رئيس التحرير: طلعت علوي

انعكاسات الانفصال البريطاني تحت مجهر «منظمة التجارة»

الإثنين | 17/07/2017 - 12:15 مساءاً
انعكاسات الانفصال البريطاني تحت مجهر «منظمة التجارة»

أجرى أعضاء منظمة التجارة العالمية استعراضا شاملا لسياسات الاتحاد الأوروبي التجارية في مقر المنظمة بجنيف الأسبوع الماضي، غير أن قضايا مثل انعكاسات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي "بريكست" على العلاقات التجارية للكتلة، ونظام محاكم الاستثمار، ونظام محكمة التحكيم التجاري في الاتحاد خضعت لتحليل دقيق.


وباعتبارها واحدة من أكبر أربع قوى تجارية في منظمة التجارة، فإن استعراضات السياسة التجارية للاتحاد الأوروبي تعقد كل سنتين، والقوى الثلاث الأخرى التي تواجه الوضع نفسه، هي: الصين، واليابان، والولايات المتحدة، بينما تواجه دول أخرى استعراضات في جداول زمنية مختلفة تراوح بين ثلاث، وأربع، وخمس، وحتى ست سنوات.
وتشمل العملية إصدار تقريرين - أحدهما من قبل العضو قيد الاستعراض والآخر من جانب أمانة منظمة التجارة، كما تشمل هذه المسائل مواضيع مثل بيئة الاقتصاد الكلي، إلى جانب قضايا تجارية محددة خلال فترة استعراض مختارة، ويقدم بقية الأعضاء أيضاً أسئلة قبل الاستعراض نفسه وأثناءه، وتلقى الاتحاد الأوروبي أكثر من 1000 سؤال قبل الاجتماع.


وجاء الاستعراض في وقت يحتمل أن تطرأ على الكتلة الأوروبية تغييرات مهمة، بما في ذلك مفاوضات "بريكست" التي بدأت أخيرا بشأن المرحلة الانتقالية، والاستعدادات لوضع سياسة زراعية مشتركة بعد 2020، والجهود الجارية للتوصل إلى مجموعة من الصفقات التجارية مع دول من خارج الكتلة الأوروبية، أوروبية أو غير أوروبية، تعويضاً عن "بريكست".
كما أنه يأتي خلال الجهود المستمرة المبذولة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي لتحسين الانتعاش الاقتصادي، وتوقيع مجموعة من الصفقات التجارية الجديدة أو المُحدَّثة مع الشركاء في جميع أنحاء العالم، ومع إعلان نائب المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي، جوست كورت، أن 31 مليون وظيفة في الكتلة تعتمد على التجارة بطريقة ما، وتأكيد الاتحاد الأوروبي مواصلة جهوده لتطوير علاقات تجارية أعمق، لأن 90 في المائة من النمو الاقتصادي تتولد عن اقتصادات أخرى.
وقال السفير الكولومبي، خوان كارلوس جونزاليس، الذي تولى رئاسة اللجنة إن الاتحاد الأوروبي كتلة تجارية رئيسة ليس فقط لأنه سوق كبيرة لأكثر من 500 مليون شخص يتمتعون بقوة شرائية عالية، ولكن أيضاً لأنه يتمتع بنظام تجاري واستثماري منفتح وشفاف.


