رئيس التحرير: طلعت علوي

هل تنطلق شرارة الحرب العالمية الثالثة من الشرق الأقصى؟

الأحد | 19/08/2018 - 11:53 صباحاً
هل تنطلق شرارة الحرب العالمية الثالثة من الشرق الأقصى؟



يمكن وضع تقرير وزارة الدفاع الأميركية – البنتاغون – الذي أفاد بأن قاذفات صينية تجري تدريبات لتنفيذ ضربات ضد أهداف أميركية أو حليفة للولايات المتحدة في المحيط الهادي، في خانة تأكيد ما يحذّر منه خبراء عدة ومؤدّاه أن الخطر الأكبر لنشوب حرب واسعة، وربما عالمية، يقبع في تلك المنطقة من آسيا وليس في الشرق الأوسط أو أوكرانيا وحولها.

وحذّر التقرير السنوي الذي صدر الخميس، وبطبيعة الحال نفت بكين صحته، من تنامي القوة العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية للصين، وكيف تستغل بكين ذلك لبناء نفوذ دولي وإرساء هيمنة إقليمية. وكشف أن العمل جارٍ على تطوير قدرات القاذفات الصينية لتتمكن من ضرب أهداف بعيدة عن الصين قدر الإمكان.

ومما جاء في التقرير: "في السنوات الثلاث الأخيرة وسّع جيش التحرير الشعبي الصيني بسرعة مناطق عمليات قاذفات القنابل فوق المياه مما يكسبها خبرة في مناطق بحرية حساسة. وهو يتدرب على الأرجح على ضربات ضد أهداف أميركية وحليفة لأميركا" في منطقة المحيط الهادي، مثل القاعدة الأميركية الكبيرة في جزيرة غوام.

ولفت التقرير الأميركي إلى أن الميزانية العسكرية الصينية تبلغ نحو 190 مليار دولار، أي أن الإنفاق العسكري السنوي الصيني لا يزال بعيداً عن الإنفاق العسكري الأميركي الذي يبلغ 700 مليار دولار. لكنه يشير إلى أن القيادة الصينية حددت هدفاً يتمثل في امتلاك جيش من مستوى عالمي بحلول العام 2050.

وربط التقرير بين تعزيز القدرات العسكرية الصينية ومبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقتها بكين سعياً إلى تعزيز العلاقات مع دول أخرى من خلال الإقراض ومشاريع للبنية التحتية.

 

بؤر التوتر

اللافت أن التقرير صدر بعد أيام قليلة من نشر كتاب بعنوان "بؤر التوتر الأربع: هكذا تذهب آسيا إلى الحرب"، للباحث والأكاديمي الأسترالي بريندان تايلور من معهد "كورال بل" في كانبيرا التابع للجامعة الوطنية الأسترالية.

يحذّر هذا الخبير البارز في شؤون منطقة آسيا – المحيط الهادي من أن آسيا معرضة لخطر الانزلاق إلى أزمة إقليمية إنما ذات آثار عالمية.

والحال أن أموراً مثيرة تجري في تلك المنطقة من العالم بكل أجزائها والتي تسمَّى اصطلاحاً الشرق الأقصى، وأولها شمال شرق آسيا. فالصين أولاً تتجه بثبات إلى تجاوز الولايات المتحدة كالقوة الاقتصادية الأولى في العالم. ولا ننسى أن كوريا الشمالية لا تزال تقوم بنشاطات مريبة في المجال النووي رغم الاتفاق الذي حصل بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون. وفي الوقت نفسه، عادت اليابان إلى سكّة تعزيز قدراتها العسكرية مدركةً أن صراعاً مريراً سيدور للسيطرة على المحيط الهادي العامر بالثروات.

كذلك، تمر آسيا بسلسلة من الأزمات الفردية التي تتغذى إحداها من الأخرى وتصعّد إحداها الأخرى، وهو نمط مماثل لما حصل قبل اندلاع الحربين العالميتين الأولى والثانية. وهنا، يعتقد بريندان تايلور أن خطر اندلاع حرب كبرى في آسيا هو اليوم أكبر بكثير مما يخاله كثيرون. ويقول: "كل ما يتطلبه الأمر هو صدام عرَضي بين قوتين ما، في المكان الخطأ أو في الوقت الخطأ، مما سيؤدي إلى تصعيد خطير للغاية. كانت آسيا محظوظة حتى الآن أن ذلك لم يحصل".

ويحدد تايلور بؤر التوتر الأربع التي يتحدث عنها في كتابه كالآتي:

-بحر الصين الجنوبي: يفيد مؤشر القوة الذي يصدره معهد لوي الأسترالي بأن الصين تتجه إلى تجاوز الولايات المتحدة باعتبارها أقوى دولة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بحلول العام 2030. ويتجلى ذلك خصوصاً في بحر الصين الجنوبي، وهو بحر متفرع من المحيط الهادي تحده 10 بلدان متنافسة، هي الصين، تايوان، الفلبين، ماليزيا، بروناي، اندونيسيا، سنغافورة، تايلاند، كمبوديا، فيتنام. فعلى مدى السنوات الخمس الماضية، ازداد حجم استصلاح الأراضي البحرية في الصين عبر عمليات الطمر، في موازاة تعزيز الوجود العسكري في المنطقة الحساسة بما تضم من ممرات بحرية حيوية، ويعتقد أن في جوف هذا البحر ما قيمته تريليونات الدولارات من احتياطيات نفط وغاز غير مكتشفة.

