رئيس التحرير: طلعت علوي

هذا هو الغرب الحقيقي‼

الأحد | 08/11/2020 - 09:22 مساءاً
هذا هو الغرب الحقيقي‼

محمود الفطافطة 

 

مما لا شك فيه أن المكتبات والمؤسسات العامة والخاصة ودور النشر الغربية زاخرة بآلاف الكتب التي تسيئ إلى الإسلام ونبيه، عدا عن الأفلام والمسلسلات التي تنتجها السينما الغربية سيما هوليود.
وفي مقابل هذا " التراث الغربي" المسيء للإسلام نجد بعض الكتاب والمفكرين والبرلمانيين الغربيين من يصرح أو يكتب عن حقيقة الإسلام من أنه دين سلام لا دين حرب أو عنف، وبأن السبب في وجود " حالات عنف" إسلامية، هو طبيعة تعامل الغرب العنيفة بحق المسلمين في بلاد الغرب، وتعرض بلاد العرب والمسلمين إلى الاحتلال والتدخلات الغربية، وما يتصل بها من جرائمٍ مريعة.


ومن هؤلاء المفكرين نجد البرلماني الألماني يورغن تودينهوفر الذي ألف كتاباً بعنوان (الصورة العدائية عن الإسلام) لخص فيه نتائج خمسين عاماً من الرحلات والأسفار في العالم الإسلامي وعشرة أعوام من ردود الأفعال الغربية الخاطئة على تحديات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر). في هذا الكتاب يعرض تودينهوفر، بكل جرأة ووضوح، وجهة نظره فيما يعرف بإرهاب المسلمين، ومناهضة الإسلام السياسي في عصرنا الحالي، من خلال تقديمه عشر أطروحات تفند الصورة العدائية عن الإسلام في الغرب، وتقدم الحقائق التاريخية التي تثبت جهل الساسة الغربيين بطبيعة العالم الإسلامي وكذلك التضليل والتزييف المتعمد للحقائق من قبل الآلة الإعلامية الغربية، كما يعرض المعايير المزدوجة التي يتعامل بها الغرب مع البلدان الإسلامية منذ الحقبة الاستعمارية وحتى الآن.


هذا الباحث الألماني كان له موقف شجاع من عرض الفيلم المسيء للرسول محمد عليه السلام في أيلول (سبتمبر) 2012، فقد رد على ذلك بوضع فيلم باللغة الإنكليزية على قناة "يوتيوب" يحمل اسم "براءة المسلمين وذنب الغرب"، يواصل فيه دفاعه عن الإسلام والمسلمين.
يتميز الكتاب ببساطة أسلوبه وعرض الحقائق التاريخية بسهولة ويسر، من دون تعقيد أو تقعير، ويقدم رؤية للأوضاع الراهنة من منظور كاتب وسياسي غربي منصف، يحارب بقلمه الشجاع وكلماته الصادقة التي يوجهها إلى أبناء جلدته في سبيل إيقاظ الضمائر، ووقف سفك دماء الأبرياء، ونشر التفاهم والمحبة والسلام بين الغرب والعالم الإسلامي.


ويرى تودينهوفر أن البابا يوليوس الثالث عندما أطلق مقولته "ستندهشون أيَّما اندهاش من قدر التهور الذي يحكم به العالم"، كم كان محقاً، فالجهل عادة ما يكون على القدر نفسه من الخطورة التي يكون الشر عليها. وكثير من القرارات الخاطئة التي اتخذها الغرب في شأن العالم الإسلامي تتعلق بجهل الغرب بأبسط الحقائق. ويوضح: تعاني السياسة الغربية تجاه العالم الإسلامي من جهل مخيف بأبسط الحقائق. ويرى أن أخطر على مستقبل البشرية منهما الجهل بحقائق الأمور والانطباعات الخاطئة التي تتحول بعد وقت إلى عقائد راسخة لا يمكن تغييرها.  وفيما يأتي سنجمل أبرز النقاط والطروحات التي جاءت في هذا الكتاب، لنبين أن الغرب هو مصدر العنف، لا الإسلام، وأن الغرب الاستعماري هو الذي استعمر بلادنا، وسرق خيراتها بعد أن أباد الملايين من أبنائها.
• معظم الساسة والكتاب الغربيين الذين يسيئون إلى القرآن   والإسلام ونبيه لم يطلعوا على القرآن، أو يزوراً بلداً عربياً أو إسلاميا ولو لمرةٍ واحدة. فالمطلوب: ألا نسمع عن المسلمين وإنما نسمع منهم.


