رئيس التحرير: طلعت علوي

خيار آخر للتنمية الإقتصادية ...

السبت | 10/11/2018 - 09:54 صباحاً
خيار آخر للتنمية الإقتصادية ...

 

سامر سلامه

أردت من خلال هذا المقال مخاطبة رجال ونساء الأعمال في فلسطين وكلي أمل أن نفتح حواراً شاملاً ومسؤولاً في كيفية تمكين الإقتصاد الوطني الفلسطيني من النهوض والنمو بإمكاناته الذاتية نحو إقتصاد فلسطيني قوي ومقاوم وقادر على مواجهة كافة المؤامرات التي تريد الإستحواذ والسيطرة الكاملة على إقتصادنا الوطني لتحقيق مكاسب سياسية.
وإنني هنا أود أن أوجه كل التحية للقطاع الخاص الفلسطيني وللمستثمرين الفلسطينيين الذين لم يبخلوا يوما بمالهم والإستثمار بشجاعة في وطنهم بالرغم من المخاطر التي تحيط بالإستثمار في فلسطين في ظل سياسات الإحتلال الهادفة إلى تقويض وحصار الإقتصاد الوطني الفلسطيني وإلحاقه بالكامل بإقتصاد الإحتلال.
ففي هذا المقال سأبحث في فكره ليست بالجديدة، وإنما يمكن أن تكون خلاقة للخروج من المأزق الإقتصادي الحالي نحو التوسع في الإستثمار لخلق فرص عمل جديدة للفئات المهمشة والضعيفة. إذ تقوم هذه الفكرة على الإستثمار مع هذه الفئات وفي هذه الفئات عملا بمبدأ الإستثمار الأمثل بالموارد المحلية المتاحة. وبالتأكيد فإن هذه الفكرة ليست بديلا عن الأفكار التي يتم تداولها في هذا السياق وإنما فكرة تكميليه، تأتي من منظور آخر للتعامل مع مشكلة طباطؤ الإنتاج وإستمرار تزايد معدلات البطالة في البلاد.
فقبل الغوص في الفكرة التي سنبحثها في هذا المقال لا بد من أن نعرج على المبادرات العديدة التي تتعلق بريادة الأعمال والتي تشمل برامج التدريب المختلفة والتمويل الصغير والإحتضان ومسرعات الأعمال التي أصبحت أحد مظاهر العمل التنموي للعديد من المؤسسات الأهلية وغير الأهلية. كما أنها أصبحت أحد الأفكار الجاذبة لمؤسسات التمويل الدولية لما لها من آثار متوقعة على معالجة مشكلة البطالة وخاصة في صفوف الشباب. فقد ولدت أفكار دعم مشاريع ريادة الأعمال من رحم الحاجة إلى إيجاد وسائل جديدة لمعالجة مشكلة البطالة في صفوف الشباب في ظل عدم مقدرة مؤسسات الأعمال القائمة بشكل خاص والمؤسسات الإنتاجية الأخرى الحكومية وغير الحكومية بشكل عام من خلق فرص عمل جديدة للقادمين الجدد لسوق العمل الفلسطيني في ظل الزيادة الطبيعية المستمرة للسكان.
وبدون أدنى شك فإن المبادرات التي من شأنها تشجيع ريادة الأعمال تعتبر من المبادرات المهمة والضرورية للتوسع أفقيا في عالم الأعمال وبالتالي خلق فرص عمل جديدة، إلا أن إعتمادنا على هذه المبادرات وحدها لا يكفي لمعالجة المشكلة كليا وخاصة أن التجارب الدولية تشير بشكل واضح أن نسب التعثر في المشاريع الريادية الجديدة وخاصة الصغيرة أو متناهية الصغر منها كبيرة إذ تصل في بعض الأحيان إلى 70 أو 80%. كما أن البرامج المقدمة حتى الآن لتشجيع ريادة الأعمال هي برامج مشتته بين العديد من المؤسسات المانحة والمؤسسات المنفذة والتي تعتمد على تنفيذ تدخلات متفرقة غير متكاملة مثل التركيز على التدريب الريادي أو التركيز على الإحتضان أو تقديم التمويل الصغير ومتناهي الصغر. أضف إلى ذلك ضعف وهشاشة البنية الإقتصادية وخاصة في الريف الفلسطيني والمناطق المهمشة يجعل من نجاح هذه الشاريع أو ضمان إستمرارها اقل من المتوقع. وعليه لا بد من البحث في أفكار إضافية تكميلية لما يتم العمل عليه! وهذا ما سنبحثه هنا في هذا المقال.
