رئيس التحرير: طلعت علوي

التداعيات الخطيرة لتطبيق قانون الالتزام الضريبي للحسابات الأجنبية في فلسطين

الأربعاء | 11/06/2014 - 09:27 صباحاً
التداعيات الخطيرة لتطبيق قانون الالتزام الضريبي للحسابات الأجنبية في فلسطين التداعيات الخطيرة لتطبيق قانون الالتزام الضريبي للحسابات الأجنبية في فلسطين

التداعيات الخطيرة لتطبيق قانون الالتزام
الضريبي للحسابات الأجنبية في فلسطين


الحلقة -1-
محمد خضر قرش – القدس


الإطار والمفهوم 
ضمن خططها لبسط نفوذها وتحكمها بالنظام المصرفي والمالي الدولي والسيطرة عليه ،أصدرت السلطات التشريعية المختصة في الولايات المتحدة الأميركية عام 2010 قانونا أطلقت عليه أسم" الامتثال(الالتزام ) الضريبي للحسابات الأجنبية"Compliance Act The Foreign Account Tax والمعروف اختصارا باسم  FATCA ،يلزم المصارف والمؤسسات المالية والاستثمارية وبعض شركات التأمين الأجنبية والعاملة خارج الحدود السيادية للولايات المتحدة الأميركية،بتقديم معلومات حول حسابات وودائع وأرصدة الأميركيين والعاملين أو المقيمين في الدول الأجنبية إلى هيئة الضرائب الأميركية  (أفرادا كانوا أو مؤسسات ). وهذا يستدعي من المصارف والمؤسسات المالية التسجيل لدى مصلحة الضرائب الأميركية وموافقتها طوعيا على تقديم معلومات مصرفية حول حجم الأموال المودعة أو المستثمرة لدى هذه البنوك والمؤسسات والعائدة للمواطنين الذين يحملون الجنسية الأميركية أو يحملون جنسيتين أحدهما أميركية أو البطاقة الخضراء Green Card  أو إقامة دائمة مثبتة على جواز السفر غير الأميركي(الأردني ،الفلسطيني، المصري  الخ) قضى منها 183 يوما في السنة على الأقل أو ثلثها في السنة السابقة بشرط أن لا يكون أستاذا أو طالبا أو رياضيا أو دبلوماسيا كما يخضع للتبليغ من كان لديه عنوانا دائما في الولايات المتحدة الأميركية . ويفهم مما تقدم أن المؤسسات المالية الأجنبية يتطلب منها الإبلاغ عن عملائها الأمريكيين الذين لديهم حسابات أو أرصدة على شكل ودائع أو أسهم أو مساهمات رأسمالية خارج الولايات المتحدة الأميركية بما فيها الشركات التي للمواطن الأميركي حصة مؤثرة فيها( 10%) أو ممن يحق لهم التصويت واتخاذ القرارات . والحيثية من وراء إصدار هذا القانون ، أن هيئة الضرائب الأميركية تعتقد بان الذين يحملون الجنسية الأميركية أو ممن تنطبق عليهم المواصفات آنفة الذكر يتهربون من دفع الضرائب عبر إخفاء أموالهم في حسابات خارجية ( off shore ) .ولوقف هذا التهرب رأت مصلحة الضرائب الأمريكية انه من الضروري قيام المؤسسات المالية الأجنبية بالإبلاغ عن المعلومات المتعلقة  بالحسابات التي تخص الأميركيين العاملين في الخارج  إلى مصلحة الضرائب الأميركية .
