رئيس التحرير: طلعت علوي

التهرب الضريبي

الجمعة | 10/02/2012 - 08:18 صباحاً


حسين الجالودي- وزارة المالية


تعني السياسة المالية باستخدام الوسائل المالية العامة وادواتها في تحقيق اهداف معينة غير الهدف المالي المتمثل في حصيلة الايرادات العامة. ومن اهم الوسائل المستخدمة في هذا المجال هي الضريبة، حيث ينجم عن فرض الضرائب آثار متعددة منها الاقتصادية والاجتماعية.
وبسبب هذه الاهمية, أي استخدام الضرائب في تحقيق أهداف محددة, تصبح قضية الالتزام الضريبي من القضايا الملحة التي تساهم في نجاح تحقيق هذه الاهداف. وبالمقابل فإن عدم الالتزام الضريبي أو التهرب الضريبي يصبح عائقاً أمام تحقيق هذه الاهداف.
تواجه معظم الدول المتقدمة منها والنامية مشكلة التهرّب والتهريب ولكن بنسب متفاوتة, وتؤثر هذه الظاهرة سلبا ً على موارد الدولة وعلى الأداء الاقتصادي وعلى البنية الأخلاقية للمجتمع، لذلك فإن مسألة التهرب والتهريب يجب أن تأخذ مكانها في برنامج الإصلاح الاقتصادي، والذي يحتاج لتضافر جميع الجهود ليكون على النحو المنشود ولتحقيق خطوات واسعة للأمام اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.
من هذا المنطلق ونظراً لهذه الاهمية, سوف نناقش في هذه الحلقة والحلقات القادمة قضية التهرب الضريبي, وما يحيط بهذا الجانب من مسائل مختلفة آملين الفائدة للجميع.
تعريف التهرب الضريبي:-


التهرب من الضريبة هو التهرب غير المشروع من خلال مخالفة المكلف للاحكام والنصوص القانونية بوسائل الغش والاحتيال على القانون بهدف التوصل الى عدم الالتزام بدفع الضريبة. فوسائل التهرب غير المشروع هي مخالفات يعاقب عليها القانون، ويصعب تحديد الطرق التي يتبعها المكلف في سبيل ذلك. اذ قد يتم التهرب غير المشروع بامتناع المكلف عن تقديم البيانات المتعلقة بنشاط عمله، او بتقديم بيانات كاذبة او غير صحيحة. كما يتم من خلال اخفاء الاموال او اخفاء محل الاقامة ليتاح للمكلف الامتناع عن دفع الضريبة، دون ان تستطيع الادارة الضريبية تحصيل الضرائب المستحقة لها.
ويعرف التهرب الضريبي بانه الامتناع جزئياً او كلياً عن دفع الضريبة. ويمكن ان يتم ذلك قبل تحقق الضريبة باستخدام بعض الوسائل التي لا تحقق التزاماً على المكلف، او بعد تحقق الضريبة بعدم ادائها الى الخزينة.
الآثار الاقتصادية للتهرب الضريبي:-
اولاً-اثر التهرب الضريبي في مجال التنمية:
تعتبر التنمية الاقتصادية والاجتماعية من الاهداف الرئيسية للحكومات في الدول النامية, بل انها تعد احدى الاهداف النهائية للسياسة الاقتصادية لتلك المجتمعات.


ولا  شك في ان التهرب الضريبي يشكل احد المعوقات في سبيل الوصول الى تحقيق هذا الهدف من خلال ما يؤدي إليه من الخسائر التي تلحق بالخزينة العامة والتي هي مصدر تمويل التنمية الاقتصادية والاجتماعية, ويؤدي بالتالي الى اضعاف قدرة الدولة على الانفاق في مجال الصحة والتعليم والخدمات العامة مما يترك آثاراً سلبية على التنمية البشرية.
وفي هذا المجال فان الدور التمويلي للضرائب يتمحور في اتجاهين.


الاول- توفير الموارد المالية اللازمة لتنفيذ المشروعات الاستثمارية، فتؤدي الضريبة دوراً اساسياً في دعم القطاع العام، مما يساعد على جذب رؤوس الاموال الوطنية والاجنبية لبناء الهياكل الاساسية،
الثاني- ان الدول النامية تتميز بانخفاض معدل الادخار الاختياري فيها وتخلف سوق رأس المال، وبذلك يصعب على المستثمرين في القطاع الخاص الحصول على التمويل اللازم لفرص الاستثمار المتاحة لهم.وهنا قد تستخدم الضريبة كاداة للحصول على موارد مالية لتوظيفها في بعض الاغراض مباشرة وذلك من اجل رفع مستويات الادخار الحكومي.


