رئيس التحرير: طلعت علوي

نحو سياسات لمعالجة الإشكاليات الاقتصادية في قطاع غزة

الإثنين | 13/08/2018 - 01:11 مساءاً
نحو سياسات لمعالجة الإشكاليات الاقتصادية في قطاع غزة

ورقة تحليل سياسات  إعداد: رامي معين محسن

يشهد قطاع غزة وضعًا اقتصاديًا متفاقمًا، منذ ما يزيد عن 12 عامًا، بفعل عوامل متعددة، أهمها الحصار، والهجمات الإسرائيلية المتكررة التي جعلت العام 2017 الأكثر سوءًا بحسب مراقبين، إذ تعمقت الأزمة نتيجة للدمار الهائل الذي ألحقته بالبنية التحتية وكافة الأنشطة الاقتصادية، ورافقها ارتفاع حاد في معدلات الفقر (53%)، والبطالة (43.9%) بين القوى العاملة بالقطاع، وتركزت غالبيتها في صفوف الشباب، الأمر الذي حوّل حوالي نصف سكان القطاع إلى فقراء[1]، ما أسس واقعًا كارثيًا على الصعيد الاقتصادي برمته.
وفاقم الانقسام، وإجراءات السلطة والحكومة الفلسطينية في رام الله في نيسان 2017 ضد قطاع غزة من حدة الأزمة، لا سيما بعد اتخاذها قرارات قطع وحسم الرواتب وتأخير صرفها لموظفي السلطة في القطاع، وإحالة عدد كبير منهم إلى التقاعد الإجباري.
وبحسب مراقبين، فقد مست هذه الإجراءات الحياة والاقتصاد الغزي، وعززت الشعور المتنامي بالتمييز الجغرافي، ومتوقع أن تسهم أيضًا في ارتفاع مستويات الجريمة، وتهديد الجبهة الداخلية والأمن المجتمعي، واستشراء المشكلات الاجتماعية والنفسية، كما حرمت القطاع من حصته في السيولة النقدية، وساهمت بصيغة أو بأخرى في ضعف قدرة المواطنين الشرائية، ما اضطر عددًا لا بأس به من التجار إلى إعلان إفلاسهم وإغلاق مصالحهم التجارية لعدم قدرتهم على تحصيل أموالهم من السوق المحلي وتسديد التزاماتهم المتراكمة، الأمر الذي أدخل القطاع في مرحلة انهيار اقتصادي شامل، وسط تحذيرات بأن العام 2018، سيكون أسوء من سابقه، هذا من ناحية.
أما من ناحية أخرى، فإن خطورة ما يجري من حصار مشدد، وتردٍ للأوضاع الإنسانية واختلاق الأزمات، التي آخرها الإجراءات الحكومية ضد القطاع، قد يتعدى الجانب الإنساني، ليؤسس بذلك لتداعيات أكثر تعقيدًا على الصعيد الوطني، كونها قد تفتح شهية الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل لتمرير مخططاتها التصفوية للقضية الفلسطينية، كما من شأنها أن "تدفع المواطن بالقبول بالقليل في سبيل البقاء على قيد الحياة وضمان العيش الكريم في حده الأدنى".[2]

الهدف العام
طرح بدائل سياساتية وواقعية للخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها قطاع غزة، ومحاولة معالجة إشكالياتها، بما يسهم في تجنب الانهيار.


المشكلة السياساتية
باتت تحمل الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعاني منها قطاع غزة، واستمرارية مدخلات تعقيدها، مخاطرَ كارثيةً وفقًا للعديد من المؤشرات، لا سيما في ظل استمرار عمل الحكومة الفلسطينية بالإجراءات التي اتخذتها ضد القطاع عقب تعثر المصالحة، التي كان لها دور في تسريع مرحلة الانهيار الاقتصادي الشامل؛ لذلك تسعى الورقة إلى اقتراح مسارات تعالج سوء الأوضاع الاقتصادية، وإمكانية تدارك الانهيار الاقتصادي في القطاع.
شهدت الأوضاع الإنسانية في القطاع انحدارًا مستمرًا، بدأت بحصار اقتصادي وسياسي بعد نحاج حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الانتخابات التشريعية العام 2006، ثم تزايدت الأوضاع سوءًا في كل القطاعات، بعد الاعتداءات الثلاثة التي تعرض لها القطاع، وتحديدًا في الأعوام 2008-2009، 2012، 2014.
على الرغم من المحاولات الدولية لإعادة إعمار غزة، إلا أنها اصطدمت بالتطورات السياسية وعدم التزام المانحين بدفع كافة وعوداتهم المالية، "وفشلت خطة إعادة الإعمار ذاتها (GRM) بدليل أنه بعد أربع سنوات على عدوان 2014، فإن ما بُني لا يتعدى 53% من إجمالي المنازل التي تضررت بشكل كلي".[3]
يشير تقرير أعده فريق الأمم المتحدة القطري في الأراضي الفلسطينية المحتلة في تموز 2017، عشية مرور عقد على أحداث حزيران 2007، وتشديد الحصار الخانق من جانب دولة الاحتلال، إلى "أن معظم التوقعات السابقة للعام 2020 قد تدهورت أكثر وأسرع مما كان متوقعًا في العام 2012، إذ انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في غزة، حتى أصبحت غير صالحة للحياة قبل حلول العام 2020".[4]
وجاء في التقرير على لسان روبرت بايبر، منسق الأمم المتحدة للمساعدات الإنسانية والأنشطة الإنمائية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، "أن هناك العديد من الجهات الفاعلة المعنية، بما في ذلك المجتمع الدولي، التي تتقاسم بعض المسؤولية عن الوضع الذي يجد مدنيو قطاع غزة أنفسهم فيه اليوم". وأضاف بايبر أنه قبل 10 سنوات حدث عدد من الأمور، منها "الاستيلاء العنيف على قطاع غزة العام 2007، وتشديد القيود المفروضة على الواردات والصادرات إلى القطاع من قبل الحكومة الإسرائيلية".
إضافة إلى ما سبق، هناك الإجراءات الحكومية ضد القطاع، بما فيها الخصم من الرواتب وتأخير صرفها، بذريعة الضغط لحمل "حكومة الظل" في غزة على تمكين حكومة الوفاق من إدارة القطاع، وبما يضمن إنهاء الانقسام السياسي، الذي أثر سلبًا على القضية الوطنية بشكل عام، وصمود المجتمع الغزي بشكل خاص.