تعريف المؤسسة الأجنبية الخاضعة للقانون 
هي كل مؤسسة غير أميركية تقبل أصولا مالية لحساب آخرين أو تستثمر أموالهم في شتى المجالات
كالأسهم والسلع والخدمات والمساهمات الرأسمالية وهذا ينطبق على صناديق التقاعد والاستثمار والبنوك وبعض شركات التأمين والوصاية على الممتلكات. ومن شأنه إلزام المؤسسة الأجنبية بالإبلاغ عن كل دفعة تخص المواطنين الأميركيين السابق الإشارة إليهم ،كالفوائد على المبالغ والمحافظ والأرباح والإيجارات والرواتب والأجور والأقساط السنوية ورسوم الترخيص أو أية عائدات ناتجة عن بيع أو إعادة تنظيم ملكية أميركية من النوع الذي يغل فائدة بالإضافة إلى الفائدة المدفوعة من فروع أجنبية تابعة لبنوك أميركية أو اية تحويلات أيا كانت طبيعتها من وإلى الحساب .أما المقصود بالضريبة لغايات هذا القانون فهي :ضرائب الدخل والشركات والقيمة المضافة والجمارك والمبيعات والانتفاع وأية ضرائب أخرى يكون على الخاضعين واجب تسديدها ودفعها
آليات الالتزام والتنفيذ
هناك آليتان لتنفيذ ما سبق.الأولى من خلال قيام الحكومات الأجنبية بالتوقيع على اتفاقية ثنائية مع مكتب الخدمات الضريبية الداخلية الأميركية Internal Revenue Service’s  U.S والمعروفة اختصارا ب IRS وتسمى هذه الاتفاقية بالإبلاغ عن المعلومات الضريبية والثانية قيام المؤسسات المالية والبنوك بالتوقيع المباشر مع مكتب الخدمات الضريبية حيث يطلق عليه أسم البنك المشارك. ولكن الأمر لا يتوقف عند ذلك ، فالبنك غير المشارك – أي الذي يرفض التوقيع على الاتفاقية- سيتعرض لمخاطر عديدة أهمها: التشغيلية والسمعة .ففي الحالة الأولى سيتم استقطاع 30% من أي دفعة أو حوالة مالية أو تحصيل شيكات من بنك أو مؤسسة أميركية مراسلة له وفي حال عدم قيام البنك الأميركي باستقطاع النسبة المنوه عنها سيتعرض هو نفسه لهذا الخصم من السلطات الرسمية الأميركية ذات الاختصاص .وفي الحالة الثانية فأنه من المحتمل جدا بل والأكيد أن توقف البنوك الأميركية والأوروبية الموقعة على الاتفاقية التعامل مع البنك ويصبح خارج النظام المصرفي الدولي وخاصة الغربي (الرأسمالي) .
المبررات الأميركية لإصدار القانون
بررت الولايات المتحدة الأميركية لتسويقها هذا القانون بان هناك تهرب ضريبي كبير من قبل المكلفين الأميركيين أو الذين يخضعون لها من الفئات السابق الإشارة إليهم . فالولايات المتحدة تقول بان الضرائب التي لا تسدد من قبل المكلفين الأميركيين تصل إلى نحو 100 مليار $ وهذا يعادل 4.3% من مبلغ الضرائب التي تجبيه سنويا والمقدر ب 2.3 تريليون $. فوفقا للإحصاءات الأميركية فإن المبلغ المجبى آنف الذكر يشكل نحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي وهذه النسبة هي الأقل منذ 50عاما. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هل حقيقة أن مبرر تشريع القانون هو لضبط التهرب الضريبي؟؟ ولماذا تريد أن تحول المؤسسات المالية والبنوك الدولية إلى جباة ومحصلين لها!! وهل المبلغ الذي تقدره والمشار إليه آنفا يستحق كل هذه الإجراءات ، خاصة وأنه لا يشكل أكثر من 4.3% من مجموع الضرائب المدفوعة، أي أن نسبة التحصيل الضريبي في الولايات المتحدة تصل إلى 95.7% وهي عالية جدا ومن النادر أن تجدها في أي دولة في العالم من هنا يمكن وضع علامات استفهام كبيرة جدا حول الأهداف التي تسعى الولايات المتحدة تحقيقها من وراء طرح هذا القانون؟؟ فهل صحيحا أنه لا توجد طرق أو وسائل أخرى بديلة لوقف التهرب الضريبي!! وبدون الخوض في التفاصيل الفنية فانه يمكن تقليص نسبة التهرب أكثر دون حاجة لإصدار تشريع كهذا. فالمواطنون الأميركيون الذين يعملون في الخارج يقومون عادة وبشكل منتظم بإبلاغ سفارتهم بعد مرور أسبوع على الأكثر من وصولهم للدولة التي سيعملون فيها حيث يضعوا عناوينهم وأرقام هواتفهم وأسم المؤسسة التي يعملون فيها ويعبئون استمارة خاصة بذلك بالإضافة إلى البريد الاليكتروني ليتم الاتصال بهم حين الطوارئ والطلب منهم مغادرة البلد أو أخذ الحذر أو للمشاركة في الانتخابات أو للقيام بعمليات الإجلاء إذا دعت الضرورة لذلك، وهذا يتم في كل دول العالم وعلى وجه الخصوص في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والتي تشهد اضطرابات وعدم استقرار كما هو الحال في الباكستان وغيرها. فلو كان الغرض وقف التهرب الضريبي لكان بإمكان السفارة الأميركية أو مصلحة الضرائب الأميركية أن تطلب من المواطنين الأميركيين العاملين تزويدها بكتاب رسمي من المؤسسة التي يعملون فيها والراتب والامتيازات التي يتقاضونها حيث يمكن للجهات الرسمية الأميركية أن تتأكد من صحة الكتاب بسهولة وبدون عوائق. وهذا ليس بجديد وهو متبع منذ مدة لكن دون أن يصاحبه تحقق.فعدم التزام المواطن الأميركي بدفع الضرائب لحكومته يجب أن لا يكون نتيجته تحويل المصارف الدولية إلى جباة للولايات المتحدة ! ومما تقدم يتضح أن الغرض الحقيقي للقانون الأميركي ليس وقف التهرب من الضريبة وإنما الإطلاع على حركة المصارف ووضع حد للسرية المصرفية حيث لمصلحة الضرائب الحق كما سنشير إليه بعد قليل القيام بالتفتيش الاليكتروني واليدوي للتأكد من مدى التزام البنك بتطبيق القانون .
حدود سقوف التبليغ والتفتيش والامتثال
حددت التعليمات المتعلقة بقانون FATCA سقوف التبليغات الواجب على المؤسسات المالية الأجنبية أن ترسلها لمصلحة الضرائب الأميركية سواء بالنسبة للأفراد أو المؤسسات. ففيما يتعلق بالأفراد فإن كل صاحب حساب لديه رصيد دون ال50 ألف $ يكون معفيا من المتطلبات والإجراءات بما فيها العناية الواجبة أما من لديه أكثر من 50 ألف إلى مليون$ فيخضع حسابه لمراجعة البيانات إليكترونيا ولا يتطلب مراجعة آو بحث يدوي أو الاتصال بصاحب الحساب ما لم يتم العثور على مؤشرات أميركية ذات دلالة من خلال المسح الاليكتروني. وفي حال زيادة رصيد حسابه على المليون دولار فيخضع للمراجعة الاليكترونية واليدوية للملفات بما فيها الاتصال بالمدير المعني بالحساب في المؤسسة الأجنبية. وفي حال لبى البحث الالكتروني متطلبات معينة فان المراجعة اليدوية لا تكون مطلوبة. وعلى جميع الأحوال فإن البنك الأجنبي يعتمد على المعلومات المستقاة من قواعد اعرف عميلك وطبقا لقانون غسل الأموال. وفيما يتعلق بالشركات الأميركية أو التي يساهم فيها أميركيون بنسب مؤثرة تزيد على 10% أو له حق التصويت واتخاذ القرارات  فهي مستثناة من المتطلبات والإجراءات إذا كان رصيدها دون أل 250 ألف $ وفي حال كان رصيدها من 250 ألف إلى مليون $ فتخضع لمراجعة عادية إليكترونية أما إذا زاد على ذلك فتخضع للمراجعة الاليكترونية وإذا تطلب الأمر يدويا. أما بالنسبة للحسابات ذات القيمة المرتفعة فان التعليمات تتطلب مراجعة خاصة للوثائق والملفات الالكترونية.
