قرارات الحكومة وحماية المنتج الوطني
بقلم: م.توفيق نصار
لقد اثار قرار الحكومة باضافة رسوم اضافية بقيمة 35% على البضائع المستوردة من الصين، بين مؤيد ومعارض. فالمؤيدون يرون في ذلك خطوة في الاتجاه الصحيح لحماية المنتج الوطني. بينما يرى المعارضون بأن هذا الإجراء لن يساهم في حماية هذا المنتج، لأن منتجات أخرى ستأخذ مكانه، بما فيها منتجات صينية من استيراد تجار اسرائيليون، بل بالعكس سيخسر المستورد الفلسطيني لتوقفه عن الاستيراد المباشر، ويخسر المستهلك نتيجة لارتفاع الأسعار، وتخسر الحكومة لعدم استيفائها رسوم جمركية كون المستورد قد أصبح اسرائيليا. ولن يربح المنتج الوطني لأن البديل الأقل سعرا هو منتج صيني استيراد اسرئيلي.
ومن اجل وضع الأمور في نصابها الصحيح فلا بد من نقاش الموضوع بروية، والمقال التالي يحاول أن يسلط الضوء على هذا القرار وتبعاته.
في البداية لا بد من تحديد بعض المسلمات الأساسية والتي تحظى باجماع الحكومة والقطاع الخاص والمستهلك الفلسطيني:
• ضرور حماية المنتج الوطني، والحد من البطالة.
• ضرورة زيادة التصدير وخفض الاستيراد بما يخدم الميزان التجاري الفلسطيني.
• ضرورة تحفيز الاقتصاد وزيادة مساهمة قطاع الصناعة في الناتج المحلي.
• ضرورة ارساء قواعد المنافسة النزيهة، وتحصيل الايرادات الحقيقية.
ولكن السؤال هو كيف يكون ذلك؟ وهل اجراء رفع الرسوم على السلع القادمة من الصين ب 35% يساهم في ذلك، وهل هذا الاجراء سيؤدي الى دعم المنتج الوطني وتطويره والأهم من ذلك هو ما هي النتائج قصيرة وطويلة الأمد لمثل هذا القرار؟
أولا: سأبدا ببعض الإحصائيات لعام 2011 والمشتقة من بحث حديث تم اجراءه لصالح اتحاد الصناعات الفلسطينية والذي يقول بأن:
• إجمالي الواردات الفلسطينية من الخارج هي 4,221 مليون دولار أمريكي
• أما الصادرات السلعية فبلغت قيمتها 720 مليون دولار أمريكي
• وبالتالي فإن العجز في الميزان التجاري للسلع لعام 2011 ( والذي يمثل الفرق بين الصادرات والواردات) قد وصل إلى 3,501 مليون دولار أمريكي.
وهنا يظهر بوضوح ضرورة دعم النصدير والمنتج الوطني لتخفيض الاستيراد وزيارة التصدير، ومن هنا أيضا نرى بأن توجه الحكومة لدعم المنتج الوطني هو صحيح وفي مكانه.
ولكن لننظر الى توزيع الاستيراد:
• احتلت اسرائيل المرتبة الأولى من حيث قيمة الواردات حيث بلغت قيمة الواردات في هذا العام 2 مليار و 938 مليون دولار اي حوالي 75%.
• تلتها تركيا حيث وصلت قيمة الواردات الى 214 مليون دولار أي 5%
• في حين جاءت الصين الشعبية في المرتبة الثالثة بقيمة وصلت الى 194 مليون دولار أي 4.5%
الى ماذا يقودنا هذ؟ هل خطر الإغراق السلعي هو من الصين؟ بالتأكيد لا، حتى تركيا تصدر لنا أكثر من الصين، اذن تخصيص القرار الحكومي للصين هو قرار غير دقيق.
أما اذا كانت مشكلة الحكومة مع المنتجات الصينية هي في الجودة فالحل في اقرار مواصفات للسلع، واذا كانت مشكلتها في القيمة فالحل هو بتدقيق القيمة، وبالتالي يتم تحقيق الجباية العادلة، واذا كانت مشكلتها في ارساء أسس المنافسة النزيهة، كون الحكومة الصينية تدعم تصدير بعض السلع (وهذا يؤدي الى الإغراق السلعي) فالحل في فرض رسوم اضافية على هذه السلع تحديدا وليس على كل المنتجات الصينية.
