رئيس التحرير: طلعت علوي

الغلاء وأزمة الموازنة وأفاق الحل

الجمعة | 03/06/2005 - 09:47 مساءاً

الغلاء وأزمة الموازنة وأفاق الحل


بقلم: توفيق نصار

لعل أهم ما جاء بقرارات الحكومة الأخيرة  بالتراجع الجزئي عن بعض قراراتها السابقة هو ما لم يكتب في هذه القرارات، وهو اعتراف الحكومة الضمني بوجود أزمة اسمها أزمة الغلاء، فالحكومة وعلى لسان رئيسها نفت وجود أزمة غلاء وبررت ارتفاع الأسعار بأنه ارتفاع عالمي وفي حدود المقبول والمتعارف عليه، وقد أكد دولة رئيس الوزراء على هذه القناعة خلال اجتماعه مع ممثلي مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، مدللا على معقولية ارتفاع الأسعار من خلال جداول ورسومات بيانية. ورافضا تحذيرات الفعاليات الاقتصادية والمجتمعية بأن البلد على حافة الانفجار ومن ثم الانهيار. وتأكيده مجددا بأن المشكلة الكبيرة وربما الوحيدة هي مشكلة العجز بالموازنة، والحل الوحيد لهذا العجز هو مزيد من الجباية من الشعب، بعد تخلي المانحين والمجتمع الدولي عن السلطة الفلسطينية.
ان القاصي والداني يستطيع أن ير بأن هنالك مشكلتان أساسيتان، وليس مشكلة واحدة  وهما عجز الموازنة والغلاء الفاحش. وحل مشكلة الغلاء بحاجة لموازنة والموازنة غير موجودة، اذن ما الحل؟ هذا ما تقوله الحكومة
ولكن قبل البدء بالبحث عن الحلول، لا بد من تحديد المشكلة وأسبابها وتحديد المسؤول عنها، ومن ثم ننطلق للبحث عن الحلول.
أزمة العجز في الموازنة:   أولا ما يحسب للدكتور سلام فياض وحكومته هو وجود موازنة مكتوبة يستطيع المراقبون والمختصون دراساتها والوصول الى استنتاجات، فما قبل عام 2006 لم يكن هنالك شفافية في عرض الموازنة، أما الآن وبالرغم من غياب الشفافية في تفاصيل الموازنة الا أن الشفافية موجودة عند قراءة الخطوط العامة لها.
ومن خلال مقارنة الموازانات المتعاقبة، نجد ان الجباية قد تضاعفت وارتفعت بأكثر من مليار دولار، الا أن المشكلة تكمن في أن الانفاق ارتفع أيضا بما يقارب المليار وسبعمائة مليون دولار. اذا استطاعت الحكومة زيادة الجباية من خلال زيادة الفعالية، الا أن الجزء الأكبر جاء بفعل سلسلة متلاحقة من الزيادة على معدلات الضريبة والرسوم وتحديدا الضرائب على المحروقات مما أدى الى ارتفاع حاد في أسعارها ومما عكس نفسه على ارتفاع مجمل السلع الأخرى.
اذن أزمة الموازنة تتحمل مسؤوليتها الحكومة لأنها لم توازن ما بين الانفاق وقدرات الاقتصاد الفلسطيني على  تمويل هذا الانفاق، ولأكون منصفا أكثر للحكومة، فباعتقادي أن الحكومة وقعت في شرك الدول المانحة التي مولت العجز في الموازنة لفترة محددة، ومن ثم قلصت الدعم بحيث لا تستطيع الحكومة تمويل هذا العجز، وهذا جزء من مخططها من أجل ان تجعل الشعب والحكومة وكافة مؤسسات السلطة تسعى فقط للحصول على الراتب ورغيف الخبز، وتنسى همومها الأخرى. اذن ومرة أحرى فالحكومة هي المسؤولة الأولى عن عجز الموازنة نتيجة لسياساتها المالية الخاطئة، ولا ننسى هنا السياسات الاقتصادية المتخبطة للحكومة، بغياب الدعم للمنتج الوطني، أو تحفيز القطاع الصناعي والزراعي والذي اتضح تماما من خلال رفع ضريبة الدخل على هذان القطاعان فبدلا من ان ترفع الحكومة ضريبة الدخل على قطاع الاتصالات والبنوك أو عمل شريحة جديدة لمن يزيد ربحه عن المليون دينار، نجدها ترفع ضريبة الدخل على كافة القطاعات الاقتصادية بالتساوي دون الالتفات بأن القطاعات الانتاجية بحاجة لتحفيز من أجل بناء اقتصاد مستدام.
وقبل أن أنهي في هذا المجال لا بد من الاشارة الى ضرورة تغيير الحكومة لمجمل سياساتها وتوجهاتها الاقتصادية، فالمجال لا يزال مفتوحا لتحسيين وضع الاقتصاد، على أن يرافق ذلك ضغط دبلوماسي متواصل لازالة العقبات التي يضعها الاحتلال امام الاقتصاد الفلسطيني، ولالزام اسرائيل باعطاء الفلسطينيون حقهم الحقيقي من ما تجبيه نيابة عنهم.
أزمة الغلاء: ان من لا يعترف بوجود  أزمة غلاء خانقة، لا يعيش بهذا الوطن، أو انه يعيش ببرج فوق الغيوم ولا يرى شيئا في هذا الوطن، وسأحاول أن ادلل على هذه الأزمة من خلال استعراض بعض الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء، بالرغم من أن أزمة الغلاء هي اكبر مما تقوله هذه الأرقام.
ارتفعت أسعار مجموعة المواد الغذائية  بنسبة 48.3% منذ عام 2004، بينما ارتفع معدل الرواتب من 66.8 شاقل في ال 2004 الى 77.8 شاقل في العام 2011، أي بنسبة 16.4%، والفرق ما بين هاتان النسبتان تمثل انخفاض في القدرة الشرائية للمواطن. بالرغم من ان هذه الأرقام هي متوسط للنسب وحجم تأثر محدودي الدخل أكثر من ذلك بكثير. وبالرغم من ان القدرة الشرائية للمواطن قد انخفضت في معظم دول العالم كنتاج للأزمة الإقتصادية العالمية الا ان هذا الانخفاض بقي محدودا في العديد من هذه الدول بسبب التدخلات الحكومية، وعلى سبيل المثال فقد انخفضت القدرة الشرائية للمواطن في اسرائيل بنسبة 8% مقارنة بعام 2004 وهو أقل من ثلث انخفاض للقدرة الشرائية للمواطن الفلسطيني.
آفاق الحل: اذن بداية لا بد من الاعتراف بوجود هاتان المشكلتان المتناقضتان اولا لأن حل المشكلة الأولى قد يؤدي الى تأزيم المشكلة الثانية والعكس صحيح، وفي هذه العجالة سأحاول أن أسلط الضوء على بعض أفاق الحل، مبتعدا عن الصياغات العامة مثل: الحل بالحوار الوطني أو الشراكة الوطنية، أو غيرها من اللصياغات العامة.
·        زيادة الجباية: تقترح الحكومة زيادة الجباية لحل أزمة الموازنة ومراقبة الأسعار والحد من جشع التجار لحل المشكلة الثانية، وبرأيي فان هذا الحل هو امعان في سياسات الحكومة الخاطئة والتي أدت الى الانفجار المجتمعي الأخير، والذي يعد بروفة لإنفجارات أكبر، لأن زيادة الجباية تعني مجددا زيادة في الأسعار وانخفاض في الدخل المتاح للإنفاق، وبالتالي سيؤدي الى انخفاض جديد في القدرة الشرائية للمواطن الفلسطيني، كما أن سياسة مراقبة الأسعار أثبتت عدم نجاعتها في كل الدول في ظل اقتصاد السوق المفتوح، فتكلفة المواد تتغير من يوم الى يوم، وغالبية تكلفة المواد اصبحت تعتمد على أسعار البورصات العالمية، وأسعار نقل عالمية والتي تتغير يوميا، فكيف ستستطيع الحكومة مراقبة هذا التغير اليومي في الأسعار.

