رئيس التحرير: طلعت علوي

الإقبال علي شراء الثياب المستعملة "الفريب" بدول المغرب العربي الكبير

الثلاثاء | 06/08/2019 - 11:27 صباحاً
الإقبال علي شراء الثياب المستعملة "الفريب" بدول المغرب العربي الكبير

 

فؤاد الصباغ - كاتب و باحث اقتصادي - تونس 


إن الأسواق الشعبية بأغلب دول المغرب العربي الكبير منها بالأساس في تونس, الجزائر و المغرب و موريتانيا فهي إجمالا تشهد حركية كبري و إقبالا مكثفا علي ما يسمي بعملية الفرز في أكوام الثياب المستعملة و المعروفة بلغتنا العامية "بالة الفريب" من قبل أغلب العامة المارين و خاصة منهم الطبقات الإجتماعية الفقيرة. إذ يحظي هذا القطاع التجاري الحيوي بإهتمام كبير و متزايد من قبل أكبر التجار خاصة منها بالأسواق الأسبوعية أو أيضا في سائر الأيام بأحواز المناطق الشعبية و المحلات العادية. ففي هذا الصدد يعتبر هذا القطاع مربحا جدا بحيث تكسب أغلب التجار الكبار الملايين من الدولارات شهريا عبر تنزيل السلع بالجملة من الخارج و توزيعها علي التجار الصغار في الأسواق.

إلا أنه في المقابل تشكل هذه النوعية من "التجارة الشعبية" الموازية خطرا حقيقيا علي الإقتصاديات الوطنية لتلك الدول و هي تصنف في مضمونها ضمن السلع الشعبية الرخيصة الثمن و المشابهة كثيرا في أسعارها للتجارة الصينية التي أدت إلي إفلاس العديد من الشركات العالمية في قطاع النسيج خاصة منها الشركات الصغري و المتوسطة. إذ بإعتبار أن أغلبية الطبقات الشعبية بتلك الدول هي فقيرة جدا, فإن تلك السلع تمثل لهم توفيرا إضافيا ماديا أو تقشفا لمداخليهم المالية الشهرية التي تخصص في قسطها الكبير لإستخلاص الفواتير من كهرباء و ماء و هاتف أو كراء منزل و غيرها من المصاريف اليومية مثل الأغذية و التنقل و التعليم. عموما علي الرغم من إيجابيات الربح المالي المهول للتجار المستثمرين في ذلك المجال عبر البيع و الشراء في الثياب المستعملة و المضاربة المالية بالأسعار في سوق "الفريب" نظرا للإقبال الشعبي الكثيف علي "البالة" و  للأسعار الرخيصة التي تعتبر منخفضة جدا و في متناول الجميع مقارنة مع الثياب الجاهزة و الموضة بالمحلات الكبري المعروفة "بالبوتيكات" بحيث تعتبر سلعها باهظة جدا و تقدر عليها فقط القليل من الطبقات الميسورة الحال. فإنه في المقابل تعتبر السلبيات لتلك النوعية من التجارة مضرة للشركات الصغري و المتوسطة في قطاع النسيج و لها أيضا تأثيرات سلبية و عميقة مباشرة علي الإقتصاد الوطني لتلك الدول التي مازالت تراهن علي السوق الحرة الرأسمالية و تدعم دائما رجال المال و الأعمال و القطاع الخاص و تشجع علي الإستثمار في قطاع النسيج.


إقبال شعبي كثيف و أسعار في متناول الجميع
إن طوابير الفرز اليومية أو الأسبوعية بالأسواق الشعبية علي أكوام الثياب المستعملة "الفريب" تشكل اليوم الحدث البارز لدي أغلب المتابعين لذلك القطاع التجاري الصاعد و الواعد و الذي أصبح مؤخرا يشكل سوقا مربحة جدا تحقق للتجار الصغار ما يقارب بين 1000 إلي 2000 دولار ربحا صافيا يوميا. فذلك الإقبال الشعبي الكثيف له مبرراته و ذلك نظرا لجودة المنتجات المتوفرة للبيع في "البالة" أو أيضا للأسعار الرخيصة جدا مقارنة مع الثياب الجاهزة الباهظة جدا.

