رئيس التحرير: طلعت علوي

الاستثمار في السندات والمؤشرات الاقتصادية

السبت | 21/07/2018 - 11:31 صباحاً
الاستثمار في السندات والمؤشرات الاقتصادية

كلمة الاقتصادية

منذ بدأت الولايات المتحدة في نشر البيانات الخاصة بالمستثمرين في سندات الخزانة الأمريكية، وجد هذا الموضوع اهتماما واسعا من قبل كثير من المؤسسات التمويلية في العالم، وأصبح أحد أهم المؤشرات الاقتصادية العالمية، التي تقدم تنبؤات جيدة عن حالة الاقتصاد العالمي، وتوجهات الاستثمار، فكلما ساد التفاؤل بين دول العالم حول النمو الاقتصادي، اتجهت هذه الدول إلى شراء السندات والتخلص من الذهب. وكلما ساد التشاؤم اتجهت الأسواق إلى التخلص من هذه السندات، ولهذا فإن المراكز العالمية في هذا الاستثمار مهمة، وتقدم معلومات لا يمكن الاستغناء عنها.

وقد وجدت سندات الخزانة الأمريكية هذا الوضع المثالي؛ لأنها تعد - حتى الآن على الأقل - من أكثر المنافذ الاستثمارية أمنا، والسبب في ذلك يعود إلى قدرة الاقتصاد الأمريكي على سداد مستحقات هذه السندات من ناحية العوائد أو من ناحية مواعيد السداد، ولهذا فإن الدول تتسابق في الحصول على حصة أكبر من هذه السندات، فهي على كل حال تظل أفضل من الاستثمار في الذهب لما تتمع به من عوائد سنوية تدعم خطط التنمية في البلاد، وذلك على عكس الذهب، الذي لا يدر مثل تلك العوائد، وإن كان مخزنا وملاذا آمنا للثروة. ومن خلال قراءة البيانات التي نشرتها الولايات المتحدة عن وضع الاستثمارات العالمية في سندات الخزانة، نجد المملكة ترفع من مركزها الاستثماري؛ حيث احتلت السعودية المرتبة الـ 11 بين كبار المستثمرين في سندات وأذون الخزانة الأمريكية، في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، برصيد 145.2 مليار دولار، مقابل المركز الـ 12 في أيلول (سبتمبر) من العام نفسه برصيد يبلغ 136.7 مليار دولار.

وهذا له دلالات كثيرة، فالمملكة وفقا لـ "رؤية المملكة 2030" تبذل جهدا كبيرا في رفع العوائد الاستثمارية لها حول العالم، ما يسهم بشكل واضح في دعم المالية العامة، وتنويع مصادر الدخل، بدلا من الاعتماد على النفط بشكل أساسي، وهذا ظهر بجلاء ووضوح في موازنة العام المالي الحالي؛ حيث توقعت الموازنة العامة أن يتم تمويل نصف المصروفات من خلال الإيرادات غير الحكومية، وبما أن المملكة تستثمر حتى الآن في أكثر من 145 مليار دولار في سندات الخزانة الأمريكية، التي بلغت العوائد فيها ما يقارب (2.5 في المائة) مع اختلاف العائد حسب أجل كل سند أو إذن، فإننا أمام مبلغ قد يقارب 3.5 مليار دولار سنويا؛ أي بما يزيد على 13 مليار ريال، وهذا عائد مهم، ويدعم بشكل كبير المالية العامة للدولة، كما أنه يؤكد أهمية تنويع الاستثمارات في مجالات عدة، ويؤكد بشكل جلي استقرار المالية العامة وقدرتها على مواجهة تقلبات النفط، فمن المعلوم أن سندات الخزانة الأمريكية تقوم بدور توازن في الاقتصاد العالمي، فعند هروب الاستثمارات من النفط، تتجه إلى العوائد المستقرة، وهي السندات، وعندما تخرج من الملاذات الآمنة تتجه أولا إلى العوائد الثابتة، ولهذا فإن عوائد هذه السندات قادرة على مقابلة جزء من التناقص في عوائد النفط، وهكذا بشأن الاستثمارات الأخرى التي يقودها صندوق الاستثمارات العامة، فالهدف منها جميعا بتنوعها هو مقابلة تناقص عوائد النفط، وهذا يمنح الاقتصاد السعودي استقرارا، ويمنح خطط التنمية استدامة حقيقية، وليس مجرد ردات فعل لتقلبات أسواق النفط بما يسميها المجتمع "الطفرات".

وإضافة إلى قدرة المملكة على بناء موازنة عامة أكثر استقرارا وتوازنا خلال مدد طويلة، فإن الاستثمار في السندات يمنحنا أيضا مراقبة جادة للحالة الاقتصادية العالمية، من خلال تغير المراكز في هذه السندات. فقد جاءت المملكة في المركز الـ11، وذلك بعد كل من الصين، واليابان، وإيرلندا، والبرازيل، وجزر الكايمان، وسويسرا، والمملكة المتحدة، ولوكسمبورج، وهونج كونج، وتايوان، فيما تجاوزت الهند التي كانت تسبقها سابقا، فأي تغير في المراكز بسبب زيادة الاستثمار يؤكد الاستقرار العالمي أكثر، ويمنحنا قراءة سريعة للتوقعات، وأي تغير سبب الانسحاب أو البيع يقدم معلومات أخرى لا تقل أهمية، وهكذا فإن على مؤسسة النقد ووزارة المالية قراءة هذه التغيرات بدقة، وتقديم تقارير أكثر تفصيلا لما لها من تأثيرات اقتصادية داخلية.

©جريدة العرب الاقتصادية الدولية

التعليـــقات