أسباب المشكلة
أولًا: تأثير الاحتلال الإسرائيليأخي رامي
عقب تشكيل حركة حماس الحكومة العاشرة في العام 2006، ومع بدء حالة الانقسام السياسي بعد جولة الاقتتال التي نجم عنها سيطرة الحركة على مفاصل القطاع بالكامل في العام 2007، شددت دولة الاحتلال الإسرائيلي من حدة قيودها المفروضة على القطاع، وتحكمت أكثر في معابره ومنافذه التجارية، فيما يعرف بالحصار - أحد أشكال الجرائم الموصوفة بموجب قواعد وأحكام القانون الدولي الإنساني - الذي لا يزال مستمرًا حتى تاريخ كتابة هذه الورقة.
كما شنت سلسلة من الأعمال العدوانية والهجمات العسكرية على القطاع، ما عمق من الأزمة الاقتصادية نتيجة للدمار الهائل التي خلفته على صعيد كل القطاعات، وكبد غزة الفقيرة خسائر فادحة في كل المجالات الإنتاجية والخدمية والحيوية، أثرت سلبًا على كل الأصعدة، وفي مقدمتها القطاع الاقتصادي الذي تفاقمت أوضاعه، وسط تنامي ظواهر الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي.
لم يختلف المشهد كثيرًا مع نهايات العام 2017، وبدايات 2018، فما يزال الاقتصاد في قطاع غزة يعاني من استمرار ذات القيود الإسرائيلية، التي زادت حدتها من خلال حظر إدخال عشرات السلع والبضائع، و"تشديد الخناق على حركة التجار ورجال الأعمال وسحب تصاريح واعتقال العشرات منهم"[5]، كل ذلك خلق واقعًا إنسانيًا واقتصاديًا كارثيًا.
إن غياب السلام بين الجانبين "الإسرائيلي والفلسطيني" على المستوى السياسي، أدى إلى خلق وضع اقتصادي متردٍ وغير مستقر، لا سيما في قطاع غزة، ما دفع البنك الدولي للقول بأنه "لا تزال الآفاق المستقبلية للاقتصاد الفلسطيني مثيرة للقلق، مع انخفاض معدلات نمو إجمالي الناتج المحلي إلى 2.5% خلال النصف الأول من العام 2018، مقابل 2.7% في العام 2017".[6]
في ظل بقاء المعطى الحالي على ما هو، ومع استمرار أزمة انقطاع الكهرباء، التي تصل في بعض الأحيان إلى 20 ساعة قطع، بعد أن قصف الاحتلال محطة التوليد الوحيدة بالقطاع في العام 2006؛ زادت معاناة المواطنين الاقتصادية والاجتماعية والصحية والنفسية والبيئية، وسط تعثر آلية إعادة إعمار غزة GRM، وارتفاع أسعار الحلول البديلة وعدم فاعليتها بالشكل المطلوب. فمن المتوقع أن تسوء أكثر الحالة الاقتصادية، وأن ينخفض كذلك نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للاقتصاد الغزي، في ظل تنامي معدلات الفقر والبطالة.

