رئيس التحرير: طلعت علوي

اقتصاد في مهب الريح

الأربعاء | 05/07/2017 - 10:56 مساءاً
اقتصاد في مهب الريح

أيمن زغير

 


عزيزي القارئ، أود أن أشرح قليلًا عن ما وصل إليه اقتصادنا من حالة مزرية كبيرة نتيجة السياسات المنفتحة لاستيراد غير مُرشّد من قبل الهيئات المسؤولة في الوطن، مما أدى إلى حالة الإغراق التي نعانيها جميعًا. فأصبحت البضائع بلا قيمة، والقيمة سوقية حسب ما يفرضه واقع السوق المشبع من بضائع بأضعاف احتياجاته، وأصبحت السلعة تُباع بأقل من سعرها في المنشأ وهذه هي قمة الخطورة في الإغراق الذي نعانيه.


ولهذا نناشد أصحاب القرار باتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية هذا السوق من زيادة الانهيار، ووضع حد لهذا الاستيراد غير المُرشّد من قبل الدولة، والعمل على إيجاد حلول تحول دون زيادة الانحدار في تدمير أسواقنا، فالضرر عائد حاليًا على الجميع دون استثناء، وما يحدث هو حماية المستورد قبل المصنّع الذي اضطر إلى إغلاق مصنعه نتيجة هذه الأمور. ونقول لأصحاب القرار ارحموا المواطن قبل أن تفقدوه.


البنوك والقروض والشيكات
أصدر رئيس الوزراء الفلسطيني السابق الدكتور سلام فياض قراره في العام ٢٠٠٧ بمنع البنوك الأردنية تحويل ودائع الضفة الغربية إلى الأردن حينها على أساس أن تبقى هذه الودائع داعمًا لاقتصاد البلاد، مما ألزم هذه البنوك فتح باب القروض حيث إن هذه البنوك أصبحت مجبرة على إقراض نصف هذه الودائع حسب القانون المصرفي الذي يقيدهم بذلك. ومن هنا بدأ البحث عن الشريحة المناسبة لهذا الإقراض فوجدت أنّ الموظف هو الشريحة الأنسب لهذا الموضوع لأنه مكفول براتب ثابت ومضمون من قبل الحكومة وتقل المخاطرة معه عن التاجر.
بدأت البنوك تقديم العروض التي تتجاوز أحلام الموظّف بامتلاك سيارة أو بيت بتقسيط طويل الأمد ونسوا أن غالبية الموظفين بالكاد يعيشون حياة متوسطة.
عندما غرق الموظف بهذه القروض، بدأت تظهر معالم نقص السيولة النقدية في الأسواق بشكل تدريجي وتراكمي مع سيطرة كاملة للبنوك على النقد، وأصبحت أكثر من ٦٠ في المئة من رواتب الموظفين تتكدّس في البنوك، وحُرم منها السوق كما كانت في السابق.


ومن هنا بدأ التراجع النسبي في وضع السوق، وارتفعت نسبة تداول الشيكات في الأسواق، وازداد حجم الفراغ في السيولة تدريجيًا، إضافة إلى طول مدة صرف هذه الشيكات في كل قطاع من قطاعات العمل في الوطن، كلٌ حسب معطيات الوضع الذي يحكمه. وعلى سبيل المثال؛ أصبحت شيكات الأحذية والألبسة تمتد إلى سنة ونصف السنة من استلام البضائع، وإلى حوالي أربعة أشهر في أسواق الخضار التي لم تعرف يومًا ما التعامل بهذا الورق المسمى بـ"الفراغ" حسب تسميته في علم الاقتصاد.
تفاقمت مشكلة الشيكات المتداولة بين الناس، وأصبحت من أكثر القضايا تداولًا في المحاكم بسبب إعادتها بلا رصيد "شيكات راجعة"، وعجز أصحابها عن الوفاء بمبالغها نتيجة التراجع الاقتصادي في البلاد، وأضف إلى ذلك ضعف الإجراءات القانونية الحازمة بهذا الشأن، الأمر الذي أدى إلى تأزّم الأمور إلى حدود لا يمكن تحمّلها في الأسواق، وارتفع مستوى انعدام الثقة بين التجار.
ونتيجة لما سبق، أصبحنا نسمع دائمًا بارتفاع نسبة أرباح البنوك، وذلك لأن المعادلة تقتضي وجود طرفين في السوق "رابح وخاسر"، ولهذا أصبحت أرباح البنوك المتزايدة على حساب خسائر السوق والتجار في البلاد.
ونهيب بأصحاب المسؤولية مراجعة حساباتهم ودراساتهم الاقتصادية لواقع هذا السوق، وتبنّي سياسات جديدة تعالج ما وصلنا إليه، وتفعيل دور المحاكم لتضطلع أيضًا بمسؤولياتها في البلاد، ومساعدة قطاع التجار في الحصول على حقوقهم؛ لأن التراكمات أصبحت أكبر من قدرتهم على التحمّل نتيجة الكمّ الهائل من الشيكات الراجعة لديهم.


غسيل الأموال
هذا الموضوع له حساسية خاصّة لكثير من الجهات، ويرتبط بالانقسام بين شطري الوطن، ولا نريد الخوض في السياسة، ولكن لا بد من توضيح بعض الأمور التي نتجت عن هذا الانقسام البغيض الذي دفع ثمنه المواطن الفلسطيني من كل جوانبه رغم قناعتي أنّ هناك اتجاهات ربما لا تستسيغ الحديث في هذا الموضوع.
في مسألة غسيل الأموال، فهذه نقود لن أقول إنها غير شرعية، ولكن سهولة الحصول عليها بالنسبه للمستفيدين منها تسبّبت في ضعضعة كبيرة لوضع السوق، وتتنوع مصادر هذه الأموال.


كيف تؤثر هذه الأموال على وضع السوق؟
١- عملت أطراف متعددة في التجارة بهذه الأموال واستيراد بضائع من الخارج وبيعها في الأسواق المحلية, والمشكله تمثلت بأن من يجلب هذه البضائع لديه استعداد ببيعها بسعر التكلفة إن لم يكن أقل، وذلك بسبب أنّ له ربحًا إضافيًا وهو كبير من عائد هذه الأموال المستقدمة، وهذا ما عاد بالأثر السلبي على التاجر المستثمر في هذه القطاعات، وأدى إلى حرمانه من حصته الحقيقيّة في الأرباح التي كان يجنيها من وراء تجارته، هذا إن لم يصل إلى حدود الخسارة في معظم الأحيان.
٢- تسببت هذه الأموال بارتفاع أسعار العقارات في الوطن إلى أضعاف كثيرة عن قيمتها؛ لأن أصحاب هذا المال معنيون بإخفاء أموالهم في العقارات، فهي عامل أمان أكثر لهم من إبقاء المال في البنوك، فأصبح لا يهمهم السعر الذي يشترون به العقارات، مما فرض واقع الارتفاع غير الطبيعي في الوطن.
٣- عمل غسيل الأموال على إثراء فئة بسيطة في المجتمع وزاد من تحكم هذه الفئة في كثير من الأمور الاقتصادية على حساب التجار أصحاب العلاقة الطبيعية في أسواقنا.
ولا أريد التوسّع أكثر في هذا الأمر، وربما لأسباب كثيرة ولحساسيته الكبيرة، ولكن ما سبق وأوردته هو من أهم حقائق هذا الموضوع، ولن أناشد أحدًا في هذا السياق، لأن الأمر تقريبًا مكشوف للمسؤولين وأكتفي بأن يكون موضوع توعية لمن يهمه أمر هذا الوطن.

 

wattan.tv

التعليـــقات