رئيس التحرير: طلعت علوي

على هامش انعقاد المؤتمر المهني الأول للمدققين الخارجيين في فلسطين ملاحظات مهنية على مناقشات المؤتمر

الجمعة | 03/06/2005 - 04:06 مساءاً

على هامش انعقاد المؤتمر المهني الأول للمدققين الخارجيين في فلسطين
ملاحظات مهنية على مناقشات المؤتمر

 


محمد خضر قرش - القدس

 

عقدت جمعية مدققي الحسابات القانونيين الفلسطينيين مؤتمرا تحت عنوان " تدقيق الحسابات مسئولية وانتماء " في فندق الموفنبيك يومي 7و8 تشرين الثاني الجاري حضره عدد من الوفود العربية الشقيقة بالإضافة إلى نخبة من شركات التدقيق المحاسبي والمهنيين العاملين في هذا المجال. ولا بد في البداية من تقدير الجهد المبذول في الإعداد للمؤتمر في هذا الوقت بالذات حيث مؤسساتنا وشركاتنا التجارية والمالية والمصرفية بما في ذلك مؤسسات الإقراض والقطاع العام والبلديات والصناديق الاستثمارية العامة والخاصة وديوان الرقابة المالية والإدارية ، تمر في فترة حرجة بسبب المخاطر الناجمة عن انسداد افاق التسوية السياسية وما يمكن ان يترتب على شركات ومؤسسات القطاع الخاص والعام من أزمات مالية جد خطيرة تبدأ بوقف التحويلات والمساعدات ولا تنتهي بتراجع الأداء الاقتصادي والنمو وتفشي البطالة وتوقف المقترضين عن تسديد التزاماتهم نحو المصارف والمؤسسات المالية مما يؤدي عمليا إلى حدوث أزمات مالية حادة لا قدرة ولا سلطان لمؤسسات الدولة المالية والنقدية والقانونية والأمنية على حلها او التخفيف من حدتها.فالأمر في حال اشتداد الازمة وتشابكها وتعقدها لا يتيح للمؤسسات المهنية المشرفة المساهمة في الحل فالأزمة في حال نشوبها في فلسطين والتي ما زالت تستدين و /أو تحصل على مساعدات ومنح عربية ودولية  من اجل دفع الرواتب ،أكبر بكثير من قدرتها وإمكانياتها. من هنا تبرز أهمية التدقيق وخاصة الخارجي منه لتجنب ما لا تحمد عقباه. لقد توقف مصرفا فلسطينيا عن الدفع قبل 12 سنة تقريبا مما كلف الخزينة الفلسطينية نحو 18 مليون $ دفعت من أموال المساعدات والتحويلات ومن أرباح سلطة النقد الفلسطينية .لذا فالتدقيق الخارجي في فلسطين تقع عليه مسئوليات في غاية الدقة والمهنية وهذا ما يجب الوقوف امامه مليا وخاصة في هذه الفترة بالذات . ومن الضروري والأهمية بمكان ان نتفحص هل استطاع المؤتمر أن يصل إلى توصيات وحلول تناسب الوضع وتخدم مهنة التدقيق في فلسطين؟  أم انه كغيره من المؤتمرات التي عقدت في فلسطين والتي لم يترتب عليها اية نتائج أو إجراءات عمل تفيد مجال وميدان التدقيق المحاسبي مما يوفر على الاقتصاد الفلسطيني خسائر مالية نحن في امس الحاجة لكل دينار منها. وعلينا أن نتفحص أيضا هل ستستفيد شركات ومكاتب التدقيق من نقاشات وأوراق المؤتمر أم لم يضف إليها شيئا مهنيا يستحق الأخذ أو الاسترشاد به . وقبل هذا وذاك هل نجح المؤتمر في تحقيق الاغراض أو الاهداف التي عقد من أجلها؟ .
