رئيس التحرير: طلعت علوي

الهجرة كقيمة اقتصاديّة مضافة

السبت | 03/12/2016 - 07:47 مساءاً
الهجرة كقيمة اقتصاديّة مضافة

عامر ذياب التميمي

 

أصبحت قضية الهجرة من أهم القضايا السياسية خلال هذا العام، وأولت الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة اهتماماً زائداً بهذه المسألة التي باتت تمثل قلقاً للاتحاد الأوروبي، بعد تدفق المهاجرين من سورية وغيرها من دول شرق أوسطية على بلدانه.
تمثل الهجرة تحدياً سياسياً كبيراً لعدد من كبار المسؤولين في البلدان الأوروبية، خصوصاً المستشارة الألمانية أنغيلا مركل، التي أبدت تفهماً لأوضاع المهاجرين وظروفهم الصعبة الاقتصادية والأمنية. لكن الهجرة ليست أمراً جديداً، فالمهاجرون ظلوا يتدفقون من مكان إلى آخر منذ بدء الحياة الإنسانية، وهناك بلدان تأسست بسواعد المهاجرين وبنيت مجتمعاتها من مكوناتهم، ومنها الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا وبلدان أميركا اللاتينية مثل البرازيل والأرجنتين وغيرها.


والبلدان الأوروبية، وهي من بلدان العالم القديم، تأثرت بالهجرة خلال القرن العشرين، خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية، إذ استقطبت بشراً من تركيا وبلدان شمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء. أما بريطانيا، فتدفق عليها مهاجرون من الهند وبنغلادش وباكستان وبلدان آسيوية وكاريبية منذ نهاية الأربعينات.


وتأسست منظمة الهجرة الدولية عام 1951، وأخذت تتابع قضايا الهجرة بكل تفاصيلها منذ ذلك الحين، وتمكنت على مدى السنوات الماضية من تطوير آليات عملها، وقدمت للمسؤولين معلومات مهمة عن المهاجرين ومصادر تدفّقهم. ولم تقتصر على متابعة الهجرة من بلد إلى آخر، بل شمل اهتمامها الهجرة داخل البلدان، مثل الهجرة من الريف إلى المدن.
وتشير تقارير المنظمة إلى أن الهجرة عملت لزيادة أعداد البشر الذين يعيشون في المدن أو المناطق الحضرية، وتذكر بأن واحداً من كل خمسة مهاجرين في العالم يعيش في أكبر 20 مدينة في العالم. ويمثل المهاجرون في هذه المدن ثلث سكانها. يضاف إلى ذلك، أن مدن أفريقيا وآسيا ستتحمل في المستقبل القريب معظم الزيادة السكانية في بلدان القارتين. ولا شك في أن ظاهرة الهجرة إلى المناطق الحضرية تحدد تطورات مهمة في الحياة الإنسانية، حيث ينتقل الناس من مناطق لا تتوافر فيها عناصر الحياة العصرية إلى مناطق يمكن أن يتوافر فيها التعليم والرعاية الصحية والتواصل الحديث والبنية التحتية الملائمة وفرص العمل المناسبة.


لكن مقابل ذلك، فإن مثل هذه الهجرات قد تؤدي إلى تفاقم الأزمات في هذه المدن وارتفاع كثافة السكان وتفشّي الأعمال المهمّشة واتساع نطاق الجريمة أو ارتفاع مستويات الفقر بين سكان هذه المدن، ناهيك عن تراجع نوعية الحياة. ومعلوم أن مدناً عربية مشهورة مثل بغداد والقاهرة ودمشق وبيروت والدار البيضاء، عانت تداعيات الهجرة من الريف خلال العقود الخمسة الماضية. بيد أن الهجرة تمثل تطوراً اقتصادياً للبلدان والمدن المضيفة أو المستقبلة وكذلك للبلدان والمناطق المصدرة للمهاجرين. والمهاجرون ينقسمون إلى نوعين. هناك المهاجرون الذين يسعون إلى الإقامة الدائمة في البلدان المضيفة وكسب جنسيتها والتمتع بمزايا المواطنة فيها، وكذلك الالتزام بالمسؤوليات المحددة في قوانين هذه البلدان. أما الآخرون فهم من يسمون المهاجرين الموقتين مثل العمال الوافدين في بلدان الخليج، حيث لا تتيح قوانين هذه البلدان وأنظمتها إمكانات كسب الجنسية وحقوق المواطنة بسهولة. والمهاجرون يحولون أموالاً إلى بلدانهم الأصلية بعد أن يضمنوا وظائف وأعمالاً تحقق لهم مداخيل مناسبة.


ويقدّر عدد المهاجرين في العالم، أي أولئك الذين يعيشون في بلدان غير بلدانهم الأصلية، بحدود 244 مليون شخص وفق تقديرات 2015. ويمثل هذا العدد زيادة بنسبة 41 في المئة عن عددهم عام 2000. ويعيش ما يقارب 46.6 مليون مهاجر ولدوا في بلدان أخرى في الولايات المتحدة، أما ألمانيا فتحوي 12 مليوناً من هؤلاء المهاجرين، وتضم روسيا الاتحادية 11.9 مليون. وربما يمثل هؤلاء المهاجرون نسبة مهمة في البلدان الثلاثة المشار إليها، كما أن أعدادهم مهمة. بلدان الخليج تشمل أعداداً كبيرة من المهاجرين ويمثلون عمالة وافدة وتزيد نسبتهم في هذه البلدان عن نسبة المواطنين، حيث تبلغ 88.4 في المئة في الأمارات و75.7 في المئة في قطر، و70 في المئة في الكويت.


هؤلاء المهاجرون يمثلون مصدراً مهماً لمداخيل بلدان عديدة، إذ يحولون أموالاً بانتظام إلى أهلهم وذويهم، وقدّرت التحويلات المالية من المهاجرين خلال العام الماضي، بـ580 بليون دولار. تُعتبر الهند الدولة الأولى في تحصيل تحويلات المهاجرين والمقيمين في الخارج، حيث بلغت تلك الحصيلة 72.2 بليون دولار عام 2015، تليها الصين بـ63.9 بليون دولار، ثم الفيليبين بـ29.8 بليون دولار، والمكسيك بـ25.7 بليون دولار، ونيجيريا بـ20.9 بليون دولار، ثم مصر بـ20.5 بليون دولار.


أما البلدان المصدرة لتلك الأموال، فتأتي الولايات المتحدة في المرتبة الأولى بمقدار 120 بليون دولار، وكندا بـ23.4 بليون دولار، وبريطانيا بـ23.1 بليون دولار، وألمانيا بـ21.7 بليون دولار. لكن السعودية تحتل موقعاً مهماً، حيث يحول العاملون الأجانب منها نحو 24.2 بليون دولار سنوياً. ربما تصل تحويلات العاملين في الأمارات إلى نحو 18.2 بليون دولار، ومن الكويت 15.0 بليون دولار. وتشكل هذه التحويلات في الوقت الراهن للبلدان المصدرة للعمال والمهاجرين، أهمية بعدما تراجعت تدفقات الاستثمار المباشر. يعني ذلك أن الهجرة ستظل عنصراً مهماً لتأمين العمال في البلدان المضيفة، وعنصراً أساسياً لتحصيل النقد الأجنبي للبلدان المصدرة.

التعليـــقات