رامي مهداوي
لم أكن أتوقع بأن هناك مدرسة فلسطينية بهذا الواقع الأليم المحزن، هل هو فصل بمدرسة أم زنزانة بسجن؟! هل هذا الحيز المكاني صالح للاستخدام البشري؟! خرجت سريعاً من هذا المكان محاولاً التنفس لأجد أمامي علم فلسطين يرفرف في سماء الخان الأحمر وزهرة فلسطينية مبتسمة قالت لي “بدهم يوخدو مدرستنا ويرحلونا من المنطقة.. مين راح يدرس فيها؟!” لم أستطع الإجابة واكتفيت باحتضانها وتقبيل جبينها.
في طريق العودة الى رام الله مشاهدات لعدد من البؤر الاستيطانية جعلتني أسأل ذاتي عن مفهوم “التنمية” في سياق المقاومة أولاً، والتسهيلات التي نقدمها للإملاءات والضغوط الخارجية للقيام بعملية التنمية ضمن رؤيتهم لا رؤيتنا ثانياً. أنا مؤمن بأنه لا يوجد تنمية مستدامة ما لم يمسك الشعب قيادة الفعل التنموي عبر الفعل الجماعي والاعتماد على الموارد الذاتية والطاقات الشبابية الفلسطينية.
جميعنا يشاهد المستوطنين على الطرقات في حالة عمل جماعي من حيث سرقة الأرض وتكوين مجتمعاتهم الاستعمارية بالأخص في مناطق “ج” تحت مظلة داعمة وحامية متمثلة في حكومة وجيش احتلالي، وآخر مشهد للمستوطنين على طريق نابلس يبيعون التين لهو خير دليل على ما أقول.
الى متى حالة الانتظار والمشاهدة الصامتة لما يقوم به الآخر بعمل ممنهج ونحن مازلنا نتمسك بالقيود السياسية والاقتصادية التي كبلتنا بها اتفاقية أوسلو وتوابعها، قد آن الأوان لإعادة صياغة واقعنا التنموي وذلك بقلب الطاولة حسب مقتضيات المصلحة التنموية الفلسطينية، وأن يتحمل المجتمع الدولي مسؤوليته.
الخان الأحمر جعلني أكثر إيماناً بتبني التنمية المستدامة المستندة على المقاومة من خلال إعادة تشكيل الأولويات الماضية، وتحديد الأهداف وذلك حسب المتطلبات المحلية لكل المناطق المهمشة وبالأخص فيما عرف بمناطق “ج” مع رفض المساعدات الإنسانية من الممولين لهذه المناطق؛ لأن ما هو مطلوب ليس مساعدات وإنما نحن بحاجة الى تمكين المواطن الفلسطيني في جميع الجوانب من أجل التجذر بالأرض.
ذلك بحاجة الى مشاركة جميع قطاعات المجتمع وليس فقط الحكومة الفلسطينية، على الجميع أن يعمل ويُشمر عن ذراعه ويبدأ بتوجيه خططه لما له مصلحة انعتاقية من الاحتلال، وأول هذه الخطوات يبدأ في الفعل الفردي لكل شخص منّا وذلك بمحاربة الشعور بالعجز والتهميش والاغتراب. بالتأكيد على السلطة الفلسطينية الدور الأكبر في هذا الفعل التنموي ضمن محورين، الأول: تحديد طبيعة التدخل الخارجي، الثاني: الرقابة الفلسطينية على مصادر الدعم.
أخيراً.. الكل يعلم بأنه في جميع المدن الفلسطينية هناك مواجهة تنموية ضد الاحتلال من حيث الحيز المكاني الذي يسعى الى قتل الإنسان بالتضييق عليه واقتلاعه من أرضه، لهذا على “الكل” الفلسطيني عدم التعاطي مع الموضوع بشكل مجزأ ومنفرد وكأن ما يحدث في الخان الأحمر يحدث لأول مرة في فلسطين! ليولد السؤال الرئيسي هنا: هل نحن كشعب فلسطيني نمتلك الجاهزية والإرادة للفعل التنموي المقاوم!؟ أم تكتفي بالشعارات والخطابات والتصريحات الخاوية؟!
©مدار نيوز