د. محمد حسين المومني
بعد القراءة الاولى تحت القبة، أحال مجلس النواب مشروع قانوني الموازنة العامة وموازنة الوحدات الحكومية للجنته المالية، التي باشرت باللقاءات مع الجهات ذات العلاقة. سيتبع ذلك بنقاشات ماراثونية تحت القبة، يقول النواب من خلالها كلمتهم بموازنة الدولة، يتوقع ان تحاكي قواعدهم الانتخابية، وهذا سلوك تقليدي تاريخي يبدو مشروعا سياسيا رغم انه يحرم المجتمع من نقاش في العمق حول اقتصاد البلد وماليته العامة. لا يتوقع الكثير من التغيير والتعديل على الموازنة المقدمة من الحكومة، فهامش الحركة فيها محدود ومعروف، وهي بالرغم من كل ما سيقال حولها تبقى موازنة تعكس واقعنا المالي والاقتصادي المرير، وهي متسقة بفرضياتها مع برنامج اصلاح مالي وهيكلي متفق عليه.
لدينا برنامج اصلاح مالي وهيكلي واقعي طموح، اهم ميزاته انه متعاقد عليه مع المجتمع الدولي من خلال صندوق النقد الدولي، وبذلك فقد اصبح ملزما للحكومات عابرا لها وضابطا لشعبوياتها، لا تستطيع اي حكومة التملص منه دون التضحية ودفع اثمان سياسية واقتصادية كبيرة. البرنامج بحد ذاته مهم لمستقبل الاردن المالي والاقتصادي على حد سواء، ورغم ان كل القائمين على هذه البرامج يعلمون انها مالية بالدرجة الاولى، الا انهم يصرون ان اصلاح المالية العامة وتحقيق اهداف الاعتماد على الذات من خلال السيطرة على العجز وخفض نسبة المديونية هو الاساس الصلب لنمو ونهضة اقتصادية مستدامة وعميقة.
هذه رؤية اصلاحية مالية وهيكلية صحيحة سديدة، لكن ذلك لا يعني الا يكون لدينا رؤية موازية حول الاصلاح الاقتصادي المنشود يتكامل ويعزز رؤية الاصلاح المالي لدينا. ما نزال بحاجة لمزيد من العمل على هذه الجبهة بالإتيان برؤية اصلاح اقتصادي توضح الأفق للناس ويلتف حولها المجتمع. ما لدينا الآن جهود مستمرة جيدة للمحاولة بالنهوض بكافة القطاعات الاقتصادية المختلفة، دون تحديد الاولويات من بين هذه القطاعات ولا كيفية النهوض بها. معظم الدول التي نهضت اقتصاديا كانت تتبنى نماذج معينة على مدى عقود من الزمان، مثل سياسة النمو من خلال التصدير التي تبنتها غالب دول آسيا التي نهضت اقتصاديا، وجعلت تايوان مثلا الدولة الاكبر لتصدير الفاكس وتبعاته للعالم، وجعلت كوريا الجنوبية الدولة الاكبر لتصدير المبردات الهوائية والسيارات في العالم.
نحتاج بالاردن لرؤية اقتصادية واضحة مبسطة وليس اصلاحا ماليا وهيكليا فقط، رؤية يمكن خلالها ان نحشد طاقاتنا كمجتمع ونلتف حول اهدافها ونحقق النجاح الاقتصادي المأمول. ظروفنا مختلفة تماما عن آسيا وعن اميركا اللاتينية هذا صحيح، وعلى خبرائنا واجب اختراع نموذج يستجيب لعناصر قوتنا وضعفنا الاقتصادية، ويأخذ بالحسبان الاقليم بما له وما عليه. فرصنا في الاقليم والخليج تبدو أشبعت، واجور العمالة والطاقة والضرائب عندنا تشكل عناصر ضعف، ولكن استقرارنا وموقعنا ودرجة التعليم لدينا، وقدرتنا على استثمار العلاقات مع الغرب والذهاب نحوه اقتصاديا تبدو الاتجاه الاستراتيجي الذي سيحدد رؤية تطور الاقتصاد الاردني. نحتاج ورشة عمل وطنية لتحديد رؤية تطور الاقتصاد، تتكامل مع رؤية الاصلاح المالي والهيكلي، وهذا ما احسب اننا قادرون عليه.