ثانيًا: إجراءات حكومة الوفاق
في سبيل سعيها لاستعادة قطاع غزة، وبعد حوالي 10 أعوام على الانقسام الداخلي 2007، قررت حكومة الوفاق الوطني برئاسة رامي الحمد الله، اتخاذ سلسلة إجراءات إدارية حكومية، وصفها البعض بأنها "عقابية" بحق غزة، طالت القطاعات الحيوية، وفي مقدمتها القطاعين الصحي والاقتصادي، من بينها خصم حوالي 30-50% من رواتب موظفين السلطة من مواطني قطاع غزة، عقب استمرار تعثر المصالحة وتشكيل حركة حماس "اللجنة الإدارية" لإدارة شؤون القطاع، في خطوة اعتبرتها السلطة الفلسطينية في حينه بأنها تباعد الانفصال ما بين الضفة والقطاع.
وعلى الرغم من حل اللجنة في كانون الأول 2017، إلا أن الحكومة أبقت على إجراءاتها، وفاقمتها مؤخرًا، وامتنعت عن صرف رواتب موظفيها بانتظام، لا سيما بعد تعرض موكب رئيس الحكومة لتفجير خلال زيارته الأخيرة إلى غزة في آذار 2018، إذ اتهم الرئيس محمود عباس حركة حماس "بالوقوف وراء الاعتداء"، وقرر اتخاذ سلسلة إجراءات جديدة بحق القطاع".[7] ويبلغ عدد موظفي قطاع غزة في السلطة 55577 موظفًا مدنيًا وعسكريًا، معظمهم لا يمارس أي مهام وظيفية بقرار سياسي، باستثناء بعض العاملين في الصحة والتعليم".[8]
أهم تأثيرات الإجراءات الإدارية الحكومية المفروضة على قطاع غزة:
يشكل قرار الحكومة بخصم وتأخير صرف رواتب الموظفين في غزة إجراءً تعسفيًا وتمييزيًا غير قانوني، وغير مبرر، ويمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الموظفين.
تحمل الإجراءات تداعيات اقتصادية كارثية، خاصة أن معظم الغزيين يعيشون أوضاعًا إنسانية معقدة، إذ يعتمد قرابة "80% منهم على المساعدات الدولية، ويعاني أكثر من 70% من عدم قدرة تأمين غذاء صحي أو آمن، فضلًا عن أن نسبة العاطلين عن العمل خلال الربع الثالث من العام 2017 بلغت أكثر من 46%.[9]
تكمن خطورة هذه الإجراءات أنها جاءت من السلطة ودون إنذار، وبعد حوالي 10 أعوام من الانقسام، وفي وقت مدين فيه الجزء الأكبر من الموظفين للبنوك، وبالتالي لم يبق لهذه الشريحة ما تنفقه لسداد التزاماتها".[10]
عمقت الإجراءات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، إذ أدت إلى انسحاب الموظفين من المشهد الوطني والسياسي العام، وفاقمت حدة المشكلات الاجتماعية، ما ينذر على المدى البعيد بضرب الأسرة، ما من شأنه رفع معدلات الانحراف والإدمان والجريمة. كما أدت إلى تآكل وانجراف الشريحة الوسطى إلى شريحة الفقراء، وما نجم عنه تعسرهم الوفاء بالتزاماتهم المتعددة، إضافة إلى انخفاض القوة الشرائية لفئة الموظفين التي كانت محركًا أساسيًا للسوق، ما أدى إلى انخفاض القدرة الشرائية وركود السوق المحلي.[11]
تضع مزيدًا من العقبات التي تواجه التنمية المحلية الاقتصادية والنمو الاقتصادي في القطاع، إلى عدم نجاح المصالحة واستمرار سياسات الاحتلال.
تعتبر الإجراءات من أشد سياسات التقشف الاقتصادي، إذ تبلغ نسبة خصم الرواتب 30-50%، ما من شأنه رهن حوالي 80% من موظفي القطاع العام في غزة للبنوك ومؤسسات الإقراض وأصحاب الشقق السكنية".[12]
أدت الإجراءات إلى نمو ظاهرة الشيكات المعادة والمسجلة أمام المحاكم والنيابات المختلفة في القطاع خلال العام 2017، من 6% في العام 2014 إلى 11% العام 2017، وما تبعه من تعرض العديد من التجار ورجال الأعمال للحبس، (100 ألف أمر حبس) على خلفية الذمم المالية المتراكمة.[13] كما تضاعفت قيمة الشيكات المعادة لعدم توفر الأرصدة في الحسابات البنكية، وبلغت 112 مليون دولار في العام 2017[14]، وسط توقعات بزيادة أعداد الشيكات المعادة خلال العام 2018، الأمر الذي سيؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، وانعدام حركة دوران النقود، وما يستتبعه ذلك من إغراق القضاء بآلاف القضايا، فضلًا عن انعدام الثقة بالشيك كورقة مالية تحظى بالقبول.
عززت الإجراءات الفارق الكبير في متوسط نصيب الفرد من الدخل الإجمالي بين الضفة والقطاع غزة، إذ يبلغ في الضفة الغربية 2581 دولارًا، مقابل حوالي 1000 دولار في القطاع.[15] وعلى الرغم من ذلك، نُفِّذَ قرار الخصم على الشريحة الأضعف (قطاع غزة)، ما أدخل نسبة كبيرة من الموظفين العموميين تحت خط الفقر المدقع، التي حددها جهاز الإحصاء الفلسطيني بـ 1832 شيكلًا.
بشكلٍ عام، سيؤثر استمرار الخصم بهذه النسبة، على كافة مناحي الحياة المعيشية اليومية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية لجميع الموظفين والسكان في غزة.

