أصدرت سلطة النقد تقريرها السنوي للعام 2014، الذي يشتمل على أربعة فصول رئيسية، تناول الأول التطورات الاقتصادية العالمية والمحلية، والثاني تطورات مالية الحكومة، والثالث تطورات القطاع الخارجي بما فيه ميزان المدفوعات، والرابع تطورات القطاع المالي الفلسطيني، الذي اشتمل على أهم منجزات سلطة النقد، وتطورات المصارف، والمؤسسات المالية غير المصرفية العاملة في فلسطين.
وقال محافظ سلطة النقد جهاد الوزير، إن إصدار هذا التقرير يأتي في فترة شهدت العديد من التطورات التي أثرت على أداء الاقتصاد العالمي والإقليمي والمحلي، فعلى الصعيد العالمي شهد العام 2014 تفاوتاً في نسب النمو، حيث نجحت بعض الدول المتقدمة في الخروج من دائرة التباطؤ، بينما تراجعت أخرى لتزيد من المخاوف من العودة إلى الركود الاقتصادي الذي شهده العالم خلال السنوات الماضية. ولم يكن الوضع الإقليمي بأفضل حالاً، حيث استمرت الاضطرابات والنزاعات، خصوصاً في سوريا والعراق وليبيا واليمن، ما أدى إلى استمرار ضعف الأداء الاقتصادي للمنطقة ككل. أما على المستوى المحلي، فقد سجل الاقتصاد الفلسطيني تراجعاً هو الأول منذ العام 2006 نتيجة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في صيف العام 2014، الذي ألحق أضراراً جسيمة في البنية التحتية والقاعدة الإنتاجية للقطاع، وعمق من معاناته مع استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض عليه منذ العام 2006.
وبين الوزير أن الاقتصاد الفلسطيني قد شهد خلال العام 2014 مزيداً من التحديات التي تسببت بانكماشه بنسبة 0.4%، عاكسة حجم الدمار الذي خلفته الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، الذي خسر اقتصاده نحو 15.2% من ناتجه المحلي مقارنة مع نمو بلغ 5.6% في العام 2013. في المقابل، جاء الأداء الاقتصادي مغايراً في الضفة الغربية، حيث تسارع النمو من 1.0% إلى 5.1% بين عامي 2013 و2014، جرّاء نمو ملحوظ في الاستهلاك والاستثمار وتراجع العجز التجاري، غير أن هذه المستويات من الأداء ظلت غير كافية لاستيعاب المتدفقين الجدد إلى سوق العمل، الأمر الذي تسبب في مزيد من العاطلين عن العمل، وارتفاع مستويات البطالة خلال العام لتصل إلى 26.9% من إجمالي القوى العاملة مقارنة مع 23.4% في العام 2013، جرّاء ارتفاع معدلها في القطاع من 32.6% إلى 43.9%، وانخفاضها في الضفة الغربية من 18.6% إلى 17.7% بين العامين المذكورين.
وأضاف: من ناحية أخرى، ورغم تراجع أسعار النفط والغذاء عالمياً، إلا أن مستويات الأسعار في فلسطين قد حافظت على نسبة تضخم ثابتة خلال العامين الأخيرين، بلغت 1.7% متأثرة بالعديد من المعيقات والقيود التي يفرضها الاحتلال على الاقتصاد الفلسطيني.
وتشير توقعات سلطة النقد إلى أن الاقتصاد الفلسطيني سيشهد خلال العام 2015 تعافياً محدوداً، حيث سينمو بنحو 1.9%، غير أن هذا التعافي لن يكون كافياً لتحسين المستوى المعيشي للمواطن، حيث من المتوقع أن ينخفض دخل الفرد الحقيقي (متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي) بنسبة 1.0% مقارنة مع تراجع بنحو 3.3% في العام 2014.
وعلى صعيد مالية الحكومة، أشار التقرير إلى أن العام 2014 قد شهدت زيادة ملحوظة في حجم الإيرادات العامة، خاصة إيرادات المقاصة والإيرادات غير الضريبية، مقابل زيادة بسيطة في النفقات العامة، نتج عنها تحسن ملموس في رصيد العجز الجاري. من ناحية أخرى تراجع حجم المنح والمساعدات الخارجية، ورغم هذا التراجع ظل الرصيد الكلي (بعد المنح والمساعدات) يحقق فائضاً بلغ نحو 414.7 مليون دولار. في المقابل، ارتفعت المتأخرات المتراكمة على الحكومة بحوالي 64.1% بين عامي 2013 و2014 جراء ارتفاع متأخرات الأجور وغير الأجور. أما الدين العام الحكومي (مقوماً بالدولار الأمريكي) فقد تراجع بحوالي 6.7% خلال العام 2014 مقارنة بالعام السابق، ليبلغ حوالي 2,216.8 مليون دولار، وبالتالي تراجعت نسبته من الناتج المحلي الإجمالي من 19.9% بنهاية عام 2013 إلى 17.3% بنهاية العام 2014.
