رئيس التحرير: طلعت علوي

أضواء على الصحافة الإسرائيلية 19-20 حزيران 2015

السبت | 20/06/2015 - 02:28 مساءاً
أضواء على الصحافة الإسرائيلية 19-20 حزيران 2015

قتل شاب يهودي واصابة اخر في منطقة دير بزيع

تناولت مواقع الاخبار الالكترونية العملية التي استهدفت شابين يهوديين بالقرب من قرية دير بزيع، ظهر يوم الجمعة، والتي اسفرت عن قتل داني غونين من مدينة اللد (25 عاما) واصابة آخر بجراح متوسطة. وحسب ما نشرته المواقع فقد وصل داني ورفيقه الى منطقة الينابيع القريبة من مستوطنة دوليب، لكنهما قررا المغادرة، بعد مشاهدتهما للكثير من العرب هناك، حسب افادة مستوطن من دوليب قال ان الشابين اتصلا به وابلغاه ذلك قبل الحادث.

وحسب ضابط في الجيش الاسرائيلي فقد اعترض فلسطيني سيارة الشابين اثناء خروجهما من منطقة العين، واطلق عليهما النار بواسطة مسدس من مسافة قصيرة، ثم لاذ بالفرار، كما يبدو الى القرية القريبة دير بزيع. وقامت قوات من الجيش بتمشيط المنطقة بحثا عنه.

ونشر موقع المستوطنين ان ضابطا اسرائيليا رفيعا في قيادة قطاع الضفة الغربية قال ان العملية كانت كما يبدو عملية منفردة ولا علاقة لها بشهر رمضان. ونفى الضابط ان يكون الجيش قد تلقى أي معلومات استخبارية مسبقة حول الحادث، واعتبر ما نشر بهذا الصدد مجرد شائعات. وقال انه لن يتم حاليا اجراء أي تغيير في النظم التي تم تحديدها لشهر رمضان.

وعقب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على صفحته في الفيس بوك، مساء الجمعة، على الحادث، وكتب ان "الدلائل تشير الى ان الحادث الذي وقع بالقرب من مستوطنة دوليف، هو عملية ارهابية، ونحن نعمل للكشف عن منفذها. يمنع ان يضللنا الهدوء النسبي الناجم عن عمليات الاحباط الكثيرة، محاولات التعرض لنا تتواصل طوال الوقت، وسنواصل محاربتها بكل الوسائل".

وقال رئيس الدولة رؤوبين ريفلين ان "هذه العملية هي حلقة اخرى في سلسلة التصعيد الهادئ للارهاب الذي نشهده في الأشهر الأخيرة. لن نسلم بواقع يفقد فيه سائح شاب حياته في ارض اسرائيل بسبب يهوديته. من المناسب ان نسمع شجبا حاسما لهذا العمل من قبل القيادة العربية التي تتحمل المسؤولية عن الاعمال الارهابية التي تخرج من اراضيها، وكذلك من قادة الجمهور العربي في اسرائيل".

وحسب موقع "هآرتس" فقد اثنى حسام بدران، من حركة حماس، على العملية وقال "اننا نرحب بالعملية البطولية التي وقعت في اول يوم جمعة من شهر رمضان، ونشد على ايدي منفذها دون أي علاقة بانتمائه التنظيمي".  وحسب اقواله فان "الاحتلال يتوهم اذا كان يعتقد انه يمكنه توقع رد الشعب الفلسطيني في الضفة، سواء كان الحديث عن عملية منفردة او عمليات للمقاومة المنظمة".

الفلسطيينون سيسلمون لمحكمة لاهاي ادلة تسمح بالتحقيق ضد إسرائيل

كتبت "يسرائيل هيوم" انه من المتوقع ان تتسلم محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، الأسبوع القادم، ملف ادلة يشمل معلومات تسمح، ظاهرا، بفتح تحقيق رسمي ضد إسرائيل، حسب ما قاله عماد حجازي، المسؤول في وزارة الخارجية الفلسطينية لوكالة الانباء الفرنسية.

ويدعي حجازي ان الادلة ستشمل معلومات حول "الاعتقالات العشوائية التي تنفذها إسرائيل" ومعطيات تبين "السهولة غير المحتملة لقتل الفلسطينيين بأيدي إسرائيل". وكانت محكمة الجنايات الدولية قد اعلنت في كانون الثاني انها فتحت تحقيقا في احداث الجرف الصامد، لفحص ما اذا كانت هناك ادلة تبرر فتح اجراءات قضائية ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

نتنياهو يهاجم الامين العام للامم المتحدة

كتب موقع "واللا" ان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو هاجم تصريحات الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الذي دعا إسرائيل الى العمل من اجل حماية ارواح الاطفال الفلسطينيين خلال النزاع الحربي بينها وبين الفلسطينيين. وقال نتنياهو انه "بدلا من الاشارة الى حقيقة قيام حماس بتحويل اولاد غزة الى رهائن عندما اطلق النار من داخل رياض الاطفال على اسرائيل، وحفر الانفاق الارهابية باتجاه رياض الاطفال الإسرائيلية، تختار الامم المتحدة  مرة اخرى وعظ اسرائيل على الاخلاق. ويتضح انه لا حدود للنفاق".

وكان مون قد صرح خلال نقاش خاص في الامم المتحدة حول اوضاع الاطفال في مناطق النزاع ان "السنة الأخيرة كانت اكثر سنة رهيبة بالنسبة للاطفال في الدول التي تشهد نزاعات. انا قلق بشكل خاص من معاناة الكثير من الاطفال جراء الحملات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة في العام الماضي". واضاف: "اطالب اسرائيل باتخاذ خطوات عملية وفورية، بما في ذلك فحص السياسة والنظم القائمة، من اجل حماية الاطفال ومنع قتلهم والمس بهم، واحترام الحماية الخاصة التي تستحقها المدارس والمستشفيات".

"عريقات يوصي بالغاء الاعتراف باسرائيل"

كتب موقع المستوطنين ان عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، ورئيس طاقم المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، اوصى القيادة الفلسطينية بالغاء اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل. وجاءت توصية عريقات هذه، الى جانب توصيات اخرى، تضمنتها وثيقة قدمها مؤخرا الى المجلس الثوري لمنظمة التحرير. وادعى عريقات ان "كل اعتراف يجب ان يكون متبادلا بين فلسطين واسرائيل". واعرب عن معارضته لاي اقتراح دولي يعترف بإسرائيل كدولة يهودية ويبقي على قوات اسرائيلية على امتداد نهر الاردن، ويمس بالسيادة الفلسطينية. والى جانب ذلك دعم عريقات ضم حماس والجهاد الإسلامي الى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واعتبار المجلس الوطني الفلسطيني برلمانا لدولة فلسطين ودعم النضال الشعبي ومقاطعة المستوطنات.

