قال عضو الاتحاد العام للاقتصاديين الفلسطينيين والمحلل الاقتصادي الأستاذ ثابت أبو الروس إن الاقتصاد الفلسطيني مر بعدة مراحل ومنها مرحلة ذهبية وهي المرحلة التي سبقت عام 2000 حيث كان هناك وفرة في السيولة النقدية لدى السلطة الوطنية وفائض في موازنتها، وبعد عام 2000 واندلاع انتفاضة الأقصى بدأ الاقتصاد الفلسطيني بالانحدار فعندما نتحدث عن الفترة الزمنية نربطها مباشرة بالعامل السياسي وعندما نتحدث عن فلسطين اقتصاديا نحن نتحدث عنها أيضا سياسيا، أما سنة 2008 كانت مرحلة مفصلية في الاقتصاد الفلسطيني وهي مرحلة التراجع والانحدار في الاقتصاد الفلسطيني، وإذا نظرنا إلى اقتصاديات الدول المتقدمة أو إلى أي مدى يمكن أن يكون هناك نمو في الاقتصاد ففي العام 2018 كان النمو في الضفة الغربية 3.6% وفي غزة كان تباطؤ في النمو 4% أي أن حالة النمو فلسطين عام 2018 كانت تساوي صفر أو اقتربت من هذه النقطة.
وأضاف أبو الروس أن الأدبيات التي كتبت عن الاقتصاد الفلسطيني تحدثت في غالبها عن سوء الوضع الاقتصادي، وفي عام 2008 كتب الاقتصاديون أنه العام الأسوأ في الاقتصاد الفلسطيني، وفي عام 2009 و2010 جددوا الدعوة، أما عام 2018 وعام 2019 ما زلنا في طور تشخيص المشكلة أن الاقتصاد الفلسطيني بحالة انحدار وتباطؤ في النمو والدخل على المواطن الفلسطيني وفي حالة تقدم إلى الأمام دون منهجية علمية سليمة، ورغم أن السلطة الفلسطينية تقوم بعمل موازنات لكن إلى أي مدى يتم انسجام هذه الموازنات على أرض الواقع، وأيضا العرف المالي والاقتصادي للموازنة يجب أن تقفل في نهاية السنة المالية لكي يتم تقييم الانحراف إذا كان هناك انحراف إيجابي أو سلبي، وما يميز الاقتصاد الفلسطيني أنه عائلي أي أن الحكومة ترسم السياسات المالية والوزارات تقوم بعملية التجسير وعمل الاتفاقيات ما بين فلسطين والدول الأخرى، إلا أن صانع القرار الاقتصادي في فلسطين هو القطاع الخاص، وهذا قد يكون نقطة إيجابية للاقتصاد الفلسطيني، وإذا ما تم تقسيم الاقتصاد الفلسطيني أقسمه إلى الاقتصاد الحكومي والسياسات الحكومية والقسم الثاني الاقتصاد العائلي الذي هو أصلا أساس الاقتصاد وسبب نهضته.
وأوضح أبو الروس أن السياسات الاقتصادية لا تخلو من الالتزامات ولا من رفع الضرائب على الاستيراد ولا من الغرامات ولا من الجمارك كلها استحقاقات مالية، وفي المقابل الحكومة هي الحاضن لتشجيع الاستثمار والحاضن لجلب الاستثمارات الخارجية وكان يفترض أن تنسجم هذه السياسات مع القطاع الخاص وأن تلبي طموحاته، لكن إحدى المفاجآت والمفارقات التي طالعتها حجم الإيداعات النقدية أو الاستثمارات الفلسطينية في الخارج بالمليارات، لذا لماذا أستثمر في الخارج وهناك فرصة استثمارية جيدة في فلسطين، وأنا كمستثمر أبحث عن الرؤية الاقتصادية التي تجلب لي عائد بأكبر قدر ممكن، أما عن المستثمر الداخلي أين يستثمرون بالمليارات يستثمرون في قطاع البنوك والودائع البنكية ذات المخاطرة القليلة والعائد القليل، إذن عمليا الاقتصاد بطيء والحراك الاقتصادي كذلك وتم إبطائه أكثر من خلال ضخ المليارات في البنوك، فما يقوم باستثماره التاجر ليس رأس المال وإنما يستثمر العائد على رأس المال ويخاطر به، ويقوم البنوك بضخ هذا العائد إما بيوت أو سيارات.
