كيف حدثت الأزمة المالية العالمية؟
خاص ارشيف السفير الاقتصادي:
لا حديث هذه الأيام إلا عن الأزمة المالية العالمية، حيث ظهرت مصطلحات عديدة سيطرت على التحليلات مما زاد من إشاعة الهلع بين الناس، والغريب حقا أنّ الكثيرين من هؤلاء، ولاسيما في الدول العربية لا يتوانون عن التأكيد بأنّهم لا يعرفون التفاصيل وأسباب الأزمة وكيف حدثت. وما زاد من الحيرة، عودة النقاشات الإيديولوجية مثل الأزمة الهيكلية للنظام الرأسمالي أو الأزمة الدورية للرأسمالية أو سقوط النموذج الليبرالي وعودة التأميم والاشتراكية.
بطبيعة الحال فإنّه وحسب الأخصائيين، ما يحدث أثناء الأزمة المالية أمر بسيط، ولكن يتمّ تفسيره عادة بكلمات ومصطلحات معقّدة وهو ما يزيد في واقع الأمر من حالة الذعر. ولعلّ من أفضل من نجحوا مؤخرا في تقديم صورة مبسّطة يقدر الإنسان العادي على فهمها، الباحث الفرنسي الشاب طوماس غينولي.
وفق غينولي فإنّ ما يلخّص الأزمة هو مفعول الدومينو، فكيف ذلك؟، تخيلوا أنّ هناك صفين من الدومينو تمّ وضعهما إلى جانب بعضهما البعض، وهناك صفّ آخر من الدومينو تمّ وضعه خلفهما: الصفان الأماميان يقعان، وكردّ فعل تتابعي يسقط البقية.
في الولايات المتحدة، تقوم مؤسسات إقراض بتمويل أصول وعقارات وممتلكات وبضائع لأناس يكون واضحا من الأول أنهم ليسوا قادرين على الوفاء بالتزاماتهم المالية، وينبغي على هؤلاء خلال السنتين الأولتين دفع فوائد تلك القروض، وفي السنة الثالثة يقومون بدفع الدين وفوائده. ولكن هناك حاليا الكثير من هؤلاء الذين لا يقدرون على الدفع، وهو ما يعني أنّ قيمة تلك القروض قد ضعفت، وهذا هو أوّل دومينو في الصفين الأولين.
في الولايات المتحدة أيضا، هناك مؤسسات إقراض توافق على ديون تمنح بموجبها أموالا لأناس يملكون عقاّرا يتمّ استخدامه ككفالة أو ضمانة للقرض، ولكن منذ شهور بدأ الطلب على العقارات في التضاؤل إلى أن وصل إلى حدّ التجمّد، حيث ليس هناك طلب أصلا على شراء العقارات؛ وأدى ذلك بطبيعة الحال إلى هبوط أسعار العقارات، وهو ما يدفع مؤسسات الإقراض إلى طلب السيولة والتعويض من أولئك الأشخاص الذين لا يملكون بالضرورة مالا.
ولذلك تبدأ تلك المؤسسات بالمعاناة من أجل الحفاظ على قيمة تلك القروض والديون، وهو ما يضعف من قيمتها في السوق والتعاملات المالية، وهذا هو الدومينو الثاني. هذه المؤسسات المالية، قامت بتحويل تلك القروض إلى "أصول"، أي أنها حولتها إلى منتوج جديد يمكن بيعه وشراؤه في البورصة، أي مثل أن تكون تدين لشخص بالمال ويقوم هذا الشخص بيع دينك لشخص آخر.
ونظرا لكون "الأرباح الموعودة" من هذه العملية مرتفعة، فقد أقدمت صناديق الاستثمار على شراء هذه "الأصول" في البورصة، ولكن، مع بدء هذه الأصول في فقدان قيمتها، أرادت صناديق الاستثمار التخلص منها ببيعها، ولكن المشكل أنّه ليس هناك من مشترين باستثناء راغبين في الشراء بأسعار متدنية، وهذا هو الدومينو الثالث.
