رئيس التحرير: طلعت علوي

تقرير لمركز معا: مبادرات صغيرة لتقليل النفايات المنزلية ولكن!

الثلاثاء | 27/11/2018 - 08:51 صباحاً
تقرير لمركز معا: مبادرات صغيرة لتقليل النفايات المنزلية ولكن!

 

ناقش تقرير أخير لمركز العمل التنموي/ معا أزمة التخلص الآمن من  النفايات الصلبة في الأراضي الفلسطينية وما يسببه ذلك من عبء وتلوث بيئي في ظل غياب تشريعات وقوانين تشجع على الفصل واستثمار الثروة المهدورة من النفايات، وركز التقرير على بعض النماذج الفردية الواعدة في الفصل، لكنها غير كافية في حال غياب دور فاعل على المستوى الرسمي.
وجاء في مقدمة التقرير المعد من قبل الصحفية "ربى عنبتاوي": تقترب النفايات العضوية في منزل الناشطة البيئية والمتطوعة في جمعية دالية "عايشة منصور" من الصفر، لا بل تتزود بنفايات جاراتها وذلك لإطعام دجاجاتها وصناعة الكومبوست لتسميد الزرع في حديقة منزلها.
تقول ابنة مدينة البيرة: "أحاول تقليل استهلاك البلاستيك عموماً، فلا اشتريه إلا للضرورة القصوى، وان تواجد لديّ فلا ألقيه بالحاوية، بل استخدمه مجددًا لحفظ المخللات والعصائر الطبيعية".
تعيد منصور تدوير الكرتون والورق من خلال تخميره مع النفايات العضوية، وتسعى لتعميم الفكرة في مكان عملها ومحيطها والأماكن التي تتطوع فيها.

ثروة مهدورة
مساعي منصور وغيرها قد تكون قطرة في محيط استغلال الثروة المهدورة من النفايات التي تشكل المواد العضوية منها ما بين (60-70%) من مجمل النفايات في فلسطين، فيما يشكل الورق والبلاستيك والكرتون  16%، والبقية نفايات معدنية وصناعية خطرة، وذلك فق إحصاءات فلسطينية.
وتقدر كمية النفايات الصلبة المنتجة في الضفة وغزة وفق المعلومات المتوفرة لدى وزارة الحكم المحلي/ مجالس الخدمات المشتركة لعام 2017  (3521) طن يوميا، ويبلغ متوسط إنتاج الفرد اليومي من النفايات الصلبة المنزلية 0,744 كغم وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2016.

محاولات
بشقة صغيرة في عمارة سكنية، تعيش الناشطة البيئية "لينا إسماعيل" التي قررت قبل ثلاث سنوات أن تمتنع عن إلقاء البلاستيك في حاوية الحي، محتفظةً به على شكل كومة كبيرة بغرفةٍ في منزلها. لكن، كل مساعيها للبحث عن جهة تعيد تدويره باءت بالفشل، فتخلصت منه في الحاوية بعد عامين كاملين من التجميع.
"كنت ابحث عن طريقة أتخلص فيها بشكل آمن من البلاستيك. طرقت أكثر من باب وسألت عن مهتمين، حتى أنني شحنت كل ما جمعته من أكوام بلاستيكية مع الأثاث حين انتقلت لمسكن جديد. ولكني جررت أذيال الخيبة حين فشلت بإيجاد حل". تقول إسماعيل التي تتخلص من نفاياتها العضوية بإعطائها إلى صديقة تربي الدواجن وتصنع السماد.
تنتقد إسماعيل -التي تتسوق بأكياس قماشية كجزء من نمط بيئي شخصي- توجيه مسؤولية تقليل النفايات المنزلية على الأفراد، لأن الأمر من وجهة نظرها لن ينجح إن لم يتحمل القطاعان العام والخاص مسؤولية بيئية في هذا الجانب.
" على الحكومة على وجه الخصوص، أن تعمل باتجاه سن قوانين وأنظمة توفر بنية تحتية مناسبة وتسهيلات فنية لتطبيق عملية الفصل وتشجيع مشاريع إعادة التدوير". تشدد إسماعيل
ترى إسماعيل إن تقليل نفاياتنا الصلبة يستند على ثلاثة توجهات، أولاً: تقليل نمط استهلاكنا بشكل عام، وشراء الضروري لحاجتنا. ثانياً: التفكير مسبقاً بأثر كل شيء نشتريه على البيئة، فالشعور بالمسؤولية تجاه الطبيعة من حولنا يجعلنا تلقائياً نقلل من كمية النفايات. وثالثاً: تدوير ما يمكن تدويره من النفايات لمنع ذهابه السهل للحاوية.