مؤشرات انهيار الاقتصاد الغزي خلال العام 2017
أولًا: ارتفاع معدلات الفقر والبطالة
يبلغ عدد العاطلين عن العمل خلال العام 2017 - حسب تعريف منظمة العمل الدولية - حوالي 404,800 شخص، بواقع 255,000 في القطاع، مقابل 149,800 في الضفة، بنسبة تفاوت كبيرة في معدلات البطالة بينهما.[16]
تُشير بَيانات الإحصاء الفلسطيني في الربع الأول من العام 2018، إلى أنّ معدّل البطالة في فلسطين بلغ نسبة قياسية، وصلت إلى 30.2% من بين المشاركين في القوى العاملة. كما أظهرت أن أكثر من نصف سكان القطاع غزة فقراء في العام 2017، بنسبة 53%، مقارنة بنسبة 13.9% في الضفة. وكذلك بلغت نسبة الفقر المدقع في القطاع 33.8%، مقابل 5.8% في الضفة. كما انخفض متوسط إنفاق الفرد الشهري في القطاع إلى 91.2 دينارًا أردنيًا (أقل من 500 شيكل)، مقابل 220 دينارًا للفرد في الضفة.[17]

ثانيًا: تنامي ظاهرة الشيكات المعادة في قطاع غزة
سجلت ظاهرة الشيكات المعادة في قطاع غزة خلال العام 2017، ارتفاعًا ملحوظًا من حيث العدد والقيمة، إذ بلغ إجمالي قيمة الشيكات المعادة في القطاع 112 مليون دولار، مقابل 62 مليون دولار إجمالي الشيكات المرتجعة خلال العام الذي سبقه، وفقًا لبيانات سلطة النقد الفلسطينية. ويعود ذلك إلى الحصار والقيود الإسرائيلية المفروضة على القطاع منذ 12 عامًا، وإلى إجراءات حكومة الوفاق الوطني بحق قطاع غزة، التي تمثلت بإحالة آلاف الموظفين للتقاعد الإجباري المبكر، واستمرار سياسة خصم 30-50% من الرواتب منذ نيسان 2017، ومؤخرًا تأخيرها صرف الرواتب موظفيها من سكان القطاع.
أسس ما سبق إلى حالة انعدام السيولة النقدية، وانخفاض القدرة الشرائية للمواطن وتكدس السلع والخدمات، وإلى تباطؤ النمو الاقتصادي كنتيجة لعدم قدرة حاملي الشيكات على استيفاء قيمتها في مواعيد استحقاقها.

ثالثًا: تراجع النشاط التجاري عبر معبر كرم أبو سالم
شهدت حركة السلع والبضائع الواردة إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم التجاري خلال العام 2017 تراجعًا ملحوظًا، "لتسجل بذلك رقمًا قياسيًا سلبيًا بدخول 325 شاحنة يوميًا، من أصل 800 إلى 1000 شاحنة يوميًا كانت تدخل خلال الأعوام السابقة على الرغم من الانخفاض في الأسعار، وحملات التنزيلات من قبل التجار والشركات".[18]
وعن أبرز الأسباب لانخفاض عدد الشاحنات، يرى عاطف عدوان، رئيس اللجنة الاقتصادية في المجلس التشريعي في غزة، أن استمرار السياسات الإسرائيلية تجاه غزة، "وعقوبات السلطة" كانت بارزة على المستوى الاقتصادي والمالي، عبر الظواهر التي انعكست في الشهور التي تلت إقرارها، من خلال زيادة معدلات الفقر بشكل كبير، وشح السيولة النقدية من عملة الشيكل، ما أسهم في انخفاض القدرة الشرائية، وهو ما يفسر أسباب انخفاض عدد الشاحنات الواردة عبر المعبر لأكثر من النصف مقارنة مع الفترة التي سبقت فرض العقوبات والإجراءات".[19]

رابعًا: ارتفاع مستويات انعدام الأمن الغذائي للأسر في قطاع غزة في العام 2017
يشهد الأمن الغذائي في قطاع غزة تهديدًا خطيرًا، إذ تشير التقديرات مع نهاية العام 2017 إلى أن "أكثر من ثلثي الأسر في القطاع تعاني من حالة انعدام الأمن الغذائي، كما تواجه صعوبات يومية في توفير الطعام لأفراد الأسرة، في ظل نقص حاد في الخدمات الأساسية، جراء استمرار الحصار الإسرائيلي، وفاقمت عقوبات السلطة من حدة التدهور غير المسبوق في الظروف الإنسانية".[20]
ويرى معين رجب، أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة الأزهر، أن قطاع غزة يعيش واقعًا اقتصاديًا صعبًا، بصورة يزداد فيها الخناق والضرر على المواطنين، لا سيما في ظل قطع المساعدات، وخصم الرواتب، ما سيُحول القطاع إلى منطقة منكوبة".[21]
وتشير معايير برنامج الغذاء العالمي، إلى أن الأمن الغذائي يتحقق عندما يتمتع البشر كافة في جميع الأوقات بفرص الحصول، من الناحيتين المادية والاقتصادية، على أغذية كافية وسليمة ومغذية تلبي حاجاتهم، وتناسب أذواقهم، كي يعيشوا حياة توفر لهم النشاط والصحة.

