رئيس التحرير: طلعت علوي

وقف المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية والبحث عن "قيادة بديلة"

الإثنين | 11/03/2019 - 09:08 صباحاً
وقف المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية والبحث عن "قيادة بديلة"

 

هالة جفَال

وجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب إدارته في بداية العام 2018 لإجراء مراجعة للمساعدات الأميركية المقدمة للسلطة الفلسطينية. وكنتيجة لهذه المراجعة، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية إعادة توجيه أكثر من 200 مليون دولار أميركي من الدعم الاقتصادي للسنة المالية 2017 "لمشاريع ذات أولوية أعلى في مناطق أخرى" تحقق المصلحة العامة للولايات المتحدة ولدافعي الضرائب الأميركيين".وأضافت: "لم تعد الولايات المتحدة راغبة في تحمل العبء الأكبر من تكاليف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)".
ألقى ترامب اللوم على السلطة الفلسطينية لرفضها القدوم إلى طاولة المفاوضات، قائلًا: "ستحصلون على المال، لكننا لن ندفع قبل أن نتوصل إلى صفقة". أما وقف المساعدات الأمنية فتمّ بطلب من السلطة الفلسطينية بسبب قانون مكافحة الإرهاب "أتكا".
يؤثر قطع المساعدات الأميركية على الوضع الإنساني والاقتصادي والأمني للشعب الفلسطيني. في المقابل، تسعى الإدارة الأميركية لإيجاد بدائل للمساعدات تتجاوز فيها دور القيادة الفلسطينية، عبر اتصالات مع رجال أعمال وفعاليات اقتصادية غير رسمية، ومن خلال تأمين قنوات مالية ومساعدات إلى قطاع غزة دون المرور عبر السلطة الفلسطينية.
تحولات العلاقات الفلسطينية الأميركية في ظل إدارة ترامب
أكد ترامب للرئيس الفلسطيني محمود عباس، في أول لقاء جمعهما في أيار 2017، دور الولايات المتحدة كوسيط لعملية السلام، ووعده بإنجاز صفقة سلام لحل الصراع العربي - الإسرائيلي، إلا أنّ الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل في كانون الأول 2017 أظهر تحولًا في نهج السياسة الأميركية تجاه هذا الصراع.وعلى الرغم من غضب الإدارة الأميركية بسبب مقاطعة القيادة الفلسطينية لها إلا أنها استكملت عقد اجتماعات مع دول عربية للتوصل إلى اتفاق حول صفقة سلام.
ردًا على المقاطعة الفلسطينية، لجأ ترامب إلى قطع المساعدات الأميركية المباشرة للسلطة وللأونروا كوسيلة ضغط على القيادة الفلسطينية للعودة إلى المفاوضات، إذ قال: "مع عدم رغبة الفلسطينيين في الحديث والتفاوض من أجل السلام، لماذا يجب علينا أن نوفر دفعات مستقبلية ضخمة لهم؟".
يأتي قرار سحب المساعدات في سياق سياسة أميركية تقضي بإعادة توجيه حوالي 3 مليار دولار من المساعدات نحو قضايا "ذات أولوية عالية".
أقرّ الكونغرس الأميركي قانون "تايلور فورس" في آذار مارس 2018، الذي يشترط استئناف المساعدات الأميركية في حال توقفت السلطة الفلسطينية عن تحويل رواتب عائلات الشهداء والأسرى بوصفهم "مرتكبي أعمال إرهابية".
وأعلنت الخارجية الأميركية في آب وأيلول 2018 عن وقف المساعدات الإنسانية الموجهة للأونروا، حيث بلغ إجمالي التمويل الأميركي في السنة المالية 2018 حوالي 60 مليون دولار مقارنة مع 359.3 مليون دولار في العام 2017، إضافة إلى قطع ما يقارب 200 مليون دولار كانت تلتزم بمنحها بشكل سنوي لصندوق التمويل الاقتصادي الذي يستهدف كلًا من الضفة الغربية وقطاع غزة، فضلًا عن وقف 25 مليون دولار كانت تذهب لدعم المستشفيات الفلسطينية في القدس الشرقية.
وصلت المساعدات الأميركية نهايتها في تشرين الأول 2018 عندما أقرّ الكونغرس قانون مكافحة الإرهاب "أتكا"، الذي يُعرّض السلطة الفلسطينية لأحكام قضائية، نيابة عن ضحايا أميركيين لهجمات فلسطينية،  في حال قبلت بالمعونات الأميركية.
قررت القيادة الفلسطينية استمرار المقاطعة ورفض القرارات الأميركية التي اعتبرتها جزءًا من "صفقة القرن"، وتُدمّر "أسس السلام "، حيث أرسل رئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمد الله، في كانون الثاني 2019، رسالة إلى الخارجية الأميركية طلب فيها إنهاء التمويل، بما في ذلك تمويل الأجهزة الأمنية؛ خشية التعرض لدعاوى قضائية قد تدفع السلطة الفلسطينية إلى الإفلاس.
يثير وقف المساعدات الأمنية قلق الإدارة الأميركية وبعض أعضاء الكونغرس، كونه يهدد التنسيق الأمني بين الفلسطينيين والإسرائيليين، خصوصًا مع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية.
حاولت الادارة الأميركية البحث عن طرق للحفاظ على المساعدات، ولكن بسبب الإغلاق الحكومي الذي مرت به الولايات المتحدة، لم تستطع إدارة ترامب العمل مع الكونغرس من أجل إجراء تعديلات على القانون قبل نهاية كانون الثاني 2019.
الأونروا وحق العودة
