رئيس التحرير: طلعت علوي

بعد أحداث أرابتك بدبي.. ضاع النموذج وبانت حقيقة أسواقنا

الأحد | 13/07/2014 - 03:43 مساءاً
بعد أحداث أرابتك بدبي.. ضاع النموذج وبانت حقيقة أسواقنا

عاد التساؤل عن الاستثمار الأجنبي في البورصات الخليجية مع الأحداث التي عصفت ببورصة دبي أخيرا حول مجريات الصراع داخل الملاك الرئيسيين لشركة أرابتك، احدى كبرى الشركات العقارية في الامارات، والتي أدت الى نزيف بورصة دبي بنحو 30 مليار دولار من قيمتها السوقية بعد ارتفاعات متتالية لهذه البورصة لفتت أنظار العالم.

ولطالما اعتبرت دبي كإمارة ناشئة وبورصتها التي استطاعت جذب الأموال الاجنبية، نموذجا يحتذى في المنطقة، حتى ان كثيرا من المستثمرين الكويتيين نادوا بالتماثل مع دبي. الآن مع هذه الأحداث، يبدو السؤال مبررا للمسؤولين في المنطقة اذا كانوا يريدون أسواقنا صالونات تجمع العائلات الكبيرة والملكيات الحكومية، أو مركزا ماليا يجذب اليه الاستثمار من كل العالم على غرار بورصات ناشئة أخرى؟ ان الاجابة عن هذه الأسئلة يمكنها فهم العلاقة بين مراكز المال في المنطقة وبين التأثير الحكومي ونفوذ كبار اللاعبين فيها.

ما هو مطلوب

وفي الواقع، يشكل تعديل تملك الأجانب في رؤوس أموال الشركات المدرجة في اسواق الأسهم الخليجية احد التحديات لفتح اسواق الأسهم على الاستثمار الأجنبي واستقطاب رؤوس الأموال الاجنبية التي تعتبر بمعظمها استثمارا مؤسسيا يكون ذا قيمة مضافة الى اسواق الاسهم وتساهم في زيادة عمق اسواق الاسهم وسيولتها. بعد السماح للأجانب بتملك حصص متفاوتة في رؤوس أموال الشركات المدرجة في اسواق الاسهم الاماراتية وبورصة قطر التي سبقت تفعيل قرار رفع تلك الاسواق الى مرتبة الاسواق الناشئة، يبقى التحدي لكل من بورصة الكويت وسوق الأسهم السعودي في تعديل قانون تملك الشركات من قبل الأجانب وذلك لفتح اسواق الاسهم وتسهيل حركة دخول وخروج الاستثمارات بالتزامن مع غياب الضرائب على أرباح الاستثمارات التي تعتبر ميزة تنافسية مقارنة مع الاسواق المتقدمة.


فوائد الاستثمار الأجنبي
ومع أن المسؤولين بالمنطقة يقولون علنا انهم يطلعون الى فتح بورصاتهم للاستثمار الأجنبي، الا أن الوقائع على الأرض تظهر أن هذه البورصات لم ترتق لمستوى الشفافية والإفصاح الذي يجعل المستثمر الأجنبي يخاطر بالدخول فيها.

كما أن العوائد حاليا ليست بمستوى المخاطرة الموجودة، واكبر دليل أحداث بورصة دبي، أضف اليها المخاطر الجيوسياسية حيث مخاطر هروب رؤوس الأموال وسط منطقة تعيش أحداثا وصراعات سياسية داخلية واقليمية قد تطيح بثقة المستثمر الأجنبي وتدفعه الى الخروج الى الاسواق الآمنة والمستقرة سياسيا.

وللاستثمار الأجنبي فوائد متعددة للبورصات الخليجية تبدأ بتنشيط السيولة وتنتهي برفع كفاءة السوق وتشجيع الاستثمار المؤسسي. فالبورصات الخليجية ليست بحاجة الى الاستثمارات الاجنبية التي تدخل وتخرج بسرعة أي ما يسمى برأس المال الساخن (Hot Money)، حيث تساهم تلك الأموال في زيادة التقلبات في اسواق الأسهم بالرغم من مساهمتها في تنشيط السيولة ورفعها (سوق دبي المالي خير مثال على ذلك)، بيد انها بحاجة الى الاستثمار الأجنبي المؤسسي المتمثل بالصناديق الاستثمارية التي تديرها بيوت الاستثمار العالمية العالية المهنية، والذي بدوره يساهم في رفع كفاءة اسواق الأسهم وتنشيط السيولة وزيادة عمق السوق والتخفيف من حدة المضاربة على الأسهم ورفع مستوى الوعي الاستثماري وثقافة الاستثمار عند المستثمرين المحليين من خلال إصدار الدراسات والابحاث الاستثمارية والتوصيات وتوقعات الأداء المالي للشركات المدرجة التي يتم اصدارها دوريا ومساهمتها في تعزيز الاستثمار المؤسسي الخليجي في ظل سيطرة سيولة الاستثمار الفردي المضارب على حركة معظم أسواق الاسهم الخليجية.