خامسًا: فشل آلية إعادة إعمار قطاع غزة
أدى الانقسام الداخلي، وعدم إيفاء الأطراف الدولية بتعهداتها المالية خلال مؤتمر المانحين بالقاهرة في تشرين الأول 2014، واستمرار القيود الإسرائيلية المفروضة على السلع ذات الاستعمال المزدوج كالأسمنت والحديد، واستمرار العمل وفق الآلية الدولية - آلية إعمار غزة GRM - إلى تعثر وفشل عملية إعادة الإعمار.[22] فبعد أربع سنوات على عدوان 2014، فإن ما بُني لا يتعدى 53% من المنازل التي تضررت بشكل كلي، الأمر الذي فاقم أزمة السكن، في ظل احتياج القطاع إلى حوالي 102 ألف وحدة سكنية.[23] كما تفاقمت أزمة السكن أكثر عقب الإجراءات الحكومية التي أدت إلى تعسر المستأجرين من الموظفين على دفع الإيجار.[24]

سادسًا: انخفاض معدلات الإنتاج بقطاع غزة خلال العام 2017-2018
تأثر القطاع الصناعي والإنتاجي كثيرًا، حتى أمسى على حافة الانهيار، بسبب الاحتلال والحصار والانقسام، ومؤخرًا بسبب الإجراءات الحكومية، من خصم الرواتب، وخفض قيمة فاتورة كهرباء غزة، التي تدفعها الحكومة للجانب الإسرائيلي مقابل أثمان الكهرباء التي توفرها للقطاع، ما ترتب على ذلك خفض الجانب الإسرائيلي إمداد غزة بالكهرباء بنسبة 40%، ما أدى إلى زيادة ساعات الانقطاع لتصل إلى حوالي 20 ساعة قطع، في ظل تعطل محطة التوليد وارتفاع تكاليف الطاقة البديلة، الأمر الذي أدى إلى انخفاض معدلات الإنتاج في مصانع القطاع بنسبة تقارب 60% عن معدلات الأعوام السابقة[25]، الأمر الذي ألحق بالقطاعين الصناعي والإنتاجي خسائر فادحة، وأدى إلى إغلاق بعضها وتسريح العاملين فيها.