ليبرمان يطالب بمنع تمويل الاحزاب الداعمة للمقاطعة

ذكرت "يسرائيل هيوم" ان رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" افيغدور ليبرمان طرح على طاولة الكنيست، مشروع قرار يدعو الى منع تمويل الاحزاب التي يؤيد احد اعضائها مقاطعة اسرائيل او يشجع على مقاطعة إسرائيل وبضائعها. وجاء قرار ليبرمان تقديم هذا المشروع على خلفية اعلان القائمة المشتركة وميرتس عن دعمهما للمقاطعة، والتصريحات التي ادلى بها النائب باسل غطاس تأييدا للمقاطعة.

وكتب ليبرمان في تبريره للقانون انه "مقابل الصراع الذي تخوضه إسرائيل ضد المقاطعة وفرض عقوبات عليها والمس المالي من قبل دول وتنظيمات دولية ومعادية لإسرائيل من المناسب ان لا تمول الدولة الاحزاب والكتل التي تدعو الى المقاطعة او تؤيدها. لا شك ان الدعوة للمقاطعة تمس بإسرائيل ومواطنيها، وعندما تخرج من بيت المشرعين تتضاعف خطورتها وتكون اضرارها اكبر من ضرر امثالها في العالم. ليس من المنطقي ان يمول مواطنو اسرائيل من ضرائبهم اولئك الذين يدعون الى المس بلقمة عيش المواطنين وباقتصاد الدولة".

احراق 17 مسجدا وكنيسة منذ 2011 دون تقديم احد الى القضاء

كتبت صحيفة "هآرتس" انه يسود التكهن بان احراق كنيسة الطابغة على ضفاف طبريا، ليلة الخميس، تم على خلفية اعمال الكراهية. واشارت الى ان احراق كنيسة الطابغة ينضم الى 17 مسجد وكنيسة تم احراقها منذ عام 2011.

وردت الكنيسة الكاثوليكية بلهجة شديدة على العملية وقالت مصادر في الكنيسة لصحيفة "هآرتس" انها تعتبر هذا الاعتداء استمرارا للعدوان المتواصل على الاماكن المقدسة للمسيحيين في السنوات الأخيرة والتي "لم يتم التعامل معها كما يجب من قبل الحكومة الاسرائيلية وجهات تطبيق القانون". وقالوا انه تم تحويل تقرير عن الاعتداء الى الفاتيكان.

وقال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الخميس، ان "احراق الكنيسة الرهيب هو اعتداء علينا جميعا. حرية العبادة في اسرائيل هي احدى الاسس في قيمنا ويحميها القانون. سنقوم بتقديم المسؤولين عن هذه الجريمة النكراء إلى العدالة. لا مكان في مجتمعنا للكراهية والتعصب". وتحدث نتانياهو في اعقاب الحادث مع رئيس الشاباك يورام كوهين، وطلب منه اجراء تحقيق عاجل في احراق الكنيسة، حسب ما ذكره ديوان رئيس الوزراء.

وكتب موقع "واللا" ان وفدا من نواب "المعسكر الصهيوني" وصل يوم الجمعة الى الكنيسة للاحتجاج على الاعتداء الذي تعرضت له ليلة الخميس. ومن بين النواب الذين وصلوا الى الكنيسة، تسيبي ليفني وميراب ميخائيلي وزهير بهلول وعمر بارليف.

وقالت ليفني "لقد جئنا الى هنا اليوم لأن واجبنا ليس اصدار بيانات شجب فقط. المشاهد والروائح الصعبة المنبعثة من الكنيسة والكتب المحروقة على الأرض تثبت الى أي حد تساهم اجواء الخوف والتحريض على الاقليات، والتي شهدناها في معركة الانتخابات الأخيرة ايضا، في خلق تربة خصبة وخطيرة لمثل هذا العمل. وهذا ما يجب مواصلة محاربته".

وتطرقت عضو الكنيست ميراف ميخائيلي الى الشجب الواسع للحادث وقالت انه يجب العمل ضد منفذي الاعتداء. "لقد نجح عدد من المتطرفين بتوحيد المجتمع الاسرائيلي من اليمين واليسار في شجب هذا العمل المنحط والرهيب". وطالبت ميخائيلي الشرطة والشاباك بعدم السماح بمرور هذا الاعتداء الرهيب بدون عقاب.

يشار الى ان جهات من اليمين واليسار استنكرت هذا الاعتداء، ووصف وزير الأمن الداخلي غلعاد اردان الاعتداء بأنه "عمل جبان ومنحط". وقال انه تحدث مع قائد المنطقة الشمالية في الشرطة وطلب منه منح الاولوية للتحقيق في هذا الحادث.

وذكرت "هآرتس" انه طرأ خلال الشهور الأولى من عام 2014 ارتفاع بنسبة 200% تقريبا في عدد جرائم الكراهية التي نسبت الى رجال اليمين المتطرف، لكنه لم يتم حتى اليوم الكشف عن منفذي غالبية هذه الجرائم، ولم يتم تقديم الغالبية الى القضاء.

نتنياهو رفض شجب تهجم اورن على اوباما

كتبت "يديعوت احرونوت" انه في اعقاب ادعاء السفير الإسرائيلي السابق في الولايات المتحدة، عضو الكنيست مايكل اورن، بأن الرئيس الامريكي براك اوباما، تخلى عن اسرائيل، توجه السفير الامريكي دان شبيرو الى رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو طالبا منه التحفظ من تصريح اورن، لكنه قوبل بالرفض. وقد اثار اورن في مقالته التي نشرها في صحيفة "وول ستريت جورنال" عاصفة دبلوماسية.

وشجب السفير الامريكي اقوال اورن وتوجه الى عدد من المسؤولين الاسرائيليين الكبار طالبا نفيهم لما كتبه اورن. ونتيجة لذلك نشر وزير المالية، موشيه كحلون، الذي ينتمي اورن الى حزبه، رسالة يعلن فيها ان اقوال اورن لا تمثل مواقف الحزب. اما رئيس الحكومة فرفض التحفظ، كما رفض ديوانه امس التعقيب على الموضوع.

وفي اعقاب ذلك تدخلت وزارة الخارجية الامريكية في الموضوع ونشرت بيانا باسم الوزير جون كيري يعتبر فيه اورن تلفظ بهذه التصريحات فقط "لأنه سياسي يحاول تسويق كتاب". واضاف البيان ان "ادعاءات اورن ليست صحيحة بتاتا، وعندما شغل منصب سفير لبلاده كان اطلاعه على الاتصالات الدبلوماسية بين إسرائيل والولايات المتحدة صغيرا".