 

·        التخفيض من الانفاق: وهذا بند في غاية الأهمية، فأساس الأزمة هو الانفاق العالي الذي لا يستطيع الإقتصاد الفلسطيني دعمه، ولكن مجالات التخفيض في الضفة الغربية تبقى محدودة ولن تحل المشكلة بشكل كامل.

·        قطاع غزة: وهنا مربط الفرس بالنسبة للحكومة وباعتقادي فإن الحكومة ستحصل حوالي 200 مليون دولار من فواتير المقاصة التي كانت تذهب هدرا في السنوات السايقة، وذلك من خلال الاتفاق الاسرائيلي الجديد وليس من خلال تعاون حركة حماس بتسليم هذه الفواتير للحكومة، كما ان الحكومة ستحاول تخفيض فاتورة الانفاق على قطاع غزة تدريجيا، ودون المس برواتب العامليين في السطة والتي طلبت منهم  السلطة عدم العمل والجلوس في بيوتهم، ولكن من خلال تخفيض دعمها التدريجي لمجالات الكهرباء والصحة والتعليم. فالسلطة الحاكمة في غزة هي سلطة حماس وهي المسؤولة عن الصرف على هذه المجالات، فلماذا تتحمل السلطة في رام الله هذه الأعباء المالية بما يحمله ذلك من ثمن سياسي تدفعه السلطة للدول المانحة وثمن اجتماعي يدفعه المواطن والحكومة في رام الله. ان مجموع ما ستستهدفه الحكةمة هو توفير حوالي 300 مليون دولار، مما يعني محصلة ايجابية في موازنة السلطة قيمتها 500 مليون دولار سنويا وهي كافية لحل مشاكل الموازنة على المدي القريب،الا ان ذلك لن يساهم في تخفيض مشكلة الغلاء ما لم يترافق بالغاء ضريبة القيمة المضافة على السلع الأساسية وكما هو معمول به في الكثير من دول العالم، وكذلك تخفيض الضريبة المفروضة على المشتقات النفطية، وهذان الاجراءان بحاجة الى موافقة الطرف الاسرائيلي حسب بروتوكول بتريس الاقتصادي.

 

·        التزام الدول المانحة بتعهداتها: وهنا على الحكومة الفلسطينية، والقيادة الفلسطينية بالعموم زيادة الضغط على المجتمع الدولي للوفاء بالتزاماته والتوضيح لهذا المجتمع بأن عدم وفائهم بالتزاماتهم سيؤدي الى انهيار السلطة، وهو خيار لا يرغب العالم برؤيته كل لأسبابه. فأقل ما يمكن أن يقال في هذا المجال بأن على المجتمع الدولي إما ان يعمل على رفع القيود المكبلة للإقتصاد الفلسطيني، أو أن يدفع ثمن بقاء هذه القيود.

ويبقى هنا أن نقول بأنه وبغض النظر عن الحلول التي ستتيناها الحكومة فإن حل مشكلة الغلاء بشكل جذري بحاجة الى تغيير في بعض السياسات المالية، وتغيير في هيكلية الانفاق، واعطاء أولوية في الموازنة للتعليم والصحة والشؤوون الاجتماعية على حساب موازنة الأمن المتضخمة. اضافة الى تغيير في بعض السياسات الاقتصادية وتحفيز المنتج الوطني ودعم القطاع الزراعي.

التعليـــقات