رئيس التحرير: طلعت علوي

اقتصاد الشرق الأوسط في حالة تغيير «1 من 3»

الأربعاء | 20/12/2017 - 08:57 صباحاً
اقتصاد الشرق الأوسط في حالة تغيير «1 من 3»


جهاد أزعور|


كانت انتفاضات عام 2011 إيذانا بفترة من التغيير غير المسبوق في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فبينما استحوذت المطالبات بالتحول السياسي على اهتمام العالم، كان الدافع الأساسي وراء هذه الدعوات هو القضايا الاجتماعية/ الاقتصادية غير المحسومة. فطاف المتظاهرون شوارع القاهرة وتونس مطالبين بحقوقهم في "العيش والكرامة والعدالة الاجتماعية"، معبرين بذلك عن طموحات الأغلبية في الحصول على حقوقهم الاقتصادية الأساسية، إلى جانب المطالبة بمزيد من الرخاء والعدالة. وبعد قرابة سبعة أعوام، نجد أن تقدما ملحوظا قد تحقق من حيث إصلاحات المالية العامة، لكن هذه الإصلاحات لا يزال أمامها شوط طويل حتى تتمكن من تقليص التفاوتات في توزيع الثروة داخل معظم بلدان المنطقة أو تضييق فوارق التنمية فيما بينها. فقد أدت الصراعات الإقليمية المطولة، وانخفاض أسعار النفط، وضعف الإنتاجية، وعدم جودة الحوكمة، إلى إلحاق خسائر فادحة بالمنطقة. ولم يكن النمو قويا بالدرجة الكافية لإحداث خفض ملموس في البطالة، حتى بلغ تعداد الشباب غير العاملين نسبة مذهلة قدرها 25 في المائة حاليا. ونتيجة لذلك، تواجه الآن بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خيارا صعبا بين التقشف فترة قصيرة، والمثابرة في إتمام الإصلاحات طويلة الأجل التي يتعين القيام بها لتأمين رخائها الاقتصادي في المستقبل. فالتخلي عن التعديلات الاقتصادية المهمة المطلوبة لتعزيز النمو الاحتوائي وتحديث القطاعين العام والخاص من شأنه أن يعود بالمنطقة إلى الوراء، ربما عدة عقود مضت. ويتيح الاقتصاد العالمي بظروفه المواتية فرصة مواتية للتعجيل بوتيرة الإصلاح.

وقد حافظت بلدان المنطقة على استقرار اقتصادها الكلي، لكن النمو كان أبطأ بكثير من المستوى المطلوب لمواكبة تزايد السكان، ما أسفر عن ارتفاع مستمر في البطالة. فمتوسط النمو الاقتصادي لم يتجاوز 3.6 في المائة سنويا منذ عام 2011، وهو ما يقل عن العقد الماضي بمقدار الثلث. ولا يبدو معدل البطالة الكلي البالغ 10 في المائة مثيرا للقلق، ولكنه يتراوح بين أقل من 1 في المائة في قطر وأكثر من 18 في المائة في الأردن، كما أنه مركز في النساء والشباب أكثر من أي فئة سكانية أخرى. ولن يؤدي الإبقاء على الوضع الراهن إلا إلى تفاقم الأمور. وتشير تقديرات الصندوق إلى أن استمرار معدلات النمو السائدة منذ عام 2011 يمكن أن ترفع متوسط البطالة إلى أكثر من 14 في المائة بحلول عام 2030. وإضافة إلى ذلك، تكبدت المنطقة خسائر فادحة بسبب الصراعات في أفغانستان والعراق وليبيا وسورية واليمن التي أودت بحياة ما يقدر بنصف مليون نسمة منذ عام 2011، وأسفرت عن نزوح 12 مليون نسمة في سورية وحدها. وكان الأثر الاقتصادي مدمرا، إذ أصيبت المنازل والمستشفيات والطرق والمدارس بالتلف أو الدمار، بتكلفة تقديرية تعادل أربعة أضعاف إجمالي الناتج المحلي السابق على الأزمة.

وبالطبع، يضيف نزوح اللاجئين من مناطق الصراع ضغوطا كبيرة على الميزانيات والبنية التحتية وأسواق العمل والإسكان في البلدان المضيفة، مثل لبنان والأردن. كذلك أدت الصراعات إلى إرباك أنشطة التجارة والسياحة والاستثمار. وفي الوقت نفسه، تعاني البلدان المصدرة للنفط الانخفاض الحاد في أسعار الطاقة الذي أدى إلى عجز كبير في المالية العامة، فضلاً عن تراجع النمو. ففي متوسط الحالات، زادت العجز بأكثر من 10 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في 2016، وتضاعف الدين العام إلى أكثر من 30 في المائة من إجمالي الناتج المحلي منذ عام 2014، لكن هذه الأرقام تحجب وراءها جهودا كبيرة لتخفيض العجز. فقد تحسن الرصيد الأولي غير النفط، الذي يستبعد أثر أسعار النفط، ويمكن اعتباره مقدار الجهد المالي الذي تبذله الحكومات في تحصيل الإيرادات، بأكثر من 12 نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي منذ عام 2014.

كذلك لا يزال عجز الموازنات العامة مرتفعا في البلدان المستوردة للنفط، وإن كانت هذه البلدان مستفيدة من انخفاض أسعار النفط. ويتجاوز العجز 6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في المتوسط، كما تزيد مستويات الدين على 90 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في مصر والأردن ولبنان. وعلى الرغم من أن هذه البلدان تمكنت من خفض العجز بما يكفي للحفاظ على استقرارها الاقتصادي، فإنها تحتاج إلى توفير موارد إضافية لمعالجة القضايا الاجتماعية والتنموية. ومن المتوقع أن يرتفع النمو إلى أكثر من 4 في المائة هذا العام نتيجة لزيادة الاستهلاك الخاص والصادرات.

التعليـــقات