مقالات وتقارير

يجب مساعدة الدروز

تكتب "هآرتس" في افتتاحيتها الرئيسية، ان تفكك الدولة السورية في السنوات الاربع الاخيرة يضع امام اسرائيل سلسلة من المشاكل. وفي الاسابيع الاخيرة يعتمل في المرجل المتفجر الخطر على الطائفة الدرزية. ويفرض الخوف على مصير عشرات الاف الدروز، مواطني سوريا، على اسرائيل قرارات مركبة، في محيط مشبع بعدم اليقين ويخضع لانعطافات سريعة.

اسرائيل، التي تتباهى بكونها يهودية وديمقراطية، منحت لمواطنيها الدروز مكانة شبيهة باليهود. وبعد عقود من التمييز الفظ، أيضا في الاجهزة الامنية، ازيلت حواجز الترقية في المراتب العسكرية، ووصل ضباط دروز أكفاء في الجيش الاسرائيلي وفي الشرطة وفي مصلحة السجون الى مناصب رفيعة ورتب الجنرالات وألوية في الشرطة وفي السجون. ووجد الكثير من الدروز في الخدمة الامنية، على فروعها، هدفا ومصدر رزق. ومؤخرا فقط تجرأ رئيس الاركان، الفريق غادي آيزنكوت على اعادة النظر في جدوى الوجود المنفصل للكتيبة الدرزية، وقرر حلها ودمج جنودها في كل وحدات الجيش.

عندما فرضت اسرائيل سلطتها وادارتها على هضبة الجولان، أجبرت سكانها الدروز، الذين ينتمون الى القومية السورية، على تسلم الجنسية الاسرائيلية. واثارت هذه الخطوة هياجا تبددت مظاهره الخارجية، لكن دلائله لا تزال قائمة. وبعد أشهر قليلة من الضم الفعلي للجولان اجتاحت اسرائيل لبنان، في تحالف مع الكتائب الذين اصطدموا بالدروز بقيادة عائلة جنبلاط. واحتج ضباط دروز في الجيش الاسرائيلي وهددوا بمساعدة ابناء طائفتهم، اذا ما تجاوزت اسرائيل افعال الكتائب.

ويقف ادراك هذه الخلفية في مركز التردد الاسرائيلي الحالي، مع وصول التقارير عن خطر ارتكاب مذبحة بحق الدروز في المحافظات المختلفة في سوريا. وحتى الان يخيل أن الخط المتوازن لايزنكوت يوجه السياسة الاسرائيلية: الحذر من التحمس الزائد للتدخل العسكري، وتشجيع جهات اخرى (الولايات المتحدة، الاردن) على تحمل العبء الأساسي، ولكن الاستعداد في المقابل للتدخل لانقاذ الدروز من المذبحة.

لا يمكن لاسرائيل الوقوف جانبا وتجاهل هذه المأساة الانسانية. استيعاب اعداد هائلة من اللاجئين السوريين لا يتوقف على دول المنطقة، مثل تركيا، الاردن ولبنان، فحسب، انما تتحمل هذا العبء دول اوروبية ايضا. ويتحتم على اسرائيل تقديم المساعدة، سواء بالتبرعات الانسانية، العلاج الطبي، بل وبالاستيعاب المؤقت والمحدود للاجئين الدروز، الفلسطينيين والسوريين. مثل هذه المساعدة لن تجعل اسرائيل شريكة في الحرب ولن يحدد سابقة، إذ أن اسرائيل سبق واستوعبت في الماضي مضطهدين من دول مختلفة. وفي نفس الوقت فان هذا سيذكر العالم بالقيم الاساسية للدولة.

لسنا مسؤولين عن هذه الحرب

يكتب يوسي سريد في "هآرتس" ان وزير الأمن قرر قبل أيام قليلة احياء مراسم رسمية سنوية، لذكرى قتلى عملية "الجرف الصامد". هذا لطيف للغاية من جانب بوغي (يعلون): انه يتذكرهم، كما يتذكرونه بالتأكيد. هذا هو المتبع لدينا: كل جنرال مجيد يخلد ذكرى اولئك الذين ضحوا بحياتهم من أجل مجده، فهم فقط سيرسخون ميراث حربه من جيل إلى جيل.

وها هو الاثبات على ذلك: قبل عدة ايام فقط، بدأوا باحياء الذكرى التاسعة لحرب لبنان الثانية، لكنه لم يكلف أي وزير نفسه عناء المشاركة، ولا حتى وزير الأمن الحالي، لأن تلك الحرب لم تكن حربه، وانحصر دوره في اعداد الجيش استعدادا لها، وبعد ذلك اتضح ان الجيش لم يكن مستعدا كما يجب، ولذلك فانه اذا خاطر الوزير وحضر المراسم، فربما يذكرونه بذلك، فلماذا يفعل ذلك اذن. فليذهب ايهود اولمرت وعمير بيرتس ودان حالوتس، وليلقوا خطابات الرثاء. اما الحكومة الحالية فمعفية من ذلك.

فقط "حربي الخاصة" كانت وستكون "الحرب الاكثر مبررة وعادلة". هي وحدها التي جلبت الهدوء الى البلاد طوال 40 سنة على الاقل، وكل الحروب الاخرى ستكون من نصيب القتلى وعائلاتهم لوحدهم. من سيتطوع الآن للبروز في حضوره عندما يحيون سرا ذكرى مرور 35 عاما على حرب لبنان الأولى. هل سيكون هناك من يخطئ ويفكر بأنه كان لأيدي بيبي وبوغي دور في الجريمة البشعة، وانهم كانوا الأوغاد؛ من المفضل التغيب اذن،  سيوصيهم "كل مستشار استراتيجي" بذلك. واذا كان الأمر كذلك، الم يحن الوقت للتساؤل: لمن هذه الحروب، يا للجحيم، ولماذا يتم تناسيها ان كانت ناجحة فعلا، ولماذا يتذكرها فقط الاهالي وبعض الاصدقاء.

حرب لبنان الاولى كانت حرب كارثية. اباؤها كلهم اصبحوا في القبور – رئيس الحكومة الذي مات في شيخوخة سيئة، وزير الأمن الذي اصيب باغماء لم يقم منه، وقائد اركان اخذه البحر. في الأسبوع الماضي كشف ارشيف الجيش الاسرائيلي "الأمر الأصلي للحملة": "الانضمام الى القوات المسيحية في منطقة بيروت وتدمير الجيش السوري في لبنان والانتشار على طريق بيروت – دمشق".

