رئيس التحرير: طلعت علوي

عليك أن تنحرف!

الأحد | 08/12/2019 - 07:15 مساءاً
عليك أن تنحرف!

 

 

عندما جاء «محمد» لجلسته الاستشارية الأولى لم يختلف كثيرا عن أغلب الشباب الذين يحملون شغفاً نوعياً، ومعرفة عميقة في مجال ما، وفكرة مشروع واعد، فقد كان يرغب في إنشاء قهوة ذات طعم وجودة تناسب الذواقة. جاء بتصور كامل وتفصيلي لقهوته، ومنتجات مطورة وشبه جاهزة للإطلاق.

كان نموذج العمل الأولي لمقهى محمد عادياً، وخطة العمل ودراسة الجدوى تبشر بإيرادات جيدة كحال أغلب الخطط والدراسات المنمقة، إلا أن سؤالاً واحداً قلب مجرى النقاش: «من قال إن الناس الذين تستهدفهم يبحثون عن قهوة ذات جودة؟»، ذلك السؤال البريء المفعم بالمعنى، جعل الطريق للنموذج الأنسب لعمل محمد ممهداً، وبدل من أن يفتح مقهى لقهوة ذات جودة عالية وتكلفة تأسيس وتشغيل عالية وخطر عدم توافر عدد كافٍ من العملاء يجعلون نموذجه مربحاً ومستداماً، قام محمد بالانحراف عن مسار خطته وحاد عن فكرته عندما اختبر نموذجه وتحقق من فرضياته الأولية، ووجد أنه لن يستطيع بتصميم القهوة التقليدي أن يحقق نموذجاً متوازناً ومربحاً. قرر محمد أن يتحول إلى نموذج يستهدف المقاهي والشركات B2B، وليس الذواقة فحسب، وبعد تعديل تصميم نموذج عمله لأكثر من خمس مرات، والكثير من الملاحظة لمجاله والتعلم من نتائج اختبارات نموذج عمله، وصل لنموذج أكثر استدامة، وكبر مشروعه واتسع نطاقه بمصاريف أقل وتعلم أكبر، وخطوات أكثر ثباتاً نحو مشروع مثمر.

من السهل تحديد ملامح العقلية الريادية خلال الدقائق الأولى من التحدث مع أي رائد أعمال، وتوقع نوع التحديات التي قد يواجهها في نموذج عمله، وتقسم أستاذ علم النفس كارول دويك من جامعة ستانفورد العقلية إلى نوعين مختلفين هما: العقلية الثابتة والعقلية النامية. أصحاب العقلية الثابتة غالباً ما يفسرون النجاح بمقدار توافر المواهب، ويتجنبون الفشل قدر المستطاع من خلال دراسة أنفسهم ومهاراتهم ووضعهم ولا يُقْدِمون على التحدي إذا ما قرروا أن قدراتهم ومهاراتهم لا تتناسب معه، وهم غالباً ما يتشبثون بأفكارهم ويصرون على تنفيذها وتحقيق النجاح من خلالها.

أصحاب العقلية النامية، هم من يعتقدون أنهم قادرون على تطوير قدراتهم من خلال العمل وتغيير الرؤى والسلوكيات، ويعتقدون أن مفتاح النجاح لا ينحصر في العقول والمواهب، إنما هي مجرد نقطة انطلاق، فهم يتعلمون باستمرار ويتدربون أثناء ممارسة أعمالهم، ويرون أن الفشل هو فرصة للتعلم والتطور، لذا فهم لا يستسلمون بسهولة ويميلون للمثابرة والمحاولات المتكررة.

عقلية رائد العمل إن ما سهّل من تطور نموذج عمل محمد وسرعة نجاحه هو توافر العقلية النامية وهي التي تحتاجها أنت كرائد عمل يبحث عن مشروع يحقق عوائد مستمرة ومتنامية، إذ من المفترض أن تفكر كمصمم وتختبر أفكارك وفرضياتك وتعدل نموذجك باستمرار، وإذا لم تستطع أن تتحقق من صلاحية مشروعك فعليك أن تنحرف عن مسارك وتغير اتجاهك. 

 

ايمان الموسوي 

 

التعليـــقات