أما على الصعيد الخارجي، فقد سجل الحساب الجاري في ميزان المدفوعات للعام 2014 عجزاً مقداره 1,386.5 مليون دولار، منخفضاً بحوالي 41.8% عمّا كان عليه في العام السابق، ومشكلاً نحو 10.9% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة مع 11.0% في العام 2013.
وفي سياق آخر، أشار الوزير إلى أن سلطة النقد واصلت مساعيها للحفاظ على سلامة واستقرار الجهاز المصرفي الفلسطيني خلال الظروف الصعبة التي مر بها الاقتصاد الفلسطيني خلال العام. ولهذه الغاية، أصدرت سلطة النقد عدداً من التعليمات الهادفة إلى تنظيم عمل المصارف بما يتلاءم مع متطلبات الاستقرار المالي والمخاطر المحيطة. كما عملت على مزيد من التدعيم للبنية التحتية للنظام المصرفي، والمحافظة على ثقة العملاء بالجهاز المصرفي، من خلال إنشاء المفتاح الإلكتروني الوطني، واستكمال العمل على تنميط الحساب المصرفي الدولي–آيبان، وتطوير كل من المقاصة الآلية ونظام معلومات الائتمان، وغيرها من إنجازات نوعية. وانعكست محصلة هذه الإجراءات إيجاباً على المؤشرات المالية للجهاز المصرفي الفلسطيني، فارتفعت موجودات هذا الجهاز وتحسنت جودتها، ونمت ودائع العملاء، كما ارتفعت محفظة التسهيلات الائتمانية وسط تراجع مستمر في نسبة التعثر، وزيادة قدرة هذا الجهاز على مواجهة المخاطر المتوقعة وغير المتوقعة.
وأوجز الوزير أن محصلة هذه الإجراءات انعكست إيجاباً على المؤشرات المالية للجهاز المصرفي الفلسطيني، حيث ارتفع إجمالي موجودات المصارف في نهاية العام 2014 إلى حوالي 11,815.6 مليون دولار، أي بنسبة 5.6% مقارنة مع نهاية العام 2013. كما شهدت محفظة التسهيلات الائتمانية المباشرة ارتفاعاً بحوالي 9.3% لتبلغ حوالي 4,895.1 مليون دولار، جراء مزيد من التفعيل لدور الوساطة المالية بين وحدات الفائض والعجز في الاقتصاد وتوفير مزيد من فرص التمويل والمساهمة في عملية التنمية الاقتصادية. كما وصلت ودائع العملاء إلى 8,934.5 مليون دولار، متزايدة بنسبة 7.6%، إضافة إلى ارتفاع حقوق ملكية الجهاز المصرفي بنسبة 7.7%، لتصل إلى 1,464.0 مليون دولار.
من ناحية أخرى، واصلت سلطة النقد مسيرة بنائها المؤسسي، وتدعيم رأسمالها بهدف زيادة قدرتها على التغلب على المخاطر التي تواجهها أثناء ممارستها لمهامها ومسؤولياتها، فقد نمت حقوق ملكية سلطة النقد مع نهاية العام 2014 بنسبة 7.0%، لتصل إلى 100.7 مليون دولار، جرّاء ارتفاع رأس المال المدفوع بحوالي 10.6%، وذلك من خلال تحويل الأرباح التي أسفرت عنها نتائج الأعمال التي قامت بها سلطة النقد إلى حساب رأس المال.
وأخيراً أشار الوزير إلى أن التقرير السنوي الذي تصدره سلطة النقد بشكل دوري منتظم، قد أصبح من أهم المراجع الأساسية للمؤسسات البحثية والمهتمين بالشأن الاقتصادي وطلبة الدراسات العليا في فلسطين، لما يحتويه من معلومات وإحصاءات هامة ودقيقة وحديثة عن تطورات الاقتصاد الفلسطيني والإقليمي والدولي في مناحيها المختلفة.
وفا©