وقد لاحظنا في السنوات الاخيرة تعاظم دور البيوت الاستثمارية المحلية والعالمية في رفع مستوى الوعي الاستثماري لدى المستثمر المحلي عن طريق إصدار تقارير التحليل المالي والتوصيات الاستثمارية باحتساب الأسعار العادلة لشريحة كبيرة من الأسهم القيادية المدرجة في سوق الاسهم السعودي وبورصات الكويت والإمارات وقطر والبحرين.

المضاربة بالأسهم وتداول الأفراد

وكأن الأزمة المالية لم تحصل ولم تضرب اسعار الأسهم المتضخمة، حيث لاتزال المضاربة العشوائية تضرب اسواق الخليج وان بوتيرة اقل من سنوات ما قبل الأزمة، لكنها تتكرر دائما وتتناوب عليها الأسواق (بورصة الكويت في الأشهر الستة الأولى من 2013 وبورصة دبي وابوظبي وقطر في 2014). ويزيد من حدتها طبيعة التداول الذي يعتمد على المستثمرين والمتداولين الأفراد الذين يبتغون الربح السريع ويسلكون طريق المضاربة بالاستناد الى الشائعات، وبالتالي يتكبد المستثمر المؤسسي الخسائر ودفع بالسوق الى انخفاضات او ارتفاعات غير مبررة تؤثر بشكل سلبي على الجو الاستثماري العام وتجعل المستثمر الأجنبي مترددا في الدخول على الأسهم وحذرا عند اي حدث تتفاعل معه البورصة.

ومن هنا ضرورة العمل على زيادة الوعي الاستثماري والتحليل المالي السليم عند المستثمرين الأفراد لتقليل المخاطرة وحماية السوق من ردات الفعل العكسية عند الاحداث التي قد تتعرض لها البورصات والاقتصادات. هذا دور البورصات وهيئات اسواق المال والبيوت الاستثمارية والبنوك ومديري الاصول في إصدار الابحاث الاستثمارية وتوزيعها على المجتمع الاستثماري وإتاحة الفرصة امام المستثمرين للاطلاع على المعلومات والبيانات المالية وتوفرها في الأوقات المناسبة دون تأخير وبدقة وشفافية ومصداقية عالية، فالمعلومات والبيانات الخاطئة تؤدي الى تحليل مالي خاطئ وقرارات استثمارية غير صائبة وبالتالي مخاطر عالية وخسائر.

ومن الملاحظ ان سوق الكويت للأوراق المالية لم تبذل الجهود المطلوبة أو تشرع القوانين اللازمة أو تقدم الحوافز الكافية لاستقطاب الاستثمار الأجنبي، نتيجة القيود والتحفظات على تملك المستثمرين الأجانب لحصص مؤثرة في رؤوس أموال الشركات المحلية وتشدد القيود على تملك اسهم البنوك بحيث لا تتجاوز نسبة التملك الـ 5% من رأسمال اي بنك الا بعد الحصول على موافقة بنك الكويت المركزي. أضف الى ذلك غياب صانع السوق وغلبة تداول الأفراد على سيولة السوق وضعف كفاءة السوق والشفافية في الإفصاح. هذه العوامل مجتمعة لا تشجع المستثمر الأجنبي على دخول السوق بقوة على الرغم من وجود عدد كبير من الشركات المدرجة ذات الأداء المالي القوي والرائدة في مجالها في منطقة الخليج، وربما يشرح ذلك لماذا سوق الكويت محلية جدا، وغير مشجعة على الاستثمار المؤسسي.

الأجانب نسبة لا تُذكر ببورصة الكويت

لا يزال التداول في سوق الكويت للاوراق المالية محلياً بامتياز حيث شكلت قيمة الاسهم المشتراة من قبل المستثمرين الكويتيين، أفراد ومؤسسات، نحو 83% من اجمالي قيمة الاسهم المتداولة في البورصة خلال الأشهر الستة الاولى من عام 2014 والتي سجلت نحو 3.376 مليار دينار، بينما شكلت قيمة الاسهم المباعة من قبل المستثمرين الكويتيين نحو 89% من اجمالي القيمة المتداولة خلال الفترة نفسها. اما بالنسبة لفئة المستثمرين الكويتيين، فالتداول يتوزع بالتساوي بين الأفراد والمؤسسات مع غلبة عمليات البيع لصالح الأفراد وعمليات الشراء للمؤسسات وهذا يعتبر طبيعي نتيجة تركز تداول الأفراد على المضاربة بينما الاستثمار المؤسسي عادة ما يتجه نحو الشراء وبناء المراكز في ظل تدني اسعار الاسهم مع الاحتفاظ بدرجة متوسطة من المتاجرة.