ثانياً - اثر التهرب الضريبي على ادارة المشروعات:
يؤدي انتشار التهرب وشيوعه في نوع معين من الانشطة االاقتصادية الى استقطاب الافراد واموالهم الى حيث تتوافر فرص التخلص من الضريبة، وبالتالي تنخفض نفقة الانتاج في هذا النشاط بمقدار الضريبة، او تمثل زيادة في الايراد مما يشكل ميزة للاستثمار فيه، وقد لا يكون ذلك النشاط مفيداً بالنسبة للمجتمع، او لا تسعى الدولة الى تشجيعه، ومع ذلك يتجه الافراد اليه لما يتميز به من امكانية التهرب والتخلص من الضريبة في مجاله.
ويؤدي وجود التهرب في هذا القطاع، الى صعوبة اعطاء البيانات السليمة عن التكلفة الفعلية للنشاط. وهو الامر الذي يؤثر على اتخاذ القرارات الاقتصادية التي تحتاجها المشروعات لا سيما فيما يتعلق بالادارة وادائها لوظائفها في المؤسسة بفاعلية، سواء في مجال التخطيط او في مجال الرقابة.


ثالثاً- اثر التهرب الضريبي على المنافسة بين المشروعات:
يؤدي التهرب الضريبي الى هدم شروط المنافسة العادلة بين المشروعات، حيث تكون الفرصة اكبر للمشروعات الاكثر مقدرة على التهرب الضريبي، في ان يتحقق لها التفوق على غيرها من المشروعات التي تتفوق عليها إنتاجاً او تنظيما او فائدة للمجتمع، حيث تنخفض بالنسبة لها نفقة الانتاج بمقدار قيمة ما احتفظت به نتيجة تهربها من الضريبة، وهو ما يجعل لها ميزة تستطيع معها ان تسيطر على السوق بمنافسة غيرها من المشروعات التي تعمل بحكم القانون بامتثالها للضريبة.


رابعاً-اثر التهرب الضريبي على الصناعة الوطنية:
يؤدي التهرب الضريبي الى زيادة حجم النقد المتاح في ايدي المتهربين.
مما يدفعهم الى زيادة انفاقهم الاستهلاكي وزيادة اقبالهم على السلع المستوردة والاجنبية احياناً والتي يسعى المشرع في الدول النامية الى حماية الانتاج الوطني منها، وذلك نظير تمتعها بعامل الجودة والتنوع، وهو ما تفتقده الصناعة الوطنية في بداية نشأتها، وهو ما يؤدي الى انخفاض حجم الطلب عليها بما يؤثر على سير تلك المشروعات ويضعف من صمودها امام منافسة السلع الاجنبية.


خامساً: اثر التهرب الضريبي في المستوى العام للاسعار:
يؤدي التهرب الضريبي الى انعدام فاعلية الحكومة في تحقيق اهداف السياسة المالية وذلك عندما تهدف السياسة الضريبية الى امتصاص النقد الزائد عن طريق خفض الطلب الفعلي الى المستوى الذي يضمن اعادة التوازن بين الطلب الكلي والعرض الكلي.
حيث تهدف السياسة الضريبية (في فترة التضخم) الى ان تسحب من المستهلكين القوة الشرائية الزائدة التي تسببت في ارتفاع الاسعار. فتؤدي الضرائب (الضرائب المباشرة) على الدخول الى تحقيق تلك النتيجة من خلال تخفيض الدخول المتاحة لهم عن طريق الاقتطاع الضريبي، ونجاح البعض في التهرب منها يؤدي الى انعدام فاعليتها كاداة لتحقيق ذلك، وهو ما يؤدي الى زيادة النقد المتاح في يد المستهلكين وزيادة اتفاقهم الاستهلاكي بما يؤدي الى تدهور قيمة النقود، وزيادة التضخم، وارتفاع الاسعــار.
ولا يخفى ما يؤدي اليه التضخم وارتفاع الاسعار بالنسبة الى هيكل توزيع الثروة والدخل القومي فيما يحدثه من اختلال في مستويات الاستقرار والتوازن الاجتماعي بين الطبقات داخل المجتمع، ولما يحدثه التضخم من تخفيض في مستوى المعيشة لاصحاب الدخول الثابتة والمحدودة،


سادساً- اثر التهرب الضريبي في الحافز على الانتاج:
ان انخفاض حصيلة الضريبة نتيجة التهرب الضريبي، قد يدفع بالحكومة الى زيادة معدلات الضرائب، او فرض ضرائب جديدة، وذلك عندما يستفحل اثره ويتسع نطاقه وتزداد الحاجة الى الموارد، وهنا قد تتجاوز معدلات الحدود المناسبة للحفاظ على حوافز الانتاج، بما يدفع الى اضعاف الحافز نحو الاستثمار في مجال الانتاج.
نخلص مما تقدم الى ان الآثار المتعددة الناجمة عن التهرب والتجنب الضريبي تساهم في اضعاف تمويل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما تؤثر على ادارة المشروعات والانشطة الاقتصادية، وتحد من المنافسة بين المشاريع الاقتصادية والاجتماعية، وتساهم في خفض المستوى العام للاسعار، كما يؤدي التهرب الى زيادة معدلات الضرائب وفرض ضرائب جديدة مما ينعكس على التطور والبناء الاقتصادي والاجتماعي في الدول النامية.

التعليـــقات