وفيما يتعلق بمعايير الامتثال فانه يتوجب على  المؤسسة المالية الأجنبية المشاركة أن تلتزم بإجراءات التحقق وذلك من خلال تحديد هوية الحسابات الأمريكية. فالتعليمات المقترحة تتطلب بان يقوم المسئولون في المؤسسة المالية بالإقرار بأنهم ملتزمون بكافة شروط اتفاقية المؤسسات المالية الأجنبية المحددة في القانون. وفي حال التزامها بما تتضمنه الاتفاقية فلن تكون مسؤولة عن الفشل أو التقصير أو عدم تحديد الحسابات الأمريكية بالمفهوم الواسع المشار إليه آنفا. علما بأن الاتفاقية لا تشترط أن يتم التحقق من الالتزام من خلال التدقيق الذي تقوم به أطراف أخرى (مدققون خارجيون مستقلون). وبشكل عام فأن التزام المؤسسة الأجنبية يكون وفقا لما يلي :
• القيام بالإبلاغ عن المعلومات بشكل سنوي إلى مصلحة الضرائب الأميركية فيما يخص كل حساب مواطن أميركي بالمفهوم السابق الإشارة إليه.
•  التزام المؤسسة الأجنبية بتزويد مصلحة الضرائب الأميركية بأية استفسارات ترسل لها رسميا على الحسابات الأميركية المفتوحة لديها.
•  وتشمل المعلومات على سبيل المثال: الاسم والعنوان ورقم التعريف الضريبي والحساب والرصيد والإيداعات والسحوبات الإجمالية أو المدفوعات والتحويلات من وإلى الحساب. ويعتبر البنك المشارك مقصرا إذا لم يقم بتزويد مصلحة الضرائب الأميركية بالمعلومات المطلوبة سالفة الذكر .أما في حال رفض صاحب الحساب التنازل عن السرية المصرفية فعلى المؤسسة الأجنبية إغلاق حسابه. 
ولخدمة السياق سالف الذكر فأنه من المفيد الإشارة إلى الجدول الزمني لتنفيذ القانون:
• اعتبارا من 15 تموز /يوليو 2013 بدأ العمل بتسجيل الاتفاقيات مع المؤسسات المالية الأجنبية عبر الانترنت وتشمل المؤسسات (المصارف)التي أعلنت موافقتها على الالتزام بالقانون.
• اعتبارا من الأول من يناير /كانون الثاني 2014 تبدأ عملية خضوع العملاء الجدد للضريبة
• اعتبارا من الأول من تموز / يوليو 2014 يبدأ احتساب الاستقطاع الضريبي بنسبة 30% للمؤسسات (المصارف) غير الراغبة بتطبيق القانون
• في نهاية كانون الأول /ديسمبر2014 يتم انجاز تغطية الحسابات التي تبلغ مليون دولار فأكثر
• في منتصف مارس/آذار 2015 تبدأ عملية إصدار التقارير الأولية لهيئة مصلحة الضرائب الأميركية
•  في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2015 تبدأ إنجاز معايير معرفة جميع العملاء المحليين الذين تزيد أرصدتهم عن الحد الأدنى من المبلغ المفروض كما هو في 13/12/2014
في الحلقة الثانية، سنتطرق لكيفية معالجة سلطة النقد لهذا القانون بالمقارنة مع الدول الأخرى المجاورة وغيرها .

التعليـــقات