رئيس التحرير: طلعت علوي

مؤلف بدون افكار

الثلاثاء | 30/09/2014 - 09:38 صباحاً
مؤلف بدون افكار


تحت هذا العنوان يكتب حامي شليف في "هآرتس" ان بنيامين نتنياهو لم يكن أسوأ ما يمكن، ولا أفضل ما يمكن، خلال خطابه في الأمم المتحدة. لقد كان عرضه طليقا، كالمعتاد، ولكن الجوهر كان متوقعا، باهتا، واذا شئنا ان نتعامل معه بأدب، نقول انه كان خطابا حمل دلائل تراجعية. فالحيل التي استخدمها كانت مكررة، والاعيبه متعفنة، بل ان العناوين بدت وكأنها من عصر آخر: الدول العربية أولا؟ أبو مازن ينكر المحرقة؟ أهلا بكم في القرن العشرين، سنوات  السبعينات تقريبا.
لقد اضاف الديكور الى الشعور بالـ"ديجاڤو" (كلمة فرنسية تعني "شوهد من قبل"). فلقد حرص عمال بلدية نيويورك على اخفاء الحواجز التي ادت الى اكتظاظ مروري في شرق منهاتن قبل وصول نتنياهو الى مقر الأمم المتحدة، واختفى افراد الشرطة الذين كانوا يحرسون المنطقة. وبدت البناية ذاتها كعمارة اشباح، وكانت قاعة الجمعية العامة نصف فارغة، كما ان جوقة المشجعين التي وقفت لتصفق لنتنياهو بتزامن تم تحديده مسبقا، ذكرّت بأيام النشرات الاخبارية بالأبيض والأسود، عن مؤتمر اللجنة المركزية للحزب الذي انعقد في مكان ما في الخمسينيات. لكن الكراسي الفارغة في القاعة عكست الى حد كبير الواقع: لا احد يشتري بضاعة نتنياهو اليوم، باستثناء المصوتين له في البيت وانصاره الأمريكيين.


يمكن لرئيس الحكومة ان يشعر بذلك خلال اجتماعه في البيت الابيض، يوم الاربعاء. هناك سيطلب الرئيس اوباما سماع شيء بناء حول ايران وليس مجرد تحديد مطلق بأنه يجب تفكيكها من القدرات النووية بشكل مطلق. وسيسأل اوباما نتنياهو: اذا لم يكن مع حماس وليس مع ابو مازن، فمع من إذن؟ هل سيعيد مصطفى دودين وروابط القرى؟
كما ان المقارنة التي اجراها نتنياهو بين حماس والدولة الاسلامية لا يتقبلها الا قلة، لأن احدا لا يوافق على المساواة بين صراع إسرائيل ضد الفلسطينيين، بما ينطوي عليه من احتلال، مع الهياج العدمي للجهاديين في سوريا والعراق. بل على العكس، ان محاولات نتنياهو المتكررة للمساواة بين حماس وداعش، وبين داعش والنازيين، وبين النازيين وايران، تشتم منها رائحة الألاعيب التي فقدت كل سيطرة. وهكذا ايضا، كان التشبيه بين ايران الشيطان، ولاعب البيسبول الكبير ديرك جيتر الذي استقال هذا الأسبوع. فقد بدا ذلك كخطوة يائسة من قبل مؤلف انتهت لديه الأفكار.


والأمر نفسه ينطوي على الصورة غير الواضحة للأولاد الفلسطينيين الذين يلعبون بجانب راجمات صواريخ حماس، والتي اثارت الحنين الى الرسم الكاريكاتوري للقنبلة الايرانية الذي لمع خلال خطابه في عام 2012. وهكذا، ايضا، كانت ادعاءاته المفصلة جدا والمنافقة جدا حول القلق البالغ للجيش الإسرائيلي على الضحايا المدنيين في غزة، والتي لامست التذمر ازاء الفلسطينيين الذين لا يشكرون الله على شرف نيلهم وابل القصف من قبل اعداء انسانيين كهؤلاء.
لقد طرح نتنياهو ادعاءات مبررة ضد استخدام عباس لمصطلح "ابادة شعب"، ومع ذلك، فان السلاح الذي استخدمه نتنياهو للرد كان مصابا بالصدأ: لقد حمل عباس المسؤولية عن جرائم حماس، كونه يقف على رأس حكومة الوحدة الفلسطينية التي رفض نتنياهو الاعتراف بها. كما ذكّر نتنياهو بأخطاء قديمة لعباس، كتنكره للكارثة والتعبير عن الطموح بأن تكون فلسطين خالية من اليهود، ولكن من مجموع المستحيل كان يجب سماع الممكن الحالي: انه عباس ذاته الذي حظي قبل عدة اسابيع فقط، بالثناء، لدينا ايضا، لقاء شجبه للكارثة ومحاربته للإرهاب والحفاظ على الهدوء الرائع في الضفة خلال الحرب على غزة.
لقد انضمت تصريحات نتنياهو الى الهجوم الذي لا يقل حدة، والذي شنه وزير الخارجية ليبرمان على الرئيس الفلسطيني، ووصفه بأنه "فقد الصلة بالواقع" خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده قبل خطاب نتنياهو. ربما كان التوقيت نوعا من رد الفعل المسبق: لقد سعى ليبرمان الى التخفيف من لدغات الهجوم الذي شنه نتنياهو على عباس، ردا على قيام نتنياهو "بسرقة" فكرته بشأن السلام مع الدول العربية كوسيلة لدفع العملية السلمية مع الفلسطينيين. ويمكن لليبرمان الشعور بالعزاء لكون الفكرة ستحظى برد مماثل – التجاهل المطلق.


