رئيس التحرير: طلعت علوي

من الذاكرة - ارحمو هذا الشعب

الإثنين | 04/06/2018 - 02:42 مساءاً
من الذاكرة - ارحمو هذا الشعب

 د . نبهان عثمان

 

  جاءني صديق قديم في مكتبي في رام الله، عرف عنه الوطنية والنزاهة والتفاني في العطاء دون مقابل، ونكران الذات من اجل العمل الوطني، وعالي الثقافة والتعليم العالي، ومعروف بأنه شخصية عامة، والكثير من افراد شعبنا يعرفونه ويعرّفونه بـــــ"أبو الغلابا"، لكن فيه "صفة سيئة" انه لم يجاري متطلبات الحياة، من لف ودوران وكذب ونصب واحتيال، ولم يجاري البعض بسلوكهم الرديء، ولم تمتد يده الى المال العام، ولكن كان يردد الشهيد القائد الاخ بو عمار عنه، انه الوحيد الذي يطلب الشغل ولا يطلب فلوس.

بكوني أعرفه جيداً، أؤكد على نزاهته وتفانيه في العطاء، وخاصة انني كنت شاهداً على صراع خاضه في مكتب 36 في دمشق، عام 1971، بعد خروجه من السجن في تركيا وابعاده منها الى سوريا بقرار من مجلس الوزراء التركي حينها خلال 24 ساعه، بسبب نشاطه السياسي، وتفرغه في التوجيه السياسي لحركة فتح في مكتب قدسية بالقرب من الهامة القريبة من دمشق، للعمل في هيئة تحرير مجلة " المسيرة " الخاصة بقوات العاصفة. خاض صراع من أجل تخفيض راتبه، الذي كان يطلق عليه آنذاك مصطلح "مخصص"، لان مخصصه او راتبه كان يزيد عن حاجته، فقد تقاضى راتباً مقداره 273 ليره سورية، حيث كان يدفع اجرة بيت 60 ليرة، و 15 ليرة مواصلات، الى مقر عمله في قدسية، فوجد ان مخصصه يزيد عن احتياجاته، وخاصة في ذلك الوقت كان اعزباً وليس لديه مسؤوليات عائلية او التزامات مالية، فطلب تخفيض راتبه الى 180 ليرة سوري، ووجد في هذا المبلغ كافياً له شهرياً.

واثناء اجتماع هيئة تحرير مجلة " المسيرة " قدم طلباً للاخ هاني الحسن، مفوض التوجيه السياسي في حينه، وعند قراءة طلبه، تصدر مناكفة صاحبي احد كوادر الجهاز متهما اياه بالمزايدة او المزاودة، فرد صاحبي بأنه لا يريد زيادة مخصصه بل يريد تخفيضه، الى ان انتبه الاخ المرحوم عثمان ابو غربية، فاخذ صاحبي جانباً، وقال له هل انت تعرف ماذا تعني كلمة "مزايد" فاجابه ببراءة الشباب النقي يعني زيادة. ضحك الاخ عثمان ابو غربية، وقال له كلمة "مزاود" تشتق من "مزايدة" يعني بالعامية " انت جئت تبيض علينا "، وقال له غداً سأتيك بقائمة مصطلحات عليك حفظها حتى تفهم على اخوانك في الحركة، وفعلا احضر له الاخ عثمان ابو غربية قائمة طويلة من المصطلحات المتداولة، مثل مزاود او مزايد، متسلق، انتهازي، منبطح، متملق، ... الخ  

  وبعد جهد وتلاسن مع مسؤول مالية فتح في ذلك الوقت الاخ ابو اسامة محمد، تمت الموافقة على تخفيض مخصصه الى 180 ليره سورية. وعندما حان موعد تسليم المخصصات، ذهب صاحبي لاستلام المخصص، فوجد صاحبي مخصصه قد سحق الى 80 ليرة سورية، اعترض صاحبي فقال له موظف الرواتب، انظر الى الكشف، مكتوب 80 ليرة سوريه، وهذا يعني ان صاحبي وبعد تسديد اجرة البيت 60 ليرة و 15 ليرة مواصلات، يبقى له 5  ليرات فقط يستطيع ان يشتري بهم فقط 3 ساندويشات فلافل لطيلة الشهر، وبقي على هذا الحال اربعة اشهر قضاها في المراجعات والتوسط عند فلان وعلان، الى ان ساعده الاخ ابو العبد العكلوك رحمه الله على اعادة مخصصة الى 180 ليره.

ودارت الايام، وعدنا الى الوطن، بعد اتفاق اوسلو، وعاد معنا، وعمل في احدى الوزارات وتقاعد، وطيلة عمله منذ عام 1994 والى غاية شهر 10/2004، كان يأخذ سلفة على راتبه 1400 شكيل، كعقاب له انه رفض العمل مع خالد سلام، وكان برتبه وكيل مساعد، مدة عشرة سنوات ولم يترقى، الى ان اعاد اموره الى الصواب الرئيس الراحل الاخ ابو عمار رحمه الله.

دخل مكتبي في رام الله، ومن وجهه يتطاير شرار الغضب واليأس والاحباط، فسألته مابك يا صاحبي؟ اجابني واليأس والقرف يملئ الفراغات بين كلماته، بسؤال، بربك اجبني من يضع القوانين واللوائح المعمول بها في السلطة الوطنية الفلسطينية؟ اجبته بسؤال ايضاً، لماذا تسأل؟ قال هل معقول ان يدفع المواطن رسوم اخراج سند قيد من مديرية الاملاك 500 شيكل ومدته شهراً واحداً، واذا لم ينجز معاملته خلال شهر او تأخر بالمعاملة، عليه ان يدفع مرة اخرى من اجل ذلك 500 شيكل اخرى.

وزادت عصبية صاحبي، قائلا بربك من اين لي ان اجلب مبلغ 3151 ديناراً اردنياً، لدفع لهم ضريبة املاك ورسوم معرف ورسوم صيانه ونفايات للبلدية، وشقتي الوحيدة التي استملكها انا واسرتي بعد عشرات سنين، بقرض من البنك، اقتطعت اقساطها من لقمة عيش اطفالي.

وازداد صوته علواً ياعالم ارحمو هذا الشعب، الا تعرفون ان هذا الشعب تحت الاحتلال .... هل المطلوب تهجير الشعب .... وجلس مردداً ارحمو هذا الشعب ..... ارحمو هذا الشعب ....

التعليـــقات