احذر ان تصاب بحمى الفرح والابتهاج حين تسمع بتطور تكنولوجي وصل لوزاراتنا التي فوضناها بخدمتنا كمواطنين، قد تعتقد مخطئا ان هذه الوزارات وموظفيها ومدرائها هم في خدمتك، بينما كلما اقتربت اكثر منهم تكتشف انك انت في خدمتهم "ويا ريت عاجبهم"، كمواطن تحتاج لطرق الابواب والصراخ والاحتجاج كتفريغ ليس اكثر..وليس امامك بالنهاية الا العودة مجددا لابوابهم التي تكره الوقوف بها..نعود للتكنولوجيا التي تسير بلدنا نحوها والحمد لله على قدم وساق لحوسبة اعمالها ومؤسساتها، قد تظن ان الهدف هو حماية البيئة بتقليص استعمال الورق والحبر، وايضا نوع من الركض وراء الحداثة ومحاربة التقليدية.
بالامس القريب كنت قد توجهت لدائرة السير في محافظة رام الله، العاصمة المؤقتة على حد وهمنا، وذلك للتقدم لامتحان التؤوريا، كان من المفترض ان يبدأ الامتحان الساعة الثامنة والنص او الثامنة والربع حسب ما وصلنا، الا اننا جلسنا بباب الدائرة لساعتين ليتم ادخالنا للتقدم للامتحان.
يا فرحتنا التي لا توصف، لن يكون الامتحان على ورق، انما على اجهزة الحاسوب، ما هي الا دقائق حتى بدأنا الاجابة، وما هي الا دقائق ايضا حتى توقف الجهاز عن العمل، وبدأ الطلاب يحتجون، "الجهاز معلق".. "النت فصل".. "الجهاز سكر قبل ما اخلص"..اما انا فلازمني كرت الحظ الذي يرافقني في هذه البلد السعيدة، فقد اضطررت للانتقال لجهاز اخر، وبرضو علّق، لم يكن متبقيا لدي الا بضع اسئلة، ثم انني لم اقم بمراجعة الامتحان، وخاصة ان هناك مصطلحات لم تمر عني خلال سنوات دراستي، الطريق مشوشة!! لاول مرة اسمع ان الطريق يمكن ان تشوش، عندما يحدث خلل في البث او ما شابه للاذاعات والتلفزيون نقول بعاميتنا "القناة مشوشة"، اما ان تكون الطريق مشوشة فهذا جديد علي، فمن ضمن الخيارات المتاحة للاجابة هي اشارات تعني اما ان تكون هناك اعمال بالطريق، او ارض او عرة، او التواء، وبالتالي حسب المفهوم الشائع فكل هذه الامور "تشوش الطريق".
نعود للجهاز المعلق، حيث علا احتجاج الطلاب احتجاجا سلميا لم يفق حد الهمس، الكل يطالب بمساعدة، وذلك بسبب الاجهزة التي حلت ضيفة على مؤسساتنا، "بدنا نترقى ونصير نجاوب عالنت"، المساعد ابلغ احد الموظفين بضرورة احضار احدهم لحل المشكلة، لكن "ما راحت الا عاللي راحت عليه"، الوقت الذي حدده جهاز الحاسوب المحترم انتهى، والاجابات سلمت دون امر تسليم، فقد انتهى الوقت المبرمج على الحاسوب، ويعطيكم العافية يا وزارة المواصلات.
لم اسكت، وسألت الموظف المشرف، ماذا يعني ما حدث، اجابني بفتور يحقن به ربانيا معظم من يتوظف بالوزارات الحكومية- قال: يعني ان الامتحان انتهى، قلت: واذا لم يكن وقتي قد انتهى، وانت رايت المشكلة بنفسك، فأحسب مع "الراسبين"، هذا ما تقصده؟؟، قال بذات الفتور "نعم"، ومع استمرار النقاش من طرفي، قال بالحرف الواحد "مشكلتكم مع الاتصالات وليس معنا"، اجبته "واين نحن الان، وما علاقتي بالاتصالات؟!!، ثم شعرت اني ادور في حلقة مفرغة، مفادها النهائي ان المشكلة مع الاتصالات، وانني كمواطنة علي ان اقوم بعمل الحكومة، واذهب لاحتج للاتصالات، "هاد على مستوى امتحان تؤوريا مش اكثر يا جماعة؟!!"
سؤالي الاخير يا حضرة الموظف والدائرة الموقرة بعيدا عن شماعة الاتصالات، بما انكم لستم بمستوى التكنولوجيا الحديثة، فلماذا "تقرفونا" بها، "خلونا نجاوب على ورق وخلصنا"، وعندما يكون عندكم استعداد لتحمل مسؤولية مهامكم والتوكيل الذي منحناه لكم كمواطنين لتسهيل حصولنا على الوثائق والرخص اللازمة، عندها حوسبوا...
حسناء الرنتيسي.