رئيس التحرير: طلعت علوي

الاقتصاديون منقسمون بين إطلاق العنان للسوق الحرة والاقتصاد الموجه

السبت | 28/09/2019 - 08:32 صباحاً
الاقتصاديون منقسمون بين إطلاق العنان للسوق الحرة والاقتصاد الموجه


   
ما زالت الهوة تتزايد بين الاقتصاديين والفلاسفة بين من يؤيدون قوانين السوق الحرة ومن يؤمنون بالاقتصاد الموجه.
وتثير تلك الفجوات تساؤلات تدور حول: هل نضع حدا للنمو لمعالجة الاحتباس الحراري أم نعتمد على التقدم التكنولوجي؟ هل نطلق العنان للسوق أو نزيد فرض اللوائح المنظمة للتخفيف من انعدام المساواة؟ الحد من النمو أم النمو على أساس ضوابط أخلاقية؟


ومنذ عام 1972، تساءل تقرير ميدوز، الذي كتبه خبراء أمريكيون، عن كيفية ضمان استمرار النمو في عالم محدود الموارد، ويكتسب مفهوم الحد من النمو اليوم شعبية، مع ازدياد الانتقادات الموجهة إلى النزعة الاستهلاكية وتضخم شبح ظاهرة الاحتباس الحراري.


وتظاهر عشرات الآلاف أمس في كل أنحاء أوروبا وآسيا من أجل اتخاذ إجراءات جدية لمكافحة التغير المناخي.
ونقلت "الفرنسية"، عن صوفي سواتون الاقتصادية والفيلسوفة في جامعة لوزان قوله إن "المشكلة هي أن كل اقتصادنا يعتمد على الكربون والوقود الأحفوري. الوعي يزداد ولكن المشكلة هي أنه سبق السيف العزل.. إننا مدمنون على الأمر".
وتطول قائمة التدابير للخروج من هذا الوضع بدءا بالحد من المكافآت وربحية الشركات وحظر المبيدات واعتماد "دخل بيئي انتقالي" يكافئ الأنشطة الجديدة الحميدة.


ومع ذلك، تبقى المطالبة بالحد من النمو مسألة معقدة، وتعتقد أنييس سيناي الصحافية والمحاضرة في العلوم السياسية "نحن في مأزق اجتماعي وثقافي ومن الصعب الخروج عن هذا النموذج القائم".
ولكن كيف يمكن إيجاد وظائف أو تمويل الحماية الاجتماعية دون تحقيق نمو؟ تتحدث أنييس سيناي عن توزيع أفضل للموارد، مثل اعتماد "تقنين الطاقة" على المستوى الفردي على سبيل المثال، وتخصيص مبالغ لهذا الغرض من الأموال العامة وسيولة من البنوك المركزية.
ويحبذ اقتصاديون آخرون الدفاع عن نمو أخلاقي، فلا يحتسب النمو الاقتصادي فقط كنسبة من إجمالي الناتج المحلي، ولكن بمدى ارتباطه بالمعايير الاجتماعية والبيئية.


ويرى ستيوارت واليس رئيس تحالف الرفاه الاقتصادي "ويلبيينج إيكونومي إلينس"، الذي يضم منظمات غير حكومية وأكاديميين: "نحن بحاجة إلى النمو.. لكننا نسير في الاتجاه الخاطئ، الذي يؤدي إلى تضخيم استهلاك الموارد دون داع، مع مشكلات هائلة من عدم المساواة".
ويدعو واليس إلى "اقتصاد السوق، حيث يتم تغيير التدابير المحفزة والموضوعية بشكل جذري على عكس الرأسمالية التقليدية"، ويجذب هذا النهج بالفعل بعض الحكومات، ولا سيما نيوزيلندا أو اسكتلندا، التي تعمل على تطوير "ميزانيات الرفاه الاجتماعي".


وفي أحدث كتبهما، يدعو الاقتصادي جوزيف ستيجليتز إلى اعتماد "الرأسمالية التقدمية" مناديا بعودة الدولة وتنظيم الأسواق، في حين يدعو الفرنسي توما بيكيتي المعروف بعمله في مجال عدم المساواة، إلى "اشتراكية تشاركية" تزعزع العلاقة بالملكية الخاصة.
ويقول جاسبار كونيج الكاتب الليبرالي "لا يمكن لأحد أن ينكر حقيقة أن التقدم التكنولوجي والتجارة أخرجانا من الفقر المدقع ومكنانا من الابتكار".


وفقا للبنك الدولي، يعيش 10 في المائة من سكان العالم تحت خط الفقر حاليا، مقارنة بـ36 في المائة قبل 30 عاما.
وتكثر المشاريع الابتكارية المطروحة في محاولة لإنقاذ الكوكب بدءا من الطائرة العاملة بالهيدروجين واللحوم الاصطناعية إلى قوارب تنظيف المحيطات، سواء لا تزال هذه المشاريع مجرد مخطط على الورق أم يجري تطويرها.


وهذا ما يرى فيه المفكرون الليبراليون طوق نجاة، إذ يؤكد كونيج أن "التكنولوجيا هي التي ستحل المشكلات المطروحة. عندما نرى التقدم في مجال الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح وتطوير البكتيريا لالتهام الأكياس البلاستيكية يمكن أن يسير كل هذا بالسرعة نفسها التي تقدمت بها التقنيات المعتمدة على الكربون في القرن الـ19".
ويضيف لوران بابي، المحلل بمعهد البحوث الاقتصادية والمالية، وهو مركز أبحاث ليبرالي "قبل 100 عام، لم يكن في إمكان أحد أن يتنبأ بالطاقة النووية أو بالإنترنت. الاعتماد على التكنولوجيا هو رهان يعني عدم وضع قيود على التقدم".


ولا يريد هؤلاء "المتفائلون بالتكنولوجيا" الحديث عن الحد من النمو ولا حتى عن تعزيز دور السلطات العامة.
ويشير لوران بابي إلى أنه "لا يوجد دليل على أن تخصيص الموارد من قبل كيان مركزي مثل الدولة سيكون أفضل من اقتصاد السوق"، لافتا إلى مثال ألمانيا، حيث "أدت خيارات عبثية مثل وقف الاعتماد على الطاقة النووية إلى العودة لاستخدام الفحم".
وردا على سؤال كيف نشجع الأعمال الحميدة؟، يوصي الليبراليون بإنشاء سوق للكربون، وخصوصا بتقديس الملكية الخاصة، ويضيف بابي "يكون لدينا مشكلة بيئية عندما نتمكن من نهب شيء لا نملكه".

 

aleqt.com

التعليـــقات