رئيس التحرير: طلعت علوي

النمو العالمي تراجع بشكل حاد العام الماضي ويستمر في الانخفاض خلال 2012

الجمعة | 03/06/2005 - 09:36 صباحاً


الأمم المتحدة تطلق تقرير التجارة والتنمية 2012

 

النمو العالمي تراجع بشكل حاد العام الماضي ويستمر في الانخفاض خلال 2012


بيروت، 12 أيلول/سبتمبر 2012 (مركز الأمم المتحدة للإعلام)-- تراجع النمو العالمي من 4.1 في المائة في عام 2010 إلى 2.7 في المائة في عام 2011، ومن المتوقع استمرار الانخفاض في عام 2012 إلى أقل من 2.5 في المائة وفقاً لتقرير التجارة والتنمية لعام 2012 الذي صدر اليوم عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد). والتقرير المعنون "سياسات النمو الشامل والمتوازن"، يركز أساساً على عدم المساواة في الدخول، ويشير إلى أن تقليص الفجوات المتسعة في الثروة والدخل لن تكون له منافع اجتماعية فحسب، بل سيؤدي أيضاً إلى نمو اقتصادي أكبر.

 

ويبين تقرير التجارة والتنمية 2012 أن العديد من البلدان النامية تدعم الطلب والنمو المحليين بسياسات اقتصادية لمواجهة التقلبات الدورية. لكنه يؤكد على أنه ليس بوسع تلك البلدان تجنب حدوث بطء اقتصادي في نفس الوقت الذي تتعرض فيه تلك الدول للتأثر المستمر للتدهور في الاقتصادات المتقدمة.

ويُتوقع أن يكون التوسع الاقتصادي في اقتصادات البلدان النامية والبلدان التي تمر بمرحلة انتقالية أقوى خلال عام 2012 - بنسبة 5 في المائة في البلدان المجموعة الأولى و4 في المائة في البلدان المجموعة الثانية - ولكنه سيقل عما تحقق في السنوات السابقة. وقد أصبح العالم النامي، بفضل التقدم المحرز في عدد من الاقتصادات الكبرى، أقل اعتماداً من ذي قبل على الاقتصادات المتقدمة، و كذلك أصبح لديه طلباً محلياً أكثر قدرة على التكيف. ويشير التقرير إلى أن حوالي 74 في المائة من نمو الناتج العالمي الذي شهدته الفترة الممتدة بين عامي 2006 و2012 قد تحقق في البلدان النامية، مقابل نسبة 22 في المائة فقط في البلدان المتقدمة. وعلى العكس من ذلك، كانت البلدان المتقدمة، في الثمانينات والتسعينات، تستأثر بنسبة 75 في المائة من النمو العالمي، وهي نسبة انخفضت إلى ما يزيد قليلاً عن 50 في المائة بين عامي 2000 و2006.

 

ووفقاً للتقرير، لا تزال البلدان النامية عرضة لضعف الطلب على صادراتها من الاقتصادات المتقدمة، ومن المرجح أن يظل الوضع على حاله مع تواصل برامج التقشف، وبخاصة مع شدة تأثيرها في أوروبا. ويتجلى هذا الاتجاه في ركود أحجام الصادرات الموجهة إلى أسواق البلدان المتقدمة، وفي اتجاه أسعار السلع الأساسية نحو الهبوط منذ الربع الثاني من عام 2011. وعلاوة على ذلك، يؤكد التقرير أن عدم الاستقرار المالي الذي تشهده البلدان المتقدمة يؤثر في التدفقات المالية نحو اقتصادات الأسواق الناشئة ويزيد من التقلبات الملازمة لأسعار السلع الأساسية.

ويشير تقرير الأونكتاد الجديد إلى أن اتساع الفجوات في توزيع  الدخل والثروة في مختلف أنحاء العالم ليس نتيجة ثانوية حتمية من نتائج العولمة والتغير التكنولوجي. ويؤكد أن تزايد تركيز الدخل في أيدي قليلة يقيد إمكانيات البلدان في المجال الاقتصادي بإضعاف الطلب على السلع والخدمات والحد من آفاق التعليم والارتقاء الاجتماعي المتاحة لسكانها بوجه أعم - فلا تُستغل مواهبهم وإنجازاتهم الاقتصادية الممكنة استغلالاً كافياً. ويمكن عكس مسار هذه الاتجاهات، بل ينبغي فعل ذلك، عن طريق تدخل الحكومة بسياسات مالية وسياسات لسوق العمل، حسبما يرد في التقرير.

 

وتبين الاتجاهات السائدة على مدى السنوات الثلاثين الماضية ازدياد التفاوت في الدخل داخل البلدان وفيما بينها. وقد تراجعت حصة الأجور في الدخل الإجمالي في معظم البلدان المتقدمة وفي العديد من البلدان النامية. ويعتبر التقرير أن الاعتقاد السائد منذ الثمانينات بأن على الحكومات في سعيها لزيادة الكفاءة الاقتصادية، أن تتغاضى عن سوء توزيع الدخول، هو اعتقاد خاطئ – وهو يوصي بخطوات يمكن اتخاذها للحد من أوجه التفاوت في الدخل وتعزيز النمو الاقتصادي في الوقت ذاته. ويفيد أيضاً أن السياسات التي تحافظ على حصة العمال في الدخل القومي وتعيد توزيع الدخل عن طريق الضرائب التصاعدية والإنفاق العام ستحسن المساواة فضلاً عن الكفاءة الاقتصادية والنمو.