أعطونا نفاياتكم
على سطح منزلهم الذي يستخدم أيضاً كمطعم يدعى " كافيه لافيه" في رام الله يزرع صالح طوطح مع زوجته مورغان أحواضا من الخضار تحقق لهما بعضاً من الاكتفاء الذاتي، كما يحرصان على عدم استخدام أدوات البلاستيك في أي شيء يخص المطعم أو المنزل.
ما يميز صالح وزوجته، أنهما لا يكتفيان بنفايات المطعم والزرع العضوية، بل يطلبان من الأصدقاء والمعارف تزويدهم بنفاياتهم لتحويلها لسماد يستخدمانه للمشجر وزراعة منزلهما.
"أعلم أنني إن لم أفعل ذلك، فمصير النفايات إلى المكبات العامة ما يعني زيادة العبء على البلديات والتسبب بأضرار بيئية".
يقول صالح موضحاً كيفية تصنيع الكومبوست وهي إما على طريقة "التخمير الباردة" بحفظ أكوام من النفايات في برميل وتركه يتخمر ما بين 6 شهور إلى سنة، أو بمدة أقصر خلال أسابيع قليلة عن طريق "سماد دودة الأرض"، حيث يتم ملء حوض كبير بالنفايات العضوية مع ديدان الأرض، ويتم احتساب كمية الديدان حسب الوزن، فكل دودة تستهلك قيمة وزنها.
"استغنينا عن البلاستيك في كل شيء يخص مطعمنا، حتى عيدان مص العصير استبدلناها بأخرى معدنية "استانلس" نقوم بتنظيفها بريشة خاصة". يختم طوطح.

من الورق إلى البلاستيك...شركة في رام الله تصنع التغيير
"عمّار الأرض" شركة في مدينة رام الله تأسست عام 2014 لأهداف بيئية بحتة، فهي تنظم ورشات وفعاليات في هذا الصعيد لطلبة المدارس، وتحاول إيجاد حلول لمسألة النفايات الورقية من خلال تشجيع المؤسسات على التخلص من مخلفاتهم الورقية بإرسالها للشركة، والتي تقوم بدورها بفرمه وتحويله إلى قطع صغيرة جداً، تجمع وتذهب بالدرجة الأولى إلى مصنع في الخضيرة (الداخل المحتل) مختص بإعادة التدوير،  وأحياناً لمصنع في أريحا لاستخدامه في صناعة كراتين البيض وأوراق المرحاض، أو لمؤسسة مختصة بتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة لصنع أعمال فنية من الورق، أو لمزارع الدجاج كبديل عن نشارة الخشب.
  "روميساء القاضي" مديرة قسم المشتركين في الشركة تعلن في اتصال مع "مجلة آفاق البيئة والتنمية" أنهم بدأوا أواخر أكتوبر من عام 2018 بجمع قناني البلاستيك التي تحمل رمز PET  العالمي الدال على أن المنتج قابل للتدوير وذلك من المؤسسات والشركات، وللأسف تقرّ القاضي أنه ولغياب مصانع تعيد تدوير البلاستيك في فلسطين، فسيتم تحويل القناني إلى مصنع الخضيرة.