قطعت الولايات المتحدة معوناتها عن الأونروا بعد أن كانت مساهمًا رئيسيًا فيها منذ إنشائها بعد حرب العام 1948، حيث قدمت حوالي ثلث ميزانية الأونروا السنوية في العام 2017.
أوضحت هيذر نويرت، المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الأميركية، أن "الولايات المتحدة لم تعد راغبة في تحمل الحصة غير المتناسبة من عبء تكاليف الأونروا، وأنها تخطط لتكثيف الحوار مع الأمم المتحدة والحكومات المضيفة وأصحاب المصلحة الدوليين حول النماذج الجديدة التي قد تشمل المساعدات الثنائية والمباشرة من الولايات المتحدة والشركاء الآخرين".
في هذا السياق، تأتي مبادرة جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأميركي، حول ضغط واسع من الإدارة الأميركية وحلفاء إسرائيل في الكونغرس من أجل تجريد الفلسطينيين من صفتهم لاجئين، وإزالة قضية اللاجئين عن طاولة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، مثل قضية القدس. 
هناك مقترحان لقوانين في الكونغرس تتعلق بإصلاحات في الأونروا، إضافة إلى وضع معايير جديدة لتعريف اللاجئ، تهدف إلى تقليل عدد الفلسطينيين الذين يحملون صفة لاجئ.
رفض الأردن أن تقوم الولايات المتحدة بإعادة توجيه أموال الأونروا للحكومة الأردنية للمساعدة في تحمل تكاليف رعاية الفلسطينيين، مقابل تطبيعهم وقبول حقيقة أنهم لن يمنحوا حق العودة إلى "إسرائيل". في المقابل، تحارب الولايات المتحدة الأونروا سعيًا منها لتقويض حقوق الشعب الفلسطيني الأساسية، وتفريغ قضية اللاجئين من مضمونها.
أطلقت القيادة الفلسطينية خطة بالتنسيق مع جامعة الدول العربية للعمل على حشد الدعم والتأييد من أجل تجديد تفويض عمل الأونروا حسب قرار 194، ولحث الدول المانحة على تمويل موازنتها للعام 2019، وتلقت تعهدات بدعم يقدر بـ ـ750 مليون دولار، الأمر الذي سيكون فيه الوضع المالي جيدًا خلال النصف الأول من العام 2019، أي حتى انتهاء العام الدراسي.21
من "صفقة القرن" إلى صفقة غزة
تولي الإدارة الأمريكية قطاع غزة اهتمامًا غير مسبوق، في ذات الوقت الذي تقطع فيه المساعدات عن الضفة الغربية، إذ عقد كوشنر وجيسون غرينبلات، المبعوث الخاص لعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، بتاريخ 14/3/2018 "مؤتمر غزة" في البيت الأبيض، ضمّ ممثلين عن 19 دولة، من ضمنها إسرائيل وقطر والسعودية، في حين قاطعت السلطة الفلسطينية المؤتمر.
وقال جرينبلات: "نأسف لأن السلطة الفلسطينية ليست معنا اليوم. هذا لا يتعلق بالسياسة، وإنما بصحة وسلامة أهل غزة وجميع الفلسطينيين والإسرائيليين والمصريين". ودعا المدعوين إلى التعاون من أجل حل الوضع الإنساني في غزة.
تحاول الإدارة الأميركية جلب التبرعات الخليجية، وخاصة من السعودية وقطر، من أجل حل الوضع في غزة لضمان أمن مصر وإسرائيل، وكون ذلك يعد خطوة ضرورية لخلق الزخم والضغط المطلوبين، لطرح خطة سلام تعيد الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات والتنازل عن موقفهم الحالي.
رفض الرئيس محمود عباس الحزمة الاقتصادية الموجهة من الولايات المتحدة إلى غزة، واعتبرها محاولة لتقسيم الفلسطينيين وتقزيم الصراع مع إسرائيل إلى حالة طوارئ إنسانية بحتة. واعتبر أن تعاون حركة حماس مع إسرائيل لتمرير الدعم القطري الذي تدفق في تشرين الثاني 2018 إلى قطاع غزة، بوساطة مصرية وموافقة إسرائيلية، بمنزلة "أزمة وجودية"، وأن أي مفاوضات أو اتفاقات تستثني السلطة الفلسطينية تهدف إلى تعزيز الانقسام.
خطة فريدمان لتشغيل الفلسطينيين
تجاوز ديفيد فريدمان، السفير الأميركي في إسرئيل، الخطوط الحمر للسياسة الأميركية، عندما التقى في تشرين الأول 2018 مجموعة من رجال الأعمال الإسرائيليين والفلسطينيين في مستوطنة "أرئيل"، حيث لم يكن مسموحًا للسفراء الأميركيين السابقين لإسرائيل بدخول مناطق خارج حدود العام 1948، وذلك بدعوة من "غرفة تجارة وصناعة يهودا والسامرة"، وهي منظمة غير حكومية تعمل على تعزيز النشاطات الاقتصادية والمشاريع المشتركة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإقامتها في الأراضي المحتلة في الضفة الغربية، التي يطلقون عليها اسم "يهودا والسامرة".
غرّد فريدمان على موقع تويتر بعد الاجتماع بأن "رجال الأعمال مستعدون وراغبون وقادرون على النهوض بفرصة مشتركة والتعايش السلمي. الناس يريدون السلام، ونحن مستعدون للمساعدة! هل القيادة الفلسطينية تصغي؟".
تدعم الإدارة الأميركية السلام الاقتصادي ليزيد من اعتماد الفلسطينيين على المستوطنات في إيجاد فرص عمل، وتؤكد الإدارة - رغم مقاطعة السلطة الفلسطينية لها- أنها ستستمر في لقاء الفلسطينيين الذين "رغم معارضتهم لسياسة ترامب يهتمون بوضعهم الاقتصادي". 