وأضاف: "لقد لوحظ أيضاً أن الاتحاد الأوروبي يواجه عديدا من المشاكل الداخلية، مضيفا أن الانتعاش الاقتصادي يمثل مجالاً لا يزال يشكل تحديا خاصاً.
ويشير تقرير أمانة منظمة التجارة بالمثل إلى القضايا التي تكتنف "الانتعاش الاقتصادي التدريجي وإن كان متفاوتا منذ الأزمة المالية"، مشيرا إلى أن التكتل "لم ينتعش بالسرعة التي كانت عليها بعض الاقتصادات الكبيرة الأخرى، ولا بالسرعة التي كانت عليها في فترات الانكماش السابقة.
وأوضح التقرير أن من بين التحديات التي واجهتها الكتلة والتي من المحتمل أن تستمر في التعامل معها النتائج التي توصل إليها الاستفتاء الشعبي في بريطانيا وألزم خروجها من الاتحاد، إلى جانب عدم اليقين السياسي من انتخابات الاتحاد الأوروبي، وأزمات مثل الإرهاب.
وكانت محادثات بريكست أحد المجالات التي أخذت حيزاً كبيراً من مناقشات الأعضاء، وطرحت أسئلة حول ما قد يعنيه هذا بالنسبة لجدول التزامات الاتحاد الأوروبي إزاء منظمة التجارة، وإمكانية التنبؤ في بيئة الأعمال التجارية الدولية والاقتصاد العالمي الأوسع نطاقاً.
ولفت غونزاليس إلى أن أعضاء المنظمة يتوقعون أن تكون أي عملية لإدخال تعديلات على الوضع التجاري والاقتصادي للاتحاد نتيجة لـ "بريكست" ينبغي أن تكون مفتوحة، وشفافة، ومتوافقة، مع أحكام منظمة التجارة العالمية وأن تشمل مشاورات مع دول ثالثة.
كما أثار أعضاء المنظمة حكم أصدرته محكمة العدل الأوروبية حول اختصاصات الاتحاد الأوروبي في صفقاتها التجارية الثنائية مع سنغافورة، إلى جانب ما يعنيه ذلك للاستراتيجية التجارية الأوسع للكتلة.


وانتقدت الدول "الصلاحيات الواسعة" التي وضعتها محكمة العدل الأوروبية ضمن اختصاصاتها حصراً، وضربت أمثلة على ذلك: التجارة في السلع والخدمات، حماية الاستثمار الأجنبي المباشر، حقوق الملكية الفكرية، المشتريات العامة، المنافسة، التجارة والتنمية المستدامة، الشفافية، تسوية النزاعات بين دولة ودولة.
كما أثارت الدول أسئلة تتعلق بنظام محكمة الاستثمار في الاتحاد الأوروبي، والأهداف المتعلقة بإنشاء محكمة للاستثمار متعددة الأطراف، وإعلان الاتحاد الأوروبي أن محكمة الاستثمار الأوربية ستكون المرجع القانوني للاتفاقيات التجارية التي يتفاوض الاتحاد لإبرامها مع كندا وفيتنام. ولا يزال إدخال نظام محكمة الاستثمار الأوروبية كمرجع قانوني للاتفاقيه التجارية المبرمة مع اليابان قيد المناقشة.
ورداً على هذه التساؤلات، قال ممثل الاتحاد الأوروبي إن المحكمة المتعددة الأطراف ستحتاج إلى أن تكون كياناً قانونياً بموجب القانون الدولي لكن من السابق لأوانه اليوم القول ما إذا كانت ستكون هيئة جديدة قائمة بذاتها أو سترسو في منظمة دولية قائمة حالياً.


كما سأل أعضاء منظمة التجارة الاتحاد الأوروبي حول استخدامه "وسائل دفاعية في التجارة، والجهود التي بذلها أخيرا لتحديث تلك الوسائل. فعلى سبيل المثال، سأل البعض عن مختلف التحقيقات التي يجريها الاتحاد الأوروبي بشأن إغراق الحديد، والفولاذ، والمواد الكيميائية، في حين سألت الصين عن التغييرات التي أدخلها التكتل الأوروبي على منهجيته لمكافحة الإغراق. ورد الاتحاد بأنه عمل على تحديث أدواته التجارية، موضحا أن المسألة هي حالياً موضوع نزاع داخل المنظمة، وينبغي معالجته في ذلك المنتدى.
وقال الممثل الأوروبي: "في عالم حيث تكون أرضية الملعب مستوية تماماً حلماً بعيد المنال، والإغراق أكثر شيوعا في الممارسات التجارية، وحيث يهدِّد قدر هائل من الإعانات الحكومية القدرة التنافسية لشركاتنا ويؤدي إلى الإفراط، فإن اللجوء إلى "الدفاع التجاري" سيظل جزءًا لا يتجزأ وضرورياً من سياستنا التجارية".
ووفقا لمعلومات حصلت عليها "الاقتصادية" من أمانة منظمة التجارة، فإن الاتحاد الأوروبي هو واحد من أهم مستخدمي النظام القضائي للمنظمة، إذ يحتل المرتبة الثالثة عموماً من حيث عمليات مكافحة الإغراق، والثانية من حيث الرسوم التعويضية.
كما خضعت السياسة الزراعية للاتحاد الأوروبي إلى تدقيق شديد، وسأل بعض الأعضاء عن سبب تحوُّل التكتل في دعمه الزراعي لبعض المنتجات الزراعية من "الصندوق الأخضر" غير المشوه للتجارة إلى "الصندوق الأصفر" المشوه للتجارة. وأثار آخرون تساؤلات بشأن التعريفات الزراعية المرتفعة، إلى جانب تشدده في تدابير الصحة والصحة النباتية بوصفها حواجز مُبطَّنة أمام حرية التجارة.


