رئيس التحرير: طلعت علوي

مصارف المنطقة ... إنجازات وتحديات

الثلاثاء | 23/01/2018 - 08:38 صباحاً
مصارف المنطقة ... إنجازات وتحديات

عدنان أحمد يوسف

 

في مطلع كل عام، نتوقف، كعادتنا، مع إطلالة على القضايا التي تواجه المصارف الخليجية والعربية، وتوقعاتنا لأداء هذه المصارف. ونحن اعتدنا طوال فترة ما بعد الأزمة العالمية عام 2008 أي منذ نحو عشر سنوات، أن نشيد بأداء هذه المصارف، وقد يعتبرنا البعض متفائلين بهذا الجانب. لكننا قلنا منذ البداية أننا نقر بتأثر هذه المصارف بالأوضاع الاقتصادية والمالية الإقليمية والعالمية المحيطة، لكن درجة الأخطار التي تتعرض لها ليست بالحجم الذي تتعرض له المصارف في الغرب، لأن أداء المصارف العربية عموماً اتسم بالتركيز على اقتصاداتها الوطنية لا المضاربات في استثمارات عالمية أو مشتقات مالية. وقد ثبتت صحة هذه الرؤية على مدار السنوات الماضية حاذ أننا لم نشهد انهيار أي من المصارف العربية كما جرى في الغرب.

ومع مطلع العام الحالي، تشير غالبية التوقعات، سواء الصادرة من المؤسسات الاقتصادية والمالية العالمية أو عن مؤسسات متخصصة عربية، إلى اتجاه الأوضاع الاقتصادية في الدول العربية نحو التحسن، ما يعني تعافي مناخ الأعمال أمام المصارف العربية، بخاصة أن هذه المصارف استطاعت استيعاب معظم نتائج دورة الركود الاقتصادي خلال الفترة الماضية والتكيف معها. لكن هذا لا ينفي بقاء ضغوطات السيولة وأخطار تدهور جودة الديون هذه السنة وما بعدها، إلى جانب تحديات تطبيق المعيار المحاسبي العالمي 9 والامتثال للقوانين الدولية مثل «فاتكا» ومعيار الإبلاغ المشترك ومتطلبات البنوك المراسلة و»بازل3»، وغيرها.

على صعيد الاقتصادات العربية، من المتوقع أن تشهد تحسناً وأن يبلغ متوسط معدل النمو 3.1 في المئة هذه السنة، ليرتفع معه الناتج العربي إلى نحو 2.8 تريليون دولار، على رغم وجود قدر من الضبابية بشأن الأوضاع الجيوسياسية في المنطقة، وسعر النفط الذي أخذ بالتحسن، مع ضرورة التريث في الحكم على مدى ثبات مسار هذا التحسن. وتدعو «المؤسسة العربية لضمان الاستثمار»، الدول العربية للاستفادة من النمو المتوقع في حجم التدفقات الاستثمارية العالمية خصوصاً مع جهود تحسين المناخ التشريعي والإجرائي في بعض الدول، فضلاً عن تحسن ترتيب عدد من الدول في تقرير ممارسة نشاطات الأعمال الصادر عن البنك الدولي.

أما في ما يخص المصارف العربية، فأننا نتوقع أن يكون نموها معتدلاً، ليقترب إجمالي أصولها من مستوى 3.5 تريليون دولار، بينما ترتفع الودائع إلى 2.3 تريليون دولار والتمويلات إلى 1.9 تريليون دولار. وتبين هذه الأرقام أهمية الدور الذي يلعبه القطاع المصرفي العربي في تمويل الاقتصاد العربي، لكننا ندعو في الوقت ذاته لمزيد من التعاون بين المصارف العربية في مواجهة التحديات المشتركة، وعليها أن تبادر لدعم تشبيك الاقتصاد العربي كي تعزز معاملاتها البينية. كما أن البنوك المركزية مدعوة لمواصلة جهودها نحو تطوير بنية تحتية ونظم سليمة وفعالة للدفع والتسويات، ما يدعم سلامة القطاع المالي وقدرته على الحد من الأخطار النظامية، ما يعزز الشمول المالي ويساهم في النمو الاقتصادي.

