د. دلال عريقات
ينشغل المواطن الفلسطيني هذه الأيام بالضمان الاجتماعي الذي تم الإعلان عن نية بدء تنفيذه أول نوڤمبر المُقبل. المُتابع لاحظ العديد من الاحتجاجات والاعتراضات المليئة بالرفض والاستهزاء، لا بد لنا من تحليل الموضوع، ولذلك وبعد الإطلاع على القانون والحديث مع ممثلي مؤسسة الضمان وممثلين عن الحراك الشعبي الرافض لتطبيق هذا القانون، نرى ما يلي:
أولاً: المشكلة ليست في فكرة الضمان الاجتماعي، فهي نبيلة واستراتيجية ومرحلة مهمة في بناء مؤسسات الدولة ومن هنا ارتأت الدولة ممثلة بمجلس رئاسة الوزراء والرئاسة حماية المواطن من خلال قرار بقانون الضمان الاجتماعي الذي نُشر في الوقائع الفلسطينية نهاية أكتوبر عام ٢٠١٦. من المهم التوضيح هنا أن الخلاف الدائر هو على صيغة القانون وبعض البنود فيه وليس على فكرة الضمان بشكل عام، وهناك خلاف حول التوقيت، فنسبة كبيرة تشعر أن العجز المالي الذي تعاني منه السلطة هو سبب تنفيذ القانون الآن، وهنا وجب التذكير أن المادة ٣ من القانون أكدت على ضرورة التطبيق خلال مدة أقصاها ٢٤ شهرا أي ما يصادف اكتوبر ٢٠١٨.
ثانياً: الجهة المُنفذّة، المراقبة والحافظة لهذا القانون وتطبيقه هي مؤسسة الضمان الاجتماعي، ويرأس وزير العمل مجلس إدارة المؤسسة الذي يمثل عددا من الوزارات وممثلين عن العمال وأصحاب العمل وفئات شعبية تمثل المجتمع المدني والقطاع الخاص والعام من النقابات والاتحادات المختلفة. هنا توجد إشكالية من وجهة نظر الجمهور والمواطن، تكمن في شخصية هؤلاء، بغض النظر عن مسمياتهم وأهليتهم وسمعتهم، فليس المقصود الطعن بأفراد المؤسسة وشخصهم الكريم، ولكن كما عبر كثيرون وبصراحة فمنذ إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية لم يشهد المواطن الفلسطيني محاسبات صارمة ضد من اختلس المال العام! القانون يتحدث عن استثمارات لأموال المواطنين حيث لا يوجد ضمانات واضحة أو أسس دقيقة لمتابعة وتقييم الأداء لضمان حق المواطن ومحاسبة من يتلاعب بهذه الأموال أو يسيء استثمارها. قوانين الضمان الاجتماعي مهمة للوطن والمواطن، وفي الحالة الفلسطينية من المهم التركيز أن القانون ومنذ صدوره منذ عامين تم مراجعة ومناقشة القانون من قبل ممثلي المجتمع وممثلي النقابات والاتحادات والقطاع الخاص وهم كثيرون وهذا يثير تساؤلات حول غيابهم عن الإعلام. وهنا أدعو الجهات المختلفة التي مثلت كل القطاعات للقيام بدور توعوي وتعريفي حول تفسيرات هذا القانون وضرورة الاستماع للرأي العام، فمن حق المواطن أن يعبر عن رأيه الذي عادة ما تنشأ منه السياسات العامة في الأنظمة الديمقراطية.
ثالثاً: هناك إشكاليات في صيغة القانون الحالي وهي بحاجة للمراجعة؛ فمثلاً البنود المتعلقة بوراثة كل من الزوجة أو الزوج لبعضهم البعض أو ميراث الأولاد بعد سن ٢١ حسب المادة ٦٥ أو سن التقاعد بحد ذاته أو كيفية ونسب احتساب قيمة الضمان والراتب التقاعدي حسب المادة ٥١، حتى البند المتعلق بالاستثمار في الصفحة ١٩ بحاجة لإعادة نظر، فالقانون حسب المادة ٢٩ يقضي بأن الحكومة ستعوض العجز إن وجد ولكن بشكل قروض، وهنا نرى أن البند فضفاض وغير حامٍ للحقوق والأموال العامة بشكل قانوني يضمن حق المواطن. بعض المعترضين ينادون بألا يكون الضمان إلزاميا، ولكن لو نظرنا لتجارب الدول الأخرى والمتقدمة بالتحديد لوجدنا أن قوانين الضمان الاجتماعي مُلزمة. آخرون ينادون بتطبيق قانون التقاعد الساري على موظفي الخدمة المدنية، علينا هنا أن نقارن بين راتب الموظف لدى القطاع الخاص مثلاً وراتب موظف الخدمة المدنية. وفيما يتعلق بالأمومة في المادة ٩٠، لماذا لا يشمل القانون ما يضمن حق الرجل بمنافع الأبوة مثلاً أسوة بالدول المتقدمة؟!
رابعاً: مع وسائل التواصل الاجتماعي ضاع الضمان الاجتماعي، أساليب التخوين والاستهزاء والاستهتار والطعن بمصداقية الأفراد زادت الوضع سوءاً، وهنا رسالة لكل من يستعين بوسائل التواصل الاجتماعي بهدف الفضح والتشهير، رسالة لنشطاء التواصل الحريصين على المصلحة الوطنية والشأن العام لتوظيفها فعلاً بما يخدم المواطن ويحقق الإصلاح في المجتمع. أتمنى من كل مواطن سيتأثر بقانون الضمان الاجتماعي أن يقرأ القانون ويحاول فهمه بنفسه وألا يعتمد على أقوال وتفسيرات الغير، فللأسف هناك الكثيرون ممن يثيرون الضجة الإعلامية التي تفتقر للمعرفة.
خامساً: الوضع الفلسطيني الداخلي وعلى كل المستويات يشهد عدم استقرار غير مسبوق، ومن هنا يتعزز خوف وقلق المواطن الذي لم يشهد انتخابات ولَم يشارك في صناعة القرارات السياسية منذ أكثر من عقد من الزمان، فلو كان مثلاً المُشرِع لهذا القانون هو المجلس التشريعي الذي يتكون من ممثلين منتخبين من الشعب وبشكل دوري لكان تقبل القانون والثقة بآليات تطبيقه وضمان حقوق المواطنين أفضل بكثير. المادة ١٢ من القانون تنص أن تكون القدس مقراً للمؤسسة مع إمكانية اختيار مقر آخر مؤقت، هنا علينا أن نتيقظ ولا نجعل من موضوع الضمان يغطي على موضوع القدس وبيع العقار. الوضع السياسي يستوجب مراجعات وقرارات حاسمة على مستوى القيادة حتى نتوقف عن استخدام المادة ٤٣ من القانون والتي أدت إلى تهميش أهمية السلطة التشريعية. الخلاف على الضمان الاجتماعي الْيَوْم يعكس أزمة ثقة على صعيد الأشخاص من جهة ومن جهة أخرى على صعيد الضمانات بسبب غياب المجلس التشريعي وغياب اليقين في استمرارية وجود المؤسسة بشكل عام.
©راية