واستكمالا لهذا الموضوع فلا بد من الاشارة بأننا وحسب احصائيات وزارة المالية فاننا نستورد من الصين أكثر من 2600 سلعة، وغالبيتها العظمى لا يوجد بديل وطني لها وهن أسأل الأخوة في الحكومة: كيف نساهم في حماية الصناعة الوطنية اذا ما فرضنا رسوم اضافية على الخشب ومشتقاته، والزجاج ومشتقاته، والماكنات الحديثة وغير الحديثة والعدد اليدوية، والتلفزيونات والثلاجات واكسسوارات الزجاج والخشب والألمنيوم ... الخ. ونحن لا ننتجها ولا يوجد بديل وطني لها؟ إذا كان هدف الحكومة هو دعمها لأربعة قطاعات رئيسة (كما أعلنت) هي قطاعات الأحذية والملابس والأثاث والألمنيوم، فقد كان بإمكان الحكومة فرض رسوم إضافية على هذه الرزم السلعية الأربع بغض النظر على مكان انتاجها، فعلى سبيل المثال المنافسة في قطاع الملابس هي منافسة تركية صينية، ولن يحد زيادة الرسوم على السلع الصينية من المنافسة التركية، كما أن هنالك العديد من التجار اللذين يستوردون المواد الخام من الصين ويقومون بتصنيع الملابس في تركيا، للهروب لتحصيل سعر أعلى. كذلك لنأخذ قطاع الألمنيوم كمثال آخر ونفحص اذا ما كان الألمنيوم القادم من الصين هو الذي يغزي السوق، لقد بلغت حصة الألمنيوم المنتج محليا 40% ، و 30% للمنتج الصيني و 20% للمنتج العربي، و 10% للمنتج الاسرائيلي فعندما نرفع الرسوم على المنتج الصيني، سيعني ذلك توزع حصة المنتج الصيني على البضائع المختلفة، وبتقديري فإن الغالبية ستتوجه الى المنتج العربي الذي لا يزال يتمتع بالقدرة على المنافسة السعرية. وبالتالي فإن هذا الإجراء لن يؤدي بالضرورة الى حماية المنتج الوطني. ناهيك عن توجه العديد من التجار للإستيراد عبر اسرائيل وتوريد السلع بفواتير مقاصة.
وإذا ما نظرنا الى الأمور من زاوية أخرى فلإن غالبية المواد الخام لقطاعي الأحذية والملابس والأثاث تأتي من الصين، مما يعني بأنها ستخضع للزيادة بالرسوم، وبالتالي سترتفع تكلفة المواد الداخلة في الإنتاج، مما يؤدي الى ارتفاع تكلفة المنتج الوطني. وهنا سيأتي من يقول المهم البدء بالتطبيق ومن ثم سنعفي الاستثناءات بما فيها المواد الخام، ولكن يبقى السؤال ما هو تعريف الاستثناءات، وما هي المعايير لتحديد ما اذا كان هذا المنتج هو استثناء، علما بأن أكثر من 99% من السلع القادمة من الصين لا يوجد لها بديلا محليا وجزء منها هي مواد خام، فكيف تصدر الحكومة قرارا يجعل من الاستثناء قاعدة والعكس صحيح. وإذا ما افترضنا بأن المواد الخام هي استثناء، فما هو تعريف المواد الخام ومن الذي يحدده، وساتعامل هنا مع نفس المثال الملابس والأحذية والأثاث والألمنيوم، فاذا كان القماش والجلد والزر والخيط والسحاب والرباط هي مواد خام تدخل في عملية تصنيع الأحذية والملابس، فماذا عن بروفيل الألمنيوم، القماش يتم قصه، وخياطته وتركيب الأزرار والسحاب وكذلك الأحذية يتم قص الجلد وتفصيله وتركيبه على النعل ... الخ. اذن هذه مواد خام. ويجب ان تعفى، ولكن ماذا عن بروفيلات الألمنيوم التي يتم قصها وكبسها على مكابس خاصة وتجميعها ووضع الاكسسوار عليها ومن ثم وضع الزجاج وتركيبها في البيوت. هذه هي نفس مراحل عملية التصنيع في الملابس والأحذية والأثاث، فهل نعفي بروفيلات واكسسوارات الألمنيوم؟؟؟؟ وبالتالي نسقط حماية هذا القطاع الحيوي.
ومن هنا أرى بأن نتيجة مثل هذا القرار لن تحقق أهداف الحكومة، الا انها ستؤدي الى ارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية للمستهلك الفلسطيني مرة أخرى. أي أن الذي يدفع الثمن هو المستهلك الفقير.