وفي ما يخص الاقتصادات الخليجية، وعلى رغم أن توقعات المؤسسات الدولية تشير إلى نموها بحدود 2 – 2.5 في المئة هذه السنة، فنحن نتوقع ألا يقل عن 3 في المئة لأن معظم تلك التوقعات كانت مبنية على سعر للبترول في حدود 50 – 60 دولاراً البرميل. ومع الإصلاحات المالية والاقتصادية الجاري تنفيذها، فأن القطاع غير النفطي سيلعب دوراً أكبر في النمو ويتجاوز حاجز الـ3 في المئة. كما أن المشاريع الرئيسية مثل برنامج التحول الوطني السعودي ومعرض «إكسبو» 2020 في الإمارات، من شأنها أن تدعم نمو الإنفاق الرأسمالي والائتمان المصرفي المنتظر نموه بنسبة 5 في المئة.

لذلك، نلاحظ أن معظم وكالات التصنيف الدولية أبقت على نظرتها المستقبلية المستقرة للمصارف الخليجية، والتي تعكس بشكل عام قوة الأسس المالية لهذه المصارف بما يعزز قدرتها على مواجهة التحديات وتحقيق ربحية. ويشير تقرير لوكالة «موديز» إلى أن الأخطار الجيوسياسية والمالية، على رغم اعتبارها تحدياً للقطاع المصرفي الخليجي، فإن قوة الاقتصاد في دول الخليج توازن تلك الأخطار، إذ تقدر حجم الأصول المصرفية لدول مجلس التعاون الخليجي بنحو 2.04 تريليون دولار.

وكما ذكرنا آنفاً، هناك الكثير من التحديات التي تواجه المصارف الخليجية مثل السيولة وجودة الديون في محافظها، والامتثال لمتطلبات البنوك المراسلة، وقانون الامتثال الضريبي الأميركي ونسخته الأوروبية. لكن يظل من أبرز التحديات، تلك المرتبطة بارتفاع كلفة الأخطار نتيجة بدء تطبيق المعيار التاسع من المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية. مع ذلك، نعتقد أن المخصصات العامة التي جمعتها البنوك الخليجية في السنوات الأخيرة تساعد على تسهيل الانتقال إلى المعيار المحاسبي الجديد.

ونظراً إلى حجم موازنة المصارف الخليجية والعربية الذي يفوق حجم إجمالي الناتج المحلي الإجمالي الخليجي والعربي، يمكن القول إن هذه البنوك تمثل أهمية كبيرة جداً بالنسبة للاقتصادات الخليجية والعربية، والإصلاحات الجارية فيها. لذلك وفي ظل التطورات السياسية والاقتصادية الراهنة في عدد من البلاد العربية والعالم، بخاصة في ما يتعلق بأوضاع الإيرادات النفطية وتزايد الدعوات لترشيد الإنفاق، تقع على عاتق المصارف الخليجية والعربية هذه السنة مسؤولية القيام بمزيد من المساهمة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية في مجتمعاتها، والتوسع في تمويل برامج الإنفاق الحكومي في مجال البنية التحتية والإسكان والتعليم، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتمويلها، وتوفير الوظائف ورفع مستوى التعاون الاقتصادي عبر تمويل مشترك للمشاريع الاستثمارية المشتركة في القطاعين الخاص والعام. كم أنها مدعوة لمواصلة دورها في توفير الاستقرار المالي للبيئة الاقتصادية الآخذة في التعافي في الدول الخليجية والعربية، وتعزيز الشمول المالي كي تطاول ثمار التعافي أكبر الفئات الممكنة من المجتمع والأعمال.

التعليـــقات