الكلام يختلف عن الفعل
تحت هذا العنوان يكتب ناحوم برنياع في "يديعوت احرونوت"، ان خطاب نتنياهو كان رائعا، كتب بشكل جيد، يتركب من سلسلة من العبر القصيرة، القابلة للاستيعاب، وذات رسائل محددة، تمت تلاوته حسب وتيرة الكتابة، من حلال التركيز الصحيح على التوقيت المناسب، والتوقف المطلوب، بلهجة امريكية  مهنية رائعة. وبعد كل خطاب يلقيه نتنياهو في الأمم المتحدة اشعر بالفخر أكثر لأن هذا هو الشخص الذي يلقي كلمة إسرائيل من على منصة نيويورك. هناك مكانه.
لو كان والده، البروفيسور بن تسيون نتنياهو، على قيد الحياة، لكان سيشعر بالارتياح. لقد استثمر الأب سنوات من حياته للبحث في أخطاء الاسلام، ولخص الابن نظرية ابيه بخطوط بلاغية. داعش هو حماس وحماس هي داعش، بل ان داعش التي تسمي نفسها الدولة الاسلامية، تشبه الجمهورية الاسلامية الأخرى، ايران. ولم ينته الأمر بعد: السلطة الفلسطينية التي اقامت حكومة مع حماس، تنتمي الى العائلة ذاتها. مؤامرة اسلامية كبيرة، حول العالم، قامت لابادة الغرب واسرائيل، قلعة الغرب وممثلته في الشرق الأوسط. كلمات بسيطة ومبررة.
ان الاتهامات التي وجهها نتنياهو لا تفتقد الى الأساس: فالإسلام المتزمت رفع رأسه فعلا في السنوات الأخيرة، كما ان اقتراب ايران من عتبة التسلح النووي لا تبشر بالخير، والى جانب اسرائيل يعمل تنظيمين ارهابيين متطرفين، يتسلحان بالصواريخ، وادعاء رئيس السلطة الفلسطينية عباس، بأن إسرائيل مارست ابادة الشعب في غزة، لا تلامس الحقيقة. ولكن المقارنة بين حماس وداعش واهية، ولو بسبب استعداد الادارة الامريكية لابادة داعش، في الوقت الذي رغبت فيه إسرائيل وترغب بسلطة حماس في غزة.
حماس ضعيفة، هذا هو ما اراده نتنياهو قبل "الجرف الصامد" وخلال "الجرف الصامد" وبعدها. والمقارنة بين السلطة الفلسطينية وحماس سخيفة، لأنه في المجال الوحيد الذي يهم الحكومة الاسرائيلية في الموضوع الفلسطيني، الأمن، تتعاون السلطة الفلسطينية يوميا مع اسرائيل، وليس مع حماس. والحكومة المشتركة التي تكثر إسرائيل من شجبها في خطاباتها، تشكل الآن الأمل الكبير بالنسبة للحكومة الإسرائيلية، لأنها تعتبر الفرصة الوحيدة لابعاد الاندلاع العنيف في الجنوب.