للإجابة على الأسئلة السابقة لا بد من مناقشة الموضوع من جانبين الأول يتعلق بالناحية   المهنية  والإدارية والتنظيمية مع استبعاد الجوانب الشكلية البحتة.والثاني يتعلق بأوراق العمل  التي قدمت والمناقشات التي تمت وهي جوهر المؤتمر.
ففي الجانب الأول هناك الكثير الذي يمكن قوله وتدوينه ولكن سنركز على أهم العناصر .
1- عدد كلمات الافتتاح العامة بلغ عشر متحدثين مثلوا عشر شخصيات رسمية واعتبارية ومهنية وزعت على اليومين الذي انعقد فيهما المؤتمر،وكانت على حساب النقاش وخاصة انها سياسية عامة ليس بالضرورة أن تكون متجانسة أو متسقة مع مضمون اعمال المؤتمر ، وكان من الأفضل أن لا يزيد عدد المتحدثين في حفل الافتتاح عن خمسة كحد أقصى.
2- اعطيت كلمات لجهات غير مهنية وغير متخصصة وغير ذات علاقة كانت اطول من اي كلمة اخرى بما فيها كلمتي ممثل الرئيس ابومازن ورئيس الوزراء ،وهي لم تكن كلمة على اية حال وإنما ورقة بحث حول التنمية ومعدلات الاجور في فلسطين وإسرائيل وهي جميعها تقع خارج سياق عنوان المؤتمر المتعلقة بمهنة التدقيق حصرا والذي عقد من اجلها ولم يكن لها اي فائدة أو ذات جدوى تخص عمل التدقيق ،مما اضطر العديد من المشاركين إلى مغادرة القاعة بشكل ملحوظ وتذمر العديد منهم.
3- المؤتمر طابعه مهني بحت وكان يجب ان لا تغلب عليه المجاملات وجبر الخواطر وجوائز الترضية وحشر بعض الكلمات بدون اية مبررات .وتساءل العديد من المشاركين عن السبب الذي اعطيت لعضوة المجلس التشريعي كلمة تحولت إلى أكبر ورقة عمل. مما اضطر رئيس الجلسة اكثر من مرة الطلب منها إنهاء الكلمة. فالمهنية من أبرز صفاتها الموضوعية والتركيز على عنوان المؤتمر وليس التغريد والحديث خارج المضمون والسياق وإطالة أعماله بلا مبرر وفقط من اجل البروز والظهور.
4- لفت انتباه رئيس الوزراء وجود نحو أربعة أشخاص من نفس المدينة على طاولة المؤتمر وعلق عليها موجها كلامه لرئيس الجمعية الذي كان يجلس بجواره عبارة " مزبط حالك كويس" اضحكت من في القاعة وفهم القصد منها جيدا.
5- وجود كلمات افتتاح على مدار يومين يقع خارج المألوف وخاصة انها غير مبررة ولا تتوافق مع سياق المؤتمر وأعماله ، ان اعطاء بعض الكلمات كان من باب المجاملة وإرضاء ذوي العلاقة والمصالح والمنافع من نفس المدينة.
6- عدد المشاركين الذين ظلوا ماكثين يتعارفون ويتبادلون أطراف الحديث في الردهات خارج قاعة المؤتمر كان يتساوى تقريبا مع عدد الذين يجلسون في القاعة، مما اضطر رئيس الجمعية ومقدم الحفل اكثر من مرة دعوتهم للدخول والمشاركة.
7- لم يلمس اي دور فعلي للمعقبين في فتح النقاش أو التعليق المهني على الأوراق لأكثر من سبب أولها ان هناك معقبا واحدا على الاوراق التي تطرح في الجلسة الواحدة وهذا يعني انه كان مطلوبا منه ان يعقب على 4 إلى 5 أوراق عمل مما يستدعي منه قراءتها جميعها جيدا قبل الجلسة ووضع الملاحظات عليها وهذا غير ممكن أما السبب الثاني فيتعلق بقصر الفترة الزمنية المتاحة له للتعقيب(5-7 دقائق) وخاصة ان بعضهم اعتمد على وضع ملاحظاته اثناء القاء الباحث لورقته مما حال دون التعقيب المهني وإظهار النواقص أو العيوب في أوراق العمل لتعديلها فيما بعد ولتطوير النقاش لتحقيق الأهداف التي من أجلها عقد المؤتمر .