•  إن الغرب لن يتمكن من هزيمة الإرهاب الذي تمارسه بعض الأقليات المسلمة إلا إذا قضى على أسبابه العميقة والتي تكمن ــ بحسب وجهة نظره ــ في انتهاج الغرب في معاملة الإسلام والمسلمين نهجاً لا يحترم إنسانيتهم، ولا يساوي بينهم وبين اليهود والمسيحيين. وعلى ذلك يوجه الكاتب رسالة للعالم الغربي مفادها أن السلام العالمي والقضاء على العنف الذي تمارسه أقليات إرهابية في العالم الإسلامي مرهون بمعاملة الغرب للعالم الإسلامي بعدل واحترام بنفس القدر الذي يُعامل الغرب به إسرائيل، وبنفس القدر الذي يرغب الغرب في أن يعامله به الآخرون.
• كثير من القرارات الخاطئة التي اتخذها الغرب بشأن العالم الإسلامي تتعلق بجهل الغرب بأبسط الحقائق.


• الغرب أكثر عنفاً بكثير من العالم الإسلامي، فقد قتل ملايين المدنيين العرب منذ بداية حقبة الاستعمار وحتى الآن.
• في كتابه الهام" في الديمقراطية في أميركا" الذي ظهر في عام 1835، طرح دي توكفيل السؤال الذي كان مميزاً لهذه الفترة، ألا وهو " عندما تأمُل أحداث العالم ألا يتكون عند المرء الانطباع بأن الأوربي يمثل للأجناس الأخرى ما يمثله الإنسان للحيوانات؟ فهو يسخرها لخدمته، وعندما لا يتمكن من مواصلة قمعها فانه يبيدها". وعلى نفس هذا المنوال عامل الغرب العالم الإسلامي خلال المائتين عام الأخيرة. ففي الحقبة الاستعمارية تعرضت عائلات عربية للمطاردة والملاحقة "كالضباع، وحيوانات ابن آوى، والثعالب الجربى". فقد كانت الاستراتيجية التي يحطم بها الأسياد المستعمرون في القرن التاسع عشر حركة المقاومة ضد" مهمتهم الحضارية" هي:" التدمير، والملاحقة، والإرهاب" (هذا ما يقوله: اوليفيه لوكور عالم سياسي فرنسي).


• من جرائم الاستعمار الفرنسي: أنه حدث مراراً وتكراراً أن قتلت حنقاً بالغاز وحرقا ًقبائل بأسرها كانت قد لجأت إلى الكهوف هربا من الملاحقة. وقد كتب العقيد الفرنسي (لوسيان مونتانيبه) في خطاب أرسله من الجزائر في عام 1842 يقول:" إننا نقتل، إننا نخنق. تختلط صرخات البائسين والمحتضرين بغثاء الماشية، تسألونني عما نفعل بالنساء؟ إننا نحتفظ ببعضهن كرهائن، والبعض الآخر نقايضه بالخيول، إما البقية الباقية فإنها تباع كالماشية في المزاد". ولكي يرفه جنوده بين الحين والأخر عن أنفسهم " يقطعون بعض الرؤوس، ليس رؤوس الخرشوف، إنما رؤوس البشر". هكذا بكل بساطة.
• لقد صور لنا الكاتب والمستعمر الفرنسي في الجزائر (لوي دي بوديكو) إحدى المذابح قائلا: " هنا قطع أحد الجنود ثدي امرأة بدافع التسلية، وهناك أمسك الآخر بطفلٍ من ساقيه وأخذ يحطم جمجمته على أحد الأسوار".
• قص لنا (فكتور هوجو) عن الجنود الذين كانوا يقذفون بالأطفال لبعضهم البعض ليلتقطوهم بالسنكي. أما اوليفيه لو كور فيروي: إذ كان المرء يحصل على مائة سو (عملة فرنسية قديمة) في مقابل الأذان المحفوظة في محلول ملحي، أما الرؤوس فكانت تحظى بتقدير أكبر من ذلك. كما كانت أوصال القتلى العرب يجري تحويلها لفحم حيواني من حين لآخر".


