رئيس التحرير: طلعت علوي

هل تصمد سياسات صندوق النقد الدولي بعد “كورونا”؟

الخميس | 07/05/2020 - 10:55 صباحاً
هل تصمد سياسات صندوق النقد الدولي بعد “كورونا”؟


أحمد عوض 

للمرة الثالثة خلال السنوات القليلة الماضية تتعرض السياسات المالية والنقدية لصندوق النقد الدولي والتي تفرض تطبيقها على الدول الفقيرة والمتوسطة الدخل للاختبار، من حيث قدرتها على معالجة الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها هذه الدول.


وللتذكير، فإن سياسات الصندوق هذه تقوم على ما يطلق عليه سياسات “إجماع واشنطن”، والذي يتضمن منظومة من الأفكار التي طورها “ميلتون فريدمان”، وشكلت قطيعة مع المدرسة “الكينزية” التي كانت تنادي بضرورة وجود دور أساسي للدولة في الاقتصاد وتنظيم الأسواق لضمان كفاءتها واستقرارها.


وتدعو هذه الأفكار إلى تحرير الأسواق من القيود الحكومية وتحرير التجارة والأسعار وتطبيق سياسات مالية ونقدية تقشفية (متشددة) إضافة الى التوسع في الخصخصة، ويطلق عليها اقتصاديات السوق الحر.
الاختبار الأول جاء إثر الأزمة المالية الكبرى التي ضربت الاقتصاد العالمي في العام 2008، واستمرت تداعياتها لسنوات طويلة، واستمرت آثارها في بعض الدول إلى ما قبل دخول أزمة “كورونا المستجد” مؤخرا. وبهدف الخروج من هذه الأزمة العميقة، لم تجد حكومات الدول الكبرى سوى التدخل بطريقة غير مسبوقة في تفاصيل اقتصاداتها للخروج من الأزمة، وصلت حد قيام بعض حكومات العديد من الدول إلى تأميم شركات وبنوك لتجاوز الأزمة، وشمل ذلك الدول الرأسمالية الموغلة في تطبيق سياسات اقتصاد السوق الحر.


والاختبار الثاني، كان في المنطقة العربية قبل عدة سنوات، ودفعت باتجاه زيادة أعداد الفقراء والعاملين غير المشمولين بالحمايات الاجتماعية، ورفعت معدلات البطالة بشكل كبير جدا خاصة بين الشباب.
والملفت أن بعض هذه الدول كانت تطبق سياسات مالية ونقدية بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي، لا بل إن بعض تقارير الصندوق وشقيقه البنك الدولي كانت تشيد بالسياسات الاقتصادية التي يتم تطبيقها في هذه الدول، قبيل الاحتجاجات الشعبية على هذه السياسات.


أما الاختبار الثالث لهذه المنظومة من السياسات، فهي ماثلة أمامنا الآن، حيث وجدت العديد من الحكومات في الاقتصادات الكبرى والمتوسطة والفقيرة نفسها مضطرة للتدخل لإدارة وإنقاذ اقتصاداتها من تداعيات تفشي فيروس “كورونا المستجد”، الذي ولّد أكبر أزمة اقتصادية عالمية منذ أزمة “الكساد العظيم” التي ضربت الاقتصاد العالمي في نهاية العقد الثالث من القرن الماضي.
ولم تقتصر التدخلات الحكومية في اقتصادات بلدانها على دول بعينها ممن تتبنى فلسفات اقتصادية اجتماعية، بل شمل ذلك الحكومات التي تتبنى أقصى السياسات الاقتصادية يمينية في مدرسة اقتصاد السوق الحر، وأبرز مثال عليها في الوقت الراهن الإدارة الأميركية والحكومة البريطانية.


سياسات اقتصاد السوق الحر بعناوينها المختلفة التي يتبناها صندوق النقد الدولي صمدت في الاختبارين الأول والثاني، واستمرت اداراته المختلفة بالضغط على الحكومات لتطبيق ذات السياسات الاقتصادية التي ساهمت بشكل كبير في خلق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في ذات الدول.
والأمانة العلمية تقتضي الإشارة الى أن بعض التقارير التي أصدرها صندوق النقد الدولي مؤخرا، كانت تتضمن مفاهيم جديدة مثل محاربة التفاوت الاجتماعي والاقتصادي، وضرورة أن يكون النمو الاقتصادي شموليا Inclusive. الا أن ذلك لم ينعكس على البرامج الاقتصادية الجديدة التي تم توقيعها مع بعض الدول مؤخرا.


والسؤال الذي يطرح نفسه في الوقت الراهن، هل ستصمد الفلسفة الاقتصادية التي يستند إليها الصندوق في رسم سياساته، أمام الأزمة الاقتصادية العميقة التي نشهدها الآن في مختلف أنحاء العالم جراء تفشي فيروس “كورونا المستجد”؟
من منظور تفاؤلي، هنالك بعض المؤشرات التي تقول إن الفرصة أصبحت مواتية لتغيير منطلقات الصندوق وسياساته، حيث تطالب مديرة الصندوق والعديد من كبار خبرائه بضرورة التوسع في الإنفاق على الرعاية الصحية والحمايات الاجتماعية، وربما تحمل الأسابيع والأشهر القادمة المزيد من المؤشرات الأخرى.

التعليـــقات