أما الجانب الثاني المتعلق بأوراق العمل والمناقشات فيمكن إيراد الملاحظات التالية:
1- غلب على الأوراق الطابع الأكاديمي والتعليمي البحت اكثر منه دراسة حالات بعينها Case Studies لتبيان دور ومسئولية المدقق الخارجي. ففي فلسطين اكثر من حالة يمكن تقديم أوراق عمل فيها ومناقشتها لأخذ الدروس والعبر منها.فقد توقفت شركة تامين وتعثرت أخرى وتوقف مصرفا عن العمل وسحب ترخيصه وأغلق بالإضافة إلى وجود بعض اوجه الفساد الذي اكتشف في شركة عاملة في البورصة وهناك اكثر من شركة صناعية وعقارية ومصرفية واستثمارية يتذبذب مركزها وبعضها يترنح بحاجة إلى وقفة لتحديد دور المدقق الخارجي في اكتشاف الاخطاء.  فهذه هي الافادة الحقيقية من أعمال هذا المؤتمر وليس من الحديث الاكاديمي المحفوظ والمستوعب جيدا عن ظهر قلب لكن دون تطبيقه عمليا.وهناك حالات كثيرة في الاردن ودول الخليج العربي ومصر وتونس والمغرب ولبنان تحتاج جميعها إلى وقفة تحليل وتقييم ومراجعة . وهذا ما كان مؤملا تناوله وتحليله من أوراق الخبراء والمهنيين العرب الذين شاركوا في أعماله. ولكن للأسف لم تتناول اي ورقة عربية هذه المواضيع الهامة.
2- لقد غاب عن المؤتمر كليا اسباب وحيثيات انهيار اكبر شركات التدقيق الدولية (ارثر اندرسون )على إثر افلاس شركة إنرون العملاقة للطاقة قبل نحو 10 سنوات ،كان من الاجدر الوقوف امام هذه الحالات ودراستها وتبيان الآثار المهنية المترتبة عليها .ليس هذا فحسب بل ان الاقتصاد الأميركي تعرض لهزة عنيفة في مؤسسات الاقراض العقارية عام 2008 ادت إلى افلاس مئات الشركات والمصارف من ابرزها ليمان برذار والعديد من مؤسسات الادخار وشركات التامين والأوراق المالية وجميع هذه الشركات والمؤسسات كانت تخضع للتدقيق الخارجي والحوكمة وفقا للمعايير الدولية فأين تكمن المشكلة إذن ؟ وهذا ما كنا تواقين وشغوفين لسماع الاجابة عليه.
3- المؤتمر أعطى لمؤسسة أميركية تعمل في مجال مكافحة الفساد تقديم ورقتي عمل في هذا الجانب ،كان احد الذين قدما الورقتين من أصل فلسطيني ضالعا ومشاركا حتى العظم في توقف مصرف عن العمل في نهاية عام 1999 حيث كان هو المسئول المباشر عن تبرير قرارات رئيس مجلس الإدارة غير القانونية . فكيف يستقيم هذا العمل المتعارض مع النزاهة والشفافية وأصول التدقيق ومعايير الحوكمة. وبالمناسبة فإن الورقتين لم تقدما أي جديد يمكن ان يستفيد منه المدققون الخارجيون في فلسطين .
