رئيس التحرير: طلعت علوي

اضرابات الوطن المضطرب!!

الخميس | 10/01/2013 - 11:24 مساءاً

اضرابات الوطن المضطرب!!

 

بقلم رأفت الظاهر


تخرج علينا التصريحات الاعلامية من كل حدب و صوب بأخبار الاضرابات في فلسطين سواء تلك التي في القطاع العام او تلك التي تنظمها النقابات المختلفة و كل هذا يأتي نتيجة لحصولنا على لقب دولة في الامم المتحدة و ليس في ارض الواقع المحتله المُحاصرة و ان اصبح ذلك شيئا منه على الورق و في المراسلات الرسمية.
شد انتباهي و جذبني و خرب عقلي اضراب نقابة العاملين في الوظيفة العمومية و الذي لم يؤتي اكلهُ حتى اللحظة بشيء سوى الدوام المتقطع الذي لا يأتي بكاس حليب او مصروف مدرسي او اضاءة منزل او حتى لا يلبي الزيارات الاجتماعية في وطن يتمسك بعادات و تقاليد "غنية و بحب الهدية"... كانت هذه المقدمة لموضوع اريد ان اتكلم فيه مطولا ألا و هو اضراب قطاع النقل العام في فلسطين يوم الاربعاء 9/1/2013 و الذي لا ارى اية اسباب مُقنعه له او للقيام به بل ان وزارة النقل و جميع الوزارات المعنية بالحوار حسب قرار مجلس الوزراء اكدت استمرار الحوار مع هذه النقابات التي اصلا و باكثر مصداقية و عمقا تعمها و تديرها ازدواجية اسمائها "اتحادات النقابات ، نقابات النقل العام، نقابة عمال النقل ""  او خلافات بين المالكين المشغلين  والسائقين و هو الامر الذي يجب ان تتخذ به قرارا نقابة عمال النقل التي لا ادري كم هو عدد اعضائها و هل هم اعضاء فاعلون مسددون لجميع اشتراكاتهم وتعود نقابتهم عليهم بالنفع خاصة في غير موضوع الاضراب و تعطيل ارزاقهم و اعمالهم و لو ليوم واحد، فمن للسائق غير الله بعد ان يضرب؟
لابد من التوضيح ان لا دخل للحكومة بسائق يضرب احتجاجا على مشغلهُ و لا للحكومة دور في مطالب المضربين بخصوص ارتفاع بوالص التامين فهنا نتحدث عن قطاع خاص و عن قطاع اهلي "النقابات". لا يقف الامر هنا بل هل حصلت هذه النقابات على تصريح بالإضراب الذي تدعو اليه من قبل وزارة العمل و الذي يجب ان يتم تبليغها خطيا قبل يوم الاضراب بأسبوعين مع توضيح اسباب الإضراب. النقابات تحتج بفشل الحوار او بتلكؤ الاجراءات في الحكومة وتعلن الاضراب و نسيت ان القانون الاساسي الفلسطيني المعدل لعام 2003 نص صراحة بالمادة 19منه على انه "لا مساس بحرية الرأي، و لكل انسان الحق في التعبير عن رأية بالقول او الكتابة او غير ذلك من وسائل التعبير او الفن مع مراعاة احكام القانون". اذا لم يذكر القانون الاساسي كلمة الاضراب او رمز اليها بالمضمون بالرغم من انه مكفول حسب قانون العمل الفلسطيني و تحديدا في الفصل الرابع منه. و توضح المادة 20 من ذات القانون "حرية الاقامة و التنقل مكفولة بحدود القانون" ومن يدعو لإضراب عام يقع في مخالفة القانون الاساسي طبقا و تفسيرا لهذه المادة و خاصة انه لم يعهد في التاريخ القديم او الحديث ان هناك اضراب عام و شامل في قطاع المواصلات بل ان جميع نقابات العالم تدعو لإضراب جزئي بهذا القطاع لارتباطه الوثيق بقطاعات اخرى كالتعليم و الصحة و الصناعه و التجارة ... الخ . فيما لو حصل فمن حق حكومة دولة فلسطين ان يكون ردة فعلها او تخطيطها المستقبلي هو تأميم هذا القطاع و وضع حد للتلاعب به و بمقدراته و انهاء استعطاف عقول و قلوب الشارع الفلسطيني و كأن مقدمي خدمة النقل يقدمونها للوطن و مواطنيه بالمجان و ان الحكومة تجبي منهم الرسوم العالية التي هي لا تتعدى مئات الشواقل خاصة في قطاع الحافلات!!