الآن يسمح بكشف كل ما كان يعرفه من ارادوا المعرفة منذ اليوم الاول للحرب، منذ الكيلومتر الأول: مناحيم بيغن واريئيل شارون ورفائيل ايتان – المحتالون الثلاثة الذين خدعوا عمدا الجمهور وممثليه وكان الرأي العام ساذجا الى حد لا يصدق. وطالما لم يكن بامكانكم مسح بقع الدماء عن القميص المقلم، لا تحاولوا غسل كلماتي: نعم، محتالون، وانا كنت احد الذين حاول "رفاقنا" التعساء حثهم على التصويت الى جانب الحرب.

عندما وقف بيغن في الكنيست والتزم "بوقف الحرب بعد 48 ساعة و-40 كلم"، كذب علينا وعلى العالم. عملية "سلامة الجليل" لم تهدف الى "منع اطلاق الصواريخ على الحدود الشمالية"، لأنه ساد الهدوء هناك طوال تسعة أشهر، ولم تكن في سبيل سداد الدين من منظمة التحرير على محاولة اغتيال سفير إسرائيل في لندن، لأن من حاول اغتيال شلومو ارغوب هو ابو نضال – العدو اللدود لعرفات،  ولم يكن هدفها تلقين الشيعة درسا، وانما اجتثاث منظمة تحرير فلسطين نهائيا، كي تموت معها "القضية الفلسطينية". "سلامة الجليل" لم تكن الا حرب "الضفة الغربية وغزة"، ضمان لترسيخ الاحتلال.

الان فقط يتم كشف كل الحقيقة عن كامل الاكاذيب: اكاذيب فوق اكاذيب، ولاجلها يموت الابطال – 1800 جندي خلال 18 سنة، ومن يريد تذكرهم والتذكير بهم بسبب خطايانا الكثيرة. هكذا يخرجون هنا الى الحروب – في تلك الأيام وفي هذه الايام – وحتى في ايامنا يتوحد كل شعب إسرائيل وينهض لتخليص نفسه. "فليتذكر شعب اسرائيل ابنائه وبناته" وألا ينسى بالمناسبة ذاتها قادته الذين بفضلهم "سنحزن على الشبان البالغين". انتظروا الأرشيفات التي سيتم فتحها بعد 30 سنة، وعندها ستفهمون من هم الذين دعمتموهم قبل سنة.

الحصار على الدروز: الجيش يستعد لامكانية استيعاب اللاجئين وتفعيل القوة الجوية

يكتب عاموس هرئيل في "هآرتس" ان قرية الخضر الدرزية، التي تقع على مسافة مرمى حجر تقريبا من حدود اسرائيل في هضبة الجولان، احتلت هذا الاسبوع مركز القلق لنحو 130 الف درزي في اسرائيل. فمنذ بداية الاسبوع يتواجد نحو 12 الف درزي سوري يسكنون القرية، في عين العاصفة. ويوم الاثنين قتل اثنان من الجنود في الجيش السوري – ممن خدموا في الاستحكام العسكري قرب الخضر – قائدهما الدرزي وفرا الى صفوف منظمة المتمردين المتطرفة، جبهة النصرة. وفي اليوم التالي استولت منظمات المتمردين السُنة على تلال تشرف على القرية وسيطروا على موقعين للجيش السوري، بعد أن طردوا منهما جنود النظام. بعض قذائف الهاون التي اطلقها المتمردون على مواقع الجيش سقطت في اطراف القرية، فقتلت طفلة درزية وجرح نحو عشرة من السكان.

لم يكن الموقعان اللذان تم احتلالهما من القواعد العسكرية الكبيرة، وانما مواقع سيطرة أمامية لمواقع السيطرة الأساسية للجيش السوري، والتي يعرف كل جندي مشاة في الجيش الاسرائيلي منذ عشرات السنين مناورة السيطرة عليها. الاحداث في قرية الخضر تشكل بالكاد مؤشرا هامشيا على الرادار، حين يجري الحديث عن الصورة الكبرى للحرب الاهلية في سوريا، حيث يذبح الاف الناس في كل شهر وتحول الملايين الى لاجئين –لا يعرف احد متى، هذا اذا كان ممكنا على الاطلاق، سيعودون الى بيوتهم. ولكن الموقعين اللذين تم احتلالهما يقعان على مسافة كيلو متر ونصف او كيلو مترين من الخضر، القرية التي تظهر المعارك الجارية حولها بشكل واضح من القرى الدرزية في الجانب الاسرائيلي من الجولان، لا سيما من مواقع الجيش الاسرائيلي في جبل الشيخ.

بعد احتلال الموقعين، أنهى المتمردون عمليا حصار الخضر. ولا يزال الآن طريق ترابي، غير مستخدم، يربط القرية باتجاه الغرب، عبر المنطقة الفاصلة نحو الحدود مع اسرائيل. كما يوجد طريق آخر، يعتبر السفر عليه الان بالغ الخطورة، وهو يؤدي الى الشمال الشرقي باتجاه دمشق. حاليا، لا يتقدم المتمردون نحو القرية نفسها، ومن الممكن انهم يعرفون حقيقة وجود الكثير من حملة السلاح في الخضر، الذين يستعدون هذه الايام للدفاع عن عائلاتهم. ويمكن الافتراض بان التحذيرات الاسرائيلية حققت مفعولها في هذه الاثناء. فمن خلال الاتصالات مع بعض الميليشيات المحلية في الجولان السوري، والتي تجرى اساسا حول نقل الجرحى والعلاج في مستشفيات البلاد، تم التوضيح بان اسرائيل لن تقف على الحياد اذا ما جرت محاولة لاحتلال القرية.

ولكن هذه الرسائل بعيدة عن أن تهدئ من روع الدروز في اسرائيل. فبالنسبة لهم، ان المسافة بين المتمردين في المواقع الجديدة التي استولوا عليها وبين القرية تعكس حجم الخطر؛ بين اخوانهم في الخضر وبين المذبحة لا تفصل سوى ساعة او ساعتين – وهو المصير الذي سبق وشهده ابناء الاقليات في سوريا على ايدي فصائل سنية متطرفة كالنصرة او داعش. والمسألة كلها تتوقف على قرار. لقد صرح زعيم النصرة، محمد الجولاني، مؤخرا بانه عندما ستدخل منظمته الى القرى الدرزية فانه سيطلب من سكانها الدخول في الاسلام. "واذا رفضوا، فسنتعامل معهم حسب الشريعة"، حسب قوله. والرسالة واضحة بالنسبة للدروز: من يرفض تغيير دينه، سيتم اعدامه. هكذا كان مصير نحو عشرين من رجال الدين الدروز الذين قتلهم مسلحو النصرة في قرية تقع في محافظة ادلب في شمال سوريا، في بداية الشهر.

