المصالحة والانتخابات والشعب
بقلم: توفيق نصار
ننام ونصحى على المصالحة نجوع ونأكل على المصالحة، يتقاتل الناس، يتناقش الناس، يتصالح الناس، يضحكون ويبكون على المصالحة. تجتمع الدول وتلتئم القمم ويدعو الزعماء وتكتب الأوراق وتوقع الاتفاقيات ولا مصالحة. يحذونا الأمل، ويحبطنا الزمن، نعيش نموت بلا مصالحة.
كل هذا يدفعما للسؤال، لماذا المصالحة؟ وهل حقيقة أن المصالحة غالية على القلوب، ام انها مجرد شعار يردد وينتهك، ليردد مرة اخرى ويتتهك. هل حقيقة أن المصالحة هي تعبير عن وحدة الشعب والأرض؟ وهل ستؤدي الحوارات والتحركات الحالية الى مصالحة حقيقية والى اعادة توحيد القلوب فبل توحيد البرامج؟
ولنعد الى اليوم الأول الذي استلمت به حماس رئاسة الحكومة بعد حصولها على اغلبية في المجلس التشريعي، بالرغم من ان نسبة ما حصلت عليه من أصوات لا تتجاوز ال 41.5%، ولكن هذه هي أصول اللعبة الديمقراطية، فحسب النظام الانتخابي في ذاك الوقت، يحق للأقلية أن تحكم الأغلبية. وأيضا وحسب الأعراف الديموقراطية استلمت حماس زمام الحكم، في ظل معارضة نشطة من فتح وغيرها من الفصائل (وهذا أيضا من أسس اللعبة الديمقراطية)، الا أن ذلك لم يرق لحماس فهي تريد ان تطلق يدها لتحكم بشكل مطلق ودون معارضة، وعندما لم يتسنى لها ذلك، وعرفت بأنه لن يكون بمقدورها ممارسة الحكم المطلق، قامت بالانقلاب على حكمها هي في غزة، مضحية بالضفة مقابل اقامة حكم مطلق في القطاع، لا ينازعها به منازع ولا عودة للإنتخابات بعده.
من هنا يجب أن ننظر الى حكم حماس في غزة وامكانيات تحقيق المصالحة. فحماس لا ترغب بالمصالحة، لأن هذا سيسلب منها الحكم في غزة، واذا كان هذا هو الواقع وهذه هي النتيجة المتوقعة للحوارات، فلماذا الاستمرار بها؟ ولماذا لا يعلن عن قطاع غزة اقليم متمرد؟ ويتم اجراء انتخابات بالضفة الغربية على ان يتم اجراءها في غزة عندما تسمح الظروف بذلك؟ هل هذا لأن عدم اجراء انتخابات سيبقي فتح في الحكم بالضفة متذرعة بأن لا انتخابات بدون غزة. اذن حماس تعطل المصالحة والفائدة مشتركة بين فتح وحماس، فواحدة تحكم الضفة والأخرى تحكم غزة وبدون أفق لإنتخابات قادمة.
ولكن، وبما ان حماس هي المسؤول الرئيسي عن تعطيل المصالحة، فلا بد من خوض تحرك شعبي كبير للتصدي لها ولنأخذ من تصدي القوى الشعبية في مصر لحكم الاخوان عبرة، ولنبتعد عن الخوف من أن من يعارض حماس يخالف شرع الله، فحماس هي تنظيم سياسي كأي تنظيم، يصيب ويخطيء، ولا يمثل شرع الله على الأرض، وواجب كل من يتعارض مع أهدافه السياسية أو الاجتماعية أو الإقتصادية أن يقول ذلك بأعلى صوته. التحرك الشعبي للضغط على حماس لا فتح لأن حماس هي الطرف المعطل.
كنا نعتقد بأن الشعب الفلسطيني يشكل قاعدة أمامية لمناهضة التخلف والديكتاتورية، الا اننا تفاجأنا بأن الشعب المصري قد سبقنا بدرجات كبيرة من خلال عمله ضد حكم الأخوان فبقدر حجم المعارضة الشعبية لمشروع اخونة مصر، نرى نفس الحجم من الخرس في مناهضة مشروع حمسنة غزة وفلسطين. وهنا مكمن الفرس والنتيجة الخطيرة. لإن نتائج أخونة مصر ومشروع نهضتها، نتج عنه ولا يزال تجويع للشعب المصري واعتداء على حرياته، وهتك لإعراضه، وتجسيد لديكتاتورية جديدة، بتمويل مشروط بشراء مصر وقناتها وأهرامتها وتاريخها.
