحات انتكست في بعض الحالات تحت الضغط الشعبي. وكانت النتيجة إصلاحات جزئية مع استمرار كل بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تقديم الدعم لأسعار بعض السلع الاستهلاكية على الأقل. في الوقت نفسه تخفق بعض برامج الإعانة الاجتماعية في توجيه مواردها إلى المحتاجين بالشكل اللائق.


ووجد تقريرنا الحديث عن التطورات والآفاق الاقتصادية أن الأسر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا معرضة بالفعل وعلى نحو كبير للتأثر بأسعار الغذاء العالمية، وأيضا بعديد من أوجه القصور في الأسواق المحلية. وقد انتقلت الصدمات الناجمة عن ارتفاع أسعار الغذاء العالمية بدرجات متفاوتة إلى أسعار السلع الغذائية المحلية في كل بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تقريبا. ولوحظت أقوى الآثار التي انسحبت على أسعار الغذاء (فوق 0.4) في مناطق الضفة الغربية وغزة والعراق وجيبوتي ومصر والإمارات. وكان هذا التأثر أقل، لكنه يظل كبيرا ـــ بما يراوح بين 0.2 و0.4 ـــ في باقي بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وكانت الجزائر وتونس استثناء من ذلك، حيث ساعدت السياسات الحكومية، بما في ذلك سياسات الدعم، في حمايتهما بفاعلية من الإصابة بعدوى ارتفاع الأسعار. والأهم أنه في جميع البلدان، قلما يساعد تراجع أسعار الغذاء العالمية على انخفاض في أسعار الغذاء المحلية.


ويظهر تقرير التطورات والآفاق الاقتصادية أن ارتفاع أسعار الغذاء العالمية كان عاملا رئيسا وراء الزيادة في أسعار الغذاء المحلية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو ما يفسر التباين الذي يراوح بين 20 و30 في المائة في هذه الأسعار. وكانت الأسعار العالمية على وجه الخصوص محركا قويا لتضخم أسعار الغذاء في العراق والضفة الغربية وغزة، حيث تسببت في ارتفاع أسعار الأغذية 50 في المائة، وتلتها مصر وجيبوتي والإمارات التي يعد ارتفاع أسعار الغذاء العالمية مسؤولا عن 40 في المائة من ارتفاع الأسعار فيها. كما لعبت عوامل محلية أخرى دورا رئيسا في تفسير التضخم الذي شهدته أسعار الغذاء المحلية في كل بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومن هذه العوامل أساليب التوريد الجامدة، وسوء الخدمات اللوجستية، والممارسات القاصرة للتخزين، وعدم كفاية الأدوات المالية، وأساليب التخطيط.


ما تظهره هذه الأرقام لنا هو أن مختلف البلدان يمكن أن تخفف الضغوط الناجمة عن أسعار الغذاء على نحو كبير من خلال معالجة القضايا المحلية ورفع العبء عن المالية العامة وذلك بتحسين توجيه هذا الدعم، وغير ذلك من السياسات الأخرى المتعلقة باستهلاك الغذاء. لكن أي جهود تتعلق بالسياسات ينبغي بالطبع أن تتسم بالحساسية تجاه الحقائق السياسية والاقتصادية ومنها: أن تنقيح عملية توجيه الدعم للفقراء سيؤدي بالضرورة إلى تدعيم نقل الزيادة في الأسعار إلى من هم أفضل حالا. وأمام السلطات اليوم تحد خاص يتمثل في زيادة تقبل من يملكون القدرة على الدفع لمسألة تحويل الضغوط السعرية إليهم. وتؤكد النتائج أهمية المتابعة المنتظمة لأسعار الغذاء المحلية وإعداد تقارير عن تطورها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

التعليـــقات