نقابات النقل العام و كذلك الحكومة قبلا بالحوار في يوم 24/09/2012 و تلخصت نتائج الحوار في مجموعة من النقاط التي هي محل الخلاف  وخاصة ان من حق كل فريق ان يضع مقترحاته ومطالبه بخصوص كل نقطة و الحوار يعني انه ليس بالضرورة تلبية جميع مطالب الطرفين او النقابات تحديدا كما هي دونما تلبية الاخيرة لجزء من شروط وطلبات الحكومة و خاصة عندما يدور الحوار حول الرسوم التي تساهم بنصيب كبير في الايراد العام لخزينة الحكومة. ان النقابات تريد ان تحصل على معظم الاشياء و على معظم التسهيلات دونما ان تقدم او يقدم الشركات و الاشخاص الذين تمثلهم للحكومة كشف تفصيلي بعملها و ايراداتها ، بل لا تريد ان يكون باسم من تمثله مشتغلا مرخصا لدى الضريبة مثلا، و العجيب الغريب هنا، ان النقابات تطالب مثلا باسترداد ضريبة السولار و قطع الغيار و قيمتها 15% دونما ان تفتح ملفا لدى الضريبة بل تريد الابقاء على سياسة الدفع بالمبلغ المقطوع وهذا وحده يجيب على موضوع التأخر او التلكؤ من قبل الحكومة في الاستجابة لمطالب هذه النقابات و التي اصلا تعرف بالكُلف الاضافية البيع –ألتأجير- التضمين - بالسوق السوداء) الخاصة بتشغيل قطاع النقل في فلسطين . لا يمكن لعاقل ان يقبل بهذا اصلا و اصولا.
النقابات تريد ان يكون الحوار و نتائجه في صالحها فقط و اذا لا فهي مظلومة و محرومة و تنشد بل تريد الاضراب و التصريحات الاعلامية التي تدين بها الحكومة زوراً و بهتاناً بنصف كأس مملوءة ليس إلا. الم تجمد الحكومة العمل بنظام جباية الرسوم على الخدمات المقدمة و عددها 31 خدمة منذ اليوم الاول للحوار؟. على ما يبدو سرعان ما ينسى جميع المالكين لوسائل النقل العام، ان الحكومة قدمت لهم الكثير من التسهيلات و المعونات سابقا و خاصة منذ العام 2000 عندما كانت اجرة الرقم العمومي 10.000 الاف شيقل و التي هي اليوم 2500 شيقل. تناست النقابات ان جميع الارقام العمومية كانت ارقم تملكها الحكومة و يستأجرها الناس و اصبحت اليوم "ارقام يمكن تملكها – اختياريا لمن أراد" و بمبلغ زهيد يصل احيانا 36000 شيقلا واعتقد ان لدى الحكومة بشائر سارة اخرى بهذا الخصوص و مع العلم ان الكثير من الناس اشتروا ارقامهم بالظلام وبأسعار اكثر بكثير من سعر التمليك الذي تعرضه الحكومة، قبل ان تستعطفوا المواطن الفلسطيني و تشتتوا عقله و تبهدلوه في يوم ماطر و برد قارص  قولوا له بشجاعة : حصلنا على خصم يصل ل 50% من رسوم التأجير لرخص العمومي بل لجميع انواع التراخيص (مركبات و سائقين و خدمات) التي تصدرها و تنظمها وزارة النقل و هو ما حصل و يحصل اليوم في كثير من دوائر الحكومة خاصة في الضريبة. و اذكر البعض بان بالشكر تدوم النعم و ليس بالإضرابات و بسياسة العصا و الجزرة فما عاد هذا اسلوب تُبنى به الأوطان و يصل به الناس لمصالحهم!!