ويشير تقرير التجارة والتنمية 2012 أيضاً إلى أن نموذج مرونة سوق العمل لم يفشل فقط في الحد من البطالة، بل غالباً ما يؤدي إلى تفاقمها. فبالاعتماد على ضغط وتخفيض الأجور باعتباره أداةً رئيسيةً لزيادة فرص العمل، تُغفل "إصلاحات سوق العمل" أهمية مساهمة توزيع الدخل في نمو الطلب وخلق فرص العمل. ويضيف التقرير أنه عندما تنمو الإنتاجية الإجمالية من دون زيادة مماثلة في الأجور، سيقل الطلب في نهاية المطاف عن الطاقة الإنتاجية، ما يقلل معدل استخدام القدرة الإنتاجية ويقلل الأرباح والاستثمارات.

 

تعليقاً على التقرير الجديد، شدد عبد الله الدردري، كبير الاقتصاديين ومدير إدارة التنمية الاقتصادية والعولمة في الاسكوا، على أن سياسات الإنكماش في الاقتصادات المتقدمة لم تعط نتائج لا بالنسبة لضبط عجز الموازنة في هذه الدول، ولا بالنسبة لتشجيع النمو فيها وفي باقي دول العالم. فانكماش الطلب في الدول المتقدمة عمّق مشكلة البطالة وأضعف الطلب العالمي على الصادرات في الدول المتقدمة والنامية، مما ساهم في تعميق الأزمة العالمية وعرّض الانتعاش الاقتصادي للخطر. وأضاف الدردري "هنا يجب عدم الاكتفاء بالاصلاحات الهيكلية، بل لا بد من سياسات مالية ونقدية دائمة للنمو والتشغيل مما يعزز الطلب على الصادرات عبر العالم".

كما لفت الدردري إلى أن إعادة التوازن بين مستويات الدخول داخل كل بلد وعلى المستوى العالمي يُعد من أهم مصادر النمو الكامنة في الاقتصاد العالمي أي أن العدالة الاجتماعية لم تعد هدفاً يتعلق بالإنصاف فحسب بل هي سياسة اقتصادية حصيفة تشكل المخرج من الأزمة العالمية. ولتحقيق ذلك، فإن على الدول أن تصلّح سياساتها الضريبية للتمكن من  تمويل الإنفاق الاجتماعي وزيادة الانتاجية والدخول، بما يقود إلى زيادة الطلب وبالتالي التصدير والتشغيل والنمو. وأضاف أن هذه النقاط تؤكد على ما تدعو إليه الاسكوا من ضرورة اعتماد مقاربة اقتصادية واجتماعية جديدة في البلدان العربية قائمة على النمو الشامل للجميع وعلى الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والتنوع الاقتصادي تحت سقف دولة تنموية راعية لاهداف المجتمع تمثله تمثيلا حقيقياً في إطار حوكمة ديمقراطية.

 

أما الخبير الاقليمي لسياسات التشغيل والاقتصاد الكلي في المكتب الاقليمي للدول العربية في منظمة العمل الدولية زافيريس تزاناتوس فقد قال إنه من المرجح أن يؤدي تدهور التوقعات الاقتصادية إلى ارتفاع معدلات البطالة، وفقدان الدخل بالنسبة لمعظم الناس - حتى بالنسبة لأولئك الأشخاص الذين يعيشون عند أو تحت خط الفقر، وعدم المساواة المتزايدة وخاصة من حيث تركيز الثروة. ويظهر تحليل كل من الأونكتاد ومنظمة العمل الدولية أن المجتمعات الأكثر شمولاً وإنصافاً لديها معدلات نمو اقتصادي أعلى وهي أيضاً أكثر استدامة. وتخوّل المجتمعات العادلة الناس استخدام قدراتها كاملة من خلال تحسين فرصهم التعليمية، وتشجيع المواهب، وتطبيق الضرائب العادلة، ودعم الحراك الاجتماعي وتوفير الائتمان للسكان وفقا لتزاناتوس.

وأضاف تزاناتوس "يجب الحد من تزايد تصاعد الدين الحكومي، ولكن من الأفضل أن يتم تحقيق ذلك من خلال استعادة النمو (والإيرادات المالية) بدلاً من محاولة زيادة الضرائب في اقتصاد متداع. يمكن أن تساهم الإصلاحات في الانتعاش عندما لا تقوم على فكرة أن "دولة جيدة هي دولة صغيرة" ولكن على توسيع الدور الاقتصادي الداعم للدولة في حين تخلق الدولة أو تعزز الخدمات الاجتماعية وتعالج أوجه عدم المساواة الظالمة".

التعليـــقات