•  كان نابليون الثالث يرى يد الرب ترعى هذا العمل " إن فرنسا هي سيدة الجزائر لأن الرب أراد ذلك". لكن الجزائريون كانوا يرون الأمر بشكلٍ مختلف، وكان عليهم أن يدفعوا لقاء حريتهم ضريبة باهظة من دمائهم وممتلكاتهم. فقد دمر سلاح الجو الفرنسي ثمانية آلاف قرية جزائرية في حرب التحرير في الفترة من عام 1954 حتى عام 1962 بقنابل النابالم.
• في أثناء "المهمة الحضارية" التي استغرقت أكثر من مائة وثلاثين سنة والتي وصفت بانها مسيحية الطابع، قتل هؤلاء المستعمرون، وفقاً للبيانات الجزائرية، ما يزيد على مليوني جزائري، وحتى التقديرات الفرنسية تنطلق من أكثر من مليون قتيل جزائري ومائة ألف قتيل فرنسي.
• في العراق، وعقب إحدى الغارات الجوية البريطانية صرخ، بفخر، آرثر هاريس الذي اشتهر بـ "هاريس المفجر"، وهو الأب الروحي لفكرة القصف المعنوي قائلا" الآن يعرف العرب والأكراد ماذا يعني القصف الحقيقي، ففي خمس وأربعين دقيقة نمسح قرية بأكملها من على وجه الأرض". وكان الهجوم بالقنابل وسيلة فعالة لإجبار المواطنين على دفع الضرائب‼.


• وفي ليبيا، كان المستعمر الإيطالي يلقي ببراميل من غاز الفوسجين السام وغاز الخردل على رجال المقاومة وعلى المدنيين. وكان يقوم بإلقاء شيوخ القبائل من الطائرات من مكان مرتفع. كما قام المستعمر بترحيل أكثر من 100 ألف من المدنيين إلى معسكرات الصحراء، حيث لقي نصفهم حتفه في ظروف مأساوية. كما كان يتم حبس الفتيات الليبيات كرقيق جنس لقوات المستعمر الإيطالي.  وكذلك الحال مع الأسبان، حيث استخدموا الأسلحة الكيماوية أثناء انتفاضة القبائل في إقليم الريف المغربي. وكانت العواقب هناك، أيضاً، مفزعة.
• لم يحدث، لمرة واحدة، في المائتين سنة الأخيرة أن قامت دولة إسلامية بمهاجمة دولة غربية، فقد كان الهجوم يأتي دائماً من قبل القوى العظمى أو الولايات المتحدة الأميركية. وكتب على الدول العربية، وحدها، في هذه الحقبة أن تتعرض لأكثر من عشرين حرباً وحملة حربية للدول الغربية.
•  لقد قتل ملايين المدنيين العرب منذ بداية الحقبة الاستعمارية، وبذلك فإن الغرب متقدم على العالم الإسلامي فيما يخص الإحصائيات النهائية المأساوية لأعمال القتل بنسبة تفوق عشرة إلى واحد.


• إن النقاش الراهن حول أعمال العنف المزعومة من قبل المسلمين يقلب الحقائق التاريخية راساً على عقب، فقد كان الغرب، وما زال، أكثر عنفا بكثير من العالم الإسلامي، فمشكلة عصرنا الحالي ليست العنف من جانب المسلمين، وإنما العنف الذي تمارسه بعص الدول الغربية.
•  وعن خرافة التحضير والتمدين الفرنسي للجزائر يقول تودينهوفر: في بداية حقبة الاستعمار في الجزائر في عام 1830 كانت نسبة من يستطيعون القراءة والكتابة تبلغ أربعين بالمائة، وكانت بذلك تماثل النسبة الموجودة في فرنسا، إن لم تكن تفوقها. وكان الجنود الفرنسيون المحتلون في معظم الأحيان أكثر جهلاً من السكان الجزائريين (كما يقول المفكر والفيلسوف أريك هوبسباوم).  وفي عام 1962 عندما رحلت قوات الاحتلال الفرنسية عن الجزائر كانت نسبة من يستطيعون القراءة والكتابة لا تتعدى عشرين بالمائة. واستناداً إلى خلص الفيلسوف توكفيل بعد سبعة عشر عاما من احتلال فرنسا إلى نتيجة حزينة قائلاً:" خبأت الأنوار، فقد جعلنا المجتمع الإسلامي أكثر فقراً، وجهلاً، ووحشية".
• رغم أنه لا يوجد ما يبرر الإرهاب، ولكن إذا نظرنا للأمر بموضوعية، فإن ما يُسمى "بالإرهاب المسلم" هو الرد العنيف من أقلية متطرفة ضئيلة على السياسة العنيفة التي تمارسها الأغلبية الغربية بشكلٍ مستمر منذ قرون.