ولتجنب مشاكل انعدام السيولة، تقوم صناديق الاستثمار هذه ببيع أصول أخرى تملكها في البورصة ولا علاقة لها بهذه القروض، وبفعل ذلك، ولاسيما التسرّع، تهبط قيمة هذه الأصول، ولكن زيادة على ذلك، فإنّ البنوك التي اشترت منها هذه الصناديق تلك الأصول، تخسر الكثير من الأموال، وهذا هو الدومينو الرابع.
هذه البنوك التي فقدت الكثير من الأموال وتعاني من نقص السيولة، ستحاول الحصول على الأموال بواسطة الاقتراض من بنوك أخرى، وهو أمر يومي في الأسواق ويعرف بالسوق بين البنوك، ولكن لأنّ كلّ بنك يجهل حقيقة وعمق المشكل المالي الذي يعاني منه البنك الآخر؛ فإنّه يرفض إقراضه، وذلك يعني تزايد عدد البنوك التي تعاني من مشاكل سيولة حتى لو كان وضعها جيدا وغير مشمولة بالأزمة: وهذا هو الدومينو الخامس.
وبطبيعة الحال، إذا كان هناك عدد كبير من البنوك تعاني من مشاكل السيولة فإنّ النشاط المالي ككلّ يتأثر، ولذلك فإنّ البنوك المركزية (الأمريكية والأوروبية) تقرض تلك البنوك أموالا، والهدف هو الحفاظ على التوازن على المدى المتوسّط: وهذا هو الدومينو السادس.
والعاملون في البورصة يحتاجون دائما إلى سيولة تحت أيديهم حتى لا يكونوا مضطرين إلى بيع أصول كلّ مرة يطلب فيها أحد مستثمريهم مالا يستحقه عليهم، ولأنّ الكثير من أصول البورصة والأسهم تنخفض، فإنهم يبيعونها سواء للحصول على السيولة أو بفعل الذعر من الوضع الذي تمر به السوق. ويؤدي ذلك إلى مزيد من الهبوط في قيمة تلك الأصول: وهذا هو الدومينو السابع.
وهذا ما يفسّر لماذا تهبط قيمة الأصول والأسهم ولماذا تعاني البنوك من السيولة ولماذا يبيع الكثير من المتعاملين في البورصة كيفما اتفق ومن دون تفكير.
في الأزمة المالية.. أين تبخرت كل تلك الأموال؟ ومن حصل عليها؟
تبخرت ترليونات الدولارات من أسواق المال الأمريكية والعالمية، وكذلك من صناديق التقاعد، وكذلك مليارات الدولارات على شكل مدخرات وغيرها..ذهبت كلها كما يبدو إلى غير رجعة. ولكن السؤال الأهم هو، أين ذهبت؟ ومن يمتلكها الآن؟ ذلك أنه بحسب الربح والخسارة، وبحسب مفهوم التجارة البسيط، إذا خسرت أموالك فلا بد من أن هناك من ربحها، ولكن من هو في هذه الحالة، وأين صبت تلك الأموال؟ أم تبخرت بكل بساطة؟، وفي حال قررت تتبع أموالك المفقودة وتحديد من يمتلكها حالياً، وربما محاولة استرجاعها، فقد تصاب بخيبة أمل إذا علمت منذ البداية أن أموالك لم تكن أموالاً حقيقة.
فالأموال في أسواق المال والأسهم، ليست أموالاً حقيقية، وسعر السهم لم يكن أبداً مالاً نقدياً، وإنما هو مجرد "قيمة" لهذا السهم أو ذاك، ليس أكثر، وفقاً للمحلل المالي والخبير الاقتصادي، روبرت شيلر.
وقال شيلر: "المسألة هي في عقول الناس، فقد انتهينا للتو من تسجيل معيار لما يعتقده الناس حول قيمة سوق المال، وأولئك الذين يعملون فيها، وهم قلة من الناس".
