رئيس التحرير: طلعت علوي

أزمة أسواق المال .. والانتقال إلى الاقتصاد الحقيقي

الخميس | 19/07/2018 - 09:58 صباحاً
أزمة أسواق المال .. والانتقال إلى الاقتصاد الحقيقي

ألبرتو مانكوني

يكمن الجانب الأكثر إثارة للاهتمام خلال الأزمة العالمية الأخيرة في كيفية امتداد انعكاساتها، خاصة أنها بدأت في القطاع المالي لتصل تداعياتها لاحقا إلى الاقتصاد. بعد أن تسببت في حدوث انهيار مالي واقتصادي على الصعيد العالمي.

في نظرة تحليلية إلى ما جرى، يفضل النظر إلى بداية الأزمة العالمية على أنها صدمة سيولة حدثت في قطاع معين في الأسواق، وتحديدا الأوراق المالية المدعومة بأصول، وأنه: "في آب (أغسطس) من عام 2008، وبشكل مفاجئ أدرك الجميع حقيقة أن لا أحد يعرف كيفية تسعير هذه الأوراق، ولهذا السبب، كانت قلة فقط من المستثمرين على استعداد لتداولها".

وفي بحث تحت عنوان "دور الاستثمار المؤسسي في بداية الأزمة العالمية عامي 2007 - 2008" خلص إلى كيفية انتقال الأزمة من قطاع محدد إلى باقي القطاعات المكونة للاقتصاد العام. وقد أسهم في البحث كل من ماسيمو ماسا، أستاذ المحاسبة لدى "إنسياد"، وأيوكو ياسودا، الأستاذ المساعد في الإدارة من كلية يو سي دايفس للإدارة.

وتستعرض أطروحة الدكتوراه دور الاستثمار المؤسسي في الأسواق وتأثيره في سياسة الشركات، حيث تم التعمق في بحث دور المؤسسات الاستثمارية في أسوق السندات العالمية، خاصة دور شركات التأمين وصناديق الاستثمار، ومساهمتها في بداية اضطراب الأسواق، وتمت تسمية هذه الفئة من المستثمرين "الثملين" أو Intoxicated investors؛ أي أولئك الذين يستثمرون في سوق معينة أو قطاع محدد فقط؛ لأن الجميع يستثمر فيها، وهو ما بات يعرف بـ"سلوك القطيع". وقد تضمنت المحافظ الاستثمارية لهذه الفئة من المستثمرين، شريحة كبيرة من الأوراق المالية المدعومة بأصول، بما في ذلك التزامات الدين المضمونة CDO، إضافة إلى التزامات القرض.

شكل قطاع السندات المؤسسية القناة الرئيسة لانتقال تداعيات الأزمة من الأسواق المالية إلى باقي قطاعات الاقتصاد الحقيقي المضمونة CLO، والتزامات الرهن العقاري المضمونة CMO، حتى إن نسبة انكشافهم على هذه الأدوات المالية قد فاقت معدلات انكشاف المصارف، ويرى مانكوني أن هذه المعطيات تؤكد أن دراسة الدوافع والأسباب وراء قرار المستثمرين اتباع مثل تلك السياسات الاستثمارية قبيل الأزمة العالمية حين حددوا خياراتهم للشراء، إضافة إلى موقفهم خلال الأزمة العالمية تجاه وجوب التخلص من أدوات الدين التي يحتفظون بها وتجاه الطرق الأفضل لبيعها، ستسلط الضوء على أسباب وتأثيرات أزمة الائتمان التي يعيشها العالم.

ويبقى السؤال المحوري في كيفية انفلات الأزمة خارج نطاق القطاع المالي، ووصول آثارها إلى الاقتصاد الحقيقي. وهنا يقترح البحث الذي قام به مانكوني وزملاؤه آلية معينة لانتشار الأزمة: "لنفترض أولا أن مستثمرا مؤسسيا كصندوق استثمار مشترك - على سبيل المثال - ضم في قسم من محفظته الاستثمارية منتجات استثمارية مهيكلة على غرار أوراق مالية مدعومة برهونات عقارية، وفي الوقت نفسه تضمن القسم الآخر من المحفظة سندات مؤسسية".

وتشكل السندات مصدرا مهما لتمويل الشركات، وتمثل ما يقارب نصف الديون المستحقة على الشركات في الولايات المتحدة، وعادة ما تستعمل الشركات الأموال التي يتم جمعها، من خلال إصدار السندات في بناء مصانع جديدة، وتوسيع عملياتها، وتنفيذ مزيد من الخطط التطويرية والتوسعية، وعندما انتقلت الأزمة داخل القطاع المالي من سوق الأوراق المالية المدعومة برهون عقارية إلى سوق السندات المؤسسية، انعكس ذلك سلبا على قدرة الشركات على تمويل عملياتها، الأمر الذي أثر في الاقتصاد؛ أي أن سوق السندات المؤسسية شكلت القناة الرئيسة لوصول تداعيات الأزمة إلى الاقتصاد الحقيقي.

وتفترض الدراسة البحثية أن الأزمة قد انتقلت إلى سوق السندات المؤسسية ومن ثم إلى الاقتصاد العام، وفقا للسيناريو التالي:
بعد بداية الأزمة، بدأت المؤسسات والشركات الاستثمارية تواجه مشكلات في السيولة أكثر فأكثر، ومنها - على سبيل المثال - الصناديق الاستثمارية المضطرة إلى تسديد مستحقات مساهميها؛ أي بات يجب تسييل أجزاء من محافظها، لكنها لم تستطع بيع أوراقها المالية المدعومة بأصول؛ نظرا لشح السيولة في الأسواق، لذا اتجهت تلك المؤسسات إلى الأصول الأسهل تسييلا، وهي السندات المؤسسية.

وإثر قيام كثير من الصناديق والمؤسسات المستثمرة في أسواق السندات بتسييل السندات المؤسسية التي تشكل جزءا مهما من محافظها الاستثمارية، شهدت الأسواق زيادة في حجم عروض بيع السندات، ما أدى إلى هبوط الأسعار. وقد أسهم ذلك في ارتفاع تكلفة التمويل أمام الشركات الباحثة عن تمويل لعملياتها، من خلال إصدار سندات مؤسسية، ما أحدث شللا في قدراتها المالية، وبالتالي انتقلت الأزمة إلى باقي قطاعات الاقتصاد الحقيقي.

ويشير مانكوني إلى أن البحث قد ركز على قطاع السندات المؤسسية، ولم يتناول قنوات التمويل الأخرى المتاحة أمام الشركات، كأسواق الأسهم والقروض المصرفية، التي قد تقدم شرحا إضافيا حول كيفية انتشار رقعة الأزمة. وفي حال صحة الفرضية التي يقدمها البحث، قد يوفر ذلك عدة خيارات لاحتواء أي أزمة مالية في المستقبل.

وقد "أظهرت نتائج البحث أن الاستثمار المؤسسي، الذي يستثمر على المدى القصير، كوّن القناة الرئيسة لانتقال تداعيات الأزمة، فهذا النوع من المؤسسات هو الذي واجه مشكلات سيولة عاجلة، أما المستثمرون على المدى الطويل فكان بإمكانهم الانتظار لحين استقرار الأسواق".
وتشير هذه المعطيات إلى ضرورة اتخاذ سياسات وإجراءات تنظيمية، تؤثر في زيادة مدى الاستثمار المؤسسي، بما من شأنه الحد أو حتى منع انتقال الصدمات المالية إلى أسواق السندات المؤسسية.

©جريدة العرب الاقتصادية الدولية

التعليـــقات