اما مشروع حمسنة غزة وكتم الأفواه فيها، واجهاض حرية التعبير والحركة والكتابة واللبس فهو بتمويل مجاني من دافعي الضرائب في الضفة. نعم حكومة رام الله تمول حكومة حماس في غزة، ومن دخل المواطن الفقير، وعندما تجرأ الحكومة في الضفة على محاولة تنظيم بعض الأمور هناك والتي تتعلق بالرواتب تقوم الدنيا ولا تقعد. ولمن لا يعرف، فإن الانفاق الحكومي من الضفة على غزة يتراوح ما بين 42-56% (حسب المصدر، الا أنه لا يقل عم 42%) من اجمالي الانفاق الحكومي. ولمن لا يعرف فٌان هدا لا يصرف على المستنكفين في بيوتهم كما تدعي حماس، ولكن على الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية والماء والكهرياء . وأنا هنا أقول بأن لا مانع لدي من انفاق 80% من الموازنة على غزة، بل 100%، ولكن بثمن واضح، وهذا الثمن ليس بحر غزة، ولا رملها ولا ترابها فهذه كنوز فلسطينية نعتز بها، ولكن الثمن الذي أطلبه هو المصالحة. فإذا كان ما نقدمه كدافعي ضرائب سيكون تتويجه بالمصالحة القائمة على أساس الديموقراطية وتداول السلطة وحرية التعبير والاعتقاد فنحن مع ذلك. أما اذا كان ما نقدمه نحن دافعي الضرائب في الضفة الغربية سيكون ثمنه نهضة حمساوية وفرض للحجاب بالإكراه واغلاق مقاه وصالونات حلاقة، وتكميم للأفواه ، فأنا هنا أعلن العصيان المدني، رفضا لنقل مقدرات وأموال الضفة الغربية لحكومة حماس في غزة.
إن هذا المطلب ليس موجها ضد أهل القطاع، فهم أشقائنا وأحبتنا ومصيرنا واحد، ولكنه موجه للضغط على حماس لإفساح المجال للمصالحة وللعملية الديمقراطية ان تأخذ مجراها، فسياسة الإنفاق المالي على غزة فشلت في تحقيق المصالحة واعادة اللحمة لشطري الوطن. إذن لا بد من اللجوء الى الحل الآخر وهو رمي الكرة في ملعب حماس. انني أدرك بأن أهلنا في القطاع سيدفعون ثمنا باهظا، الا أنه إذا لم يتبق سوى العلاج بالكي فليكن ذلك، وهذا لمصلحة إخوتنا في القطاع والشعب الفلسطيني بشكل عام على المدى البعيد.
لقد ثبتب بالملموس بأن السياسة التي تتيعها القيادة السياسية الفلسطينية اتجاه غزة لم تثبت نجاعتها، ولم تحقق المصالحة أو لم شمل الوطن المفكك، وبأن الآوان قد آن للتفكير جديا بسياسات جديدة قائمة على اساس الديموقراطية وحرية التعبير والشفافية وتداول السلطة، وبناء الدولة المستقلة، بحماس أوبدونها، بغزة أو بدونها، فلا يعقل أن تبقى الانتخابات معطلة، والتشريعي معطل، وارادة الشعب معطلة الى أن تمن علينا حماس بالانتخابات وبتفعبل العملية الديموقراطية.
لقد أن الأوان لتحرك شعبي ضاغط على فنح (كونها مستفيدة من تعطيل المصالحة)، لتغيير سياساتها اتجاه العلاقة الفلسطينية الفلسطينية، فاليوم ليس كالأمس، حين كانت مقدرات الاخوان المسلمين تصب كلها في غزة، لدعم مشروع النهضة الحمساوي.
لقد أصبحت اموال الأخوان المسلمين تذهب لدعم مشروع النهضة الإخواني في مصر وعلى حساب المشروع الحمساوي في غزة. فالإخوان يرون بأن صمود حكم حماس في غزة لن يساهم بما يكفي لبقاء الإخوان في مصر، أما صمود المشروع الإخواني في مصر فسيكون العامل الأساسي في بقاء حكم حماس في غزة.
اليوم أصبح مشروع النهضة الاخواني الكبير في خطر وعلى جميع الاخوان في العالم أن تهب لدعمه، أما المشروع الاخواني الصغير في غزة فبإمكانه أن ينتظر قليلا ومن هنا أرى ضرورة تغيير السياسة الفلسطينية الرسمية في التعامل مع ملف المصالحة، وملف الإنفاق على غزة. فهذا هو الوقت المناسب للضغط ماليا على حماس.
لقد آن الآوان للضغط على الحكومة بالتوقف عن صرف فاتورة كهرباء مقرات حماس، وفاتورة التعليم والصحة، فالسلطة الحاكمة تصرف على الشعب الذي تحكمه، وبما أننا نسمع من غزة أصوات كثيرة تعرض مساعدة الحكومة الحمساوية للضفة الغربية لتجاوز أزمتها، فنحن نقول لهم: نحن مسؤولون عن جيش المستنكفين كما يحلو لكم أن تسموه، فمن طلبنا منه الجلوس في البيت فنحن مسؤولون عنه. اما انتم يا أصحاب مشروع النهضة، فقد آن الآوان لأن تصرفوا على الشعب الذي تحكموه، كما تصرف كل الحكومات على شعوبها. اما نحن هنا في الضفة الغربية فلسنا بحاجة الى مساعدتكم لنا ونعتمد على الله أولا وعلى ما ندفعه من ضرائب للخروج من أزمتنا.