رئيس التحرير: طلعت علوي

مؤشرات متفاوتة للاقتصاد العالمي

الأحد | 18/10/2020 - 09:45 صباحاً
مؤشرات متفاوتة للاقتصاد العالمي


محمد كركوتي


"وضع الاقتصاد العالمي يبدو أقل خطورة اليوم، مما كان عليه في الربع الأول"
كريستالينا جورجييفا، رئيسة صندوق النقد الدولي


صدرت إشارات قليلة لكنها لافتة لأنها تأتي من جهات دولية معروفة، تدل على أن الوضع الاقتصادي الراهن ليس قاتما، كما كان مطلع هذا العام، أي في عز تفشي وباء كورونا المستجد. ولعل أهم هذه الإشارات، تلك التي أتت من صندوق النقد الدولي، الذي عد أن تدخل الحكومات حول العالم لدعم اقتصاداتها الوطنية، وضع أرضية تحت الاقتصاد العالمي ككل. فالإجراءات السياسية غير العادية التي تم اتخاذها أسهمت - حسب الصندوق - في جعل التطورات الاقتصادية في الربعين الثاني والثالث أفضل حالا مما كانت عليه في الربع الأول. فالتدخل الحكومي ضمن في الواقع استمرار الحراك الاقتصادي ولو بشكل جزئي، وهذا التدخل لا يزال قائما ولا سيما في ظل الخوف من موجة جديدة للوباء، يرى البعض أنها ربما ستكون أسوأ من الأولى.


ومن الطروحات الجديدة، أن الانتعاش سيكون جزئيا وغير منتظم في العام المقبل، وهذا ما يعكس بوضوح الضبابية التي يشهدها الاقتصاد حول العالم، خصوصا في ظل عدم حسم أمر وباء يبدو أنه سيواصل حضوره على الساحة لفترة لن تكون قصيرة، رغم أن مراكز بحثية وعلمية عديدة - بما فيها مركز أوكسفورد العلمي البريطاني الذي يعمل على ابتكار لقاح لفيروس كورونا - تتحدث بتفاؤل متصاعد عن إمكانية الوصول إلى اللقاح المأمول في العام المقبل على أبعد تقدير. لكن حتى لو تم ذلك، لن يؤدي حتما إلى حلول سريعة وماحقة للتداعيات الاقتصادية الناتجة عن تفشي هذا الوباء. فهذه الحلول تتطلب مدة زمنية لن تنقضي قبل نهاية العقد الحالي، لأسباب معروفة للجميع.


ربما يكون الوضع الاقتصادي أقل خطورة الآن مما كان عليه بداية العام الحالي، لكن لا يمكن اعتباره أفضل كثيرا. فالضغوط على الحكومات لا تزال قائمة، حتى بعد أن عادت عجلة الحراك الاقتصادي إلى الدوران بأشكال مختلفة إلا أنها ليست كاملة. بعض الدول أعادت الإغلاقات الجزئية، وبعضها الآخر مثل بريطانيا وفرنسا يفكر في العودة إلى الإغلاق التام، مع ارتفاع عدد المصابين بالفيروس الخطير فيها. وهناك حكومات أعلنت رسميا أنها ستوقف مشاريع الإنقاذ الاقتصادي على اعتبار أنها سمحت بعودة الحراك الاقتصادي، إلا أنها سرعان ما تراجع استمرار هذه المشاريع، بما في ذلك منح جزء من الرواتب لموظفي القطاع الخاص، وتمويل بعض الشركات التي تدخل ضمن نطاق المؤسسات التي لا يمكن السماح لها بالخروج من السوق.


النظرة ليست سوداوية هنا. فالحقائق غير السارة بدأت بالظهور هنا وهناك، وأربكت بالفعل الحكومات المعنية التي تسعى بكل ما لديها من قوة إلى احتواء الركود الاقتصادي فيها. فحتى صندوق النقد الدولي يؤكد أن اعتقاده بتراجع المخاطر بصورة طفيفة حول الاقتصاد العالمي، لا يعني أبدا أن الأزمة انتهت، أو في طريقها للخروج من الساحة. بل أشار بوضوح إلى أن عديدا من الدول تواجه ما وصفه بالصعود الطويل الذي يمكن تشبيهه برحلة تسلق صعبة، ستكون طويلة وغير منتظمة وغير مؤكدة، وماذا أيضا؟ وعرضة للنكسات. وهذا يعرض حقيقة الصورة بوضوح شديد بالفعل، ولا سيما في ظل تأكيدات مشابهة من الحكومات نفسها التي تخوض معركة مع ركود عالمي هو الأعمق على الإطلاق منذ أكثر من 80 عاما.
الأعباء والتبعات الناتجة عن الأزمة الاقتصادية كبيرة. فالخسائر التي تعرض لها الاقتصاد العالمي، وفق تقديرات الجهات الدولية المختصة، تصل إلى 20 تريليون دولار. ويتوقع البنك الدولي أن يصل الدين العام العالمي إلى مستويات قياسية تبلغ 100 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي. فعمليات الإنقاذ والدعم أجبرت الحكومات على رفع مستويات الدين الواجبة عليها، في الوقت الذي تراجعت فيه الإيرادات إلى مستويات قياسية أيضا. فضلا عن ارتفاع حالات الإفلاس في كل القطاعات، وبالطبع تزايد أعداد العاطلين عن العمل، وخروج مؤسسات من كل الأحجام من السوق، وارتفاع حالات العجز الفردي عن تسديد الديون بأنواعها. من هنا يمكن القول، إن الأعباء التي تتركها الأزمة على الساحة، ستزيد المساحة الزمنية للوصول إلى التعافي المأمول.


لا شك أن الوضع الاقتصادي العالمي في الربع الثالث كان أفضل من الأول، أو لنقل إنه كان أقل خطورة، لكنه لا يوفر ضمانات أفضل للربع الأخير من العام الجاري. لماذا؟ لأن الحراك الاقتصادي لم يعد إلى ما كان عليه قبل الأزمة، ولا يبدو أنه سيعود قبل الربع الأول من العام المقبل على الأقل، خصوصا إذا ما ارتفعت احتمالات ظهور الموجة الثانية من كورونا. فالتحسن المشار إليه كان جزئيا وليس مستداما، وهذا ما يتفق عليه كل الجهات الدولية المختصة. ولذلك سيظل الركود الاقتصادي موجودا على الساحة إلى أن يعود الاقتصاد العالمي إلى حراكه الكامل، وقبل ذلك لا يمكن التأسيس على انتعاشة عابرة في فترة قصيرة. والشيء المهم الآن، ليس إلا منع دخول هذا الاقتصاد حالة كساد هي آخر ما يحتاج إليه العالم في هذا الزمن الاستثنائي.

التعليـــقات