ويوضح الخبير الاقتصادي المسألة كالتالي: يخمّن أحدهم قيمة منزل حالياً بأنها تصل إلى 350 ألف دولار، بينما كانت قبل أسبوع واحد تصل إلى 400 ألف دولار، ويشرح قائلاً "بمعنى آخر، فإن الفارق في القيمتين، أي 50 ألف دولار، اختفت وتبخرت، ولكن العملية كلها عملية عقلية فقط.
وقيمة السهم أو المنزل ليست في جيبك بالتأكيد، ولكن أن تنخفض قيمتها، فهذا يشكل خسارة أموال بالطبع، كان من الممكن أن تستخدمها لو كانت على شكل سيولة نقدية أو لو أنك قمت بعملية البيع لهذه الأسهم أو لهذا المنزل. وفي الواقع، فإن أولئك الذين كانوا يعتمدون على بيع تلك الأسهم أو ذلك المنزل في هذه الفترة، فإن عدم قيامه بالبيع والشراء قبل الأزمة يشكل خسارة حقيقية، رغم أنها في النهاية خسارة نظرية أو افتراضية.
ويقول أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد، دايل جورغينسن، إن الخطأ الأكبر الذي يقع فيه الناس هو اعتقادهم أن "تلك الأموال الافتراضية" تعادل قيمتها المادية في حال السيولة النقدية، فهي ليست كذلك أبداً.
ويوضح: "هناك فرق واضح بين الأمرين، إذ في حين أن الأموال الحقيقية في محفظتك لا يمكن أن تتبخر في الهواء، فإن الأموال التي 'كان من الممكن أن تحصل عليها إذا بعت منزلك' يمكنها أن تتبخر فعلاً، فهي لم تعد مطروحة أو متوافرة حالياً.
ويبين جورعينسين قائلاً: "لا يمكنك الاستمتاع بمزايا وفوائد استثمار تبخر، فإذا انخفضت قيمة ملكيتك من الأسهم بنسبة 80 في المائة، فإن هذه الخسارة مستمرة، ذلك أن أولئك الذين كانوا يستثمرونها اختفوا ولن يعودوا، وسينجم هنا كساد مالي كبير".
وقبل ظهور الأموال الورقية في الصين في القرن التاسع الميلادي، لم يكن هناك من يمكنه أن يقلق على ما سيحدث للأموال، فالأموال شيء معلوم له قيمة حقيقية، مثل العملات الذهبية. وفي ذلك الوقت، إذا اختفت أموالك فجأة، فلا بد من سبب وراء ذلك، وهو أنك أنفقتها، أو سرقها أحد منك، أو أضعتها، ولكن في هذه الأيام هناك الكثير من الأمور التي لها قيمة مادية ولكن لا يمكنك أن تحملها بيدك، مثل استثمار أموالك في سوق الأسهم، والتي يمكنك تتبعها، حيث ترتفع قيمة هذه الأموال، وربما تستطيع أن تبيعها بربح إن أردت عندما ترتفع قيمة تلك الأسهم، ومع انتفاء الثقة بتلك الأسواق وبالنظام المالي، فإن الكثير من المستثمرين سيبيعون بأي سعر للحد من الخسارة، وهنا فإن قيمة استثمارك تكون قد تبخرت، وخلال هذه العملية فإنك تفقد ثروتك.
ولكن هل هذا يعني أن هناك بالضرورة من حصل على تلك الأموال الافتراضية التي كانت بحوزتك؟ بالطبع، لا! إذ ببساطة فإن قيمة الأموال هنا تضاءلت، ومن كان يقوم بالاستثمار والمضاربة خسروا رهانهم بعد أن خاطروا، وهم الآن يعانون جراء تلك المخاطرة.
رأي آلن غرينسبان الرئيس السابق للاحتياط الفدرالي الأميركي
غرينسبان: الأزمة المالية العالمية الحالية هي عبارة عن تسونامي القروض الائتمانية
توقع آلن غرينسبان الرئيس السابق للاحتياط الفدرالي الأميركي أن يكون للأزمة المالية العالمية الحالية التي وصفها بتسونامي القروض الائتمانية، مزيد من الآثار السلبية على الأميركيين.
