ثورة الجياع والحكومة وبروتوكول باريس
بقلم: المهندس توفيق نصار
سبق وكتبت مقالا تحت عنوان "بروتوكول باريس شماعة السلطة وحبل نجاتها" لأوضح بأن السلطة تتحجج ببروتوكول باريس عند اتخاذها لأي قرار يؤدي لرفع الأسعار ويمس لقمة عيش الفقراء. ولعل أبرز ما تتحجج به السلطة عند رفعها لأسعار المحروقات هو بروتوكول باريس، وهنا سألخص ما ينص عليه بروتوكول باريس فيما يتعلق بالمحروقات وشروط استيرادها وأسعارها.
البند 12 (أ) تقبل المواصفة الأردنية لمشتقات البترول بشرط توافقها مع المواصفة الأوروبية او الأميريكية، وفي حال عدم تطابقها تحال للجنة مختصة تحمل صلاحيات السماح باستيرادها حتى في حال مخالفتها للمواصفة الأوروبية او الأميريكية. وفي حال تأخر اللجنة في الرد لأكثر من ستة شهور، فيحق للسلطة الفلسطينية استيراد بنزين للسوق الفلسطيني بشرط ان يكون لونه مغايرا للون البنزين المسوق في اسرائيل، مع اتخاذ السلطة الإجراءات اللازمة لعدم تسرب هذا البنزين لإسرائيل. وما ينطبق على البنزين الأردني من حيث المواصفة ينطبق على البنزين المصري.
أما من ناحية الأسعار فتنص الفقرة (ب) على ان الفرق في أسعار البنزين بين مناطق السلطة واسرائيل (لاحظوا النص هو للبنزين فقط) يجب أن لا يتجاوز ال 15%، أي ان السلطة تستطيع أن تحدد سعر البنزين ب 7 شاقل او أقل قليلا ( وليس 8 شاقل) كما هو الآن. ويضيف هذا البند بأن للسلطة الحق في تحديد أسعار المنتجات النفطية الأخرى ما عدا البنزين. أي أن السلطة تستطيع تخفيض أسعار الكاز والغاز والديزل لأغراض الصناعة والتدفئة كما تشاء. وبالتالي فإن السلطة تستطيع ان تساعد المواطن على اتقاء شر البرد وتستطيع ان تحفز قطاع الصناعة ببيعه غاز وسولار رخيص التكلفة.
أما البند 36 من بروتوكول باريس فبسمح بان يكون الفرق في نسبة الضريبة بين مناطق السلطة واسرائيل 2%، فلماذا رفعت الحكومة ضريبة القيمة المضافة الى 15.5% بدلا من 15% وهو ما يسمح به بروتوكول باريس.
أما البند 3 من بروتوكول باريس فيعطي السلطة كامل الصلاحيات في تحديد نسب الجمارك والضرائب والرسوم على قائمة كبيرة من السلع بالامكان استيرادها من مصر والأردن ودول عربية اخرى، فلماذا لا تتحرك السلطة وتعفي بعض هذه السلع وتحديدا الأساسية منها من الضرائب والرسوم وتشجع استيرادها ، وبذلك تحد من موجة الغلاء الفاحش.
ومن هنا، وبالرغم من ان بروتوكول باريس سيء أصلا، كما أنه قد صمم ل 5 سنوات، وأصبح الآن لا يتناسب مع الوضع الحالي، ويجب تعديله أو حتى تغييره الا ان هذا البروتوكول لا يزال يَحمل ما لا صلة له به، ولا يزال يستعمل من قبل الحكومة كشماعة لرفع الأسعار وتحصيل مزيد من الجباية.
إن اساس الأزمة ليست الجباية، فنسبة الجباية من المواطن الفلسطيني في الضفة الغربية تعد من الأعلى في العالم. إن اساس الأزمة هي سياسة الإنفاق غير المدروسة وغير الواقعية وهذا ما تتحمل مسؤوليته الحكومة الفلسطينية ورئيسها، كهيئة وكأشخاص، فبالرغم من رفع التحصيل منذ عام 2006 وحتى عام 2011 بحوالي مليار دولار، الا أن الانفاق ازداد خلال نفس الفترة بحوالي مليار و 700 مليون دولار. دون أن تأخذ الحكومة بعين الاعتبار قدرات المواطن الفلسطيني على تمويل هذا الانفاق غير المبرر. وزيادة في امعان الحكومة في التدمير رفعت شعار الاستقلالية المالية والاعتماد على الذات ولم تستمع لصرخات الخبراء في هذا المجال بأن الضغط على المواطن بمزيد من الجباية ومزيد من رفع الأسعار سيؤديان الى ثورة اجتماعية لا تحمد عقباها.
أما المضحك المبكي فهو تصريحات الدكتور سلام الفياض بأننا لسنا دولة وبأن معابرنا وحدودنا واقتصادنا مسيطر عليه من قبل اسرائيل. ألم يكن هذا تحديدا ما أبلغته مؤسسات القطاع الخاص للسيد رئيس الوزراء منذ سنوات؟ أولم يتم الاستناد لهذه الحقيقة للتدليل لدولة رئيس الوزراء بأنه لا يمكن أن يكون هنالك استقلالية مالية دون استقلالية اقتصادية؟
لقد كانت كافة المعطيات الاقتصادية تشير الى ان الاقتصاد الفلسطيني (ان كان هناك اقتصاد بالمعنى العلمي للكلمة)، والوضع المالي للحكومة ومستوى الغلاء سيصلون الى هذه الأزمة، بسبب السياسات المالية الخاطئة للحكومة.
أما الآن وبعد أن وصلنا الى ما وصلنا له، فمن غير المقبول من الدكتور سلام القول بأنه غير مسؤول عن الوضع الحالي، واذا كان هنالك من هو أفضل منه ويستطيع الخروج من هذه الأزمة فليتفضل.
دولة رئيس الوزراء المحترم، أنت من أوصلنا الى هذه الأزمة وأنت من أوصلنا الى قعر البئر المظلم، والآن تقول لنا بأن لا أفضل مني لأدير هذه الأزمة من قعر البئر، ولا بديل لكم سوى ادارة الأزمة في قعر بئر مظلم.
نحن لم نتعود ان نعيش في الظلام، ولا نقبل منطق العيش بالظلام. وقد آن لك ان ترحل، بعد أن خسرت كل من احبوك (وأنا واحد منهم). إن حل الأزمات غير العادية، يحتاج الى سياسات واجراءات غير عادية وانت لن تستطيع اتخاذها.