• إحدى الجمل المحببة للغرب" ليس كل المسلمين إرهابيين، ولكن كل الإرهابيين مسلمون" مقولة زائفة بلا شك وخاطئة واقعياً، والدليل: إن تسعة عشرة منظمة من المنظمات المصنفة رسمياً من قبل الاتحاد الأوروبي على أنها منظمات إرهابية ليست لها أية علاقة بالإسلام. ووفقا لبيانات هيئة الشرطة الأوروبية (اليورو بول) فقد وقع 249 اعتداءً إرهابياً في دول الاتحاد الأوروبي في عام 2010، و3 فقط منها كان مرتكبوها من " الإسلامويين". أما معظم الاعتداءات(160) اعتداء فقد قامت بها حركات تحرير مسلحة، م. وكذلك كانت الإحصاءات في العام الذي سبقه على نفس الدرجة من الوضوح: ففي عام 2009 كان هناك اعتداء إرهابي واحد له صبغة اسلاموية من بين 294 اعتداء إرهابيا، وأيضا في عام 2008 لم يرتكب المسلمون إلا حادثا إرهابيا واحدا من بين 515 حادثا، وفي 2007 أربعة اعتداءات من بين 583. رغم كل هذه الحقائق لم تمنع الساسة الغربين من الاستمرار في نشر مقولتهم الإرهابية المحببة لديهم التي تدعي أن كل الإرهابيين مسلمون.
• لقد صدق صموئيل هنتغتون، على الأقل، فيما يخص مقولته التالية" لم يحتل الغرب العالم بواسطة تفوق قيمه، وإنما بواسطة تفوقه في استخدام العنف. عادة ما ينسى الغربيون هذه الحقيقة، أما غير الغربيين فلا ينسونها أبداً".
•  رغم كل الحروب الغربية ضد العرب والمسلمين إلا أن المودة والدفء والكرم الذي يلمسه الزوار الغربيون في بلاد الشرق من معظم الناس له تأثير كبير على النفس، وذلك عندما يأتون، بالطبع، بدون سلاح.


• نحن متفوقون على بلدان العالم العربي والإسلامي اقتصادياً وتقنياً تفوقاً كبيراً، ولكن ليس إنسانياً، ففيما يتعلق بحب الآخرين، والاهتمام بشؤون العائلة، وكرم الضيافة يمكن لنا أن نتعلم كثيراً من المسلمين.
• عرض أدوار بيك نائب رئيس وحدة الإرهاب في عهد الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان ستة تعريفات للإرهاب، ولكن جميعها قوبلت بالرفض، حيث يتضح في كل مرة أن الولايات المتحدة الأميركية نفسها كانت متورط في مثل هذه الأعمال.
• إن أسطورة الحرب النظيفة هي أكبر كذبة في تاريخ البشرية. "فالحرب لذيذة لمن لا يعرفها"… و"ربما يتحتم علينا أن نرسل جميع الساسة الذين يؤيدون الحروب لمدة أربعة أسابيع في مهمة استطلاعية على الجبهة هم أو أبنائهم أو بناتهم، اعتقد أن عدد الحروب سوق يتراجع حينها بسرعة" (كما قال فون روتردام فيلسوف المذهب الإنساني).


• إن الإسلام دين المحبة ورقيق القلب، ولا توجد آية في القرآن الكريم تبرر قتل المدنيين الأبرياء، بل على العكس تقول الآية الكريمة:" مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ".
• يقول تشياماك مرساتاغ النائب اليهودي في البرلمان الإيراني ومدير المشفى اليهودي في طهران بتلخيص عبارة محرجة لأوروبا:" إن معاداة السامية ليست ظاهرة إسلامية، وإنما أوروبية". وفي هذا الخصوص يتساءل تودينهوفر: لماذا يجوز التفوه  بأقوال عنصرية عن المسلمين ودينهم ونبيهم ، بينما يكون ذلك مستنكراً إذا كان عن اليهود أو المسيحيين ؟ لا بد أن ننهي هذه الموجة من شيطنة الإسلام والمسلمين، فهي ليست مدعاة للخجل فحسب، بل أنها تضر، أيضاً، بمصالحنا".


الخلاصة:
إن قادة الغرب الذين يتنافسون في محابة الإسلام، والإساءة لنبيه، واضطهاد المسلمين، ما هم إلا أداة تضر بمصالح شعوبهم. فالإسلام لن يضعف أو يتراجع، والرسول محمد مُكرم من ربه وأمته، والمسلمين أقوياء بدينهم والتمسك بعقيدتهم. إن الإساءة للإسلام ستقويه. فمن صارع الإسلام صرعه، ومن تطاول على نبي الإسلام أطال الله في ذله. إن من يعتقد أن محاربة الإسلام ستؤدي إلى إضعافه أحمق… فلو نجح هؤلاء في إنهاكه لما رأيناهم يحاربونه. إن ديننا هو دين الفطرة والقوة والعدالة والأمل والمستقبل.

التعليـــقات