التداعيات السياسية والوطنية
لا شك أن الإجراءات الحكومية ضد قطاع غزة فاقمت الأوضاع، لا سيما أنها اتُخذت في توقيت حساس للغاية، وتزامنًا مع محاولات إعادة ترتيب المنطقة من جديد، بناءً على مزاج الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وقد كانت القضية الفلسطينية حاضرة دولاب الترتيب، بشكل يخالف قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وينسجم تمامًا مع الرواية الإسرائيلية بالخصوص، وسط تغول مشاريع التهويد والاستيطان في الضفة، وشطب القدس واللاجئين مبكرًا من على طاولة الصراع، فيما يعرف "بصفقة القرن" أو "الحل الإقليمي"، الذي يعني إقامة دولة فلسطينية في غزة بعد تمددها جنوبًا ووعود باستثمارات حيوية ضخمة لخدمتها.
يرى محمد اشتية، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، أن مضمون الرسالة التي كتبها الثلاثي "كوشنير وغرينبلات وفريدمان" الموجهة لحركة حماس وغزة، بأنها خطيرة جدًا، لأنها تريد مقايضة الخبُز باعتراف حماس "بإسرائيل"[26]، مستغلين بذلك حالة الانقسام وتفاقم الأوضاع الإنسانية في القطاع.
في المقابل، فتحت تلك الإجراءات المجال واسعًا أمام التكهنات حول مستقبل قطاع غزة، في ظل استمرار وتفاقم الانهيار، ووضعت حركة حماس وحكومة ظلها في مأزق خطير، التي عبرت على لسان صلاح البردويل، القيادي في الحركة، "أن حركته ترفض عقوبات السلطة على القطاع، واصفًا خصم الرواتب وأزمة الكهرباء بأنها جزء من ضغط سياسي على القطاع، وأنه لا توجد أزمة مالية، هناك رحلة لعباس إلى واشنطن، والإدارة الأميركية تطلب أن يأتي عباس وقطاع غزة راكعًا، فلا أحد يستطيع أن يبتزنا سياسيًا أو اقتصاديًا".[27]
أمام انعدام الخيارات، وفي ظل الانقسام واحتدام تناحر البرامج والرؤى ما بين منظمة التحرير وحركة حماس، سعت دولة الاحتلال إلى ضرب وحدانية المشروع الوطني في إطار تجزئة المجزأ، وإلى التخلص من القطاع والاستيلاء على الضفة، فمخطئ من يظن أنه ليس لإسرائيل تصور لهذه المنطقة، وهي قد قطعت شوطًا في هذا المشروع لإخراج الفلسطينيين من الحلبة، وتريد أن ينته الكيان الفلسطيني مقامًا ومحصورًا بغزة، وما تبقى في الضفة عبارة عن كتل بشرية تتابع من غزة تمامًا كما حصل في الشهور الأولى لدخول السلطة أرض الوطن في العام 1994.[28]
إذًا، هناك مشروع إسرائيلي واضح، وهو فصل غزة وإعادة موضعة النظام السياسي فيها، ومن الممكن أن تمهد حزمة الإجراءات الحكومية بحق القطاع إلى تسريع تدجينه ودفعه نحو القبول بالانفصال، كمقدمة نحو تطبيق الحل الإقليمي، خاصة بعدما كثر الحديث عن مبادرات التهدئة وتحسين سبل العيش، لا سيما أن غزة تبدو هذه الأيام وكأنها الشغل الشاغل للإدارتين الإسرائيلية والأميركية، بدعوى إنقاذها، إذ إنها باتت بمنزلة الاستحقاق العاجل لصفقة القرن، فالسباق محتدم بين الخيار الفلسطيني الذي يتطلب تحقيق المصالحة، وبين الخيار الأميركي الإسرائيلي نحو تحديد مكانة غزة الموعودة بمرحلة جديدة من الانفراجات.[29]
البدائل المقترحة للخروج من الأزمة
البديل الأول: تحييد الموظفين والمواطنين والقطاعات الخدمية عن أي نزاع سياسي أو إداري، وتحمل حكومة الأمر الواقع في القطاع مسؤولياتها للتخفيف من تداعيات الانهيار.
نتج عن الانقسام وتعثر المصالحة وعدم تمكين حكومة الوفاق من إدارة القطاع، والإجراءات الحكومية المستمرة منذ نيسان 2017، إشكاليات اقتصادية خطيرة ألقت بظلالها سلبًا على المواطنين والمجتمع. ولمواجهة تداعيات تلك الحالة، يتضمن هذا البديل قيام طرفي الأزمة بمراجعة أدوارهما وتدخلاتهما، كبوابة لوقف حدة الانهيار، على النحو الآتي:
على مستوى السلطة الفلسطينية والحكومة
تقيد الحكومة بنصوص القوانين الوطنية ذات الصلة بحقوق المواطنين وواجبات النظام السياسي، لجهة إلغاء فوري للإجراءات الحكومية ضد قطاع غزة، بما يضمن عودة الأمور لما كانت عليه قبل نيسان 2017.
بلورة خطة وطنية تأخذ بالاعتبار خصوصية غزة، لمعالجة الأزمات النفسية والاجتماعية والبيئية والاقتصادية الناجمة عن الحصار والانقسام وإجراءات الحكومة، من خلال لجنة تشارك فيها الحكومة أو ممثلون عنها، وخبراء اقتصاديون، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، والنقابات وقطاعات أخرى.