الخطر في الخضر هو صيغة مصغرة للدراما الاكبر التي تجري في جبل الدروز، موقع اقامة معظم الدروز في سوريا، قرب الحدود مع الاردن. فقد أتاح انهيار المنظومة العسكرية للأسد في المنطقة تقدم رجال داعش نحو منطقة الجبل من الغرب. ومن الشرق. وفي هذه المرحلة يبدو ان وعود الولايات المتحدة والاردن بمساعدة الدروز في الجبل، الى جانب ما يمكن بان يتبين كمصاعب تنظيمية للمتمردين في ضوء حملة تستدعي زخما عسكريا كبيرا، لا تزال تبعد الدروز عن الكارثة. ولكن اذا كان جبل الدروز يشكل رمزا، والمكان الاكثر اهمية لأبناء الطائفة في سوريا، فان اجتياح الخضر سيكون كغرس الاصبع في العين من ناحية ابناء الطائفة في البلاد، لأنه سيحدث بمحاذاة الحدود مع اسرائيل.

بين الخضر والقرى الدرزية الاربع في الجانب الاسرائيلي من الحدود تقوم علاقات عميقة. عندما احتل الجيش الاسرائيلي الجولان  في حرب الايام الستة بقيت الخضر خلف الحدود. ولكن على مدى بضعة اشهر، منذ حرب يوم الغفران وحتى اتفاق فصل القوات، كانت القرية بالذات تحت السيطرة الاسرائيلية. فالهجوم المضاد الذي قام به الجيش الاسرائيلي، بعد المفاجأة التي تلقاها من سوريا، شمل السيطرة على اراض خلف الحدود كانت من ضمنها الخضر. وقد اعيدت هذه الاراضي الى سوريا مع انسحاب الجيش الاسرائيلي.

في السنوات الاخيرة بذلت حكومة اسرائيل وقيادة الدروز في الجليل وفي الكرمل جهدا منسقا لتقريب الدروز في الجولان من اسرائيل. وكلما احتدم وضع الرئيس السوري بشار الاسد وكلما تورط في اعمال ذبح فظيعة، بدأ الدروز في الجولان الابتعاد عنه. ومن الصعب، مثلا، اليوم العثور على صورة للرئيس على حيطان المطاعم في مجدل شمس، الامر الذي كان منتشرا جدا حتى اندلاع الحرب الاهلية. ولكن حملة التضامن مع الدروز في سوريا تقودها الان الطائفة في اسرائيل. اما الدروز في مجدل شمس وبقعاثا فيحافظون بشكل عام على هدوء اعلامي.

كلما تعاظم الفزع عقب التقارير الواردة من الخضر، شددت القيادة السياسية في اسرائيل وكبار المسؤولين في الجيش الاسرائيلي من جهود التهدئة. فقد قال رئيس الاركان غادي آيزنكوت في الكنيست يوم الثلاثاء ان اسرائيل ستفعل كل ما في وسعها كي تمنع ذبح اللاجئين على حدودها. وفي اليوم التالي، كرر ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي قال "لقد وجهت تعليماتي لعمل كل ما يلزم". وفي اليوم ذاته تم ارسال ضابط كبير في قيادة المنطقة الشمالية لاطلاع الصحفيين على صورة الوضع. وقال انه "لا صحة  على الاطلاق للشائعات عن وقوع مذبحة، كانت هناك معلومات مغلوطة، لا يوجد عشرات الجرحى من الدروز ينتظرون العلاج قرب الجدار. وفي كل الاحوال، لا توجد لدينا أي نية لان نكون جزءا من القتال في سوريا".

تحاول سلسلة التصريحات هذه ايجاد التوازن بين قطبين متناقضين: فمن جهة، تلتزم اسرائيل، اخلاقيا وعلنيا، بما يسمى "حلف الدم" مع الدروز. ومن جهة اخرى فان التدخل العسكري لصالح الدروز سيشكل خروجا خطيرا عن الخط الحذر والمبرر الذي اتخذه نتنياهو على مدى اكثر من اربع سنوات من الحرب في سوريا، وبموجبه ينبغي على اسرائيل الامتناع قدر الامكان عن التورط في هذا المستنقع الموحل. ولكن يبدو في هذه الاثناء ان الرسائل لا تحقق غايتها. اخلاقيا، بدأ الكثير من الدروز يشككون بان هدف مصطلح "حلف الدم" كان دوما سفك الدم الدرزي دفاعا عن اليهود، ولكن ليس بالضرورة العكس. وعمليا، تم تفسير اقوال آيزنكوت والضابط الكبير الاخر كاعتراف غير مباشر بان الخضر قد تواجه الكارثة قريبا.

في بداية الاسبوع، شارك الالاف من سكان القرى الدرزية في مظاهرات احتجاجية. بل تم التبليغ عن اطلاق نار في الهواء في قرية او اثنتين، وهي ظاهرة اختفت من البلدات الدرزية منذ سنين. وبعد ظهر يوم الثلاثاء تظاهر سكان دروز من الجليل على الحدود. وتخوف الجيش والشرطة من فقدان السيطرة واعلنوا عن منطقة شمالي مجدل شمس منطقة عسكرية مغلقة. وفي الطائفة شرحوا ان معظم المتظاهرين الذين سعوا للوصول الى الجدار كانوا "فتيان التلال عندنا"، المتحمسون او العاطلين عن العمل. ومهما يكن الامر، فقد حقق اغلاق المنطقة مفعوله. المتظاهرون لم يأتوا وتم فتح المنطقة من جديد.

بدأ الشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في اسرائيل، مؤخرا، الحديث علانية عن شدة الخطر. وفي مقابلة مع اذاعة الجيش هذا الاسبوع ادلى بتصريحات قاسية. وادعى انه اذا لم يتدخل الجيش في صالح الدروز في الخضر فمن المتوقع حدوث مذبحة هناك. وقال: "اسرائيل، كما كانت دوما، تراهن على الجانب غير الصحيح في المواجهة في سوريا. في الماضي ساعدت اسرائيل حزب الله وحماس على النمو، والان ترتكب نفس الخطأ مع منظمات المتمردين كجبهة النصرة". ولخص طريف قائلا: هناك امكانيتان فقط: مساعدة الدروز او المذبحة.

وسبق هذا التصريح العلني سلسلة لقاءات عقدها طريف في الاشهر الاخيرة مع مسؤولين كبار في اسرائيل حول الوضع في سوريا. فقد اجتمع مع رئيس الدولة، رئيس الوزراء، رئيس الاركان وقائد المنطقة الشمالية. وفي اللقاءات مع الضباط سمع ان سلاح الجو يمكنه أن يوقف تقدم المتمردين نحو الخضر، عند الحاجة من خلال القصف، ولكن هذا منوط بتلقي التعليمات من فوق.

