رئيس التحرير: طلعت علوي

الديون .. عاصفة تهدد استقرار الاقتصاد العالمي

الإثنين | 10/12/2018 - 09:16 صباحاً
الديون .. عاصفة تهدد استقرار الاقتصاد العالمي


د. أمين ساعاتي

يحذر كثير من علماء الاقتصاد وخبراء المال والأعمال من أزمة مالية وشيكة قد يتعرض لها النظام المالي الدولي، بسبب الزيادة المهولة في الديون العالمية، ويقدر علماء الاقتصاد أن مجموع الدين العالمي بلغ 250 تريليون دولار أمريكي، أي أن معدل الدين العالمي تجاوز الناتج المحلي الإجمالي الدولي بنسبة 318 في المائة، ومن ناحيته فإن صندوق النقد الدولي حذر الدول الكبرى من تفاقم الدين العالمي، وأطلق عديدا من مؤشرات التحذير من الاستمرار في فرض مزيد من الضرائب المعيقة لانسياب التجارة الدولية بين الدول. وعلى الرغم من ذلك فإن الدول ـ وبالذات الدول الكبرى ـ تتجه إلى مزيد من الاقتراض غير عابئة بالأضرار الجسيمة المتوقعة من زيادة معدلات الدين العالمي، علما أن الزيادة في الدين العالمي ـ كما هو واضح ـ وصل إلى مرحلة تتهدد استقرار ونمو النظام المالي الدولي. ويقول اقتصاديون إن الأزمات الاقتصادية المتكررة في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى الصين واليابان، دفع هذه الدول إلى اتباع سياسات مالية تعتمد على رفع أسعار الفائدة لجذب مزيد من رؤوس الأموال الدولية ما أدى إلى تشجيع الاقتراض وزيادة المديونيات، وتحميل الاقتصاد الدولي بما لا يحتمل. ولذلك، بسبب تضخم الدين العالمي، فإن الاقتصاد الدولي دخل مرحلة من مراحل الركود الاقتصادي العالمي، حيث إن معدل الدين العالمي تجاوز ـ كما أشرنا آنفا ـ الناتج المحلي الإجمالي الدولي بنسبة 318 في المائة، وبلغ دين القطاع غير المالي 186 تريليون دولار وسط مستويات قياسية من ديون الشركات التي تجاوزت 80 تريليون دولار في الدول الناشئة والمتقدمة معا. وما يثير القلق أن الركود الاقتصادي الذي يعم الأسواق، وكذلك الحرب التجارية التي فجرتها الولايات المتحدة في عهد الرئيس ترمب أحدث نوعا من الاضطراب في معدلات التجارة الدولية، وكذلك جعل الشركات الكبرى غير قادرة على الإيفاء بالتزاماتها وتسديد ديونها المتراكمة التي أصبحت فوائدها عبئا ثقيلا على هذه الشركات.

وعلى الرغم من أن الدول النامية لم تكن سببا رئيسا في زيادة الدين العالمي، إلا أنها المتضرر الأكبر من هذه الديون، بمعنى أن الأضرار التي ستعصف باقتصاديات الدول النامية هي أضرار جسيمة وكبيرة، وبالنسبة لدول الخليج العربي، فإنها ستدفع ثمن أخطاء ليست متسببة فيها، ولا شك أن ملاءتها المالية ستعرضها لأخطار أكبر من الدول ذات الملاءة الأقل. ليس هذا فحسب، بل إن الدول المتقدمة تحقق تقدمها على حساب المصلحة العليا للاقتصاد الدولي، وفي المقابل فإن الدول النامية تدفع ثمن ما تقوم به الدول المتقدمة من ممارسات سلبية تلحق أضرارا بالغة بنظام الاقتصاد الدولي. المؤسف أكثر أن الدول المتقدمة هي التي تستدين الأموال لتنفيذ برامجها وتحقيق برامج النمو لمجتمعاتها، وفي آخر المطاف تلحق أضرارا بالنظام المالي الدولي ما يؤدي إلى تعطيل آلة الاقتصاد الدولي الذي تناط به عمليات التمويل والتنمية في دول العالم الثالث. إن من أخطر ما يهدد نظام التجارة الدولي هو سياسة الإدارة الأمريكية التي ما زالت تهدد بفرض تعريفات جمركية أعلى على السلع المستوردة من الصين، إضافة إلى رفع أسعار الفائدة الأمريكية ما يوجد حالة من البلبلة في عملات الأسواق الناشئة، حيث تجاهد الدول التي اقترضت بكثافة بالدولار لتسديد ديونها، وهذا يشير إلى أن النمو العالمي قد يكون في خطر إذا شهدت الأسواق الناشئة مزيدا من التدهور أو تصاعدت حدة التوترات التجارية.

ومن المسلم به أن اقتصاديات الدول هي جزء من كل، وما يتعرض له اقتصاد دولة من الدول يؤثر ـ بطريقة أو أخرى ـ في بقية اقتصاديات الدول الأخرى، ولم تعد الدول جزرا منعزلة، ولذلك فإن حل مشكلة الديون العالمية يحتاج إلى أن يطرح على كل الدول والشركات متعددة الجنسيات، بحيث تجتمع وتناقش ما يجب اتخاذه لحماية النظام الاقتصادي الدولي من التعرض لكارثة اقتصادية لا تحمد عقباها ويتضرر منها الجميع. إن المشكلات التي تتهدد كوكب الأرض لم تعد مشكلات فردية، ولم تعد مفاتيح حلولها في يد دولة بعينها، حتى لو كانت هذه الدولة هي الدولة الأعظم في النظام الدولي، بل أصبح حل المشكلات في يد كل الدول تقريبا. ومشكلة الدين العالمي التي نناقشها في هذا المقال هي إحدى المشكلات التي تحتاج إلى قرارات أممية مثلها مثل مشكلة تلوث المناخ، ومشكلة السلام العالمي، ومشكلة الإرهاب، ومشكلة غسل الأموال، ومشكلة الفقر. هذه المشكلات لا تحل من خلال دولة عظمى أو مجموعة دول، وإنما تحتاج إلى موائد دولية مستديرة تحضرها كل الأطراف ذات العلاقة، وتتخذ قرارات دولية حاسمة وصارمة تحمي كوكب الأرض من التعرض لمخاطر عدم الاستقرار سواء في نظامه الاقتصادي أو السياسي، بل أكثر من هذا أن مشكلة الدين العالمي مشكلة لا يجب أن نستثني منها الدول النامية، لأن الدول النامية هي المصدر الرئيس للمواد الأساسية التي تعتمد عليها الاقتصادات الأكثر نموا مثل الصين ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية. إن المشكلات التي يعانيها الإنسان فوق كوكب الأرض لم تعد مشكلات دولة أو مجموعة دول بل باتت مشكلات يعانيها المجتمع الدولي بأسره، والمطلوب من كل دول العالم أن تعطي للمشكلات الأممية قدرا كبيرا من الاهتمام والحلول العاجلة، لأن المشكلات التي يعانيها المجتمع الدولي لم تعد قابلة للإرجاء، بل أصبحت كالأعاصير التي ستعصف بالجميع.

 

©الاقتصادية

التعليـــقات