النقابات مطالبها كثيرة و منها المبالغ به و منه المعقول و منه ما لا دخل للحكومة به و يرفضه اصلا نقابة عمال النقل مثل مبلغ الماية و خمسون شيقلا بدل الانتساب لمكتب تكسي ما شهريا. للحكومة عند هؤلاء حقوق ايضا يجب ان يقدموها و يقروا بها وإلا فالحل بعيد خاصة عندما نجد بيع و تأجير الارقام العمومية بالسوق السوداء و بالباطن وحتى ان الامر وصل لشركات الحافلات ! كم شركة حافلات تؤجر خطوط سيرها لأفراد و بإيجار شهري و سنوي دونما ان تلتزم بروح و نص القانون الاساسي الفلسطيني او قانون المرور الفلسطيني و لائحته التنفيذية؟؟ بعض هذه الشركات تحصل على البرامت بالمجان اي بمقابل صفر من الرسوم و تقوم بتأجيرها و تضمنيها! فيما اذا ارادت النقابات وامتلكت الجرأة فعليها ان تفتح جميع صفحات الحساب و ان تقول الحقيقة و ان تعود عن افعالها السابقة الذكر و يا ليتها تنصح السائقين و تلتزم بالقانون و لو لمرة واحدة بوقف الحمولة الزائدة للبضاعة والركاب، بوقف السرعة الزائدة ، بوقف التجاوز الخاطئ و التهور الفظيع في قيادة المركبات، اذكر بان النقابات تطالب مثلا بإلغاء قرار تحديد السرعة لبعض انواع المركبات و تناست ان عدد حوادث العام الماضي 2012 وصل ل 8037 حادث سير نتج عنها 120 حالة وفاة ناهيك عن عدد المصابين والخسائر الفادحة في الممتلكات. أستغرب كثيرا عندما تطالب النقابات بمثل هذا المطلب او عندما تطالب بان يكون عمر حافلة عمومية لنقل الركاب هو 25 عام وتنسى كيف ان هذه الحافلة لم تعد امنة بل تهالكت بفعل الزمن و ترى في وجهة نظر وزارة النقل (20 عام) في هذا الموضوع خطأ يوجب الاضراب.
ان قطاع النقل العام في فلسطين يمثل 84 شركة باصات تمتلك 800 حافلة صغيرة و كبيرة تقريبا قديمة و حديثة و هناك اكثر من 4000 مركبة عمومية تعمل بخدمة الخط خارجي و 1300 تعمل بخدمة الخطوط داخل المدن و اكثر من 4000 مركبة عمومية تعمل كسفريات خاصة تابعه لمكاتب التاكسي في الوطن و يضاف لهذا العدد بضع مئات من الشاحنات خاصة تلك الخاضعة لأحكام الضريبة من جار و مجرور. هذا القطاع و حسب الدراسات و الاحصائيات يساهم ب 5% من الناتج المحلي الاجمالي نتيجة وجود اكثر من 30.000 عامل بهذا القطاع (لا ندري و حسب القانون اذا كانت النقابات تملك موافقة ثلثي العاملين في هذا القطاع حتى تعلن الاضراب) ، و لكن سرعان ما تذوب هذه النسبة نتيجة اعمال التهرب الضريبي و شراء قطع الغيار المسروقة و عدم التبليغ عن الحوادث و عدم التسجيل بمشتغل مرخص و البيع و التأجير للتراخيص المختلفة في السوق السوداء و هو ما يضر بالدورة الاقتصادية للوطن و مقدراته المتمثلة بالحفاظ على القيمة الاسمية لهذه المركبات و على الايراد العام للحكومة و بالتالي و دونما انتهاء الحوار بالرغم من تأخر نتائجه التي اشتركت او اطلعت عليها "تعلن النقابات الاضراب" في وطن مضطرب تعصف به السياسة وكل الظروف و حتى الاحوال الجوية دونما الاخذ في الحسبان اية اعتبار او اهتمام بمن يديرون الوطن و يسكنوه... و للحديث بقية ... دمتم بخير 

التعليـــقات