رفضا لاستمرار العيش تحت عباءة مؤسسات المجتمع المدني وفي محاولة قلّ نظيرها, تحدت أربع خريجات فلسطينيات واقعا مريرا بالحصول على وظيفة وأنشأن لأنفسهن شركة خاصة وحققن عبرها نجاحا تلو الآخر.
وفي تسوية إحدى البنايات وسط مدينة جنين شمال الضفة الغربية قهرت الفتيات سوسن واعتدال صوافطة وتغريد عباس وكفاح الطاهر ظروف الحياة الصعبة وأسسن شركة الثمار الخاصة بالتصنيع الغذائي الفلسطيني التقليدي من المخللات والألبان والزعتر والفريك.
ومع بداية عام 2009 تخمرت الفكرة لدى الفتيات بعدما نضجت جلودهن من العمل في مؤسسات المجتمع المدني "إن جي أوز" التي تحد من إبداعهن وتحولهن لعاملات "بالسخرة"، تقول سوسن صوافطة.
ولذا لجأت السيدات الأربع لتأسيس شركتهن التي تعتمد على التصنيع الغذائي بطريقة محلية "تظهر المنتج بنكهة البيت"، وبروح التحدي والعمل الجماعي الأخوي انطلقن.
تخمر الفكرة
تقول سوسن للجزيرة نت بينما كانت تعد طلبية من المقدوس (المخللات) لأحد التجار إنهن يواجهن تحديات كبيرة، وأهم هذه التحديات خلق حالة من التنمية المستدامة والتحول عبر هذه المشاريع من كونها استهلاكية لإنتاجية.
وتعتمد الخريجات في مشروعهن على خط إنتاج واحد للمواد الخام مصدره السيدات المنتجات من المزارعات وغيرهن ليؤكدن أن عملهن نسائي بحت، الهدف منه النهوض بوضع المرأة العاملة.
وتقول سوسن إنه لم يكن أمامهن عقب التخرج عام 2004 سوى اللجوء لمؤسسات نسوية تعنى بهن، واستفادت وزميلاتها من عملهن لنحو خمس سنوات بهذه الجمعيات تعلمن فيها طريقة التصنيع والإنتاج والتسويق، "وبعضها كان داعما لنا في مسيرتنا كمنتدى سيدات الأعمال الفلسطينيات".
وواجهت الفتيات تعقيدات مختلفة لإنشاء شركتهن من التراخيص اللازمة ورأس المال المطلوب لذلك والكوادر العاملة.
ولهذا - تقول صوافطة- إن البداية كانت شاقة ومؤلمة وتحتاج لتضحية كبيرة لدرجة تخلين بها عن أرباح السنوات الثلاث الأولى بهدف التطوير والإبداع في ظل وجود منتجات منافسة.
عنصر المرأة
وأهم مقومات الشركة التي جعلت منها ناجحة وقوية كما ترى تغريد عباس-من المؤسسات للشركة- توظيفها عنصر المرأة سواء الجامعية أو المزارعة أو الحالات التي تعاني فقرا مدقعا.
وتتميز منتجاتهن بأنها طبيعية وخالية من المواد الحافظة ومصنعة بطريقة منزلية تجعل من تكلفة إنتاجها عالية، كما أنها بضائع منافسة، وأكثر ما ينافسها إمكانية كل سيدة إنتاجها منزليا.
وتضيف تغريد أن أرباحهن قليلة جدا نتيجة لذلك إذا ما قورنت بأرباح التجار والمسوقين.
وتعمل شركة الثمار برأس مال يقدر بنحو ستين ألف دولار وتوزع منتجاتها في 65% من المناطق الفلسطينية بالضفة الغربية، وتشغل ثماني نساء بشكل دائم طوال السنة وستين أخريات خلال المواسم المختلفة براتب يقدر بنحو خمسمائة دولار للموظفات الرئيسيات ومثله أو أكثر للمنتجات.
منتج مرغوب
وتعد قلة رأس المال والحاجة لموزعين آخرين وماكينات حديثة خاصة بالتغليف والتعبئة من أكثر المعيقات التي تواجه شركتهن، إضافة لغياب الدعم المادي من مؤسسات رسمية أو أهلية لهن.
أما التسويق فهو خطر دائم يداهمهن، ولهذا فإنهن يتخذن من معارض الغذاء المحلية المقامة بمدن الضفة وسيلة لبيع منتجاتهن، ويعملن لتصدير منتجاتهن إلى العالم قريبا.
وتؤيد مدير جمعية المرأة سوزان جرار في جنين خطوة شركة الثمار، خاصة في ما يتعلق بخلق استقلالية عن مؤسسات الـ"إن جي أوز" التي تقدم دعما مشترطا وتحارب التنمية المستدامة.
وأكدت للجزيرة نت أن تلك المؤسسات تريد إخضاع المنتفع منها لإشرافها والتحكم به عبر مشاريع تشغيلية استهلاكية أكثر منها تنموية، مضيفة أن واجبهم كمؤسسات تعنى بشؤون المرأة حماية شركة الثمار ومثيلاتها وتقديم خدمة التسويق لها والدفاع عنها.
وفي الشارع تحظى بضائع شركة الثمار بأهمية كبيرة، يقول عبد الكريم أبو ناعسة -أحد المستهلكين لبضائع الشركة- ويضيف أن ما يميزها غياب البضائع المنافسة بالطعم والشكل.
ودعا السيدات للبحث عن آليات مختلفة يستطعن بها الوصول إلى مختلف المناطق الفلسطينية لتسويق منتجاتهن "التي باتت تحمل علامة مميزة".
الجزيرة نت