قال جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي، إن العقوبات التي أعادت الولايات المتحدة فرضها على إيران أكثر فاعلية مما كان متوقعا، مشيرا إلى أن ما تعهدت به قطر غير كاف لإخراج اقتصاد تركيا من أزمته الراهنة.
وأعادت الإدارة الأمريكية فرض العقوبات على إيران بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الدولي الذي أبرم عام 2015، الذي تعتبره الولايات المتحدة غير كاف لحرمان إيران مما تحتاج إليه لصنع قنبلة ذرية ودافعا لتدخل طهران في شؤون الشرق الأوسط.
وقال بولتون خلال مقابلة مع "رويترز"، "دعني أكن واضحا، نعتقد أن إعادة فرض العقوبات لها تأثير كبير بالفعل على اقتصاد إيران وعلى الرأي العام داخل إيران".
ويعاني الاقتصاد الإيراني ارتفاع معدل البطالة والتضخم إضافة إلى خسارة الريال نصف قيمته منذ نيسان (أبريل). وزادت إعادة فرض العقوبات الأمر سوءا.
وتظاهر آلاف الإيرانيين في الأسابيع القليلة الماضية احتجاجا على الارتفاع الحاد في أسعار بعض المواد الغذائية ونقص الوظائف والفساد الحكومي. وكثيرا ما تحولت الاحتجاجات على غلاء المعيشة إلى مظاهرات مناهضة للحكومة.
وقال بولتون "أظن أن الآثار، خاصة الاقتصادية، أقوى مما توقعنا ... لكن النشاط الإيراني في المنطقة ما زال عدوانيا: ما يفعلونه في العراق وفي سورية ومع حزب الله في لبنان وفي اليمن وما هددوا بفعله في مضيق هرمز".
ويعد المضيق ممرا مائيا استراتيجيا لشحنات النفط التي هددت إيران بمنع مرورها ردا على دعوات الإدارة الأمريكية لحظر كل صادرات النفط الإيراني.
وقال بولتون "لنكن واضحين، تغيير النظام في إيران ليس سياسة أمريكية. لكن ما نريده هو تغيير هائل في سلوك النظام".
وفرضت واشنطن في أغسطس عقوبات جديدة على طهران تستهدف تجارة الذهب ومعادن ثمينة أخرى ومشترياتها من الدولار الأمريكي وصناعة السيارات.
وقال ترمب إن الولايات المتحدة ستفرض حزمة أخرى من العقوبات، ستكون أقوى، في تشرين الثاني (نوفمبر) وتستهدف مبيعات النفط الإيراني وقطاع البنوك.
وتسعى قوى أوروبية لضمان حصول إيران على منافع اقتصادية كافية لإقناعها بالبقاء في الاتفاق، وثبت مدى صعوبة ذلك بسبب قلق شركات أوروبية كثيرة من العقوبات الأمريكية واسعة النطاق، وانسحبت مجموعة النفط الفرنسية توتال من مشروع كبير للغاز في إيران.
وقال بولتون "نتوقع أن يرى الأوروبيون، كما ترى الشركات في كل أنحاء أوروبا، أن الاختيار بين إجراء معاملات مع إيران وإجراء معاملات مع الولايات المتحدة واضح جدا لهم".
وأضاف "لذا سنرى إلى ماذا ستؤول الأمور في نوفمبر. لكن الرئيس (ترمب) جعل الأمر واضحا جدا.. أنه يريد ممارسة أقصى ضغط على إيران.. وهذا هو ما يحدث".
وتابع قائلا: "يجب ألا يكون هناك شك في رغبة الولايات المتحدة في حل المسألة سلميا لكننا مستعدون تماما لأي احتمالات من جانب إيران".
وبموجب الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015، قيدت إيران برنامجها لتخصيب اليورانيوم تحت إشراف الأمم المتحدة مقابل رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها.
ورفع الاتفاق بين طهران والقوى العالمية عقوبات دولية كانت تخنق الاقتصاد الإيراني. في المقابل قبلت طهران قيودا على أنشطتها النووية، مما زاد من المدة التي قد تحتاج إليها لصنع قنبلة ذرية إذا قررت أن تصنعها.
وندد ترمب بالاتفاق باعتباره متساهلا أكثر مما ينبغي مع إيران ولن يثنيها عن تطوير قنبلة، وقال إن على إيران الكف عن التدخل في حربي سورية واليمن.
من جانبها، قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إنها تتفق مع وزير خارجيتها في أن العلاقات مع الولايات المتحدة تشهد تغيرات، لكنها أحجمت عن تأييد دعوته لإقامة الاتحاد الأوروبي نظام مدفوعات مستقلا من أجل إنقاذ الاتفاق النووي العالمي مع إيران.