وتتبنى الصين موقفاً "هجومياً" هناك، وأعلنت نحو 90 في المائة من المساحة البحرية "منطقة مصالح اقتصادية" خاصة بها، وهو ما أغضب خصوصاً فيتنام التي تعتمد لغة سياسية متشددة حيال جارها الشمالي الكبير.

وفي مقابل اعتبار عدد كبير من الخبراء بحر الصين الجنوبي أبرز المسارح المحتملة لحرب عالمية، يرى تايلور أن بؤرة التوتر هذه هي الأقل خطراً بين الأربع. ويشرح ذلك بالقول إن خلاف البلدان المشاطئة على حقوق الملكية واستثمار الثروات البحرية، لن يدفعها إلى الدخول في عمل عسكري. أما مكمن الخطر في بحر الصين الجنوبي في نظر الغرب، وتحديدا الولايات المتحدة، فهو تزايد النفوذ الصيني هناك بما يهدد حرية الملاحة وطرق التجارة.

-بحر الصين الشرقي: هو بدوره متفرع من المحيط الهادي، ويقع في منطقة متنازع عليها بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، ويُعتقد على نطاق واسع أنها تختزن موارد طبيعية قيّمة.

مساحة هذا البحر 1.25 مليون كيلومتر مربع، أي أقل من نصف حجم بحر الصين الجنوبي. وإذا كان الإعلام العالمي لا يسلط الضوء على المنطقة بقوة، فإنها تبقى في الواقع موضع تنافس محموم، بين اليابان وكوريا الجنوبية أولا، واليابان والصين وتايوان ثانياً.

هنا، يحذر بريندان تايلور من ارتفاع منسوب خطر المواجهة العسكرية، خصوصاً بالنظر إلى العلاقة المعقدة بين الصين واليابان، فالبلدان يملكان كرهاً تاريخياً متبادلاً وشعوراً قومياً مضخّماً، وبالتالي أي "صدام عسكري غير مقصود أو سوء تقدير" قد يؤدي إلى مواجهة شاملة.

ويرى تايلور أن انخراط اليابان في التنافس على النفوذ في بحر الصين الجنوبي يعود إلى خوفها من كون السيطرة الصينية المطلقة هناك ستؤدي إلى سيناريو مماثل في بحر الصين الشرقي.

-شبه الجزيرة الكورية: التوتر بين شطري شبه الجزيرة الكورية مستمر منذ أكثر من نصف قرن، فالحرب الكورية التي استمرت بين 1950 و1953 انتهت بتقسيم البلاد إلى كوريا الجنوبية الرأسمالية وكوريا الشمالية الشيوعية. وهذا لم يؤدِّ إلا إلى كمية هائلة من التعقيدات والمواجهات والتهديدات.

ويرى محللون غربيون أن القمة التاريخية بين دونالد ترمب وكيم جونغ أون في سنغافورة في يونيو (حزيران) الماضي، والتعهد المتبادل بالبحث عن السلام، لم يضعا بيونغ يانغ في "جيب" شاغل البيت الأبيض ولم يبددا احتمالات التصعيد بين الكوريتين في أي وقت.

وينبّه بريندان تايلور من أن شعور كيم بالأمان وإلى حد ما بالقوة، قد يدفعه إلى استغلال تراجع العلاقات بين سيول وواشنطن ليشن هجوما مفاجئا على الشطر الجنوبي يعيد توحيد شبه الجزيرة بالقوة.

ولا يبدو الزعيم الشمالي مستعدا في أي حال للاستدارة والدخول في الفلك الأميركي، حتى إذا توصلت الولايات المتحدة والصين إلى اتفاق يقضي بمنح الثانية ضوءا أخضر لـ "ابتلاع" تايوان مقابل تخليها عن دعم كوريا الشمالية. وشخصية كيم تنبئ بأنه مستعد في سبيل الحفاظ على سلطته للجوء إلى القوة، وربما قوته النووية والبالستية التي يحوم شك كبير حول عمله على التخلص منها كما وعد.

-تايوان: بؤرة التوتر الرابعة هي تايوان، الجزيرة التي تبلغ مساحتها 36 ألف كيلومتر مربع والتي تعتبرها الصين جزءا منها وهدفها هو "إعادتها" إلى سيادتها تحقيقاً لمبدأ "صين واحدة"، علماً أن تايوان ليست عضوا في الأمم المتحدة وتعتمد كثيرا على الدعم الأميركي وخصوصاً السلاح الذي تشتريه من الولايات المتحدة.

ولا شك في أن تايوان تبقى قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة، خصوصاً متى أدركت بكين أن موقف واشنطن من أي هجوم صيني على الجزيرة لن يؤدي إلى تدخل عسكري أميركي. أو إذا "باعت" إدارة ترمب تايوان للصين مقابل ضغط هذه على بيونغ يانغ، عندها لن يبقى للتايوانيين إلا الاعتماد على أنفسهم في مواجهة جارهم العملاق.

 

aawsat.com

التعليـــقات