اذا كان ابو مازن هو حماس، وحماس هي داعش، فان على إسرائيل قصف رام الله واستئناف النار في غزة. فالإرهاب هو الارهاب. وبدلا من ذلك فإنها تنتظر اللحظة التي تصل فيها الاموال الامريكية والاوروبية والسعودية لتمويل ترميم غزة ودفع رواتب مستخدمي حماس. هذا هو ما يسميه الامريكيون "التحدث من جانبي الفم" – الخطابات على حدة، والسياسة العملية على جانب اخر. ولكن نتنياهو يتحدث بشكل جميل، وقوي، وواثق، الى حد يجعل كل شيء يمر، ويتم مسامحته.
لقد انتبه الاسرائيليون الأذكياء الى نقطة اخرى مثيرة في خطاب نتنياهو، فهو يتحول خلال خطابه بالتدريج من مصطلح نحن الى أنا. انا مستعد لتسوية تاريخية، هناك اناس لا يتعاملون مع امن اسرائيل بجدية، ولكني انا افعل ذلك. وسأفعل ذلك دائما. كما لو انه يقول للعالم، ربما يتواجد في إسرائيل من يمكنكم التعامل معهم، ولكن لديكم مشكلة معي. انا، نفسي، بكل عظمتي، سأكون ندا لكم!
في نهاية خطابه يشبه نتنياهو نفسه بالنبي يشعياهو الذي أقسم: "من اجل صهيون لن اصمت، ومن اجل القدس لن اسكت". هذه عملية معروفة. ومن الطبيعي فقط انه بعد سنوات طويلة في السلطة فان الشعور لدى رئيسها هو انه لا يوجد غيره، وانه يتعاظم في عيونه وعيون المقربين منه، واما الدولة فضعيفة وهزيلة، وتسير بصعوبة في اثره. ولكن لماذا يجب كشف هذا السر لأعداء اسرائيل في الأمم المتحدة، للصغير السوري والصغيرة الفلسطينية، والكراسي الفارغة للصغار الآخرين، فهؤولا يمكنهم استغلال هذا السر.


الألاعيب فقط تتغير
تحت هذا العنوان تكتب سيما كدمون، في "يديعوت احرونوت"، ان نتنياهو يجيد الحديث، ولا خلاف حول ذلك، بل لا يمكن حتى لمنافسيه الكبار انكار ذلك، وهم يعترفون بذلك في استوديوهات التلفزيون بملء افواههم. وهذه الحلبة، الأمم المتحدة، تلائمه كما يلائم الحذاء القدم.
عندما ننظر اليه وهو يقف هناك، سنة بعد سنة، وللمرة التاسعة، يبدو انه لو كان الأمر ممكنا، لكان سيقف هناك الى الأبد مع اوراق الخطاب الكثيرة المكتوبة في كل سنة بأحرف اكبر، وامام الجمهور الذي لا يشكل تهديدا له، ومع الألاعيب المتغيرة – الرسوم البيانية، الصور، الارقام. الكلمات ذات الكلمات، وما يتغير هي الأدوات المساعدة فقط.
ولكنه بسبب هذه الموهبة بالذات، لهذا الممثل الذي يتم تفويته، وبالذات لأن ذلك يتواصل منذ سنوات كثيرة، فقد ساد الشعور الثقيل. لحظة، ألم نكن في هذا الفيلم من قبل. المعذرة – الم نسمح هذا الحوار الدرامي؟ الم نسمع ذات العبارات، وذات التهديدات وذات الوعود؟ اليس التوقيت الذي استل نتنياهو خلاله صورة الاطفال الذين يلعبون الى جانب منصة الصواريخ في غزة، هو ذات التوقيت الذي استل فيه رسم القنبلة الايرانية والخط الحمر، وخارطة معسكر أوشفيتز بيركينو ، قبل خمس سنوات؟ ما الذي تغير في الواقع بين تلك الخطابات وخطاب يوم امس؟ لا تزال ايران تحتل الموضوع الرئيسي للخطاب، ولكنه هذه المرة تم طرحه بمقارنات يصعب العثور فيها على الأيدي والرجل. حماس هي داعش وداعش هي ايران، ومن هنا، وباستدلال منطقي بسيط، يعني ان حماس هي ايران.


خلافا للسنوات السابقة، التي تحتم فيها على نتنياهو اقناع العالم بخطر السلاح النووي في ايدي ايران، كان يبدو هذه المرة، ان الأمر اكثر بسيطا. فبدل ان يشرح للأمريكيين لما تشكل ايران تهديدا وجوديا، كان يمكن استغلال المثال القريب من قلوبهم: هل قلنا داعش؟ كل الإسلام المتطرف الذي يريد السيطرة على العالم هو داعش وحماس وايران.
ويعلن نتنياهو: يوجد شرق اوسط جديد، وكم من المثير للسخرية الاشارة في ذلك الى العبارة الأصلية التي قالها شمعون بيرس. في الشرق الاوسط الجديد لدى نتنياهو توجد مخاطر جديدة وفرصا جديدة، ولكن وكما كان دائما، فقد سمعنا منه الكثير عن المخاطر والقليل جدا، اذا تم ذلك اصلا، عن الفرص.

 

‎ترجمات الصحافة العبرية -  الاعلام. 

التعليـــقات