سلطة البيئة:  الخطة الإستراتيجية للنفايات "طموحة"
أحد المشرفين على الإستراتيجية الوطنية لإدارة النفايات الصلبة في فلسطين، والذي يشغل منصب مدير التخطيط في سلطة البيئة "زغلول سمحان"، يرى أن ما يحدث حالياً من "تقليل للنفايات" هو مبادرات فردية أو مؤسساتية (مجتمع مدني أو قطاع خاص) أو مشاهدات أو أبحاث لهدف علمي، لكن الحديث هنا ليس عن كميات كبيرة أو تجارية، ولا يمكن وصفها بظاهرة منتشرة، وخاصةً أنها قائمة على مبادرات ذاتية  في ظل عدم وجود ما يلزم مُنتج النفايات أن يفصل نفاياته ( البلاستيكية، العضوية، الورقية).
لكن يرى سمحان أن الإستراتيجية الوطنية للأعوام ( 17-2022 ) طموحة جداً من حيث رغبتها بالوصول إلى 30% من النفايات المعاد تدويرها، خاصةً أن البنية التحتية ما زالت تفتقر للتسهيلات الفنية، وهناك دور كبير على التوعية وأهمية إقناع الناس المنتجين للنفايات (أسر، ومنشآت اقتصادية ومؤسسات) بأهمية الفصل.
ويعتقد سمحان أن الفصل ليس عملية سهلة التنفيذ في الوقت الحالي، بقوله: "لو افترضنا أننا نريد أن نلزم مثلا مجالس الخدمات المشتركة لجمع النفايات في المحافظات بفصل البلاستيك والكرتون والعضوي في محطات الترحيل أولاً، وباشرنا بالفصل، وخصصنا شاحنات لجمع النفايات المفروزة، ولكن ماذا بعد؟".
يتساءل سمحان، مشيراً إلى أن غياب مصانع أو شركات من القطاع الخاص تتعامل مع هذه المخلفات أو أسواق خارجية لتصريفها ضمن خطة متكاملة، ستُفشل كل الجهود وتؤدي لتراكم النفايات المفصولة بلا فائدة.
ويؤكد أن التوجه الآن ضمن الفريق الوطني للإستراتيجية، يتمثل بدراسة الإمكانيات المحلية الوطنية لاستيعاب النفايات المفصولة، أي البحث عن مصانع تستخدم الكرتون والبلاستيك في مدخلاتها، والتأكد من أن البلاستيك مثلاً يصلح في الإنتاج.
"إذا تبين أن هناك من يستوعب تلك النفايات، فسنباشر العمل على ديمومة الفصل والتدوير من خلال توقيع مذكرات تفاهم بين الشركة المستفيدة والمجلس المحلي لتوريد المدخلات المناسبة والحديث هنا ينطبق على الكرتون والورق أيضا وليس البلاستيك فقط." يؤكد سمحان

الحل الأقرب ... تدوير النفايات العضوية
يشدّد سمحان على أن الحلول التي تبحث عنها الحكومة لا يجب أن تكون مكلفة على جيب المواطن، بمعنى أن هناك تكنولوجيا حديثة تحول النفايات إلى طاقة حرارية ومن ثم  كهربائية، ولكنها ستكون مكلفة على المواطن، (300 شيقل لخدمة التخلص من طن النفايات بدل 20 شيقل مثلاً).
وحول الخيار الأقرب للتنفيذ فيرى سمحان انه في النفايات العضوية وخاصة مخلفات المزارع النباتية والحيوانية التي يصدر عنها كميات هائلة، حيث تبحث سلطة البيئة مع وزارة الزراعة عن آليات لتشجيع الاستثمار في هذا القطاع لإنتاج السماد العضوي، ويبدأ من قبل الحكومة بدايةً ثم تشجيع القطاع الخاص على خوض هذا المجال.
وثمّن دور بعض الجمعيات والمؤسسات الزراعية التي تصنّع السماد العضوي لكنه رغم محدودية إنتاجه لا يستطيع منافسة الإسرائيلي، وفق سمحان، لسببين: رخص المنتج الإسرائيلي أولاً، وجودته الأعلى ثانياً، حيث تشكو بعض أنواع السماد الفلسطيني من وجود شوائب بلاستيكية وزجاجية وحجارة ومعادن. لذلك يرى سمحان أن عملية التعامل مع النفايات العضوية يجب أن يكون بمعايير عالية تُخرج منتجاً مناسباً من حيث النوعية والسعر والكمية قادر على منافسة الإسرائيلي.
يأمل سمحان خلال مدة الخطة الإستراتيجية في البدء بتطبيق فصل النفايات في المكبات الصحية. " مثلاً، مكب زهرة الفنجان يستقبل ألف طن يومياً، لو تم تدوير 50% من النفايات العضوية، و10% من البلاستيكية فهذا نجاح مثلاً".
ويتفاءل سمحان بتنامي الوعي محلياً، مؤكداً أن الناس منفتحون على الحلول البيئية، وإن تم إقناعهم بوجود مردود ايجابي على مستوى المنزل من خلال تدوير النفايات العضوية، وتم توفير الإرشاد والأدوات المناسبة، فسيُقبلون على هذا الأمر.
"الفصل يجب أن يبدأ من القاعدة، من خلال تكثيف حملات التوعية وتوفير المعرفة والإمكانيات لتسهيل هذه الممارسات"، ختم سمحان.

 

©مركز معا

التعليـــقات