يشدد الدروز على خطر المذبحة على خلفية دينية ويقارنون ذلك بالقلق الذي يشعر به اليهود في اسرائيل ازاء العمليات ضد اليهود في الخارج. طوال الحرب في سوريا، قتل، حسب بعض المصادر، قرابة 2.000 جندي درزي في جيش الاسد، ولكن هذا اعتبر جزء من ثمن الحرب، وحتى عندما قتل اربعة شبان دروز من منطقة الخضر في هجوم لسلاح الجو على الحدود عند محاولتهم زرع عبوة ناسفة هناك بتكليف من حزب الله في بداية ايار، لم يحتج الدروز في اسرائيل. أما الان، فالقصة مختلفة: الملاحقة متعمدة والخطر يحدق بالدروز كطائفة وكدين – ومن هنا يأتي احساس التضامن الكبير وما يرافقه من فزع.

زعيم الطائفة الدرزية ورجاله يعرفون السيناريوهات التي يستعد لها الجيش الاسرائيلي، من استيعاب سريع للاجئين وتوسيع المستشفى الميداني المقام على الحدود، وحتى التدخل العسكري بواسطة سلاح الجو. حاليا، ورغم تصريحاتهم الحازمة، فانهم لا يزالون يثقون بأن قيادة الدولة ستقوم بالعمل المناسب في نظرهم، عند الحاجة. ولكن على الرغم من الادراك بأن التقارير التي تحدثت عن مذبحة في الخضر هذا الاسبوع كانت شائعة عابثة، الا انه من الصعب الاستخفاف بمخاوف الدروز. فمثل كثير من الامور الاخرى في سوريا، يتعلق مصير القرية المحاصرة بشعرة.

يمكن لحدوث تغيير حاسم في الوضع، ان يضع اسرائيل في معضلة فورية من حيث التدخل العسكري المحلي، ومن شأن ذلك ان يحدث في غضون ساعات. ولذلك، فان التصريحات الاخيرة للمسؤولين في جهاز الامن عن وضعنا الاستراتيجي المحسن في الشمال تبدو مبسطة ومبالغ فيها بعض الشيء. صحيح ان الوضع جيد، نسبيا، حتى صباح اليوم. لكنه لا يوجد أي ضمان بأن يكون الامر هكذا غدا أو في الاسبوع القادم.

تحقيقات الجرف الصامد – في الجيش يتخوفون من قيام السياسيين بالقاء الضباط طعما للكلاب.

يكتب امير اورن في "هآرتس" ان الصراع الإسرائيلي ضد تقرير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى حول سقوط الضحايا المدنيين في عملية "الجرف الصامد" ليست هي القصة الحقيقية. فالجانب المثير في المواجهة على حلبة القانون الدولي هو الجانب الداخلي، الجيش الإسرائيلي ضد الذين الى جانبه (الشاباك) والذين من فوقه (الحكومة)، عندما يشتبه بارتكاب جرائم حرب - اين تتوقف المسؤولية، أي من هم المسؤولين الذين قد يتعرضون للاعتقال عند وصولهم إلى المطارات الأجنبية. هل هي الخلية العليا في سلسلة القيادة العسكرية - أو السياسية، لأن الحكومة هي القائد الأعلى للجيش، ويضم مركز القيادة أيضا ممثلين عن القيادة السياسية.

ما كان يكفي في فترة غولدشتاين لم يعد يكفي في فترة غولدستون. في التحقيق الذي جرى حول المذبحة التي نفذها النقيب في الجيش باروخ غولدشتاين في الحرم الابراهيمي، بسلاحه وزيه العسكري، عالجت اسرائيل القضية في الداخل. وتركها العالم وتجاوز ادعاء القائد العام للجيش ايهود براك، في حينه، بأن الدولة وجيشها "ضربهم الرعد في يوم صاف". لم يكن هناك راصد ولم يتم شجب مسؤول. مسألة داخلية، تماما كما حدث في مذبحة كفر قاسم في عام 1956. لكن هذا الامر لم يعد قائما: فالقرن الحادي والعشرين يتميز بالتدقيق العميق على شاكلة عمل لجنة ريتشارد غولدستون.

ما ان انتهت مسألة غولدستون حتى جاءت قضية اسطول مرمرة: وبطريقة نجحت في عمليات سابقة، كضربة مسبوقة، سارعت إسرائيل الى استباق امثال غولدستون والتحقيق مع ذاتها من خلال لجنة محلية، وان تم تعزيزها بمراقبين خارجيين مناصرين (وحصلوا على مقابل جيد كما تم توثيق ذلك في معطيات نشرتها دائرة المشتريات الحكومية). فالفحص الداخلي يتم التعامل معه كحصانة امام التحقيق الخارجي، بل يجعله زائدا.

لقد قامت لجنة القاضي يعقوب تيركل بعمل اساسي. وبعد فحص احداث مرمرة وجوانبها القضائية والعسكرية، توجهت لنفض الغبار عن مسائل عسكرية اوسع. ومن اجل توضيح توصيات اللجنة الـ18، تم تعيين طاقم برئاسة المحامي د. يوسي تشاحنوبر، المدير العام السابق لوزارة الخارجية والمستشار القضائي للجهاز الامني، ومعه نائبي المستشار القضائي للحكومة راز نزري (المختص بالقانون الجنائي) ود. روعي شايندروف (المختص بالقانون الدولي)، بالإضافة الى ممثل الجيش هرتسي ليفي، والعميد (احتياط) المحامي راحيل دوليف من النيابة العسكرية (واستبدلها مستشار الشاباك القانوني ورئيس قسم التحقيقات، في المسائل التي تتعلق بعمل الشاباك).

لقد تمزق النائب العسكري العام بين قائديه - رئيس الأركان والمستشار القانوني – وكان مقيدا في جمع المعلومات حول جرائم الحرب في اطار التحقيق العسكري، أيضا لأن تحويل من تم الاستيضاح منهم الى جهات خاضعة للتحقيق سيجعلهم يصمتون، وسيتشاورون مع المحامين ويمتنعون عن تجريم انفسهم. لقد تأخر انتهاء الطاقم من العمل لفترة طويلة، ظاهريا بسبب انتخابات الكنيست، وعمليا بسبب خلافات عينية بين الجهات الممثلة في الطاقم. والأهم من ذلك كله: هل سيقوم الساسة مرة اخرى بالقاء الجيش طعما للكلاب، حسب ما قاله ضابط كبير. ويسارع الضابط مضيفا: "هذا لن يساعدهم، لأن تنفيذ تقرير تيركل يهدف الى منح إسرائيل بوليصة تأمين، وإذا تهربت الحكومة من الدفع، فانها ستفقد التأمين. لا أحد في العالم يعتقد ان قائد المنطقة الجنوبية او رئيس الاركان يتحملان المسؤولية عن العملية في غزة أو ان قائد المنطقة الوسطى، وليس وزير الدفاع والحكومة، هو حقا صاحب السيادة في الخليل ونابلس، وان الجيش الإسرائيلي استيقظ هكذا عبثا في الصباح وبدأ العمل، وان القيادة السياسية يمكنها أن تغسل اياديها. في عملية التصديق على العمليات والمهام، في الاوقات الروتينية والطارئة، تجر الادارة الصغيرة المسؤولية الكبيرة".