إحالة ملف الحصار الإسرائيلي المستمر على القطاع إلى المحكمة الجنائية الدولية، كونه يلعب دورًا أساسيًا في تدهور الأوضاع على كل الأصعدة، ويرقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية. ويتطلب هذا الخيار وجود لجنة قانونية وطنية متخصصة برفع الدعاوى ومتابعتها وتغذية الرأي العام المحلي بنتائجها.
على مستوى حكومة الأمر الواقع
يفترض الشق الثاني من البديل، أن على حكومة الأمر الواقع في غزة القيام بواجباتها كسلطة فعلية، كونها تُسيطر عمليًا على القطاع وتتحكم فيه وبموارده، وتتصرف في قوافل المساعدات الإنسانية والإغاثية التي ترسلها الدول والمنظمات الدولية، كما تجبي الضرائب وتُحصل قيمة المخالفات والرسوم مقابل حصول المواطنين على الخدمات المختلفة، التي تتراوح شهريًا بحسب تصريحات عوني الباشا، الوكيل المساعد بوزارة المالية في غزة، ما بين 50-60 مليون شيكل[30]، من خلال الآتي:
اتخاذ قرارات تعيد النظر في منهج الجباية وفرض الضرائب القائم، كونه أرهق الكثيرين من أصحاب المصالح الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة، ومحاربة ظاهرة تبييض الأموال.
اعتماد نظام توزيع عادل للمساعدات الإغاثية، قائم على معايير العوز والمساواة، بعيدًا عن الحزبية، بما يضمن وصولها إلى مستحقيها، ومحاربة ظواهر الاحتكار التي تنشط عقب الإغلاقات المتكررة.
يمكن لوزارة الاقتصاد الوطني، واللجنة الاقتصادية في المجلس التشريعي وبوجود عنصر الرقابة الشعبية والمجتمعية، القيام بما ورد أعلاه مؤقتًا إلى حين إنهاء الانقسام، بما يحقق هدف الورقة.
محاكمة البديل الأول
المشروعية: كفلت الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، والقوانين الوطنية حق المواطنين في الحياة الكريمة، بما فيها الحق في العمل وتولي الوظيفة العمومية والحماية من البطالة دونما تمييز، واعتبرتها التزامات تسعى السلطة لتوفيرها، انسجامًا مع فلسفة العقد الاجتماعي.
المقبولية: يحظى هذا البديل بقبول شعبي وفصائلي كبير بسبب منطقه الإيجابي، وانسجامه مع مطالبات المجتمع الدولي.
الإمكانية: البديل قابل للتطبيق، لكنه يحتاج إلى قرار وخطة عمل مقترنة بهدف وقف انهيار القطاع الاقتصادي، ونجاعته مرهونة بمدى قناعة الأطراف بضرورة مراجعة سلوكياتها تجاه مواطني قطاع غزة.
المنفعة: يعود هذا البديل بالمنفعة الكبيرة حال تبنيه، كونه يوقف حالة التدهور الإنساني والاقتصادي، ويعزز من قدرة المواطنين الشرائية المتآكلة.
الخسائر: البديل ليس صعب التحقق، لا سيما إذا توفرت الرغبة الجادة، لكنه من الممكن أن يصطدم بالمؤثرين الذين لهم مصلحة في بقاء الوضع على ما هو عليه.
البديل الثاني: بلورة إستراتيجية وطنية لاستنهاض القطاع الاقتصادي في غزة.
يشهد القطاع الاقتصادي في غزة خطى متسارعة نحو الانهيار بفعل عوامل متعددة، من بينها الإجراءات الحكومية، ويمكن التدليل على ذلك من خلال المؤشرات أعلاه. وفي كل الأحوال فإن للانهيار تداعيات خطيرة على كل الأصعدة.
إن تأهيل القطاع الاقتصادي في غزة، وإعادة عجلته إلى الدوران، وزيادة مساهمته في الناتج القومي، يفرض على الحكومة بلورة إستراتيجية وطنية لإدارة الأزمة ومنع تدهورها بشكل أعمق، بعيدًا عن المناكفات والحسابات السياسية، وبما يقود في نهاية المطاف إلى تعزيز صمود المواطنين في مواجهة التغول الإسرائيلي.
في هذا الإطار، يجب على الحكومة الفلسطينية اتخاذ قرار ببلورة إستراتيجية وطنية لاستنهاض القطاع الاقتصادي في القطاع، بالاستناد إلى اختيار كادر بشري فني تشاركي مؤهل وقادر على تجنيد المال الدولي اللازم لتحقيق هذا البديل، لا سيما أنه سيقع على عاتقها إخراج القطاع غزة من إشكالياته الاقتصادية، على أن تُأخذ بعين الاعتبار مراجعة أسباب الأزمة، وإزالة العقبات المادية والقانونية أمام الاستثمار المحلي والأجنبي، ودعوة الأطراف والمؤسسات الدولية والمانحة لممارسة الضغط على دولة الاحتلال لإنهاء حصارها، بما يضمن رفد القطاع بمشاريع وبرامج تنموية وتشغيلية، ما من شأنه زيادة الانتعاش والتعافي.