وقال غرينسبان في افادة له أمام الكونغرس الأميركي إن الإقبال الكبير على السندات المدعومة برهون عقارية ضعيفة هو الذي تسبب في الأزمة المالية، وأكد أن الأزمة أوسع نطاقا مما كان يتوقعه، وهو ما أصابه وكثيرا من الخبراء الاقتصاديين بحالة من الذهول. "بالنظر إلى الضرر المالي الذي نشاهده حتى الآن، فانني لا أدري كيف نستطيع تفادي حدوث تسريح كبير للعاملين وزيادة البطالة. وتحاول الأسر الأميركية التأقلم بقدر استطاعتها مع الانكماش السريع في حجم القروض الائتمانية المتاحة، والتهديد الذي تواجهه صناديق التقاعد والانحسار الكبير في الضمان الوظيفي.
من ناحية أخرى قال البيت الأبيض إن الاقتصاد الأميركي يواجه صعوبات في تحقيق النمو واستحداث وظائف، وذلك على الرغم من الخطوات الكبيرة التي اتخذتها الحكومة لدعم المؤسسات المالية وإزالة الجمود الذي يعتري سوق القروض الائتمانية. وقد سلمت المتحدثة باسم البيت الأبيض دانا بيرينو بأن الاقتصاد الأميركي ربما يمر بحالة ركود: "نواجه طريقا وعرة على جبهة العمالة، وأتوقع ألا تكون أرقام الناتج الإجمالي المحلي الأسبوع المقبل جيدة. ومن المحتمل أن الربع المقبل من العام سيكون صعبا هو الآخر".
وفي تحليل آخر( وبشكل فكاهي):
يُروى أن خبيراً مالياً سئل أن يبسط للناس العاديين أسباب الكارثة الحاصلة في أسواق البورصة، فقال لهم :إن رجلاً ذهب إلى قرية نائية، عارضاً على سكانها شراء كل حمار لديهم، بعشرة دولارات، فباع قسم كبير منهم حميرهم. بعدها رفع السعر إلى 15 دولاراً، فباع آخرون؛ فرفع سعره إلى ثلاثين، حتى نفدت الحمير من لدى أهل القرية، عندها قال لهم: أدفع 50 دولاراً لقاء الحمار الواحد، وذهب لتمضية نهاية الأسبوع في المدينة... فجاء مساعده عارضاً على أهل القرية أن يبيعهم حميرهم السابقة بأربعين دولاراً للحمار الواحد، على أن يبيعوها مجدّداً لمعلمه بخمسين يوم الاثنين.
فدفعوا كل مدّخراتهم ثمناً لحميرهم ومن لايملك مال اقترض واستدان على امل تحقيق مكسب سريع، وبعدها لم يروا الشاري ولا مساعده أبداً. جاء الأسبوع التالي وفي القرية أمران:
ديون، وحمير.......
فرص أمام الصناديق العربية
ميريل لينش: "الأزمة المالية العالمية تمثل فرصًا كبيرة للصناديق العربية".
أكد رئيس مؤسسة "ميريل لينش" جون ثان، على أن المنطقة العربية ما زالت تملك ثروات طائلة، تمكنها الاستفادة من الأزمة العالمية، التي توقع أن تُدخل الاقتصاد العالمي، في ركودٍ عميق "لا أحد يعلم مداه أو قوته" على حد قوله. وأشار في مؤتمرٍ صحفي عقده في دبي، إلى أن أزمة المال العالمية أوجدت فرصًا كبيرة للصناديق السيادية العربية والروسية والصينية، التي يمكنها أن تستثمر الآن في مؤسسات وشركات عملاقة تتعرض لخسائر فادحة نتيجةً للركود الذي تعاني منه الدول الكبرى.
وعلى رغم تأكيده أن منطقة الشرق الأوسط لا تزال تملك ثروات طائلة، لم يستبعد جون ثان في تصريحاته التي نشرتها صحيفة "الحياة" اللندنية بتاريخ21-10-2008، أن تتراجع معدلات النمو في دول الخليج بسبب تراجع أسعار النفط من مستوياتها القياسية التي شهدتها خلال السنوات الأخيرة. وقال: "لا بد أن تتأثر منطقة الخليج بالأزمة على المدى القصير، لكنها ستعود إلى تحقيق معدلات نمو مرتفعة على المدى البعيد"، مشيرًا إلى أن ذلك لا يتعلق بخطوات تتخذها دول المنطقة، وإنما مرتبط بالإجراءات التي تتخذها الدول الكبرى لتحريك السيولة في النظم المالية.