قبل اسبوع وزع المستشار القضائي للبنتاغون، ستيفن بريستون، دليل القانون الدولي على اذرع الجيش الامريكي وقادته وجنوده. ووقع بريستون على مجلد يضم 1200 صفحة، يشمل ايضا، الكثير من التجارب الإسرائيلية في محاربة الارهاب، والاوامر الاستثنائية بالتحقيق مع المشبوهين واصابة المدنيين الابرياء. في احد الفصول المثيرة في الوثيقة، يتعامل البنتاغون مع المسؤولية القيادية للقيادة المسؤولة عن الجيش. من جهة، هذا اطار لعمليات الاحباط المركز للمسؤولين الكبار، الذين ربما يتم ايضا تجاوزهم من خلال الطموح الى التبادلية – القادة على استعداد لقتل اعدائهم، لكنهم لا يسارعون الى الموت في المقابل – وفي سبيل "التأكد من الحفاظ على سلطة تملك صلاحية التوقيع على اتفاق سلام". ومن جهة اخرى، يوجد هنا تحديد للمسؤولية العليا عن جرائم الحرب، تماما حتى ديوان الرئيس الامريكي، وفي الاستعارة، رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزرائه.

حسب وثيقة البنتاغون يعتبر القادة اهداف مشروعة للهجوم –بالنار وبالاتهام ايضا- اذا تواجدوا على رأس القيادة العسكرية او السيطرة على القوات العسكرية. "مثلا، بصفته القائد الاعلى للقوات الامريكية سيكون الرئيس الامريكي هدفا مشروعا في الحرب، ومثله رئيس الحكومة في سلطة رسمية. والامر لا يسري على رؤساء الدول الذين يتولون مناصب رمزية في الأساس". أي ان براك اوباما وديفيد كميرون وفلاديمير بوتين وفرانسوا هولاند وبنيامين نتنياهو، يتحملون المسؤولية، اما اليزابيث الثانية ورؤوبين ريفلين فلا.

بالاضافة الى ذلك تشمل قائمة الاهداف المشروعة "القادة الشركاء في تخطيط العمليات او التصديق عليها". وفي حالة اسرائيل، المقصود وزير الأمن، اعضاء اللجنة الوزارية للشؤون الامنية، وربما كل اعضاء الحكومة. من الواضح ان وثيقة البنتاغون لا تلزم اسرائيل، لكنه يمكن الاستنتاج من الموقف المطروح فيها ما الذي سيقوله الامريكيون لاسرائيل اذا ادعت في لاهاي او أي اطار آخر يناقش ارتكاب جرائم حرب، ان المسؤولية تتوقف عند الجيش. هل سيتم التخلي عن قائد لواء قصف مجمعا مدنيا، او طيارا حربيا قصفه حسب معلومات استخبارية وفرها الشاباك وصودق عليها من قبل القيادة العليا، من الكتيبة (او من قبل رئيس التشكيل الجوي) وحتى الحكومة، او انهم سيجلسون معه على مقاعد المتهمين، وربما يكون معهم مستشاروهم الذين شاركوا في المشاورات واضافوا توقيعهم الى اوامر التنفيذ.

لقد وجه تقرير تيركل الحكومة الى التأكد من انه تم في القانون الاسرائيلي استيعاب المنع المطلق في القانون الدولي، للتعذيب والتنكيل، وكذلك استيعاب المعايير الدولية لجرائم الحرب. في السنوات الأخيرة انشغل طاقم مهني في وزارة القضاء والنيابة العسكرية في تحديد اوامر القانون الجنائي الدولي ومقارنتها باوامر القانون الجنائي الاسرائيلي. وتم اعداد وثيقة عمل تضم مئات الصفحات ومسودات المذكرات القانونية لتشريع مخالفة التعذيب في قانون العقوبات وسن قانون جرائم ضد الانسانية او ابادة شعب، كجزء من سياسة منهجية او واسعة. حتى هنا الامر جيد، بل نبيل، ومن هنا، وكالعادة، يتمحور التخبط حول كيفية استثناء نتنياهو وترتيب اعفاء له من المسؤولية. الجيش يطالب بتسريع سن القانون مقابل تعديل مسؤولية الضباط والمسؤولين المدنيين.

وحسب ادعاء الضباط المطلعين على القضية، فان الفصل بين مسؤولية الضباط عن مسؤولية المسؤولين المدنيين هو فصل مصطنع يميز ضد القيادة العسكرية. انهم يطالبون بمعاملة متساوية. القانون الدولي يفرض مسؤولية خاصة على الضباط والمسؤولين المدنيين عن المخالفات الخاضعة لهم، بما في ذلك واجب اتخاذ التدابير لمنع خرق القانون والخطوات القيادية، التأديبية او الجنائية ضد من يخرقون الاوامر. لقد اوصت لجنة تيركل بتحميل المسؤولية الجنائية المباشرة عن المخالفات للمسؤولين والقادة عندما لا يتخذون اجراءات معقولة لمنع المخالفات او لم يحاكموا المسؤولين عن ارتكابها لدي معرفتهم الفعلية بوقوعها.

الضباط يريدون قراءة عبارة "مسؤولية جنائية" في القانون بدون اضافة كلمة "مباشرة" كي يتأكدوا من ان المسؤولية ستلقى ايضا على رجال الشاباك الذين زودوهم بالمعلومات، وعلى الوزراء، وتقليص أساس التجريم العقلي الى "المعرفة الفعلية".

هذا يعتبر صدى للتذمر العسكري في اعقاب تقرير لجنة "اغرانات" التي قطعت رؤوس رئيس الاركان، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، وقائد المنطقة وضباط كبار، وانقذت القيادة السياسية. لقد تعرضت غولدا مئير وموشيه ديان الى هجوم من خصمهما السياسي، مناحيم بيغن، عندما اضطر دافيد العزار الى الاستقالة، ولسعمها بيغن قائلا: "هل يمكن لرئيس الاركان ان يستقيل بينما يبقى وزير الأمن المسؤول عنه، وان يستقيل وزير الأمن وتبقى رئيسة الحكومة المسؤولة عنه؟ اذا كان وزير الأمن هو سوبر رئيس اركان، فرئيسة الحكومة هي سوبر وزير الأمن". ولم يعرف مناحيم بيغن ما الذي قاله، لأنه بعد تسع سنوات جاءت لجنة "كاهان" التي حققت في مذابح صبرا وشاتيلا، واقصت رئيس الاركان رفائيل ايتان (عمليا سمحت له بالاستقالة كما خطط مسبقا خلال شهر) ووزير الأمن اريئيل شارون، لكنها انقذت رئيس الحكومة بيغن. لقد تم في حينه تحديد مسؤولية شخصية غير مباشرة، ليس بنوايا خبيثة، ولكن بحرف الانتباه وغض النظر عمن كان واجبهم التحذير والمنع.