فالمواطن المغاربي أصبح اليوم يفضل إستهلاك الملابس المستعملة نظرا لإيجاده أحيانا "ماركات عالمية" مازالت قابلة للإستعمال أو بالأحرى مازالت نظيفة أو شبه جديدة لم يلحق بها ضررا كبيرا و سعرها يعتبر معقولا و في المتناول للجميع. إن أغلبية شعوب دول المغرب العربي الكبير تصنف كطبقات شعبية محدودة الدخل بحيث مازالت تعاني أغلبها الفقر و الحرمان و غيرها من المشاكل الداخلية مثل غلاء المعيشة و إرتفاع الأسعار نتيجة التضخم المالي و تدهور القدرة الشرائية إجمالا. فأسواق "الفريب" تعد لهم أفضل الأماكن للتسوق و الشراء و ذلك لتعويض ذلك الضرر المالي الذي مازالت تعاني منه أغلب تلك الشعوب المضطهدة الفقيرة في بلدانهم. بالإضافة إلي ذلك تعتبر القيود المفروضة علي المنتجات الشعبية الصينية خاصة منها علي الملابس الجاهزة بتلك الدول في مجملها صارمة و مشددة خاصة منها عبر فرض ضرائب مجحفة علي التجار الصغار أو نتيجة للسياسة التجارية الحمائية التي تتبعها تلك الدول قصد إنعاش منتجات الشركات المحلية في قطاه النسيج و الملابس الجاهزة. بالنتيجة ترتفع أسعار تلك المنتجات الشعبية الصينية من ملابس و أحذية و غيرها لتحتل المرتبة الثانية محليا بعد سوق الملابس المستعملة "الفريب" التي مازالت تحظي بالمرتبة الأولي إقبالا شعبيا و أسعار رخيصة في متناول الجميع. أما بالنسبة لشركات النسيج المحلية أصبحت منتجاتها ضحية و غير قابلة لمنافسة الملابس المستعملة نظرا لغلاء أسعارها بحيث أصبحت تحتل تلك المنتجات المرتبة الثالثة محليا بعد ملابس الفريب الشعبية و منتجات الصين الشعبية.


تأثيرات سلبية علي الإقتصاد الوطني لدول المغرب العربي الكبير
إن الرهان الإستراتيجي للإقتصاديات الوطنية لدول المغرب العربي الكبير مازال مرتكزا بالأساس علي عقلية السوق الرأسمالية الحرة و دعم القطاع الخاص و خاصة منها علي تحفيز المبادرة و الإستثمار و تشجيع بعث المشاريع و منتجات الشركات الصغري و المتوسطة. إلا أن هذا التحرر في الأسعار و الأسواق لم تثمر نتائجه الفعلية إلي حد الآن بحيث تضررت من سياساته العديد من الشركات الخاصة الصغري و المتوسطة نتيجة لعدم قدرة منتجاتها علي مواجهة المنافسة في السوق المحلية و بالنتيجة أعلنت إفلاسها. ففي هذا الصدد يجب وضع النقاط علي الحروف بإعتبار أن أغلبية الطبقات الإجتماعية بتلك الدول هي في الأصل طبقات "شعبية و فقيرة" بحيث تتحكم الأسعار في سياسة إنفاقها نظرا لتدهور المقدرة الشرائية بحيث أصبح المستهلك يقبل أولا علي منتجات "السوق السوداء" من محروقات علي قارعة الطريق و المهربة خاصة بدولة تونس أو إلي إستهلاك الملابس المستعملة "الفريب" في مجمل دول المغرب العربي الكبير نظرا لرخص أسعارها مقارنة مع الملابس الجاهزة بالمحلات الفاخرة. فلتسليط الضوء بالتحديد علي سوق الملابس المستعملة "الفريب" نلاحظ أن أغلب شركات النسيج الصغري أصبحت اليوم بتلك الدول عاجزة تمام العجز علي ترويج سلعها بالسوق المحلية, مما أدت بالنتيجة إلي توجيه سلعها نحو الأسواق العالمية أو إعلان إفلاسها نظرا لتضررها الشامل و الكامل.

بالتالي أصبحت كلفة الإنتاج مرتفعة جدا و أضحت منتجاتها من الملابس الجاهزة مرتفعة أسعارها بحيث أصبحت بدورها غير قادرة علي منافسة أسعار تلك المنتجات الشعبية منها الصينية للملابس الجاهزة و الأحذية أو بالتحديد للملابس المستعملة في سوق "الفريب" الرخيصة جدا في أسعارها و التي مازالت تحتل حاليا المرتبة الأولي محليا من خلال الإقبال المتزايد و المتصاعد عليها. إذ بإعتبار أن إقتصاديات تلك الدول التي هي مازالت بطبعها هشة و تعاني من عديد السلبيات و الضعف أو الوهن علي مستوي "السياسة الجبائية" أو عدم قدرها و عجزها أحيانا علي إصلاح قطاعها الخاص, فإن "الأسواق السوداء" أصبحت اليوم تحظي بإقبالا كثيفا من طرف الطبقات الإجتماعية نظرا لأسعار منتجاتها الرخيصة جدا, مما ألحقت بالنتيجة ضررا مباشرا بالتجارة المحلية و بالشركات الخاصة و بالتالي بالإقتصاد الوطني لمجمل تلك الدول بالمغرب العربي الكبير.

التعليـــقات