رئيس التحرير: طلعت علوي

خطر «بريكست» .. 2.28 مليون عامل أوروبي في بريطانيا مهددون بفقدان وظائفهم

الأحد | 07/10/2018 - 09:38 صباحاً
خطر «بريكست» .. 2.28 مليون عامل أوروبي في بريطانيا مهددون بفقدان وظائفهم

خلال مؤتمر حزب المحافظين البريطاني الأخير، حرصت رئيسة الوزراء تيريزا ماي على إيضاح خطتها بشأن نظام الهجرة الجديد للمملكة المتحدة.
وحرصت على أن تبلغ وسائل الإعلام بأن الخطة "ستضمن احتياجات الاقتصاد البريطاني"، مضيفة أن "أحد أبرز ملامحها في مجال استجلاب الأيدي العاملة، ستبنى على أساس تشجيع الشركات على تدريب الأشخاص في المملكة المتحدة وتحسين الإنتاجية".
وتعهدت ماي، بوقف المعاملة التفضيلية لليد العاملة من الاتحاد الأوروبي بعد "بريكست"، مؤكدة أنها تعتزم جذب مهاجرين يتمتعون بمهارات عالية من أي مكان.
انتقدت جماعات تجارية وسياسيون موالون للاتحاد الأوروبي تعهد رئيسة الوزراء البريطانية بالحد من أعداد المهاجرين الأقل مهارة وإنهاء حرية حركة المواطنين الأوروبيين.
وقال مكتب ماي "إن السياسة الجديدة ستسفر عن أكبر تغيير منذ عقود لنظام الهجرة البريطاني".
وأضاف أن "الحكومة ستطبق نظاما يعتمد على المهارات، حيث تكون مهارات العامل هي المهمة وليس من أين جاء".
وفي الحقيقة، إذا كان هناك من عامل رئيسي أدى إلى انحياز الناخب البريطاني لخيار الخروج من الاتحاد الأوروبي، فإنه يعود من وجهة نظر كثير من المختصين إلى الحملة التي شنها أنصار الخروج، التي ارتكزت في جوهرها على ما يعتبرونه تهديدات يمثلها العمال الأجانب على العمالة والثقافة البريطانية.
وتحديدا التأثير المتنامي للعاملة الوافدة - التي ينتمي أغلبها إلى بلدان الاتحاد الأوروبي خاصة الجزء الشرقي - في سوق العمل البريطانية.
ويقطن المملكة المتحدة 3.8 مليون مواطن من الاتحاد الأوروبي، وفقا لإحصاءات العام الماضي، وقد ارتفعت نسبة العمالة القادمة من الاتحاد الأوروبي من إجمالي العمالة في المملكة المتحدة من 2.3 في المائة عام 1993 الى 7.6 في المائة عام 2017.
وأغلب العمال القادمين من الاتحاد الأوروبي يعملون بشكل كثيف في المهن الأقل مهارة، ففي العام الماضي تم توظيف واحد من بين كل أربعة عمال أوروبيين في قطاعات البيع بالتجزئة والجملة والضيافة.
وبلغت نسبة عمالة الاتحاد الأوروبي ما يزيد قليلا على 40 في المائة من العاملين في قطاع تجهيز المواد الغذائية والمشروبات في بريطانيا.
ويقول لـ "الاقتصادية"، هنري دين المختص الاقتصادي، "تعطي الأرقام في كثير من الأحيان انطباعا بأن العمالة الأوروبية تكاد تطيح بالعمالة البريطانية، إلا أن التحليل الدقيق لتلك الأرقام يظهر أن ذلك مبالغ فيه. فعدد كبير من القطاعات التي تتركز فيها العمالة الأوروبية وتمثل فيها نسبا مرتفعة، تستخدم تلك القطاعات ذاتها نسبة صغيرة من إجمالي القوى العاملة في البلاد ككل، إذ لا يتجاوز إجمالي القوى العاملة في مجال الأغذية والمشروبات والتخزين 3 في المائة من إجمالي القوى العاملة البريطانية، أما قطاع الرعاية الاجتماعية الذي يستوعب 5 في المائة من قوى العمل القادمة من الاتحاد الأوروبي، فلا يستوعب سوى 5 في المائة من إجمالي القوى العاملة في المملكة المتحدة، وبينما يوظف قطاع تجارة الجملة والتجزئة نحو 15 في المائة من القوى العاملة في المملكة المتحدة، فإن 6 في المائة من العاملين فيه من الدول الأوروبية".
