رئيس التحرير: طلعت علوي

نمو مضطرب في مشهد مشوش

الأحد | 15/01/2023 - 08:58 صباحاً
نمو مضطرب في مشهد مشوش


محمد كركوتي


«2023 سيكون عاما صعبا، لأن محركات النمو تعاني كلها الضعف»

كريستالينا جورجييفا، رئيسة صندوق النقد الدولي

تتفق كل الجهات الدولية المعنية بالشأن الاقتصادي، على أن 2023 سيكون عاما صعبا.

والحق أن ذلك ليس مفاجئا إذا ما نظرنا إلى تراكمات العام الماضي، وقبل ذلك الآثار التي تركتها جائحة كورونا في الساحتين الاقتصادية والاجتماعية الدوليتين عموما.

وبصرف النظر عن التوصيفات الخاصة بالأشهر المقبلة، وهي تراوح بين استمرار الانكماش، والدخول في ركود لن يكون قصيرا، والتباطؤ، إلا أن العام الجديد "حتى العام الذي سيليه" سيكون بمنزلة مؤشر أساس لمسار الاقتصاد العالمي حتى نهاية العقد الحالي.

فإذا تحقق بعض القفزات المأمولة، فإن الآثار التي تركتها كورونا، وتأثيرات الموجة التضخمية الهائلة الراهنة، ستتراجع بالطبع، ما يسمح بعودة دورة الاقتصاد العالمي إلى مستويات قريبة مما كانت عليه في العقد الماضي.

لكن كل ذلك ليس مضمونا، لأن حالة عدم اليقين لا تزال تسود المشهد العام، فضلا عن الصدامات السياسية والاقتصادية والعسكرية، التي تترك ضغوطها بقوة في الميدان.

يبدو الحديث عن النمو المتوقع في العام الجديد غير واقعي، وإن كان هناك شبه اتفاق بين عدد من الجهات الدولية على أنه لن يتجاوز 2.5 في المائة.

ونحن نعلم أن تعديلات التوقعات الخاصة بالنمو تكاد تكون شبه مؤكدة، ولا سيما في ظل تطورات متلاحقة بعضها لا يزال خارجا عن السيطرة. ونحن لا نتحدث هنا عن تعديلات بالارتفاع بل بالخفض. حتى لو ضمن العام نموا متواضعا، إلا أن جزءا واسعا من الساحة الدولية سيشهد ركودا أو انكماشا أكثر قوة مما كان عليه العام الماضي.

وصندوق النقد الدولي لم يبالغ بتوقعاته أن يشهد ثلث الاقتصاد الدولي ركودا في العام الجديد، بما في ذلك دول تتمتع باقتصادات متقدمة كبريطانيا، وبالطبع دول الاتحاد الأوروبي التي لا تزال في وضعية أفضل من حالة المملكة المتحدة.

وفي الولايات المتحدة لا يزال الأمر غير واضح، على الرغم من أن وتيرة التضخم لم تعد عنيفة، مع استمرار المشرعين الأمريكيين بالرفع التدريجي للفائدة، التي أعلنت جهات دولية عدة قبل أيام، أنه يجب على واشنطن مواصلة زيادة الفائدة، وأن المخاطر التي جلبها التضخم لا تزال قائمة بل مرشحة للتفاقم في الأشهر المقبلة.

وهذا ما يعزز المخاوف من أن النمو المأمول لن يكون حاضرا هذا العام على الأقل. فالمحركات الرئيسة له تبقى تحت الضغوط القوية وإن كانت متفاوتة بين دولة وأخرى.

فحتى الصين التي تعد الدولة الأعلى نموا على مستوى العالم، ستظل ضمن نطاق من النمو الضعيف جدا، فضلا عن تأثيرات المواجهة التجارية التي لا تنتهي بينها وبين الولايات المتحدة.

فالأخيرة أبقت على محركات هذه الحرب، على الرغم من خروج الرئيس دونالد ترمب "المعروف "بعنفه" التجاري مع بكين من السلطة.

وإذا كان هناك تصور معقول في للأشهر المقبلة، فهو يدور حول قدرة الدول المحركة للنمو العالمي على احتواء ما أمكن من التطورات السلبية الراهنة، خصوصا على صعيد التضخم الذي بلغ في بعض الدول الخانة العشرية. فلا نمو بالطبع في ظل فائدة مرتفعة، بعد أعوام عديدة من فائدة شبه صفرية في أغلبية الدول المتقدمة.

ولا توجد أدوات واقعية لوقف الموجة التضخمية إلا عبر الفائدة التي ستبلغ في غضون أسابيع في الولايات المتحدة 5 في المائة، بصرف النظر عن أي إشارات مهما كانت إيجابية.

والأدوات البديلة كانت متوافرة قبل انفجار التضخم ووصول أسعار المستهلكين إلى مستويات تاريخية حقا، إلا أن الحكومات رأت أن تعتمد على "سلاح" الفائدة، باعتباره الأسهل. كانت العقود الآجلة مع المؤسسات بكل أنواعها خيارا في البداية يخفف من الضغوط التضخمية، إلا أن ذلك لم يحدث.

المشهد العالمي لا يزال متأثرا بصورة خطيرة بالحرب الدائرة في أوكرانيا، ما يعزز الاعتقاد بأن النمو العالمي لن يحدث هذا العام، وإن حدث بالفعل سيكون أقل حتى من 2.5 في المائة.

وليس هناك حل عملي سوى أن تتوقف هذه الحرب، لأنها لم تنشر إمكانية نشوب حرب عالمية ثالثة فحسب، بل أسهمت أيضا في تعميق التضخم من جهة الغذاء والطاقة، إلى جانب استنزاف الميزانيات العامة للدول الغربية الداعمة لكييف، ووصول الاقتصاد الروسي إلى أسوأ مستوى له منذ انفراط عقد الاتحاد السوفياتي.

فالديون الحكومية في الدول الغربية تجاوزت النواتج المحلية الإجمالية لبعضها مثل بريطانيا، وخدمة الديون أضافت مزيدا من الأعباء، حتى إن عددا منها يعجز بالفعل على رفع الأجور لموازاتها مع مستويات التضخم، ما وسع رقعة شرائح الفقراء في قلب الدول المتقدمة.

في كل الأحوال كل الآمال معلقة على نمو مهما كانت نسبته، لأن ذلك يدعم الحالة النفسية، ويقلل من ثقل حالة عدم اليقين الموجودة هنا وهناك. إلا أن المؤشرات لا توفر دلائل تتعلق بالنمو، على الأقل في الأسابيع الأولى من 2023، الذي يبقى العام الذي سيرسم معالم الاقتصاد العالمي لبقية أعوام العقد الحالي.

التعليـــقات