ويزور رئيس "ميريل لينش" المنطقة للمرة الأولى، ويرى أنها توفر فرصًا ضخمة للمؤسسات العالمية، فيما يشهد العالم شحًا كبيرًا في السيولة، وأن مؤسسته ستكثف تواجدها في دول الخليج بفتح مكتبين آخرين في الكويت وقطر بحلول نهاية السنة، وتنوع نشاطاتها لتشمل تجارة المشتقات والودائع، بعد أن كانت تركز فقط على إدارة الثروات.
وأكد أن خطة الإنقاذ الأمريكية أدت إلى نوعٍ من الاستقرار في النظام المالي العالمي، وأعادت الثقة إليه، بعد استفحال أزمة الائتمان وشح السيولة التي اجتاحت معظم مؤسسات المال العالمية.
عودة الثقة
ورغم تأكيده عودة الثقة إلى النظام المالي العالمي، لفت إلى أن لا أحد في العالم يستطيع أن يدَّعي معرفة حدة الركود الذي سيصل إليه الاقتصاد العالمي أو الفترة التي سيستغرقها للخروج من الأزمة. وكانت "ميريل لينش" تعرضت لخسائر فادحة نتيجة الأزمة المالية الحالية، ما اضطرها إلى الانضواء تحت مظلة بنك أوف أميركا لإنقاذها من الانهيار، كما حصل لمؤسسة "ليمان بروذرذ" العالمية.
وتوقع ثان أن يشهد العالم مزيدًا من الاندماجات والتأميم لمؤسسات مال تتعرض لخسائر بفعل الأزمة، وأن تتلاشى الشركات الصغيرة عبر شرائها من قِبل مؤسسات مال كبيرة، وعلى الرغم من أنه أكد أن المرحلة المقبلة ستشهد تدخل الحكومات، إلا أنه استبعد أن يتحول النظام العالمي إلى الاشتراكية؛ على اعتبار أن النظام الرأسمالي أثبت جدارته على مدى العقود الماضية، لكنه نصح الدول الكبرى -من بينها الولايات المتحدة- بأن تعيد النظر في قوانينها المالية الحالية، وأن تتبنى تشريعات جديدة أكثر فعالية، وتعتمد الشفافية.
وأشار إلى أن الإجراءات الجديدة التي اتخذتها الحكومات حول العالم، بدأت "تأخذ مفعولها"، لكن تدفق السيولة بين المؤسسات المالية العالمية يحتاج إلى وقت.
متى ستؤثر الأزمة المالية العالمية على الشرق الأوسط؟
تمكّن الشرق الأوسط وحتى هذه اللحظة من تجنّب الأثر المباشر للأزمة المالية العالمية، حيث لم تتجاوز الأموال التي تعرضت للشطب حتى الآن 200 مليار دولار مقارنة مع أي بنك أمريكي. وعلى النقيض من ذلك فقد تعني بعض الاستثمارات اللاحقة في البنوك الأمريكية من قبل صناديق ثروة سيادية محلية أن الشرق الأوسط هو المستفيد الأكبر على المدى الطويل من هذه الأزمة.
ويتمثل تعرض المنطقة للأزمة من خلال ارتباط العملات بالدولار، الأمر الذي يعني تخفيض قيمة العملات المحلية جنباً إلى جنب مع الدولار. ويفسر هذا جزئياً ارتفاع معدلات أسعار النفط، ولكنه يفسر أيضاً ارتفاع معدلات التضخم لتصبح من أعلى المستويات في العالم والتي تعمل على تدمير الاقتصاديات المعتمدة على المغتربين، في وقت يصر الإفراط في الاستثمار العقاري على استبعاد قطاعات أخرى. ويكمن الخطر في تحول هذه الطفرة إلى انكماش خطير في المستقبل الأمر الذي سيكون تكراراً للأزمة المالية الآسيوية، ولكن يبدو الشرق الأوسط مكاناً آمنا من الأزمة المالية العالمية في الوقت الحاضر.