وقالت ميركل للصحافيين "فيما يتعلق بمسألة أنظمة المدفوعات المستقلة، لدينا بعض المشكلات في تعاملاتنا مع إيران، بلا شك، وعلى الجانب الآخر نعلم أن نظام سويفت مهم جدا فيما يخص مسألة تمويل الإرهاب على سبيل المثال". وأضافت أنه من المهم جدا الحفاظ على تعاون جيد مع الولايات المتحدة في مجال الأمن.
ومن إيران انتقالا إلى تركيا، قال مستشار الأمن القومي الأمريكي، إنه يمكن لأنقرة إنهاء الأزمة التي تمر بها الليرة فورا بإطلاق سراح القس الأمريكي المحتجز في تركيا، مؤكدا أن ضخ أموال قطرية لن يساعد الاقتصاد التركي.
وتشهد الليرة التركية تراجعا منذ أمرت واشنطن بفرض رسوم ردا على احتجاز القس أندرو برانسون بتهمة الضلوع في الانقلاب الفاشل بتركيا في عام 2016.
وينفي برانسون ارتكاب أي خطأ، ولمحت أنقرة من قبل إلى أن مصيره يمكن ربطه بمصير فتح الله كولن رجل الدين التركي المقيم في الولايات المتحدة الذي يتهمه الرئيس رجب طيب أردوغان بتدبير محاولة الانقلاب.
وقال بولتون "ارتكبت الحكومة التركية خطأ كبيرا بعدم إطلاق سراح القس برانسون".
وأضاف "مع كل يوم يمر يستمر هذا الخطأ، يمكن أن تنتهي هذه الأزمة فورا إذا فعلوا الصواب باعتبارهم حليفا في حلف شمال الأطلسي وجزءا من الغرب، وأطلقوا سراح برانسون دون شروط".
وردا على سؤال بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة تثير مسألة عضوية تركيا في الحلف بسبب الأزمة، قال بولتون "هذه ليست قضية مطروحة في هذه اللحظة. نركز على القس برانسون والأمريكيين الآخرين الذين تحتجزهم الحكومة التركية بشكل غير مشروع ونتوقع أن تحل المسألة".
ورضخ أمير قطر هذا الشهر بالمصادقة على حزمة مشروعات اقتصادية، بما في ذلك تعهد بدعم لتركيا بقيمة 15 مليار دولار.
وأبدى بولتون تشككا إزاء تدخل، وقال "أعتقد أن ما تعهدوا به غير كاف إطلاقا لإحداث تأثير في اقتصاد تركيا، إنه ليس نافعا بالتأكيد لكن سنرى ما سينتج فعلا عن تعهدهم".
من ناحيته، قال محامي القس الأمريكي الذي يخضع للمحاكمة في تركيا، إنه يعتزم تقديم التماس إلى المحكمة الدستورية سعيا للإفراج عن موكله آندرو برانسون بعد أن رفضت محكمة أدنى درجة هذا الالتماس الأسبوع الماضي.
وظل القس الأمريكي الذي عاش 20 عاما في تركيا محتجزا لمدة 21 شهرا بتهم إرهابية ينفي ارتكابها. وهو الآن تحت الإقامة الجبرية بمنزله.
وقال المحامي إسماعيل جيم هالافورت في تصريحات، "فور تأكيد رفض المحكمة العليا كتابة، سنقدم التماسا للمحكمة الدستورية".
وأضاف أنه بمجرد استنفاد جميع الوسائل القانونية المحلية فسيقدم الدفاع، إذا اقتضت الضرورة، التماسا للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
وقال "يحدونا الأمل بالنسبة للمحكمة الدستورية لكن إذا رفض (الالتماس) هناك، فسنتجه إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان دون تردد".
وبحسب نسخة من حكم المحكمة، فإن المحكمة الواقعة في إزمير التي رفضت الالتماس الأسبوع الماضي قالت إن جمع الأدلة ما زال مستمرا وإن هناك احتمالا أن يفر القس من البلاد إذا قبلت الالتماس.
يستغل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخلاف المرير بين بلاده والولايات المتحدة لإلقاء اللوم في المشاكل الكبيرة التي يواجهها الاقتصاد التركي على عدو خارجي وليس على المشاكل داخل بلاده، كما قال محللون.
وخلال الأشهر الأخيرة حذر محللون بأن الاختلالات الاقتصادية تعني أن اقتصاد تركيا سيواجه مشاكل كبيرة، حتى قبل العقوبات التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وأدت إلى انخفاض حاد في سعر الليرة التركية.
إلا أن الإجراءات التي اتخذتها إدارة ترمب سمحت لأردوغان بإلقاء اللوم في المشاكل الاقتصادية وانهيار الليرة على البيت الأبيض واللعب على المشاعر المناهضة للولايات المتحدة المنتشرة في مختلف فئات المجتمع التركي.
