رئيس التحرير: طلعت علوي

نبتة الجاتروفا...زراعة البترول بالقارة الإفريقية

السبت | 05/06/2021 - 09:21 مساءاً
نبتة الجاتروفا...زراعة البترول بالقارة الإفريقية

فؤاد الصباغ - كاتب باحث اقتصادي ـ تونس 

 

تعد نبتة الجاتروفا تعتبر أهم نبتة صحراوية نظرا لأنها تنبت بشكل سريع في المناطق الاستوائية الجافة و لها خصائص و مزايا متعددة تتوفر فيها بحيث يمكن مقارنتها بالذهب الأخضر.


المكان الأم لنبتة الجاتروفا
أولا, المكان الأم لنبتة الجاتروفا هي دولة المكسيك و بعض دول أمريكا اللاتينية نظرا لتوفر المناخ الاستوائي الجاف بها. بالإضافة إلي ذلك تتمثل ثمرة الجاتروفا في حبات تشبه المشمش و التي تنبت في شجيرات صغيرة تشبه كثيرا نبتة الفول. إلا أنها تنتشر بسرعة في المناطق الصحراوية القاحلة و بإرتفاع متوسط و بجذور عميقة في التربة الصحراوية. إن الجاتروفا تعد شجرة مباركة لأنها تشكل تغطية زراعية للمناطق الصحراوية و يمكن الإستفادة من مزاياها الخاصة و الهامة. كما تعد هذه النبتة ثروة في مجال التنمية الزراعية و لإنتاج الطاقات البديلة الصديقة للبيئة. و للتذكير يشكل المناخ الإفريقي أفضل مناخ استوائي جاف لإنتاج تلك النبتة و ذلك عبر إستغلال الأراضي الصحراوية الشاسعة التي تعتبر في مجملها مهملة.


التجربة السودانية
ثانيا, نذكر تجربة دولة السودان في هذا المجال الزراعي الحيوي لنبتة الجاتروفا, بحيث تحول ذلك البلد الإفريقي الشاسع إلي أكبر منتج للبترول الحيوي تحت شعار "زراعة البترول بالسودان". إذ في هذا الإطار تم زرع قرابة مليار شجرة جاتروفا و ذلك بإستغلال قرابة مليون فدان من الأراضي الزراعية التي خصصت لإنتاج تلك النبتة المباركة و التي يمكن مقارنتها ببراميل النفط التي تنتجها بعض الدول النفطية الخليجية. بالتحديد تنتج هذه النبتة زيت طبيعي بكميات ضخمة و بعد معالجتها يتم الإستخراج منها البيوديزال الطبيعي الحيوي و المعروف بالبترول الأخضر Green Oil, بحيث تنتج 100 لتر من ثمرة الجاتروفا 100 لتر بيوديزال و هذه الكمية تعد ممتازة جدا من حيث الإنتاج. كما يعد هذا النوع من البترول الحيوي الطبيعي صديق للبيئة لأنه لا يحتوي علي ثاني أكسيد الكربون المتسبب في التلوث البيئي و الإحتباس الحراري. أيضا يساهم هذا الديزال الحيوي في المحافظة علي محركات السيارات و الآلات التي تشتغل بهذا النوع من الطاقة الحيوية. إن دولة السودان من خلال زراعة هذه الكميات الكبري من نبتة الجاتروفا تراهن علي تحقيق إكتفائها الذاتي و التوجه نحو الأسواق الأوروبية لتصدير هذا النوع من الديزال الطبيعي الذي يحظي بإهتمام كبير لدي دول الإتحاد الأوروبي نظرا لمحافظته علي سلامة و نظافة البيئة بحيث يقلل من نسبة إنبعاثات الغازات السامة الملوثة للطبيعة مع أداء مهامه بطريقة فعالة و ذات جودة عالية. أما من ناحية كلفة إنتاج لهذا النوع من البيوبترول فهو يعد ذات تكلفة منخفضة جدا مقارنة مع حفر آبار نفط أو عملية إستخراج النفط الصخري أو تجهيز محولات تكرير للنفط. إذ تختصر عملية الإنتاج في إيجاد مناطق صحراوية جافة تتلاءم مع نمو نبتة الجاتروفا و التي تعد مناطق زراعية مهملة غير صالحة للزراعة الغذائية نظرا لطبيعتها الاستوائية الجافة ثم إيجاد قنوات مياه صرف صحي يتم تصفيتها و معالجتها, لأن هذه النبتة تحبذ هذا النوع من المياه أو أيضا توفير قنوات مياه بحار يقع تحليتها نظرا لعملية إمتصاص تلك النبتة لكميات كبيرة من الأملاح.


