ليون برخو
أمران أثارا انتباهي في الانتخابات السويدية الأخيرة التي حقق فيها حزب "ديمقراطيو السويد" وهو حزب يميني متطرف تقدما ملحوظا. الأول، كان شريط الفيديو الذي حمّله على وسائل التواصل الاجتماعي مهاجر في السويد. المهاجر هذا يذهب إلى متجر لشركة إيكيا الشهيرة، عملاقة صناعة وتجارة الأثاث في العالم، ويشتري حقائب ويعود بها إلى البيت. ومن ثم يبدأ المهاجر بحزم أمتعته استعدادا للرحيل. الثاني، يتعلق بنشر مشاهد لمظاهرة من قبل النازيين الجدد في مدينة سويدية هادئة هانئة ولكن سرعان ما يدب الخوف لدى الأهالي. القسس يهرعون لقرع أجراس الكنائس والناس تتقاطر للصلاة في مدينة مشهود لها تشبثها بالعلمانية حيث تبلغ نسبة الذين يقولون إنهم لا يتبعون أي دين نحو 80 في المائة. منظر السويديين وهم يرتلون الصلوات والكنائس تقرع الأجراس ذكر الكثيرين بمآسي القرون الوسطى وغزواتها وحروبها السياسية والمذهبية وكذلك فترة استيلاء النازيين والفاشيين على الحكم في كل من ألمانيا وإيطاليا في القرن الـ20. هناك خشية من تنامي المد اليميني المتطرف المتشرب بالأفكار الفاشية والنازية في الغرب. هذا لست أنا أقوله. اليوم يحذر من بروز هذا التيار رؤساء ووزراء، ومفكرون وفلاسفة ويخشاه الكثير من عامة الناس من المواطنين الأصليين وليس المهاجرين وحسب. ا
لحزب الشعبوي السويدي "ديمقراطيو السويد" الذي استقى الكثير من مبادئه من أدبيات النازيين الجدد رفع حصته من مجمل الأصوات في الانتخابات البرلمانية إلى نحو 18 في المائة بعد أن كانت نحو 13 في المائة. نسبة الزيادة في عدد الذين صوتوا لليمين المتطرف كانت نحو 5 في المائة بينما أغلب الأحزاب الرئيسة الأخرى خسرت نسب تراوح بين 3 و4 في المائة من الأصوات مقارنة بالانتخابات التي جرت قبل أربع سنوات. حصة هذا الحزب من الأصوات كانت نسبيا أقل من التوقعات التي خمنت أنه سيحصل على نسبة تراوح بين 20 و 30 في المائة من الأصوات ما كان سيضعه في المرتبة الأولى أو الثانية في تسلسل الأحزاب الكبيرة. رغم ذلك، احتفل مناصروه بهذا الإنجاز بطريقة تشبه احتفاء الفاتحين بقهر مدينة محاصرة، حيث ظلوا يهتفون ويرقصون حتى سويعات الصباح. وأرسلت الاحتفالات الصاخبة رسالة أن الحزب المتطرف هذا مصر على نهجه ومتيقن، حسب زعمائه، من اكتساح الساحة السياسية في الانتخابات القادمة، أي بعد أربع سنوات أخرى. وكانت الأزمة التي كررها مسؤولو الحزب تثير الخشية من المستقبل، حيث أكدوا أنه رغم عدم حصولهم على المرتبة الأولى أو الثانية لكنهم عززوا مرتبتهم الثالثة كأهم وأكثر حزب شعبية في السويد ما جعل منهم رقما صعبا لن يكون في إمكان أي حكومة ائتلافية تجاهله. وهذا أصبح واقعا بالنسبة للحياة السياسية والبرلمانية في السويد. وليس بإمكان الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي حكم السويد لنحو قرن كامل ومعه مؤيدوه من الأحزاب اليسارية الصغيرة تشكيل حكومة وحدهم. وليس في إمكان حزب المحافظين "يمين وسط" الذي حل ثانيا ومعه الأحزاب التي تؤيده تشكيل الحكومة وحدهم. وقبل الانتخابات كانت هناك خشية من أن تيار يمين الوسط يميل إلى اليمين المتطرف أكثر من ميله إلى اليسار المتمثل بالحزب الاشتراكي الديمقراطي، رغم أن التيارين حتى الآن قد عقدا العزم على عدم التحالف مع اليمين المتطرف.
مهما يكن من أمر، فإن النتيجة التي حصل عليها اليمين المتطرف قد أوصلته إلى مبتغاه حيث نرى حدّة متزايدة ونبرة خشنة من قبل التيارين الكبيرين ضد المهاجرين وميلا لقبول سياسات يتبناها اليمين المتطرف رغم التعهد بعدم القبول به كشريك في الحكومة. لقد كانت، من وجهة نظري، الانتخابات السويدية الأخيرة حدثا مفصليا ليس على نطاق الدول الإسكندنافية بل على نطاق الغرب بصورة عامة. قبل عقدين من الزمن، كان تقريبا أمرا محرما أو شيئا لا يقبله الخيال أن يكون هناك من يدعو إلى العنصرية ويتبنى أفكارا شوفينية متأثرة بالنازيين الجدد. اليوم، ومع الأسف، يشكل هؤلاء قوة سياسية مؤثرة، يحسب لها ألف حساب في السويد وبقية الدول الإسكندنافية التي كانت حتى الآن تعلّم الدنيا التسامح وقبول الآخر. فلا غرو أن تخشى الناس المقبل من الأيام لأنه إذا كانت السويد، التي لم تعرف التعصب والعنصرية في تاريخها الحديث يظهر فيها حزب يميني متطرف له شعبية بارزة، فما عسى أن يكون الأمر مع دول كانت أساسا الحاضنة التي ترعرعت فيها الفاشية والنازية في الغرب!
©الاقتصادية