وقال سونر كاغابتاي مدير "برنامج الأبحاث التركي" في معهد واشنطن، إن سيطرة اردوغان على الإعلام التركي والتي عززها بعد التغييرات الأخيرة في ملكيتها، سمحت للسلطات وبسهولة برسم الولايات المتحدة في صورة الشرير,
وصرح وفقا لوكالة فرانس برس، "اعتقد أن اردوغان قرر أنه رغم أنه لم يكن يريد للأزمة مع الولايات المتحدة أن تصل إلى ما وصلت إليه، إلا أنه قرر كذلك استغلالها".
وأضاف أن "أردوغان يستطيع أن يحدد شكل روايته للأزمة لأنه يسيطر على 90 في المائة من الإعلام. ويستطيع الآن أن يربط الأزمة الاقتصادية في تركيا والناجمة عن سياساته، بالعقوبات الأمريكية فقط".
قبل أن يتسبب ترمب في انهيار الليرة من خلال تغريدة في العاشر من آب (اغسطس)، أعلن فيها عن مضاعفة الرسوم على واردات بلاده من الصلب والألمنيوم التركي، كانت السحب تتجمع فوق الاقتصاد التركي بعد ارتفاع التضخم ليبلغ 16 في المائة وتوسع العجز في الحساب الجاري.
كما تسبب أردوغان في تقويض الثقة بالعملة من خلال تصريحاته المتكررة التي اعتبرها بعض اللاعبين في السوق بأنها مربكة.
ووصف معدلات الفائدة بأنها "أب وأم كل الشرور"، وقال إن البلاد بحاجة إلى معدلات الفائدة المنخفضة لخفض التضخم، وهو ما يخالف النظريات الاقتصادية.
وبعد شهر من الفوز بصلاحيات جديدة في الانتخابات، أدهش اردوغان المراقبين بتعيين صهره براءة البيرق، وزير الطاقة السابق، على رأس وزارة المالية الجديدة الموسعة، رغم أنه يفتقر إلى الخبرة في الأسواق المالية.
وفور أن أطلق ترمب الأزمة بشأن احتجاز السلطات التركية للقس الأمريكي أندرو برانسون، سارع أردوغان إلى التنديد بـ "مؤامرة" تهدف إلى "تركيع" تركيا.
واصطف الإعلام الرسمي وراء أردوغان في التنديد بما وصفه بأنه "انقلاب اقتصادي"، وقارن بينه وبين المحاولة الانقلابية للإطاحة بأردوغان في 2016.
وقال سنان أولغين رئيس مركز الاقتصاد والسياسة الخارجية، إن استراتيجية أردوغان "تهدف في الأساس إلى حشد الدعم الشعبي في وقت الأزمة الاقتصادية".
ويجد خطاب أردوغان صدى واسعا في المجتمع التركي الذي تنتشر فيه مشاعر قوية مناهضة للولايات المتحدة تفاقمت بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة.
يعيش فتح الله غولن الداعية الإسلامي الذي تتهمه أنقرة بأنه وراء المحاولة الانقلابية، في منفاه الاختياري في بنسلفانيا منذ 1999، وقد قاد ذلك الكثيرين ومن بينهم مسؤولون أتراك كبار، إلى الاعتقاد بأن للولايات المتحدة يدا في المحاولة الانقلابية.
ورفضت الولايات المتحدة تلك المزاعم فيما أكد غولن أنه ليس له أي يد في المحاولة الانقلابية.
وقال سنان اولغين أنه إذا لم يتم رفع أسعار الفائدة فإن "قدرة البنك المركزي ووزارة المالية على طمأنة الأسواق ستضعف بشكل كبير".
وبحسب استطلاع أجراه مركز "سنتر فور أميركان بروجريس" في وقت سابق من العام، فإن 10 في المائة فقط من الأتراك ينظرون إلى واشنطن بعين الرضا، بينما عبر 83 في المائة منهم عن آراء غير جيدة تجاهها.
قال دبلوماسي أوروبي طلب عدم الكشف عن هويته أنه "من خلال تصرفاته فإن دونالد ترمب يخفي الأشخاص المسؤولين حقا عن الوضع الاقتصادي" في تركيا.
وأضاف "هناك شخص واحد فقط هو من يمنع البنك المركزي من التصرف ويمنع وزير المالية" من اتخاذ الإجراءات الضرورية، محذرا من أن تركيا مخطئة إذا كانت تعتقد أنها "يمكن أن تحمل الولايات المتحدة خاصة الرئيس دونالد ترمب" المسؤولية.
وبحسب وكالة "فرانس برس"، على شاشات التلفزيون وفي الصحف لا يوجد من يخرج عن خط الحكومة، ويلجأ خبراء الاقتصاد الذين لهم رأي مختلف إلى بث آرائهم على تويتر.
©رويترز