لكن هذا التوزيع القطاعي للعمالة الأوروبية، وفي ظل الخطة الحكومية الجديدة للتعامل مع الراغبين في الهجرة والعمل في بريطانيا، يؤشر على أن غالبية العمالة الأوروبية لن تكون مؤهلة للعمل في المملكة المتحدة بعد خروجها من التكتل.
وتشير التقديرات إلى أن 75 في المائة من القوة العاملة الحالية والقادمة من الاتحاد الأوروبي العاملة في بريطانيا لن تكون قادرة على تلبية الشروط البريطانية الجديدة.
وإذا لقي هذا الوضع ترحيبا من النقابات العمالية، لإتاحته مزيد من فرص التوظيف للعمالة البريطانية، والمساهمة في رفع أجورها نتيجة المنافسة بين أرباب الأعمال للبحث عن بدائل للعمالة الأوروبية، فإنه على العكس تماما لم يحظ بالتأييد أو الدعم من رجال الأعمال البريطانيين، فالخطوة الحكومية الجديدة، التي تتضمن تنظيما لسوق العمل للحد من العمالة الأوروبية، اعتبرها القطاع الاستثماري تقليصا لتنوع سوق العمل، ووضع مزيد من التكلفة على العملية الإنتاجية.
رواي إد رجل أعمال بريطاني، وعضو الغرفة التجارية، يعتقد أن عديدا من القطاعات الصناعية والتجارية البريطانية التي تتمتع بمزايا نسبية ستتراجع نتيجة تقلص معدلات العمالة الأوروبية في المملكة المتحدة.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن "التغيرات التي ستشهدها سوق العمل في المرحلة المقبلة ستجعل قطاعات مثل الضيافة واللوجستيات وتجارة الجملة والتجزئة تشهد ضغوطا شديدة، وستزيد من تكلفة الإنتاج، وهذا يضعف إلى حد كبير من قدرتنا التنافسية".
ويستدرك رواي إد قائلا "في الوضع الجديد نحن مجبرون على تقديم شروط أفضل للعمالة البريطانية، والاستثمار بشكل أكبر في الإنتاجية والتكنولوجيا، وهذا أمر شديد التكلفة".
ويعتقد كثير من المختصين أن سوق العمل البريطانية نتيجة خيار الناخبين بالخروج من الاتحاد الأوروبي، تمر بمرحلة انتقالية قد تتطلب سنوات طويلة حتى تتضح ملامحها الجديدة.
فوفقا للإحصاءات الرسمية، بلغ إجمالي قوة العمل البريطانية حاليا 28.76 مليون عامل، من بينهم 2.28 مليون من دول الاتحاد الأوروبي، بتراجع بلغ 86 ألف عامل هذا العام مقارنة بالعام الماضي، بينما ارتفع عدد العاملين القادمين من خارج الاتحاد الأوروبي بنحو 74 ألف عامل ليصل عددهم الإجمالي حاليا إلى 1.27 مليون عامل.
وتمثل بولندا الرافد الأكبر لمواطني الاتحاد الأوروبي المقيمين في المملكة المتحدة، وبالطبع أكبر عدد من الأيدي العاملة الأوروبية أيضا.
ويقدر عدد البولنديين المقيمين في بريطانيا بنحو مليون بولندي، يليهم الرومانيون، ثم القادمون من إيرلندا، وإيطاليا، والبرتغال، ويحتل الليتوانيون ذيل القائمة، ويلاحظ أن التوزيع الجغرافي للأيدي العاملة الأوروبية داخل المملكة المتحدة يشهد خللا كبيرا.
ميرك جرهام الباحث من مؤسسة "مراقبة المهاجرين" يعلق على هذا الخلل الجغرافي قائلا، "إن نحو 36.8 في المائة من الأيدي العاملة الأوروبية تتركز في العاصمة لندن، وهذا يتفق إلى حد كبير مع طبيعة الوظائف التي تمارسها تلك العمالة، حيث تتركز أنشطتها في مجال أعمال الضيافة المرتبطة بالسياحة، وبالطبع تحتوي لندن على الجزء الأكبر من النشاط السياحي في المملكة المتحدة، ويلي لندن منطقة جنوب شرق المملكة المتحدة، ويتركز فيها قرابة 12.8 في المائة من العمالة القادمة من الاتحاد الأوروبي".