وطرح بعض الأعضاء أسئلة بشأن الوقت الذي يعتزم فيه الاتحاد الأوروبي تنفيذ القرار الذي اتفِق عليه قبل عامين تقريبا في مؤتمر نيروبي الوزاري لإلغاء إعانات التصدير. وقال الممثل الأوربي إن التكتل يعد جدولاً زمنياً لتنفيذ القرار سيتم تقديمه للمنظمة قريبا. وحول مسألة الصندوقين الأصفر والأخضر، أوضح المسؤول الأوروبي أن على الآخرين أيضاً العمل على تحويل مدفوعاتهم المحلية من الفئة الأولى إلى الثانية.
وأثار مسؤول الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، شواغل بشأن الحواجز التجارية التي يفرضها أعضاء آخرون في المنظمة، والحاجة إلى تحسين تقديم الإخطارات في إطار الهيئات العادية للمنظمة، ودعم ذراع تسوية المنازعات. وأشار إلى البطء في عمليه التفاوض التجاري، مشيراً إلى تعديل لوائح وأحكام المنظمة، ومباحثات التجارة الإلكترونية، وتوقف اجتماع المجلس العام بسبب خلاف حول ما إذا كان تنبغي مناقشة تيسير الاستثمار في ذلك الحيز.
وتهدف منظمة التجارة العالمية، إلى إيجاد منتدى للتشاور بين الدول الأعضاء حول المشكلات التي تواجه التجارة العالمية، وآليات فض المنازعات التي تنشأ بينهم، إضافة إلى تقديم بعض المساعدات الفنية والمالية للدول الأعضاء بها.


كما تهدف المنظمة إلى إيجاد منتدى للمفاوضات التجارية أو ناد يتباحث الأعضاء فيه في شتى الأمور التجارية ويتفاوضون ضمن جولات متعددة الأطراف، فمن جهة تؤمن اجتماعات اللجان الفرعية الدورية في المنظمة فرصة للقاءات الدائمة بين ممثلي الأعضاء وتتيح المجال أمامهم لمناقشة المشكلات المهمة ومواكبة التطورات في شؤون منظمة التجارة.
من جهة ثانية فإن منظمة التجارة العالمية تجمع الدول الأعضاء في جولات محادثات منظمة بشأن علاقاتهم التجارية المستقبلية، وورثت منظمة التجارة العالمية فكرة المفاوضات الدورية متعددة الأطراف عن سلفتها “جات” (الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة).
وتسعى منظمة التجارة العالمية إلى رفع مستوى المعيشة للدول الأعضاء والإسهام في تحقيق التنمية الاقتصادية لجميع الدول، وبخاصة النامية التي يزيد عدد أعضائها في المنظمة على 75 في المائة من جملة الأعضاء، وتلك التي تمر بمرحلة انتقالية إلى اقتصاد السوق.
وتمنح المنظمة الدول النامية معاملة تفضيلية خاصة، فتعطيها فترات سماح أطول من تلك التي تمنحها للدول المتقدمة، وتمنحها مساعدات تقنية والتزامات أقل تشدداً من غيرها.

 

aleqt.com

التعليـــقات