لم يزل رأس المال أهم عناصر الإنتاج، واليوم إذا تم توفير عنصر المال وأيضا المعرفة المتمثلة في الخبرات والابتكار، فإن نموا اقتصاديا قياسيا سيكون متوقعا. هذا ما شهدت به الاقتصادات العالمية، وما شهدته الصين والهند وغيرهما من الدول التي حققت نموا قياسيا خلال العقد الأول من القرن الحالي. هذا النموذج بدأ يتوسع في العالم، ولهذا تتسابق الدول على جذب رأس المال، على أن تتولى هي جلب المعرفة والخبرات والابتكارات.
وإذا وضعنا هذا في الحسبان، فإنه يمكننا دراسة الوضع الاقتصادي في المملكة في هذا الجانب، حيث نجد أن المملكة قد نجحت في جذب الاستثمارات الأجنبية وبمعدلات نمو ممتازة، فقد أكدت تقارير أن قيمة الاستثمارات الأجنبية في السعودية قد نمت بنهاية الربع الثالث من العام الماضي 2018، لتبلغ نحو 1.485 تريليون ريال، مقارنة بـ1.343 تريليون ريال بنهاية الفترة المماثلة من عام 2017، مرتفعة بنسبة 10.5 في المائة بما يعادل 140.99 مليار ريال. من هنا يمكن القول، إن لدى الاقتصاد السعودي قوة كافية، ومتانة متميزة، وثقة كافية من أجل جذب رأس المال، وبقي العنصر الآخر، وهو التلاقح بين رأس المال والمعرفة من أجل إيجاد موقع تنافسي عالمي ونمو مستدام، لهذا نحن في حاجة إلى تحليل اتجاهات هذه الاستثمارات الأجنبية، وأين اتجاهاتها في الاقتصاد السعودي.
ووفقا لتحليل وحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية"، الذي استند إلى بيانات أولية لمؤسسة النقد العربي السعودي "ساما"، فإن الاستثمارات الأجنبية تتجه إلى ثلاثة مسارات، أولها الاستثمار المباشر داخل الاقتصاد "يشكل نحو 59 في المائة من حجم الاستثمارات"، وثانيها استثمارات في أسهم و"سندات الدين" "يشكل نحو 22.9 في المائة"، والثالث في شكل "استثمارات أخرى"، وهي "القروض" و"العملة والودائع" و"حسابات أخرى مستحقة الدفع"، "وهذا يشكل نحو 17.8 في المائة من حجم الاستثمارات".
بالطبع، فإن النظرة الأولية لهذا التوزيع تشير إلى أن الاستثمارات الأجنبية تتجه نحو الاستثمار المباشر في الاقتصاد، ولهذا نجد أن 60 في المائة من الاستثمارات تتجه نحو بناء حقوق الملكية وشراء أسهم صناديق الاستثمار. وإذا كنا سنعود إلى المقارنة بالنظرية التي طرحناها أعلاه حول دور المعرفة ورأس المال، فإن هذا المجال من الاستثمارات الأجنبية يعني أن المستثمر الأجنبي يريد المشاركة الحقيقية في الاقتصاد السعودي، وإذا كانت المعرفة اليوم والتراكم المعرفي يحقق أكبر عوائد، فإن في هذه الاستثمارات إشارة إلى القدرات الكامنة في الاقتصاد السعودي للمضي في هذا المسار على الرغم من أن البيانات لا تقدم كثيرا مما يمكن تأكيده هنا.
تشير الأرقام أيضا إلى أن العوائد الآمنة هي الجاذب الثاني للاستثمار الأجنبي، ولهذا فإنه يتجه نحو سندات الدين، "التي نمت بنسبة 81 في المائة، بما يعادل 91 مليار ريال"، وهنا نشير إلى سندات الدين الحكومية، التي بلغت 250 مليارا، ونعتقد أن ذلك قد شجع المستثمر الأجنبي على دخول السوق السعودية، ذلك أن الضمانات الحكومية هي أقوى الضمانات، خاصة في دولة مثل المملكة، دولة ذات استقلال سياسي واقتصادي واضح، من خلال أسهم الشركات ذات العوائد أو السندات الحكومية والخاصة، التي يجب علينا استثمارها في مشروعات ذات عوائد، وهذه جميعا لن تحقق إلا من خلال مشاريع تنافسية متطورة، وبما أن حجم الاستثمارات الأجنبية في هذا الجانب قد بلغ قريبا من 60 في المائة، فإن الاقتصاد السعودي يسير بخطى ثابتة نحو تراكم رأسمالي قوي سيدر عوائده بصورة جيدة في المستقبل.
©الاقتصادية