التجربة المصرية
ثالثا, نذكر التجربة المصرية الرائدة في مجال زراعة نبتة الجاتروفا خاصة في مدينة الأقصر, حيث تتميز هذه الزراعة بإهتمام كبير في تلك المنطقة و التي تعد مصدر رزق و دخل مالي محترم لعديد المزارعين. إذ من أهم منتجات تلك النبتة المباركة هو بالأساس إستخراج الزيوت الطبيعة بكميات هائلة و التي يتم معالجتها في مصانع ضخمة لتكرير البيوديزال الطبيعي و إنتاج منها العديد من البراميل البترولية الطبيعية المستخرجة بعد المعالجة الطبيعية. كذلك تمثل تلك النبتة كنزا في مجال إستخراج الأدوية الطبيعية حيث تتحول جذورها إلي زيوت تستخرج منها أدوية طبيعية مضادة للدغة الثعبان السامة و أيضا دواء لأمراض الروماتيزم. بالإضافة إلي ذلك يمكن تحويل تلك النبتة إلي أجود أنواع الصابون علي الصعيد العالمي. فالتجريبة المصرية في زراعة البترول الطبيعي المستخرج من تلك النبتة و الإنتاج منها العديد من المشتقات للمنتجات يعد بمثابة إنجاز عظيم يكرس للتوجه نحو تعزيز مكانة الإقتصاد الأخضر في الإقتصاد الوطني المصري و الذي يعتبر بدوره عمود التنمية المستدامة.
تعميم زراعة الجاتروفا علي بقية الدول الإفريقية.


رابعا, يمكن إستغلال المناطق الصحراوية الكبري في إفريقيا خاصة في السودان و الصومال و التشاد و الموزمبيق و بعض الدول الإفريقية الأخرى وذلك لتحويل الصحراء إلي خضراء و مناطق زراعية شاسعة للبترول الأخضر تساهم في تحفيز الإقتصاد و توفير مداخيل مالية محترمة لميزانية الدولة من خلال تصدير الديزال الحيوي نحو الدول الأوروبية. أما بخصوص توفير المياه لهذه النبتة الصحراوية فإن مجاري مياه الصرف الصحي بعد معالجتها تمثل أهم مصدر سقوي لتلك النبتة نظرا لإمتصاصها الكثير من الأملاح. فقارة إفريقيا تحتوي علي أراضي شاسعة غير مستغلة للزراعة و نظرا للمناخ الاستوائي الجاف و الصحراوي الذي يمثل عائقا رئيسيا أمام الزراعات الغذائية فإن نبتة الجاتروفا المنتجة للبترول الطبيعي يمكن أن تكون البديل للزراعة التقليدية الغذائية و بالتالي تمثل الزراعة العصرية الحديثة و ذلك عبر إنتاج البيوديزال بكميات ضخمة. كما يمكن أن تتحول تلك الدول إلي دول بيوبترولية و أكبر مصدر لتلك الطاقة المتجددة و الصديقة للبيئة نحو دول الإتحاد الأوروبي.
البيترول الأخضر: طاقات متجددة صاعدة و تنمية مستدامة واعدة.

خامسا, عموما حسب التجربة في دولة السودان و مصر و بعض الدول الإفريقية الأخرى و الدراسات العلمية الإستراتيجية تعد التكاليف الإنتاجية منخفضة بكثير عن إنتاج البترول عبر التنقيب و التكرير و غيرها. إذ يمكن تحديد المناطق الزراعية المستهدفة خاصة منها الأراضي الصحراوية الجافة و كذلك دراسة المتغيرات المناخية منها العواصف الرملية و غيرها. ثم بعد ذلك الإنطلاق في الإستثمار في زراعة البترول في القارة الإفريقية و إنتاج البيوديزال الحيوي بحيث يمكن النسج علي المنوال السوداني بزراعة ما يقارب مليار شجرة من الجاتروفا. أما بخصوص مصدر المياه السقوية فيمكن النسج علي منوال التجربة المصرية بتحويل مياه مجاري الصرف الصحي بعد تصفيتها و معالجتها أو تجربة المملكة العربية السعودية عبر تحويل مياه البحر إلي مياه سقوية بعد تحليتها. فالمستثمرين الأجانب أو العرب يمكن لهم اليوم الإستثمار في هذا المجال الزراعي عبر إنشاء مناطق صناعية ضخمة لإنتاج البيوديزال الطبيعي المستخرج من زيوت نبتة الجاتروفا ثم معالجته في المخابر البيولوجية و تصديرها نحو الأسواق الأوروبية. أيضا يمكن إستغلال تلك النبتة في إنتاج أجود أنواع الصابون و الأدوية البيوطبيعية و تصدير تلك المنتجات الطبيعية نحو الأسواق العالمية. تساهم نبتة الجاتروفا اليوم في إنتاج الطاقات المتجددة التي تعتبر في مجملها صاعدة في الأسواق العالمية و خاصة منها في الأسواق الأوروبية و في خلق العديد من مواطن الشغل في المناطق النائية كما تشكل مصدر دخل مادي هام للمزارعين و تعود بعوائد مالية إضافية لخزينة الدولة من خلال التصدير بالعملة الأجنبية الصعبة مثل اليورو أو الدولار. بالتالي تساهم هذه الزراعة التنموية إيجابيا في رفع نسبة النمو الإقتصادي و تحفيز نسق التنمية المستدامة بالبلدان الإفريقية و الحفاظ علي بيئة نظيفة و سليمة لأجيال المستقبل.

التعليـــقات