فكما ذكرنا، فإن فكرة الإستثمار مع وفي الفئات المهمشه والضعيفة ليست بالجديدة ولكن تطبيقها لا يزال ضعيفا أو في المهد. فالفكرة تقوم على المنفعة المتبادلة والشراكة الحقيقية بين رأس المال (المستثمرين ورجال ونساء الأعمال) وبين الفئات المهمشه والضعيفة مثل الفقراء والشباب والنساء والمعوقين. هذه الفئات وإن كانت تسمى مهمشه إلا أنها تمتلك قدرات ومعارف وإمكانيات ذاتيه كامنه غير مستغله ليس لسبب وإنما لسبب صغر حجم تلك الإمكانيات والقدرات من جهة وعدم وجود مبادرات فعالة للإستثمار في هذه الإمكانات الكامنه من جهة أخرى. فلو عملنا على تجميع هذه القدرات والإمكانيات والمعارف والخبرات الصغيرة لجعلنا منها مخزون كبير سيستفيد منه من يستثمر بها، وهنا نحقق التوازن في معادلة المنفعة بين تلك الفئة ورأس المال. ونحن في فلسطين نمتلك كل مقومات نجاح هذه الفكرة. إذ عندما نتحدث عن الفئات المهمشة والفقيرة المذكورة، فإننا نتحدث عن شريحة كبيرة من الشباب والنساء والمعوقين الذين يملكون شهادات تعليمية عليا أو مهارات فنية كبيرة وحتى إمكانيات ماديه إضافية مثل الأرض والمباني التي من الممكن الإستثمار فيها. هذا بالإضافة إلى الدعم والمساندة المعنوية التي يتلقاها هؤلاء الأفراد أو الجماعات من عائلاتهم ومجتمعاتهم بحكم أن معظم هذه الفئات لا تزال تعيش في المناطق الريفية التي لم تفقد حتى الآن قيمها ومبادئها في التعاضد والتكافل والمساعدة. كما أنه توجد ميزه أخرى تشجع على الشراكه والإستثمار مع وفي هذه الفئه، ألا وهي وجود وإستعداد العديد من الجهات المانحة المحلية والدولية التي ترغب في دعم وتشجيع هكذا شراكه. فما يتبقى سوى تأطير ومأسسة هذه الفكرة ووضعها حيز التنفيذ.
فما هو المطلوب لوضع هذه الفكرة موضع التنفيذ؟ لا بد أولا من تشكيل حاضنة من المستثمرين أو الشركات أو حتى مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية التي لديها الخبرة والمال ليتم إستثمارها مع الفئات الضعيفة. وفي المقابل لا بد من حصر الرياديين والرياديات من تلك الفئات الذين يملكون الرغبة والقدرة على الإنخراط في شركات إنتاجية خاصة مع مستثمرين ورجال ونساء أعمال فلسطينيين، كما ويملكون مورد ذاتي أو أكثر بغض النظر عن حجم تلك الموارد. وأقصد هنا بالموارد الذاتية مثل درجة تعليم عالي أو مهارة فنية خاصة أو إمتلاك قطعة أرض يمكن إقامة مشروع إنتاجي عليها أو مبنى خاص أو رأس مال صغير. وبعدها يتم الربط بين المستثمرين والفئات المهمشه التي تنطبق عليها المعايير السابقة ليتم صياغة أسس الشراكة وفقا لترتيبات ودراسات خاصة تشرف عليها مؤسسة محايده حكومية أو غير حكومية (يذكر هنا أن الحكومة الفلسطينية قد أقرت تأسيس مؤسسة التمكين الإقتصادي التي ستقدم المساعدات الفنية والمالية للأسر الفقيرة والمهمشه وهي الآن تحت التأسيس) والتي من الممكن أن تلعب دور المؤسسة المشرفة على الإستثمار مع الفئات المهمشه والضعيفة. وهنا لا بد من إستحداث وتطوير مجموعة من السياسات والإجراءات والتسهيلات والتشريعات التي من شأنها تشجيع هذا النوع من الشركات الناشئة على المستوى الوطني وحماية مصالح وحقوق الجانب الأضعف في معادلة الشراكة المطروحة.
ومن جانب آخر لا بد من إيجاد أدوات ومنتجات مالية مشجعة، لمساعدة الفئات المهمشه على الإدخار أو اٌلإقتراض بضمانات المشاريع. ولا بد من الإشارة هنا إلى تجربة محمد يونس من بنغلاديش والحاصل على جائزة نوبل للسلام لتأسيسه بنك الفقراء الذي يقدم قروضاً صغيرةً ومتناهية الصغر للفقراء والمهمشين وبشروط بسيطه تمكن الجميع من الإستفادة من خدمات البنك. فقد حقق بنك يونس الأرباح والنمو وفي نفس الوقت ساعد آلاف الفقراء والمهمشين على تغيير حياتهم والخروج من حالة الفقر والعوز إلى الإكتفاء الذاتي. وهنا نذكر بضرورة الإستثمار في ودعم صندوق التشغيل الفلسطيني الذي من الممكن أن يلعب الدور الذي لعبه بنك يونس في بنغلادش من خلال تقديم كافة التسهيلات المالية التي تحتاجها الشركات الناشئة التي تستثمر مع الفئات المهمشه والضعيفة في فلسطين.
فكما ذكرنا، فإن فكرة الإستثمار مع وفي الفئات المهمشة والضعيفة ليست فكرة مستقلة معزولة عما يتم الحديث عنه أو تطبيقه من مشاريع ريادية وإنما فكرة تكميلية تساعد المشاريع الريادية والرياديين المهمشين على شق طريقهم والإستفادة من مواردهم البسيطه والضعيفة وتعظيمها. ولا ينقصنا سوى إقناع رأس المال الفلسطيني بضرورة الإستثمار مع الفئات المهمشه والضعيفة لأن هكذا إستثمار له العديد من المزايا ومقومات النجاح والإستمرار.

 

©معا

التعليـــقات