وبين أبو الروس أن اتفاقية باريس وضعت لفترة زمنية محددة إلا أن هذه الفترة المؤقتة أصبحت هي القاعدة التي ينطلق منها المشرع الفلسطيني بدليل أن الأنظمة والقوانين المبنية اليوم سواء كأنظمة الكترونية وبرامج أصبحت اليوم مبينة على اتفاقية باريس الاقتصادية سواء بسبب الضريبة أو غيرها من الأسباب، ومع كل الإشكاليات إلى أي مدى هذه السياسات تؤثر على المواطن الفلسطيني، ومنذ عام 2018 هناك محاولات لتدمير الاقتصاد الفلسطيني، وأعتقد أنه يجب إعادة قطاعات الاقتصاد، ففلسطين أم الصناعات، ويجب أن يكون هناك رسم جيد للسياسة الاقتصادية للدولة، وعلى الحكومة أن تضع يدها بيد القطاع الخاص والاستثمار في كافة القطاعات، والعمل على حراك ديمومة الاقتصاد وليس خلق اقتصاد.
ومن جهتها قالت المحللة الاقتصادية الأستاذة هنادي براهمة إن تكرار السياسات الثابتة لا يمكن دائما أن نلقيها على الاحتلال الذي يعد شماعة لكافة الإخفاقات قد يكون بعضها تحت سيطرة صناع القرار وحتى المنفذين، ومؤخرا خطة التنمية الاقتصادية 2017- 2022 تضمنت كافة سياسات العمل والتدخلات في كافة جوانب الاقتصاد الفلسطيني ومنها إحلال المنتج الفلسطيني ومحاولة عدم الاعتماد على الاقتصاد الإسرائيلي، ويفترض أن يكون هناك تكاملية في التدخلات، فعندما قامت الحكومة بإقرار رفع الحد الأدنى للأجور بناء على حاجة المواطن لهذا الرفع لكن لم تنجح الحكومة في تطبيق هذا القرار لعدم وجود آليات منظمة من الجهات المعنية، فدول شرق آسيا عندما قررت النمو لم تبدأ برفع الأجر، فهذا القرار بحاجة إلى تفكير بطريقة تكاملية.
وذكرت براهمة أنه يجب السيطرة على الموازنة العامة ففي كل عام الحكومة تتحدث عن السيناريو المتفائل الذي نعرف عناصره وما هي مكوناته، لكن في كل عام هل يتم مراجعة السيناريو السابق والتأكد من معدلات النمو الاقتصادي، ففي عام 2019 تتوقع السياسة المالية نمو اقتصادي بمعدل 2.2% وهذا في حالة السيناريو الأساس وليس المتفائل، وبناء على هذا السيناريو يتم رسم بعض السياسات وخطط العمل، وهناك بعض البيانات والترابط ما بين المؤشرات العديدة، وجديدا دخلنا على الاقتصاد الاجتماعي السياسي البيئي الصحي بمعنى لا يكون الرقم أو النسبة هي ما نأخذها بشكل قاطع، ونأمل حتى إن كانت عقيدة الجباية بحتة أن تتحول وتستثمر إلى نتائج لها علاقة بتحسين الوضع العام، وما يتم وضعه من خطط اقتصادية أن يكون هناك تشاركية في عمل هذه الخطط بدلا عن وضع خطط العمل المرحلية لمعالجة ظاهرة ما فقط.