4- لم يناقش المؤتمر أو يتعرض لدور ومسئولية المدقق الخارجي فيما يتعلق بالشركات القابضة والشقيقة والتابعة وذات العلاقة. وهي أس البلاء في العديد من الدول وخاصة الغربية منها. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا وكنا نتمنى ان نجد جوابا عليه أو مناقشة مهنية له هو: هل يجوز لمدقق خارجي واحد ان يتولى مسئولية تدقيق حسابات كل الشركات التابعة والشقيقة وذات العلاقة ولسنوات عدة دون توقف وهل هذا يتطابق مع المعايير المحاسبية الدولية والنزاهة والشفافية وقواعد الحوكمة التي أخذت تتردد على كل لسان وتدون في كل التقارير الجيدة منها والسيئة . فكلمة الحوكمة باتت الأكثر رواجا وانتشارا في الوقت الحاضر بغض النظر فيما إذا كانت تطبق على أرض الواقع أو ملقاة على الرف كما هو حال النزاهة والشفافية والمساءلة والمعايير الدولية.
5- لم يجب المؤتمر وبالأدق لم يناقش موضوع تضارب المصالح وتداخلها وتشابكها بين المدققين الخارجيين وأصحاب المصالح Steak Holders وخاصة في حالة كون رئيس مجلس الإدارة هو المدير العام التنفيذي وابنه أو شقيقه أو قريبه نائبه فكيف يمكن للمدقق الخارجي في هذه الحالة ان يقوم بعمله بأمانة ونزاهة وشفافية في تطبيق المعايير المحاسبية في حال كان/ كانوا يملكون أو يؤثرون أو يسيطرون على الأغلبية في الهيئة العامة حيث تتخذ قرارات المصادقة
على تعيين المدققين الخارجيين.
6- لم يقف المؤتمر بشكل مهني امام العلاقة بين المدقق الداخلي وضابط الامتثال ومراقب الائتمان والدائرة القانونية ولجنة مجلس الإدارة المكلفة بالقيام بإدارة المخاطر ولجنة المراجعة والفحص وبين كل هؤلاء والمدقق الخارجي وبينها جميعا ومراقب الشركات أو مراقب المصارف إن كانت مصرفا أو هيئة سوق رأس المال إن كانت شركة مالية أو يتم تداول أسهمها في البورصة. فكما يتضح هناك تداخلا وتشابكا بين كل الهيئات السالفة الذكر مما كان يقتضي الوقوف أمامها ومناقشتها فهي تستحق حقا أكثر من جلسة لكشف وتوضيح العلاقة بينها وتحديد المسئوليات.
7- هناك دور يجب ان يدون ويوثق ويعلن وينشر عن مسئولية المدقق الخارجي في كشف التزييف والفساد وغسيل الأموال من خلال مسئوليته في فحص مصادر واستخدام الاموال والتدفقات النقدية السنوية الداخلة والخارجة .فالمدقق هو الذي يصدر ويراجع ويفحص كافة بنود وعناصر مكونات التدفقات النقدية وأوجه الاستخدامات في الداخل والخارج .قد لا يتمكن من الوصول إلى التفاصيل ولكنه وبحكم التدقيق المنتظم لحسابات المنشأة /الشركة يستطيع أن يبرز ويظهر المؤشرات الرئيسة ويدقق فيها ويطلب الوثائق ويطلع على السجلات والدفاتر وهذا من حقه ليتبين حقيقة الموقف فيما إذا كانت صحيحة أم لا .فالمدقق الخارجي يمكن له وبسهولة إذا اراد إضاءة اللون البرتقالي أو إبلاغ الهيئات الرقابية الرسمية (مراقب الشركات ومراقب البنوك وهيئة سوق رأس المال ولجنة التدقيق التابعة لمجلس الإدارة ) .أو تدوينها في الرسالة الإدارية التي يسلمها لمجلس الإدارة  مرفقة مع النتائج المالية.
= الخلاصة =
من غير الممكن على ضوء كل ما سبق أن نقول بأن المؤتمر قد حقق الأغراض التي من أجلها عقد. ولكونه الأول فإنه من الممكن الاستفادة مما شاب هذا المؤتمر من ثغرات وسلبيات عديدة لتجنبها في المؤتمرات التالية. وهذا لا يلغي الجهود التي بذلت لعقده وتنظيمه.

التعليـــقات