رئيس التحرير: طلعت علوي

مأساة اقتصادية في الدول النامية

الأربعاء | 10/06/2020 - 12:32 مساءاً
مأساة اقتصادية في الدول النامية


محمد كركوتي
"لا بد للمجتمع الدولي من تخفيف الضغوط على الدول النامية بسبب مدفوعات الديون"
موخيسا كيتويي، الأمين العام لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية


حسنا، لا يوجد اقتصاد في العالم نجا من الأزمة التي خلفها وباء كورونا المستجد. الاقتصاد العالمي نفسه دخل ركودا، اتفق الجميع على أنه الأعمق منذ الكساد العظيم عام 1929، وصار الانكماش حالة متصاعدة لهذا الاقتصاد، مع فروق في المستويات بين دولة وأخرى. الديون تتصاعد، والبطالة تتزايد، والمؤسسات إما أفلست وإما لجأت إلى الحكومات من أجل إنقاذها. حتى الشركات الكبرى مهددة أن تكون تحت مظلة الحكومات لفترة طويلة. أي إنها صارت تحت التأميم، وإن كان أغلب دول العالم لا تحب هذا التوصيف. والمصيبة الكبيرة هنا، تأتي من أن الاقتصاد العالمي كان يعاني تباطؤ النمو قبل الجائحة العالمية المذكورة. وهناك اقتصادات كبرى كانت تستجدي نموا ولو بنسب قليلة جدا.


في ظل هذا المشهد، تصدرت الدول النامية الساحة من حيث المخاطر التي تحيق باقتصاداتها. فهذه الدول التي تعتمد على التصدير تعاني كغيرها تراجع حركة التجارة العالمية، فضلا عن توقف عجلة الإنتاج فيها، أو في أحسن الأحوال تراجع الأداء الإنتاجي بفعل الوباء وآثاره الاقتصادية والاجتماعية. كما أن هذه الدول تعاني أصلا الضغوط المالية التي لا تتوقف، من جراء مدفوعات الديون المستحقة عليها، بينما تتصدى لتبعات الجائحة القاتلة. ومن هذه الدول من يتصدر قائمة الأشد فقرا على المستوى الدولي، الأمر الذي يجعل المأساة الاقتصادية مضاعفة، دون أن ننسى، أنها كانت تحقق نموا مقبولا قبل الأزمة الراهنة، كما أنها حققت قفزات نوعية على الصعيد التجاري، مستفيدة بالطبع من التسهيلات التي قدمتها لها الدول الكبرى، والإعفاءات الجمركية التي تتمتع بها صادراتها.


وفي الدول النامية كان الحراك الصناعي يتصاعد، في عدد من القطاعات بما في ذلك المنسوجات والملابس وقطع الغيار لعديد من المحركات، فضلا عن الإنتاج الزراعي إلى جانب قطاع الخدمات. كل ذلك توقف أو تراجع منذ بداية العام الجاري، ما زاد من حدة الضغوط على الموازنات العامة للدول النامية، فضلا عن مخططات التنمية الواسعة التي كان بعضها مدعوما مباشرة من المجتمع الدولي. كل ذلك يتعرض الآن للتباطؤ أو للتوقف. ما دفع المنظمات التابعة للأمم المتحدة إلى التحذير من المخاطر الرهيبة التي تتهدد المشاريع الإنمائية في عشرات الدول الفقيرة، بما في ذلك بالطبع تلك التي تختص بالتعليم والصحة والبيئة والبنى التحتية وغيرها. ورغم أن الالتزام الدولي بهذه المشاريع لم يتراجع، إلا أن الاضطراب الذي أوجده وباء كورونا لا يزال خارج السيطرة.


في قمة "مجموعة العشرين" التي عقدت أخيرا بقيادة السعودية، كانت الرياض حريصة على أن يتضمن جدول الأعمال الجانب الخاص بدعم الاقتصاد العالمي، ولا سيما الجانب المتعلق بالدول النامية ضمن هذا الاقتصاد. هذه القمة أقرت في خطوة تاريخية، حزمة إنقاذ عالمية تصل إلى خمسة تريليونات دولار. وتحتاج الدول النامية الأشد فقرا إلى المساعدة والدعم بأسرع وقت ممكن. وهذا ما يفسر تحرك 225 من القادة، بينهم رؤساء وقادة سابقون، لوضع هذه المسألة في دائرة الاهتمام، الذي بدأته في الواقع السعودية منذ بداية الأزمة الراهنة. فوفق هؤلاء، فإن الدول الأكثر فقرا تحتاج إلى رزمة بقية 2.5 تريليون دولار. ويرى قادة هذا التحرك، إرسال "رسالة أمل بالمستقبل". وهذا ما تم بالفعل في قمة العشرين التي عقدت برئاسة المملكة.


العالم أجمع يعيش المشكلة الاقتصادية من جراء الجائحة التي لم يتوقعها أحد، لكن هناك مناطق تحتاج إلى تدخل سريع من أجل الإبقاء على زخم التنمية فيها، والاستمرار في دفعها إلى الأمام، لكن قبل ذلك هي بحاجة إلى تخفيف الضغوط التي تتعرض لها، ولا سيما فيما يرتبط بالديون الواجبة عليها. في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت عام 2008، اتخذت "مجموعة العشرين" زمام المبادرة، ليس لأنها تسيطر في الواقع على 85 في المائة من حجم الاقتصاد العالمي، لكن لوجود دول محورية فيها. من هنا، فإن المبادرات المرتبطة بأزمة الوباء، انطلقت من هذه المجموعة، وسط حراك سعودي لم يتوقف، بل يأخذ أشكالا متطورة، وفق الاستحقاقات والمستجدات الراهنة.


بالطبع هناك فارق بين الدول النامية مرتفعة الدخل، وتلك المنخفضة في عوائدها. وهذا ينعكس على مستويات الديون على عاتقها. من هنا، يمكن فهم الدعوة لتخفيف الضغوط من هذا الجانب في المرحلة الراهنة. المأساة الاقتصادية الحالية عالمية، لكن درجاتها تختلف بين منطقة وأخرى، وفي المنطقة الواحدة هناك مستويات لهذه المأساة. وتبقى الدول النامية الأكثر عرضة للأضرار. فالجائحة ضربت في وقت عصيب أساسا، ما جعل تبعاتها أشد قسوة. ورغم دعوات متطرفة تدعو إلى الحمائية والانعزالية، لكن لا مجال للسيطرة على أضرارها وضمان التعافي منها إلا بالتعاون الدولي الكامل. فالمسؤوليات تقع على عاتق كل الأطراف دون استثناء، والتاريخ يسجل في دفاتره كل التفاصيل.

التعليـــقات