أثر الازمة العالمية وتداعياتها على السوق والإقتصاد الفلسطيني
في إطار الأزمة التي يمر بها العالم أجمع، و تمر بها كل دولة لها علاقات مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية (بؤرة الأزمة) أو غير مباشرة، من المهم أن نتطرق في بحثنا عن أسباب الأزمة، مدى تأثيرها على السوق المحلي، وفي إطار ذلك عقد مؤتمر في جامعة بيرزيت ضم كل من د.جهاد الوزيرر- محافظ سلطة النقد، و أ.ماهر المصري – مجير هيئة سوق المال، ود. نصر عبد الكريم – رئيس دائرة المحاسبة ف الجامعة...
د. جهاد الوزير – محافظ سلطة النقد الفلسطينية
بعد تعرض العالم لأزمة إقتصادية في العام 1929م والتي كانت الأكبر والأخطر في القرن الماضي، بدأت أزمة جديدة تلوح في الأفق، تتبعها أحداث مصيرية للعالم، وعواقب طويلة الأمد.
في الحديث عن الأزمة العالمية بدأت جذورها تظهر من نهايات القرن الماضي، و خصوصاً بعد تأسيس شركتيF-MIC & F-MAC وهي عبارة عن مؤسسات مالية تعطي قروضا وسندات مالية، و لكن أصبح التنافس على القروض من أجل زيادة الأرباح يصل الى نسبة 1 : 250 ، حيث تضاعف قيمة القرض 250 مرة وهذا أثقل النظام المالي الأميركي. ومما زاد من وتيرة الأمر أيضاً هو أن الكونجرس أجاز إصدار المشتقات المالية دون أي رقابة وتنظيم.
وكانت البنوك والمؤسسات المالية تبيع القروض السيئة والمتعثرة ظناً منها أنها تكسب، ولكن كانت الخسارة قد شملت الجميع، وأدى هذا الأمر الى وجود نوع من القلق من إقراض البنوك لبعضها البعض، مما أدى الى إرتفاع نسبة فائدة الإقراض.
ظهرت بدايات الأزمة الحالية من مجال الإستثمار بالعقار والرهن العقاري ليصل عدد المنازل التي تعثر بيعها في أمريكا الى 12000000 منزل، مما أدى الى أزمة بدأت تتغلغل في المجالات المتنوعة لتشمل الإقتصاد الأميركي بالكامل وانتقاله الى العالم أجمع.
وكما يقال " مصائب قوم عند قوم محاسن "، بدأ ظهور بعض النمو الملحوظ في الأسواق الناشئة بنسبة 70% من هذه الأسواق.
أما بالنسبة للإقتصاد الفلسطيني، فهو اقتصاد مستقل عن الإقتصاد العالمي ولم يكن مندمج فيه لعدة أسباب أهمها الإحتلال الإسرائيلي. وأما بالنسبة للسيولة فهي متوفرة ومازالت في السوق المالي الفلسطيني، ومنه رفضت سلطة النقد بيع ودمج المشتقات المالية المجودة لديها، مع أنها تملك ريع وربح واضح، وقد أمنت سلطة النقد سيولة إحتياطيه في حال لزم الأمر، وطمأنت المودعين بعدم وجود خطورة على ايداعاتهم.
د. ماهر المصري – مدير هيئة سوق المال
ربط المصري الأزمة الحالية بقيام بعض الجهات الدولية المتنفذة منذ أكثر من 25 عام بصياغة الرأسمالية الليبرالية، وهو عدم تدخل الحكومات والأجهزة الرقابية في القطاع الخاص تحت شعار نظموا أنفسكم بأنفسكم، مما أدى الى ابتكار أدوات ومشتقات مالية جديدة، وأصبح هناك ما يسمى بالإقتراض المفرط (Easy Money)، وهو إقراض الشركات والبنوك لبعضها البعض دون التحقق من قدرة السداد، وظهور تعبير الإقراض فوق الإقراض.