كان الاستثمار الخليجي (أفراد ومؤسسات) في البورصة الكويتية ضعيفا خلال النصف الاول من عام 2014 حيث استحوذت تداولاته فقط على 3.6% من قيمة الاسهم المشتراة و2.9% من القيمة التي تم بيعها وبالتالي دخل شارياً على البورصة ب 25 مليون دينار وهذا رقم متواضع جداً مقارنة مع التداولات في اسواق الاسهم الخليجية الاخرى والتي تستحوذ على نحو 40% من قيمة التداولات في اسواق الإمارات.

اما راس المال الأجنبي والذي بغالبيته استثمار مؤسسي، لا يزال بعيد جداً عن لعب دور أساسي ومؤثر في تداولات وأداء بورصة الكويت، اذ استحوذت تداولاته على 13% من قيمة المشتريات في البورصة او ما يعادل 438 مليون دينار وعلى 8% من قيمة المبيعات او ما يعادل 272 مليون دينار. هناك عامل إيجابي بدخول راس المال الأجنبي مشترياً بصافي قيمة بلغت 166 مليون دينار بعد ان بدأت القرارات التي اتخذتها هيئة اسواق المال بالتزامن مع تطبيق اللائحة التنفيذية لقانون اسواق المال تجني ثمارها في تشجيع الاستثمار المؤسسي في البورصة وجذب راس المال الأجنبي الذي يهتم بمبدأ الشفافية والعدالة وتطبيق القوانين وتنظيم السوق بالاضافة الى الاستقرار السياسي والاقتصادي.

بعد انكشاف بورصات خليجية

كيف السبيل لتشجيع الاستثمار الأجنبي لسوق الكويت؟

أمام بورصة الكويت فرصة لكي تعود لريادتها في المنطقة، بعد أن انكشفت بورصات الخليج المتقدمة بأن ظاهرها شيء وباطنها أشياء، ولتشجيع الاستثمار الأجنبي يفترض التالي:

? تعديل القوانين والسماح للأجانب بتملك حصص متفاوتة في رؤوس أموال جميع الشركات المدرجة، وهذا من الشروط الرئيسية لاستقطاب هذا الاستثمار إضافة إلى حرية دخول الأموال المستثمرة وخروجها وغياب الضرائب على أرباح الاستثمار.

? تطوير البنى التحتية التشريعية وفق أفضل الممارسات العالمية ومنها ما اصبح ساري المفعول كقانون اسواق المال ولائحته التنفيذية والقرارات التي اتخذتها هيئة اسواق المال التي تهدف الى تنظيم السوق وتحقيق مبدأ العدالة وحماية المستثمر من التلاعب بأسعار الاسهم وتضليل المستثمر ببيانات وإعلانات غير صحيحة.

? توفير المتطلبات اللازمة لتطوير آليات عمل البورصة للمساهمة في تعزيز كفاءتها واستقرارها مع الأخذ في الاعتبار العدالة في التعاملات لكل شرائح المستثمرين وإعطاء الاهمية والاولوية لحقوق الأقلية وصغار المساهمين بالتساوي مع كبار المساهمين والذي بدوره يؤدي إلى عدم استئثار شريحة معينة من المطلعين والمضاربين بالقدرة على الحصول على المعلومات الجوهرية والاستفادة منها قبل نشرها بما يؤثر سلبا في سمعة البورصة وكفاءتها وارتفاع مخاطر الاستثمار.

? وبهدف تعزيز تدفقات الاستثمار الأجنبي المؤسسي المتوسط والطويل الأجل الى البورصة الكويتية ووضعها على خريطة الاستثمار العالمي، يفترض المبادرة إلى توفير كل المتطلبات التي تؤهل البورصة للانضمام إلى مؤشرات مورغان ستانلي (MSCI) للاسواق الناشئة التي تحظى باهتمام المستثمرين في جميع أنحاء العالم كما أنها معتمدة على نطاق واسع من قبل مديري الصناديق الاستثمارية في الأسواق الناشئة.

? إصدار او تعديل القوانين اللازمة والتي تهدف إلى زيادة عمق السوق (Market Depth) وتنويع الأدوات الاستثمارية ودعم الاستثمار المؤسسي، وفي مقدمة هذه القوانين قانون صانع السوق الذي يعزز توافر منتجات مالية (المشتقات المالية والعقود الآجلة) وينشط تداول أسهم الشركات التي تعاني ضعفا في السيولة.

? توافر أنظمة البيع على المكشوف، وإقراض الأوراق المالية واقتراضها، والتسليم مقابل الدفع.

? التشدد والتفوق في الإفصاح التفصيلي والشفافية العالية في التخاطب مع المساهمين وتطبيق مبدأ الحوكمة الرشيدة للشركات وقانون الشركات التجارية الجديد وإعداد التقارير المالية المفصلة للمساهمين وفق المعايير المتبعة في اسواق الاسهم العالمية.


 

Al Anba

 

التعليـــقات