اما لجان التحقيق أو الفحص اللاحقة فقد تأرجحت بين مختلف مستويات المسؤولية. فلجنة شمغار التي حققت في قتل اسحق رابين ركزت على المستوى التشغيلي (الشاباك والشرطة) وتجاهلت دور رابين، بصفته القيادة السياسية المسؤولة عن الشاباك. ولجنة اور التي حققت في اضطرابات اكتوبر 2000، اصابت القيادة العليا للشرطة ووزير الأمن الداخلي، شلومو بن عامي.  اما في تقرير كارثة الحريق الذي اندلع في الكرمل، فقد مسّ مراقب الدولة ميخا لندنشتراوس، بقيادة الشرطة الرفيعة وسلطة السجون ومفوضية الاطفائية ونسب "مسؤولية خاصة" الى وزيري المالية والامن الداخلي. وترأس تشاحنوبر- الذي عمل مع الياكيم روبنشطاين على انقاذ ديان من تقرير لجنة اغرانات – لجنة التحقيق في محاولة اغتيال خالد مشعل، وتشدد مع القيادة التنفيذية (رئيس الموساد داني يتوم)، فيما تساهل مع القيادة السياسية (بنيامين نتنياهو). لجنة تيركل كانت تعرف الحساسية العالية لمسؤولية القيادة المدنية – سيما ان الحكومة مطالبة عمليا بحياكة ملابس اعضائها المتهمين في لاهاي، من خلال تغيير القانون وتفويض لجنة التحقيق بالحكم عليها ايضا (خلافا للجنة فينوغراد مثلا).

يوم امس رفض تيركل التطرق الى وصف موقف الجيش كمطلب بالمساواة في المسؤولية، لكنه قال ان "المسؤولية يجب ان لا تتوقف في أي مكان. على كل القيادة تحمل المسؤولية". سيكون الاختبار العملي المقبل في تعيين لجنة التحقيق التالية: الى أي حد سيتم تفويضها بالتحقيق في مسؤولية الجهات الحكومية المدنية في شبهات ارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك المخالفات التي سيرتكبها من يخضعون لهم بشكل مباشر وغير مباشر. خصم الجيش الإسرائيلي سيكون منظمة قوية، تعمل في السنوات الأخيرة في وزارة القضاء، وليس تحت الأرض وبدون خجل - جبهة الدفاع عن بنيامين وسارة نتنياهو.

على مسافة من التهدئة

تكتب سمدار بيري، في "يديعوت احرونوت" ان الملثمين علقوا في يوم الاحد ليلا، يافطة كبيرة على مدخل بيت عميد القتلة حسن سلامة في مخيم خانيونس للاجئين. الى جانب صورة سلامة الذي حكم بالسجن المؤبد 46 مرة، بسبب تخطيطه لعمليتين انتحاريتين في الحافلة رقم 18 في القدس، تم رسم ساعة. وبدلا من الارقام كتب أسماء الجنود الاسرائيليين الذين تم خطفهم من قبل الذراع العسكرية لحماس، والذين قتل غالبيتهم.

في المكان المخصص للساعة الواحدة كتب اسم آفي ساسبورتس، وايلان سعدون في المكان المخصص للساعة الثانية، ورونين كرماني في مكان الساعة الثالثة، وفي مكان الساعة الرابعة جندي حرس الحدود نسيم طوليدانو، وفي الخامسة شاحر سيماني، وفي السادسة نحشون فاكسمان، وفي السابعة ساسون نوريال، وفي الثامنة جلعاد شليط، وفي المكان المخصص للساعة التاسعة كتب اسم مقاتل غولاني اورون شاؤول، الذي قتل في عملية الجرف الصامد، والذي لا يعرف مكان دفنه. اما في اماكن الارقام الثلاثة الاخيرة – الساعات 10، 11 و12 – فقد تم رسم علامات استفهام باللون القاتم، المخطوفون الذين سيأتي دورهم.

اسم الملازم هدار غولدن، ضابط وحدة جفعاتي، الذي قُتل في الجرف الصامد وتم اختطاف جثته الى داخل نفق في رفح، لا يظهر على الساعة. لكن رجل اعمال من غزة، تحدثت معه، تكهن بأن هناك اتصالات لاعادة جثته كجزء من اتفاق التهدئة. وقال: "في اللعبة الوحشية التي تحدث الآن، يمكن الافتراض أن الذراع العسكرية تبعث باشارات مفادها أنه سيتم استغلال الجثة كورقة مساومة من اجل اطلاق سراح أسرى"، وأضاف: "يتذكرون في حماس ايضا أن غولدن هو من أقرباء وزير الأمن موشيه يعلون، ويعرفون ايضا أنه منذ الجرف الصامد، رفض يعلون كل الرسائل التي وصلت من غزة".

يمكن التعرف على الأهمية التي توليها حماس لاطلاق سراح الاسرى كجزء من أي صفقة مستقبلية، من العنوان المسجل في قاعدة اليافطة: "تعاهدنا بالدم، جيل بعد جيل، ولتشل أيدينا اذا تخلينا عن الأسرى". كما يبدو فان هذا لن يساعد سلامة نفسه الذي تلطخت يديه بدماء عشرات الاسرائيليين. ففي صفقة شليط تم تصنيفه كشخص "يمنع اطلاق سراحه"، ورغم تهديد حماس، "إلا أنه سيخرج من السجن في تابوت"، كما يقول مصدر أمني اسرائيلي رفيع المستوى.

البروفيسور مخيمر أبو سعدة، المحاضر في قسم العلوم السياسية في جامعة الازهر في غزة يقول ان "الساعة القائمة قبالة بيت حسن سلامة تتكتك فوق رؤوس قادة حماس في القطاع والخارج، وعلى رأسهم خالد مشعل. على خلفية الشائعات حول صفقة التهدئة بين اسرائيل وحماس، فان علامات السؤال الثلاث جاءت لتقول إن هناك خيار آخر، وربما يُعدون لنا المفاجآت".

ومن اجل منع مفاجآت كهذه وتأجيل المواجهة القادمة قدر الامكان، هناك شخصيات رفيعة تعمل من وراء الكواليس: الدبلوماسي القطري م

التعليـــقات