تخلق سياسات إدارة ترامب واقعًا جديدًا من خلال اتخاذ خطوات تدريجية تُحوّل القضية الفلسطينية من قضية سياسية، إلى قضية مطلبية اقتصادية، وذلك قُبيل الكشف عن صفقة السلام التي أُجلت إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية في نيسان 2019.
أثّر قطع المساعدات على الظروف الاقتصادية والإنسانية للشعب الفلسطيني، ولكن في ظل عدم وجود بديل ومحدودية الخيارات أمام القيادة الفلسطينية، تستغل الولايات المتحدة الموقف وتقوم بنفسها بطرح بدائل وخيارات في كل مرة، منعًا لأي تدخل لن يعمل وفقًا للمصلحة الإسرائيلية الأميركية.
في هذا السياق، لا يبدو أن التنسيق الأمني الفلسطيني الإسرائيلي سيتأثر بقطع المساعدات الأميركية. ولم يستطع مؤيدو إسرائيل من أعضاء الكونغرس وساسة البيت الأبيض من إيجاد طريقة للحفاظ على تدفق المساعدات الأمنية للسلطة الفلسطينية، وفي حال تَوَقَفَ التنسيق الأمني فإن توسعة الإدارة المدنية الإسرائيلية تشير بأن إسرائيل تستطيع، وتخطط، لتمسك بزمام الأمور أمنيًا دون مساعدة السلطة الفلسطينية.
لا تسعى القيادة الفلسطينية لتنفيذ قرارات المجلس المركزي المنعقد في تشرين الأول 2018، التي تضمنت تعليق الاعتراف بإسرائيل والانفكاك الاقتصادي، في حين إن الخيار الوحيد الذي تعمل عليه هو حشد الدعم من المجتمع الدولي، وتحميله لمسؤولياته تجاه القضية الفلسطينية، وتشتغل ترؤسها لمجموعة "77 والصين"،من أجل الاعتراف بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين، والحصول على دعم لموازنة الأونروا.
في المقابل، تسعى الإدارة الأميركية "لتطبيع الاحتلال"، وتغيير الأولويات العربية من مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة إلى مواجهة إيران وتسميتها بـ "العدو الاول المشترك الذي يهدد الأمن والسلام في الشرق الأوسط"، وهو ما حدث في مؤتمر وارسو، بتاريخ 13/2/2019، الذي قاطعته القيادة الفلسطينية وحضرته مجموعة من الدول العربية وإسرائيل، والذي يأتي ضمن سياسة ترامب في الإنكار المنهجي للاحتلال ولحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.

التعليـــقات