وفي حديثه عن الإقتصاد الفلسطيني والسوق المالي، وضح المصري أن العلاقة بينهما وبين الأسواق العالمية خفيفة وبسيطة، حيث يحتوي السوق الفلسطيني على 37 شركة من بنوك وشركات تأمين واتصالات وشركات خدماتية أخرى، وأن تلك الشركات عملها يقتصر على السوق المحلي وصادراتها الى الخارج قليلة ومحصورة ومحاصرة.
أما بالنسبة لما أصاب السوق من انخفاض في الفترة الأخيرة، فهو مجرد "هلع وخوف" على حد تعبيره، وأما بالنسبة للسوق المالي فقد عاد الى معدله المتوسط.
وأضاف المصري أن هناك صناديق وشركات استثمارية دخل بعضها السوق منذ حوالي 5 أشهر، وهي في أصلها أوروبية وقديمها عربي، ولها استثمارات جديدة على المدى البعيد، ولا وجود لأية نية لتلك الشركات على الخروج من السوق.
ووضح المصري أن التأثر في السوق المالي يعود لعدم الثقة في المستقبل الإقتصادي، وأولها يبدأ في الولايات المتحدة الأميركية، ولكن سوف يكون التأثر ضعيف بسبب صغر السوق وقلة التداول فيه.
وفي حديثه الهزة الإقتصادية التي تستدعي تدخل الهيئة، قال المصري أنه لا وجود لأي مبرر للتدخل من قبل الهيئة في السوق المالي، لأن الأزمة مستوردة، وتأثيرها علينا بمقدار استيرادنا، وأن التأثر سوف يكمن من خلال المساعدات الخارجية. وأضاف أيضاً أن تأثر الإقتصاد الإسرائيلي بما يجري سوف يؤثر عاى القوى الفلسطينية العاملة في اسرائيل ليزيد من نسبة البطالة.
د.نصر عبد الكريم – عميد سابق لكلية التجارة والإقتصاد ورئيس دائرة المحاسبة في جامعة بيرزيت.
بدأ د. نصر حديثه عن ماذا بعد الأزمة؟
توسعت الدائرة من الرهن العقاري، لتشمل الأسواق المالية، وبعدها دخول جميع الإقتصاد في ركود، ونتيجة ذلك لما يدعا بالعولمة الإقتصادية التي ظهرت بعد سقوط الإتحاد السوفيتي، وأضاف د.نصر أن خطط الإنقاذ ( لحد الآن ) لم تنجح، بسبب وجود اشكالية بنيوية في الإقتصاد العالمي، مما يؤدي الى وصول الإقتصاد لحد عدم الخسارة لعدم وجود سيولة، ولكن لن ينهار النظام العالمي بسهولة بعد ذلك العطب الشديد الذي أصابه، وبين عبد الكريم أن الأزمة سوف تعيش معنا لسنوات، وسوف يستمر الجدل حولها.
أما بالنسبة لصناع القرار العالمي؛ فقد أصبح العالم يبحث عن مقعد له في صنع القرار وليس ترك الأمر لأمريكا لوحدها، مع إدخال إصلاحات وتحسينات على النظام العالمي الحالي.
أما بالنسبة للعالم الثالث فهناك فرصة لها بأن تحاول قدر الإمكان أن تجد لها حيزا ومكانا على الطاولة مع أمريكا في صنع القرار، "فالذي يتخذ القرار ليس الذي يخسر"، وأضاف: أن هناك أزمة في الأخلاقيات والتدابير التي تفرضها التشريعات الأميركية، ولذك سوف نشهد مزيدا من التشديد على النظام المصرفي، وفي عام 2010 سوف يشهد العالم حمى من الإندماجات بين الشركات والمؤسسات المالية.
وأشار عبد الكريم لعدم وجود مبرر لتراجع الأسواق الخليجية والسوق الأردني والفلسطين