ولنفترض بان الحكومة قد تجاوزت كل هذه المصاعب والمشاكل سابقة الذكر، وعملا بقوانين السوق سيحصل فراغ سلعي بعد انخفاض كميات السلع القادمة من الصين يجب ان يتم ملؤوه بطريقة ما وبسلع جديدة والاحتمالات هي: اما المنتج المحلي، أو المنتج الاسرائيلي، أو المنج الصيني القادم من اسرائيل، أو المنتجات القادمة من دول أخرى. وياعتقادي فإن المنتج الصيني القادم من اسرائيل سيأخذ حصة الأسد لأنه سيكون بنفس كلفة المنتج الصيني المستورد فلسطينيا + 5% (عمولة المستورد الإسرائيلي). اذن النتيجة هي الحد من الاستيراد الفلسطيني المباشر لصالح الشراء من اسرائيل واختلال الميزان التجاري لصالح اسرائيل، وهدم ما تم انجازه غلى صعيد تشجيع الاستيراد المباشر، مما سيؤثر عل دخل الحكومة من الجمارك المفروضة على البضائع الصينية كون هذه الجمارك ستدفع لإسرائيل ومن ثم يتم بيع البضاعة بفواتير مقاصة فقط، أو حتى تهريبها. ومهما قالت السلطة بأن اتفاق باريس يمنع ذلك، الا ان الواقع يقول بأن هذا ما يحدث.
اذا وللاجمال، ان هذا القرار لن يحمي المنتج المحلي، ولن يحقق الجباية العدالة ولا المنافسة النزيهة. ويبقى السؤال، كيف نحقق أهداف الحكومة من حماية للمنتج الوطني، والعدالة في الجباية والمنافسة النزيهة.
حماية المنتج الوطني: ويتم ذلك من خلال مجموعة من الإجراءات وليس باجراء واحد الخصها بما يلي: أولا: تخفيض أو حتى الغاء كافة الضرائب المباشرة على الصناعات المستهدفة (ضريبة دخل، أملاك، حرف وصناعات ... الخ). ثانيا: وضع رسوم اضافية معقولة ( لا تتجاوز 10%) على السلع المستهدفة ومن كافة أنحاء العالم. ثالثا: الغاء أية رسوم على المواد الداخلة في الانتاج لهذه السلع المستهدفة. رابعا: تخفيض أسعار المحروقات والكهرباء للشركات التي تنتج هذه السلع.
تحقيق الجباية العادلة: ومشكلة عدم تحقيق الجباية العادلة هي في تخفيض القيمة الحقيقية للسلع المستوردة وبالتالي دفع رسوم جمركية اقل ، والحل يكون من خلال اجراء دراسات تفصيلية من قبل دائرة الجمارك على القطاعات السلعية المختلفة، وابلاغ المستوردين مسبقا بأن هذه السلع لن يتم قبول بياناتها الجمركية اذا ما كانت تقل عن قيمة معينة، وفي حال مخالفة القرار فسيتم تعديل القيمة، اضافة الى غرامة مالية تبلغ ضعف الرسوم المحصلة. ويتم ذلك على كافة السلع من جميع أنحاء العالم وليس من الصين فقط.
• المنافسة النزيهة: ان تحقيق البندين السابقين اضافة الى وضع مواصفات ملزمة للسلع والبضائع لضمان جودتها، بحيث تتقارب جودة البضائع المنتجة محليا والمستوردة ، وبذلك نحمي المستهلك ونحقق منافسة عادلة قائمة على أساس سعري لجودة متقاربة.
والمشكلة الأخيرة ستكون مشكلة اجرائية تتمثل بصعوبة تنفيذ مثل هذا القرار، كونه يتعارض مع قوائم التعرفة الجمركية العالمية، والمطبقة على الموانئ الإسرائيلية، وصعوبة متابعته في دوائر وزارة المالية، وصعوبة محاربة التهرب الضريبي الذي سينتج عنه.
اذن وباختصار لقد أخطأت الحكومة بالقرار بالرغم من حسن نواياها، وهي بذلك لها أجر واحد، كونها اجنهدت وأخطأت. وإذا ما ارادت الحكومة أن يكون لها آجران فعليها ان تلغي هذا القرار وتتخذ اجراءات بديلة كي لا يقع الظلم على المستهلك والاقتصاد بشكل عام وبالتالي يصبح لها بدل الاجر الواحد أجران. أما اذا استمرت الحكومة في عندها وعدم استماعها لرأي الكثير من الخبراء، فسيكون عليها الكثير من الذنوب التي ستحاسب عليها يوم القيامة.