لكن مع اقتراب موعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بات التساؤل لا يتعلق بمستقبل العمالة الأوروبية في لندن، بل أصبح القلق الرئيسي ينحصر في تساؤل آخر مرتبط بكيفية إيجاد بدائل عمالية لشغل الوظائف التي سيغادرها الأوروبيون، وإذا كانت لندن قطعت أواصر علاقاتها بالاتحاد الأوروبي، فأين ستجد البدائل العمالية؟
البروفيسور جيمس إربت المستشار في مجموعة الكومنولث وأحد الأصوات الداعية إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يعتقد أن تلك المخاوف مبالغ فيها وأن بريطانيا وقطاع الأعمال تحديدا لن يواجه مشكلات في توفير أيد عاملة بديلة.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن "الكومنولث يمثل البديل الأكثر اتساقا بالنسبة إلى بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سواء تعلق ذلك بالتعاون التجاري أو الثقافي. وبالنسبة إلى توفير العمالة فبلدان الكومنولث تمثل ماعونا لا ينضب بالنسبة إلينا، وربما يكون الكومنولث في بعض الجوانب أكثر إيجابية بالنسبة إلى المملكة المتحدة".
ويشير إربت، إلى أن "بلدانا كثيفة السكان مثل الهند وباكستان وبنجلادش وسيرلانكا ونيجيريا وكيينا وتنزانيا، يمكن أن توفر لبريطانيا احتياجاتها من العمالة غير الماهرة، إلا أنها تتمتع بمزايا نسبية عن نظيرتها في الاتحاد الأوروبي وهي معرفتها باللغة الإنجليزية، وبالتالي القدرة على التفاهم الثقافي بينها وبين المجتمع البريطاني أعلى من نظيرتها القادمة من بلدان الاتحاد الأوروبي التي لا تتحدث الإنجليزية".
لكن تلك القناعة لا تجد بالضرورة دعما أو تأييدا تاما من قبل قطاع الأعمال البريطاني، إذ يعرب عديد من رجال الأعمال عن قناعتهم بأن معرفة اللغة الإنجليزية للعمالة التي يمكن استقدامها من بلدان الكومنولث، لن يعطيها ميزة تفضيلية كبيرة مقارنة بالعمالة القادمة من بلدان أوروبا الشرقية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
ويقول لـ "الاقتصادية"، تيم نورس الرئيس التنفيذي لاتحاد تجار التجزئة البريطانيين، "إن اللغة عامل ضمن مجموعة ضخمة من العوامل التي تمنح مزايا نسبية، لمجموعة عمالية على أخرى. إلا أن مستوى الخبرة والخلفية التعليمية ومستوى التعليم عوامل قد تتفوق على المعرفة باللغة، ونظرا لأن مستوى التعليم في بلدان الاتحاد الأوروبي، حتى في دول أوروبا الشرقية التي انضمت حديثا للتكتل أعلى من نظيرتها في معظم بلدان الكومنولث القادرة على إمدادنا بالأيدي العاملة".
ويتوقع نورس أن "يكون تراجع نسبة العمالة الأوروبية في بريطانيا نتيجة الانفصال سلبي، ورغم أنه لا ينكر إمكانية تعويض النقص عبر استقدام مزيد من العمالة من بلدان الكومنولث، إلا أنه من المؤكد أن ذلك سيأتي على حساب مستوى الكفاءة في الأجل القصير على الأقل، وسيتطلب تعويض ذلك تدريبات مكثفة للعمالة الجديدة على أمل أن تساعد في زيادة الإنتاجية لتعويض التكلفة الناجمة عن محاولة دمج الأيدي العاملة الجديدة في المنظومة الاقتصادية".

©الاقتصادية

التعليـــقات