محاكمة البديل الثاني
المقبولية: يحظى البديل بمقبولية شعبية مرتفعة، لكنه بحاجة إلى سياسة رسمية إيجابية.
الإمكانية: البديل قابل للتطبيق، لكن فعاليته القصوى مرهونة بمدى اقتناع السلطة بجدوى هذا البديل، وبقدرتها على توفير الدعم المالي اللازم لتطبيقه.
المنفعة: يحقق هذا البديل منفعة عالية، ويهيئ العجلة الاقتصادية لإعادة الدوران، بما يقود لتعافي بقية القطاعات لارتباطها معًا.
الخسائر: يحتاج إلى كلفة مالية مرتفعة. ومن الممكن أن تواجه السلطة والحكومة الفلسطينية معيقات تتعلق بتجنيد الأموال لأغراض تطبيق البديل، في ظل معاقبة أطراف دولية عديدة لها نتيجة مواقفها الوطنية الأخيرة.

البديل الثالث: إنهاء حالة الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية، على طريق الرزمة الشاملة، وضمن إستراتيجية شراكة وطنية حقيقية، تقود إلى حكومة مركزية قادرة على معالجة أزمات القطاع.
نتج عن استمرار الانقسام وتداعياته معضلات خطيرة، سواء على الحياة اليومية، أو على الصعيد الوطني العام. وانعكست تلك الحالة سلبًا على صعيد اقتصاد القطاع، الذي يعاني اليوم فصلًا جديدًا من فصول الانهيار في ظل إدخال حقوق المواطنين الأساسية أتون التجاذب السياسي، من بينها الإجراءات الحكومية.
ولغايات الخروج من المأزق، يتطلب هذا البديل خلق حالة تفاهم وشراكة وطنية حقيقة تجمع كل ألوان الطيف الفلسطيني، ويتفاعل في إطارها الجميع على قاعدة تبادل الأدوار وتكاملها، وصولًا إلى إنهاء الانقسام – أب كل المشكلات - وتعزيز الوحدة الوطنية بين الضفة والقطاع، وتذويب جذوره، من خلال تعميق الشراكة الوطنية على أساس القواسم المشتركة، وبما يقود إلى عملية إصلاح النظام السياسي الفلسطيني.
في هذا السياق، يمكن الاستفادة من مضامين المبادرات المطروحة، وفي مقدمتها مبادرة "إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية" التي طرحها مركز مسارات في تموز 2018[31]، من خلال:
تحديد مفاهيم ومضامين المصالحة وإشراك القطاعات الشعبية في لجانها.
دمج حركة حماس والمعارضة في النظام السياسي الفلسطيني، لا سيما أنها أبدت تقاربًا مع السلطة فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وإنهاء سياسة الإقصاء والهيمنة وفرض الشروط المسبقة.
التوقف عن تعميق الانقسام من خلال التصريحات والأفعال وردود الفعل، بما يهيئ لمناخ صحي تتولد فيه بذور المصالحة، من بينها إلغاء الإجراءات الحكومية ضد قطاع غزة، وسماح حركة حماس للحكومة بالعمل بمساحة أكبر في القطاع، بما يمهد لبناء جسور الثقة.
إعادة الاعتبار للضغط الشعبي على الطرفين، عبر فعاليات ومبادرات ضاغطة.
العمل بنظام الرزمة الشاملة، وتنفيذ الطرفين لالتزاماتهما بالتوازي وبجدول زمني متفق عليه، تحت إشراف ورقابة شعبية ومن شخصيات وطنية مشهود لها، وصولًا إلى إنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة والشراكة الوطنية والانتخابات وتفعيل منظمة التحرير.
إن الوصول إلى ذلك سيحمل الكثير من المكاسب للشعب الفلسطيني، وسيزيد من فعالية مناعته في مواجهة الاحتلال المتغطرس. كما يشكل حاضنة لخلق الحلول للأزمات المتفاقمة، ومن بينها إنقاذ اقتصاد القطاع من لحظة الانهيار الوشيك.
محاكمة البديل الثالث
المقبولية: يحظى بمقبولية شعبية وفصائلية مرتفعة جدًا.
الإمكانية: البديل قابل للتطبيق، لكنه مرهون بمدى قناعة الأطراف بالوحدة والشراكة وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس عصرية ديمقراطية.
المنفعة: يحقق هذا البديل منفعة عالية على الصعيدين الوطني والمطلبي، ويقود إلى وقف نزيف الكرامة بفعل الأزمات المستفحلة في قطاع غزة، ويعيد للمواطنين الشعور بالانتماء والمواطنة، كما من شأنه معالجة الأزمات جذريًا.
الخسائر: يحتاج إلى إرادة سياسية وطنية حقيقية عند طرفي الانقسام. كما أن دولة الاحتلال وأطراف دولية وعربية ستضغط لعدم تحقق هذا البديل تحقيقًا لمصالحها وأجنداتها.
المفاضلة بين البدائل
قدمت الورقة مجموعة من البدائل المتكاملة، التي من شأنها تحقيق الهدف العام: مواجهة حدة الإشكاليات الاقتصادية الناجمة عن إجراءات حكومة الوفاق الوطني ضد قطاع غزة، وعلى الرغم من تكامل البدائل الثلاثة المطروحة، وأهمية تنفيذها بشكل متوازٍ بما يُسرع من خطوات التعافي ووقف الانهيار، إلا أنه في سياق المفاضلة بينها على أساس تحقيق البديل الأكثر واقعية والأقرب للتطبيق وفقًا للمشهد السياسي الحالي، يعد البديل الأول الأكثر إلحاحية في الوقت الراهن، لما يمثله في خطوة إسعافية لا تتطلب سوى قرار يلغي سابقه، ما سيؤدي إلى وقف سرعة وعوامل الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والنفسي في القطاع.
ولغايات زيادة فاعلية تطبيق البديل الأول، تقترح الورقة البدء بتنفيذ البديلين الثالث والثاني، لارتباطهما بشكل أو بآخر، نظرًا لأنه ما لم يطبق البديل الثاني لن نكون أمام حل إستراتيجي يزيل الأزمة من جذورها، ويعالج تداعياتها، ويحد من تكرارها مستقبلًا. وستكون فرص تطبيق البديل الثاني أقل بكثير في حال استمرار سياسة عدم تحييد حقوق المواطنين، لهذا فإن الزخم الشعبي الرافض للانقسام والإجراءات مطلوب أن يتعالى في شطري الوطن، وبما يضمن تحقق البدائل.

بيان صحفي

التعليـــقات